منذ ولادة اللقاء وأنت تستميت شوقًا لتلكم الساعة التي تجمعني بك،
فلا زالت أوراق رسائلك لم يَجِفَّ عبقُ حبرها بعد، وذاك الحنين لا يزال يبقرُ صدرَ الكبرياء،
غير أنك تُغالِب حقيقتك بادّعاء الثبات والاكتفاء، كأنما تحسب أن الصمت حارس،
وأن التجلّد طوقُ نجاة، وأن الحنين أعمى لا يُدرك ما تُخفيه العيون.
ولا يزال أثرُ أقدام حضورك في المكان الذي لم تَمْحُه رياحُ الابتعاد،
فالأماكن — وإن خلت — تبقى تحفظ هيبة المارين، وتستبقي في صُلب جدرانها صدى العابرين.
أتظنّ أن كتمانك حَرَّ الاشتياق يعفيك من وجوب الانقياد لأمر الاحتياج؟!
ذاك الكتمان الذي ترفعه درعًا، وهو في الحقيقة سهمٌ يرتدّ إلى صدرك،
وستارٌ تتوهم أنه يحجب أنفاسك المضطربة، وهو يشي بكل ما تحاول مواراته؛
فالكتمان إذا طال نطق،
والمشاعر إذا وُئِدت شَهِقت،
والكبرياء إذا ثَقُل انكسَر،
وكل ادّعاء لا بد أن تنهكه الحقيقة مهما اشتدّت صلابته.
أم تظنّ بأن ما في الكون رهنُ أصابع يمناك،
تُحرّكه كيف تشاء، وتُسيّره حيث تشتهي، وتُخضِع مساراته لغرور اللحظة؟!
عليك أن تستفيق من أوهامك؛ فقد أحرقت ادّعاءاتُك شمسُ الحقيقة،
ومن تظنّه سيرفع راية الاستسلام في الختام،
سيُولّي ظهره دون أن يبادلك السلام،
فالقلب إذا أُجهِد انصرف،
وإذا انصرف لن تعيده كثرة الكلام ولا مواثيق الندم.
