من الذكريات التي لا يمكن لي أن أنساها .. أنني قد أصبت بالقلق في فترة طفولتي،، لقد كنت وكلما رأيت والدي مرتدياً بزته العسكرية ذاهباً إلى عمله أصاب بالهلع خوفاً عليه من وقوع مكروه أو حادث له، وأبقى على هذا الخوف حتى يعود!
الحقيقة، كانت الوساوس بشأن عودته سالماً تنهش جسدي كله، حتى ظننت أنني سأموت بسكته قلبية من شدة القلق!!
إذ في كل مرة يعود فيها سالماً ترتاح نفسي وتهدأ، لكن القلق سرعان ما يلبث أن يعاودني كلما حان موعد ذهابه في اليوم التالي، أعتقد أنني في ذلك الوقت استوقفت نفسي وخاطبتها لتهدأ ثم قررت أن أسيطر على مشاعري ولا أجعلها تفلت مني، لم أعد أذكر هل تعين عليَّ بذل مزيداً من الجهد لأتخلص من قلقي؟ .. كل ما أذكره -وهذا المهم- أنني نجحت في التخلص من ذلك القلق القاتل ومن ثَمَّ أستطعت العيش بسلام!

بالأمس غضبت إحدى أخواتي من شخص ما، لكن الحيلة لم تسعفها لتهدأ سوى بالإتصال بوالدي المصاب بمرضع ارتفاع ضغط الدم -لا شك أنها لم تفكر بمرضه في ذلك الحين- لكنها اتصلت لتصب في "والدي" جام غضبها وحرقتها .. كانت "عملياً" تصرخ بأعلى صوتها في الهاتف، حتى انتهت من قول كل ما عندها، ثم أغلقت الهاتف شاعرةً ببعض الإرتياح! ،على الطرف الآخر بدء القلق يساور والدي فأخذ يتصل في أفراد العائلة أملاً في حل المشكلة ..

لكم أن تتصوروا كيف كان شعور الوالد ولأي مدى تسببت مكالمة شقيقتي في ازدياد الغضب به .. لكن ما الذي أنوي قوله الآن.. في الواقع إن لدي أفكار تتعلق بتصوراتنا حول النعم، فحتى النعم ممكن أن تضرنا في وقتٍ من الأوقات، فنعمة المحبة الكبيرة لوالدي كادت أن تودي بقلبي وأنا لم أزل في بداية العمر، حتى تمكنت من السيطرة عليها وإبقاءها عند حدود لا تضر بصحتي .. أيضاً أصبحت أرى أن نعمة محبة الأبناء قد تأتي على الوالدين بكثير من مشاعر القلق والخوف بل والهلع عليهم بحيث أن هذا الولد يمكن أن يودي بصحة والده النفسية وبالتالي البدنية من كثرة ما يُحمله من عبئ همه الشخصي، لأننا نعي أن الوحيديّن الذين يهتمان بنا ويخافان علينا بشكل حقيقي هما والدينا! وهذا شيء رائع لكن لربما عدم إنجابنا للأطفال كان أمراً ليس بذلك السؤ كما قد نعتقد،، ولربما كان عدم الزواج من الأساس لبعض الناس و لأي سبب هو قدر يعمل لمصلحتهم، لأنهم حينها لن يكونوا مضطرين للقلق بشأن هذا أو ذاك من الأبناء، فعدم الإنجاب له جانب مشرق أيضاً فقد يستريح ويستمتع هؤلاء المحرومين بالحياة على هذا النمط أكثر إن استطاعوا رؤية النقمة التي في طياتها النعمة لهم .. حقاً إن النعم نسبية ككل شيء في الحياة!

بقلمي