لماذا نزهد الأشياء عندما نحصل عليها؟
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ،،
لماذا نزهد الأشياء عندما نحصل عليها؟
عبد الله المغلوث
قبل فترة اشتريت قلما، كنت سعيدا به ومازلت، لكن لاحظت فور أن اقتنيت هذا القلم أن الجميع يملكون نفسه تماما، أصبحت لا أحدق في وجوه الناس، بل في جيوبهم الأمامية، استغربت كيف أصبح هذا القلم شائعا ومنتشرا بهذه الكثافة. بعدها بفترة قصيرة تلقيت ساعة هدية من والدتي، حفظها الرحمن، وفور أن وضعتها على معصمي أضحيت أراها في أيادي الجميع، اندهشت من سر فرادتها قبل امتلاكي لها وانتشارها الواسع بعد حصولي عليها، وحاولت أن أجد تحليلا علميا لهذه الظاهرة فاكتشفت أن هناك ظاهرة علمية اسمها "بادر مينهوف":The Baader-Meinhof وتشير هذه الظاهرة إلى أن عقل الإنسان يبدأ تلقائيا في التركيز والانتباه إلى الأشياء التي تهتم بها أو اقتنيتها حديثا فيلقي الضوء عليها أكثر من غيرها؛ إذ يعمل العقل كجرس المنبه حينما تحصل على شيء جديد، يرن في رأسك فور أن يلحظ وجوده في الجوار، يوقظ كل جوارحك ومشاعرك ويصوبها نحو هذا الشيء تحديدا فتراه مرارا وتكرارا بتبذير، تراه بعدسة مكبرة، كبيرا وهائلا. معظمنا اجتاحته هذه الظاهرة مرة أو مرتين أو أكثر. لا تسبب للكثيرين أذى وأسى، كل ما في الأمر أننا نلحظ أن ما نملكه يملكه الكثيرون غيرنا بوفرة، ولا تشكل لنا مشكلة أو أزمة، لكن تتفاقم وتضر بعضنا؛ إذ يزهدون فيما امتلكوا حديثا بسبب تكراره، فلا يفرحون بما يقتنون، وتصل أحيانا إلى كرههم لأشيائهم التي كانوا إلى وقت قريب يلهثون في سبيل الحصول عليها فيتجهون إلى أشياء جديدة، فيشترونها وتصفعهم هذه الظاهرة من جديد حتى تجعلهم يمقتونها ويندموا على اقتنائها. إن هذه الظاهرة توضح لنا أن شعورنا بالسعادة تجاه امتلاك الأشياء لحظي وقصير وقد يتأثر بأوهام يؤججها عقلنا الباطن، فمهما نلنا من مقتنيات ونجاحات قد نزهدها عاجلا أم آجلا. علينا أن نردع أي أصوات تفسد فرحتنا بأغراضنا وانتصاراتنا، نقمع أي فكرة تقلل من أي شيء حصلنا عليه لأننا إذا سمحنا لها مرة واحدة بالسيطرة علينا ستتحكم بنا مرات عديدة. نحن من يصنع للأشياء قيمة وليست هي من تصنعنا. ينبغي أن نمتن لما نملك لنحصل على مزيد لا أن نسخط ونزهد منها لنشقى ونتألم. يقول الله عز وجل: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ". فكلما شكرنا نلنا وسعدنا أكثر، وكلما سئمنا منها ازددنا تعاسة وضيقا.. فماذا تختار؟
