خاص لـ أثير – المكرم د. اسماعيل الأغبري
هل يوم الثالث والعشرين من يوليو هو يوم النهضة أو يوم الانتفاضة أو يوم الثورة البيضاء أو يوم البناء
عموما هو رسميا يوم النهضة العمانية المباركة وهو أمنية رقب الناس طلعتها لأنه يمثل فجرا جديدا أطل على عمان وهو الصبح إذا تنفس وهو الشمس إذا طلعت فأرسلت ضياءها خيوطا ذهبية تنتشر في أرجاء البلاد
الناس أو الشعب أو المواطنون أو الأمة العمانية كانت تترقب طلعت قيادة عمانية وزعامة وطنية تنهي ما وقع في البلاد من سوء الأحوال الأمنية والاقتصادية والصحية،والتعليمية
قابوس بن سعيد بن تيمور شاب أخذ حظا من علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية والفقه والتاريخ العماني على يد بعض فقهاء عمان وهو بذلك ليس بعيدا عن بيئته ولا منفصلا عن هويته وثقافته ولا غير ملامس للعادات والتقاليد والقيم والمثل العمانية
لم يكتف قابوس بن سعيد بأخذ،حظ،من العلوم الشريعية بل تطلع إلى علوم أخرى عصرية المزج بين الأصالة والمعاصرة وبين التراث والحداثة فدرس في كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا
شاب يؤمن بضرورة الجمع بين الأمرين ولزوم الانفتاح لكن بضوابط لا تخل بالأصل والأصالة شاب يؤمن بأن عمان ليست تلك التي دخلت عالم المجهول بسبب ما صارت إليه أحوالها خلال عقود سبقت ولايته أمر عمان
قابوس بن سعيد كان بمثابة المخلص لعمان من تيه الفرقة والتشرم والمنقذ لها من مستنقع الاحتراب الداخلي
يوم الثالث والعشرين من يوليو مفتاح عودة عمان إلى وضعها الطبيعي داخليا وإقليميا ودوليا
رحبت الأمة العمانية بإشراقة هذا اليوم واستبشرت بقدوم هذا الشاب وليا لأمر سلطنة عمان
اعتادت الزعامات قبل تولي أمر البلدان أن تسوق لنفسها بعظيم الدعاية وكثرة العروض التسويقية من الوعود والأماني وتتعمد الشخصيات تمهيدا لتولي الزعامة فعليا كثرة الظهور الإعلامي والتصريحات التي تدغدغ العواطف لكن قابوس بن سعيد لم يعمد إلى ذلك البتة ورغم أن جلالة السلطان قابوس بن سعيد صار ولي أمر عمان في يوليو إلا أنه أيضا ليس مولعا بالظهور وإجراء المقابلات والتهافت على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة
لا يميل جلالته إلى خطابات مطولة بالساعات ولا الإكثار منها بل يأتي بالقدر القليل المفيد منها يعد ثم يتبع الوعد تنفيذ وعد بالأمن فتمكن من سيادته في ربوع السلطنة ووعد بالتعليم فتمكن من تحقيقه ووعد بالعفو عمن زل وأخطا ففعل مع القدرة على العقاب لو أراد ووعد بتحسين الظروف الاقتصادية فتحقق الوعد ودعا من هاجر من أهل عمان للعودة فعاد القسم الأكبر
تحددت هوية عمان على يد الإمام الجلندى بن مسعود فجمع الله به شملا ثم بعد فترة أتت محطة أخرى وهي محطة مؤسس الدولة اليعربية الإمام ناصر بن مرشد الذي ساءه ما آل إليه وضع عمان من بعد القوة ضعفا ومن بعد الوحدة فرقة فكان الجامع للشتات
ثم للأسف افترق أهل عمان كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وانكمش دورها الريادي ووقعت في قبضة غزاة حتى قيض الله لها فارسا آخر وهو مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي فرتق ما انفتق وجمع ما تشتت وحرر ما تم احتلاله
لم يحافظ العمانيون على المنجزات ولم يستمروا على ما أرادت تلك القيادات بل كادت تضيع تلك المنجزات بسبب الاختلاف الداخلي والتدخل الخارجي وإذ باليوم الأغر الثالث والعشرين من يوليو يبزغ على أهل عمان وإذ بقابوس بن سعيد سلطانا على عمان يجمع ويقارب ويسدد ويصلح معرفيا واجتماعيا وعلميا واقتصاديا وينجز خطابا تصالحيا جامعا للأمة وقاعدة حكمه لا تثربب عليكم اليوم وعفا الله عما سلف مما كان له الأثر الفاعل الطيب في نفوس الشعب فالتفت حوله الرعية واتبعته الأمة
جلالة السلطان قابوس خيار أمة وإرادة شعب يستخدم في خطابه عبارات تعالو معا نبني عمان ثم ينسب المنجز إلى الجميع مع أنه ألباني والمحرك وهذا أسلوب القيادي الناجح الجامع للأمة
جلالة السلطان خيار أمة لأنه حقق ما تريد ولامس ما كانت به تحلم وإليه تطمح فحقق المراد
الأمة أو الشعب أو المواطن بحاجة إلى زعامة غير مستبدة ولا تعمل بقول ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ولهذا فإن جلالة السلطان لا يمارس قهرا فكريا ولا غطرسة مادية ولا حكما عسكريا ديكتاتوريا
لم يلجأ جلالة السلطان إلى خطابات رنانة فيعمد إلى طوال الخطب لكنه يقتصر على بيان الخطوات المقبلة مع إيجاز في الحديث ثم مباشرة التنفيذ
بنى دولة عمانية عصرية وكلمة عماني وعمانية يتم التركيز عليها دعما وتعميقا للمشروع الوطني العماني
بنى دولة عمانيةرحديثة لكن مع الحفاظ على الموروث العماني المادي والمعنوي وجلالته مع امتلاكه ناصية اللغتين ومنها العربية إلا أنه حريص على لغته الأم فهو يخطب بها ويلقي خطاباته بلسان عربي مبين ويحرص على استخدام مفردات العربية في الشوارع والأماكن العامة وغيرها كما يحرص على تغيير المسميات للتتوافق والطبع والذوق الرفيع
يحرص جلالة السلطان على الزي العماني ولولا جلالته لذاب هذا الزي لكنه كان المنقذ لهذا الزي العماني وغدا هذا الزي سمة من سمات العماني
جلالته يحرص كل الحرص على ارتداء العمامة البيضاء خاصة في المؤتمرات الخليجية كما يحرص على ارتداء العمامة المعتادة بالنسبة للأسرة المالكة
إن في ذلك إشارة منه أنه مع التطور لكن ليس مع التفلت ومع الجديد لكنه لن يلقي بالقديم وراء الظهر وأن عهده لم يأت إلا البناء وليس لنسيان موروث أو عادات أو أعراف عمانية أصيلة
حافظ على العربية الفصحى وهو محافظ على اللهجة المحلية وفي ذلك دعوة لكل عماني أن لا يقلد غيره ولا يستحي من أصالته ولهجته ولا يذوب في غيره لهجة وهنداما بل عليه الاعتزاز بكل عماني
تلك رغبة أمة والسلطان خيار شعب لأنه منه وإليه.
رد مع اقتباس
