بقلمي المتواضع (( الورقة الأخيرة))
مها تلك الفتاة المليئة بالحيوية وحبها للحياة والتفائل كانت تملأ البيت فرحا وضحكا بعالمها الطفولي الجميل كانت تهوى رسم شخصيات الكرتون وتبدع في ذلك بمجرد ان ترى تلك الشخصية من اول مرة كانت ترسمها
تعرفت على فاطمة لم تكن اقل عنها فقد كانت فاطمة تبدع في رسم كاركتير أصبحتا ثنائي جميل كانتا تبدعا معنا وتشتركان معنا في كل مسابقة ولقد فازتا بعرض لإحدى المجلاتالأطفال بأن يقدما قصصاً مرسومه كل اسبوع قصة فرحتا بذلك العرض وقدما ما لديهما من موهبة للعالم الخارجي .
لكن مرض مها حطم عزيمة فاطمة التي ظلت لوحدها تقاوم لتثبت ان مها ما زالت تبدع حاولت ان تسد مكان صديقتها وان لا تضعف اما مها فلقد سيطر المرض عليها ووهن جسمها ولم يبقى لوالديها اي شي لعلاجها فعلا كل المستحيل لتعيش تلك الفتاة التي كانت تملأ زوايا ذلك البيت فرحا وضحكا ولكن ارادة الله فوق كل شي كان المرض يخطف مها يوما بعد يوم .
كانت المعتقدات لدى الناس في تلك القرية بان حياتهم معلقة في تلك الشجرة التي كانت موجوده خلف شباك غرفتها وانها عندما تتساقط أوراقها هذا يعني بأن مريض في ذلك البيت سوف يموت مع تساقط آخر ورقة في الشجرة ظلت مها تنظر لتلك الشجرة التي كانت تحبها لأنها تظلل مساحة كبيرة من المنزل ولكنها هذه المرة كانت تحزن كلما رأتها لان أوراقها بدأت تتساقط واحدة تلو أخرى نامت مها تلك الليلة نومه متعبه جداً لقد احست بأن قلبها سوف يتوقف ولكنها اغمضت عيناها لتصحى صباح اليوم التالي لترى الورقة الآخيرة في الشجرة هالها ما رأت وبكت كثيرا دخلت عندها فاطمة وارتمت في حضنها فجعت عندما رأت صديقتها بتلك الحالة المفجعة قالت لها ما بك يا مها قالت مها انظري لتلك الشجرة لم تبقى إلا الورقة الأخيرة سوف أرحل عنك يا صديقتي المخلصة بكت فاطمة وقالت لا تقولي هذا الكلام سوف تعيشي معي وسنحقق أحلامنا وامانينا معا هل نسيتي نحن لم نحقق أحلامنا التي خططنا لها بكت مها بحرقة لن يسعفني الوقت يارفيقتي الرائعة فأنا حتماً سأموت قريباً
خرجت فاطمة والدموع تملأ وجهها كانت حزينة ولا تعلم ما تفعل لصديقتها التي تراها تذبل أمامها ولا تستطيع فعل شي في طريقها رأت العم يوسف ذلك الرجل الذي كان يرسم منذ خمسين عاماً ولكنه حبيس منزله كان لا يخرج إلا لضرورة فقط ولكنه كان يساعد فاطمة ومها ويقدم لهما النصح والإرشاد لتنمية موهبتهما كانت فاطمة تمر عليه بين حين وآخر وتعرض عليه ما يرسما كان كريماً معها ويحبهما كان يرى فيهن موهبته التي ظلت موضوع جدل في تلك القرية التي لم يكن محبوباً من الجميع كانوا ينعتونه بالمتكبر والمغرور كان يشاع عنه بأن سوف يرسم اللوحة التي سوف تخلد ذكراه في القرية عندما رأى فاطمة بتلك الحالة المحزنه رق قلبه وسألها كيف مها قالت له لقد سقطت جميع أوراق تلك الشجرة ولم تبقى إلا الورقة الآخيرة مها تلفظ أنفاسها الأخيرة وبكت فاطمة كثيراً وذهب العم يوسف وترك فاطمة بحزنها لم يستطع أن يقدم لها شيء .
بعد أيام تناقلت وسائل الإعلام بأن عاصفة شديدة قادمة لتلك القرية وأنها سوف تكون مدمرة وحذرت الجميع من الخروج من المنازل كانت مها متعبه جدا وأمها وأبوها يقفان عند رأسها اذا سوف أموت غداً لم تصمد هذه الورقة ابداً وبكت احتضنتها أمها وبكت بكاءً شديداً أخذت دواءها ونامت مها نومه مودع هذه الحياة .
وفي مساء تلك الليلة هبت عاصفة مصحوبة بأمطار قوية جداً اقتلعت كل الأشجار والانارة وكل ما في طريقها ولكن مها لم تحس ابدا بكل هذا مرت ليلة عصيبة على والديها كانا يتهيأ للوداع الأخير لفرحة البيت مها في صباح اليوم التالي أشرقت الشمس كانت خيوطها تداعب عيناي مها فتحت عيناها ورأت الحياة بشروق شمسها وأن الورقة الأخيرة لا زالت موجوده دبت الحياة في قلبها وابتسمت مها وأخذت تنادي أمي أبي أنا لم أمت أنا حية حضنتها أمها كثيراً وفرحت فرحاً كثيراً قالت مها أمي الورقة لم تسقط لذلك سوف أعيش .
كانت فاطمة قادمة إلى مها لأنها لم تنم تلك الليلة العصبية على الجميع كانت ترى وجه مها وهي تودع أنفاسها الأخيرة وفي طريقها رأت الدكتور أحمد يخرج من بيت العم يوسف قالت له هل مها ماتت وأخذت تبكي بكاءً شديداً قال لها هوني على نفسك أن العم يوسف هو من يودع الحياة أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ذهلت فاطمة بما سمعت ودقت باب منزله فتح الخادم الباب وقال لها أنه لم يصمد كثيراً وبكى وبكت فاطمة رأته في سرير وكأنه قطعه قماش خرجت والحزن يملأ قلبها ولكنها ما أن طرقت باب صديقتها إلا وسمعت صوت ضحكتها فرحت كثيراً وحضنت صديقتها قالت مها أنا بخير يافاطمة أنا بخير انظري لتلك الورقة لم تسقط فرحت فاطمة لأنها رأت صديقتها تستعيد عافيتها رويدا رويدا لكنها تذكرت العم يوسف قالت فاطمة مها أن العم يوسف يموت ! قالت مها ماذا ألم به ! قالت فاطمة لا أعلم أنه مريض بالربو منذ سنوات ربما كان سبب .
وبعد أسبوع من وفاة العم يوسف طرق باب منزل فاطمة خادم العم يوسف يحمل رسالة لفاطمة أخذتها وعلامة الاستغراب تملأ وجهها قرأتها وشهقت وبكت بحرقة كتب فيها أبنتي فاطمة أرجو أن تقرأي هذه الرسالة ومها تستعيد كامل عافيتها لقد رسمت لوحتي الأخيرة التي كنت أحلم بها أنها الورقة الأخيرة التي صمدت أمام تلك العاصفة الهوجاء لقد رسمتها بكل ما أتيت من خبرة تلك السنين التي قضيتها من عمري لتعيش مها لقد لاحظت عليها أن مرضها كان بسبب نظرتها السوداوية وأفكارها التي ترسخت في ذهنها بفعل تلك الشجرة وتساقط أوراقها أحبتت أن تفتح عيناها وترى أن تلك الورقة لا زالت موجوده لترى الحياة بروحها الجميلة التي كانت عليها قبل مرضها لقد قضيت تلك الليلة في المطر والعاصفة لإثبت تلك الورقة رغم علمي بأن صحتي لم تكن على مايرام وإني معرض لنزلة ربو قوية جداً ومع ذلك خرجت لأجل أن تعيش مها لأحقق حلمي الآخير . ومها تستعيد عافيتها وصحتها من جديد واصلا أبداعكما وأستمرا في الرسم … المخلص العم يوسف مثلما تحبان أن تنادياني به .
ذهلت فاطمة وبكت كثيراً وذهبت إلى مها مسرعة لتخبرها بتلك الرسالة ولكنها قبل أن تذهب إليها ذهبت لشجرة لترى تلك الورقة الأخيرة التي خلدت أسم العم يوسف في تلك القرية وشاع بين الناس ما فعله من أجل مها ومن أجل كل مريض في القرية بان وهم تساقط الأوراق وربطه بعمر أي مريض بالقرية ليس صحيح هنا خلد ذكرى العم يوسف مثلما أراد ذلك حزنت مها لموت العم يوسف ولكنها فرحت كثيراً لأنه كان سبب في رجوع بهجتها وفرحتها وحبها للحياة .
