-
-
-
لو كُشفتْ لنا الأقدار ، ما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا ، لكَ الحمدُ يا الله على ما قدرته.
-
-
-
-
خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه الكرام رضي الله عنهم إلى تبوك ، وأمرَ من استطاعَ من أصحابه أن يخرج ، وألا يتخلَّف أحدٌ إلا ضِعافُ الناس ، ومن يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُكث لحاجةِ الناس. وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الفيافي والقِفار مع أصحابِه الكرام ، في حرٍّ شديدٍ ، وجهدٍ جهيدٍ ، حتى بلغوا تبوك ، وبينما هو صلى الله عليه وسلم جالس بين أصحابِه افتقد كعب بن مالك ولمْ يرَه ، فقال: ما فعلَ كعبٌ ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله ! حبسه ُبَردُاه ، ونظرُه في عِطْفه. يعني: منعَه من الخروجِ إعجابُه بنفسِه ولباسِه. فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئسَ ما قلتَ ، والله يا رسول الله ما علِمنا عليه إلا خيرًا (صحيح البخاري: [4418]، وصحيح مسلم: [2769]).
معاذٌ رضي الله عنه يعلمَ: من هو كعبُ بن مالك ؟ إنه أحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبةِ ، وشاعرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وله تاريخٌ مشرِقٌ ، ويعلمُ معاذٌ رضي الله عنه أنَّه من الواجب أن يكون كعبٌ رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف ، فلماذا تخلَّفَ كعب ؟ ما علِمنا عليه إلا خيرًا ، لعلَّ له عذرٌ ، وكما يقولون: الغائب معه حجَّتُه.
وقد ذكر ابن بطال عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من علِمَ من أخيه مروءةً جميلةً فلا يسمعنَّ فيه مقالاتِ الرِّجالِ". وذكر ابن عبد البر في الاستذكار عن سعيد بن المسيَّب رحمه الله قال: "كتب إليَّ بعض إخوانِي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعْ أمرَ أخيك على أحسَنِه ، ما لم يأتِك ما يغلِبُك".
إذا ما بدَتْ من صاحب لك زلةً *** فكُنْ أنت محتالًا لزلَّته عذرا
أتصلْ بصديقٍ لي مرارًا فلا يجيبُ ، ثم اتَّصلُ في يومٍ آخر فلا يردُ، أرسل له رسالةً ، لا جواب ، فأقول: لعلَّ له عذرٌ ، فأحسن الظن ، وأريح نفسي.
في الذكر الحكيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، قد يكونُ هذا الغائبُ مخطئًا ، وقد يكون له عذرٌ ، فالتمس له عذرًا ، وإياك وسوء الظنِّ به.
-
-
-