https://up.h2adi.com/do.php?imgf=171586452030431.jpeg

قائمة المستخدمين المشار إليهم

النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: أقدام لا تمس البحر !!

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    شاعر بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية ســـعـيد مصــبـح الغــافــري
    تاريخ التسجيل
    Jul 2012
    الدولة
    ♡ جمهورية الحب ♡
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    8,574
    Mentioned
    0 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)

    أقدام لا تمس البحر !!

    أقدام لا تمس البحر !!



    ذاك الشجار الذي حدث بينهما صباح ذلك اليوم وأنهى كل شيء ما كان إلا تحصيل حاصل لثمار مُرَّةٍ من المشاكل ظلت تتساقط على أرض حياتهما ، على مدار نصف عام . نصف عام هو كل عمر علاقتهما ، من فاتحة ألف التعارف إلى خاتمة ياء الطلاق !!
    .... ففي ذلك اليوم البحري الصباح وكانا عند البحر يقضيان أول يوم لشهر العسل . صرخ بها وكأن نارا شبت فجأة في المكان ؛ صرخ مهتلع العينين وهو يلوح بيديه في الهواء عندما رآها تطأ رمل الشاطىء وتستعد للانطلاق بحماس :
    @ تراجعي . إرجعي . لا تدعي ماء البحر يلمس قدميك !!
    ظنت ما عوجق به صرخة خوف عليها من أن يجرفها البحر بأمواجه إلى داخله العميق وهي العروس القروية القادمة من بلدة صغيرة نائية ، لا تعرف بحرا ولا عوما .
    وضحكت حين سمعته يصرخ بها هكذا محذرا منبها ، وبدلا أن تهديه ( شكرا ) كما متوقع أن يكون ؛ وقفت قبالته متعلقة بعينيه لبرهة من اللحظات وقد انعكست من وجهها المبتسم كل عفويتها القروية و براءة قلبها وطفولته ..
    كان ثمة سؤال يملأ أعماقها ويبرق لامعا مثل طفلة " دلوعة " مشاكسة في عينيها الفرحتين المليئتين بالامتنان وكانت سعيدة إذ تنبض به أيما سعادة رغم سذاجته ورغم أنه سؤال عادي ويتكرر بأوضاع وظروف مختلفة بين العشاق وأهل الحب .. رغم كل هذا وذاك طرحته عليه آملة أن تجد منه جوابا يرضي غرورها ودلالها كأنثى وكعروس تقضي الآن أول يوم من أيام شهر العسل مع عريسها :
    _ أتخاف علي ؟!
    سألته وكانت على يقين أنها ستسمع منه أجمل مما تتوقع وسوف يفرحها ذلك كثيرا بلا شك وسيزيد من رومانسية وعذوبة جوهما .. لكن . وآ خيبتاه .. تحطمت كل توقعاتها الوردية أمام عتبة الجواب حين فاجأها يقول في حرد عاصف وجاف ووجهه مكفهر وقاس مثل صخرة مغبرة السحنة :
    @ دعك من هذا السؤال السخيف . أنا أتكلم عن تصرفك الخطأ .
    انكمشت ابتسامتها مخذولة على وجهها وسألته باستغراب بريء :
    _ تصرفي الخطأ ؟! أي تصرف ؟!
    أجاب بذات الدرجة من الغضب وهو يصر بأسنانه كأنه يمزق شيئا بها :
    _ أن تضع إمرأة قدمين عاريتين على رمل شاطىء وفي مكان عام ومكشوف فهذا هو الخطأ . هذا هو العيب . الحرام . الشيء الذي لا يجوز !!
    رغم سماجة وجلافة هذا الرد وتطرف معناه ظنته مزحة . دعابة ، وربما تمثيلية هزلية يحاول أن يمثلها معها .. خالج ابتسامتها ارتعاش طفيف وكأنها تعرضت لهواء ثلجي مفاجىء أو لرشة ماء باردة مباغتة لم تتهيأ لها مسبقا :
    _ أنت تمزح !!
    قالت وهي تحاول تكذيب ما تسمع فأجاب بذات النبرة الجادة وهو يثبت ملامح وجهه الصارمة والمكفهرة في وجهها ويهز رأسه بالنفي وعيناه جاحظتان يبرق منهما حزم أحمر :
    @ لا . أبدا . لا أمزح !! لا أمزح حين يتعلق الأمر بالستر !!
    الستر ؟!
    وأسقط في يدها سماع هذا التأكيد التالي الصادم والخاذل واللا متوقع منه وبالأخص الكلمة الأخيرة ذات الوقع المستفز .. كان رده ذا أشبه بحجر كبير سقط من عل فجأة وارتطم بدماغها فسحقه !!
    بقدر ما كانت كلماته فظة وغليظة بقدر ما أحست وهي تسمعها منه بجرح خفي ينبثق بدمائه في قلبها .. شعرت أنه أهانها .. ربما لم يقصد لكن أيا كانت نيته فقد فات الأوان الآن بعدما طاشت سهام كلماته من فمه وأصابت قلبها في الصميم !!
    لثوان سمرت نظرتها الذاهلة والمصدومة في وجهه المحتقن غضبا بلونه القرمزي .. لم تتوقع أنه يتكلم بجدية .. ومثل كأس أسقطته ريح عاتية ؛ شعرت بقلبها يهوي فجأة ويتحطم مزقا وله أنين متلاحق .. الألم فظيع ومعه غضب متصاعد .. ودت - لحظتها - أن تصفعه على وجهه .. لكنها كظمت غيظها وحنقها وأرخت يدها وهي تستعيد توازن روحها المترنحة وفي عينيها تحد خفي ينذر بأمر سيء سينفجر بينهما بعد قليل .
    ودونما كلمة واحدة ، وبوجه مزعوج معصوف بالخيبة والغضب وبغمامة من دمع توشحت عينيها ركضت إلى السيارة - سيارتهما - وكانت على مسافة خطوات .. فتحت بابها الأمامي بعصبية وعنف ثم قفلته عليها بنفس الدرجة من العصبية و العنف أيضا حتى أصدر إغلاقه إصطفاقة قوية وكأنه إصطدم بجسم صلب ثابت .. إنحشرت في جوف السيارة والغيظ يتأكل من ملامح وجهها المحتقن وفي قلبها ما هو أكثر من الغيظ .. تحاملت وهي تصارع رغبة جامحة للبكاء إجتاحتها .. لكن سيل الدمع هذا و الذي كان يملأ ذينك العينين كان ضاغطا وأقوى منها ومن مقاومتها فانزاح وفاض على وجهها دون أن يعيق إنجرافه شيء .. بكت بألم وحرقة وهي تستعين بالمحارم الورقية لتجفيف دمعها ولمحاولة منع هذه الحالة التي داهمتها ولم تسطع لها كبحا ولا دفعا .. مر وقت وهي تنشج برأس مطرق على صدرها الذي تبلل هو الآخر بدموعها .



    وانتبهت بعد أن هدأت أنها الآن بمفردها داخل السيارة وتبكي .. خشيت أن ينتبه لتأخرها فيتبعها ليعرف ماذا تفعل كل هذا الوقت هناك أو ماذا حل بها فتحدث بينهما مضاعفات تأزمية لا تحمد عقباها ؛ لذلك التفتت بسرعة ناظرة إليه عبر نافذة باب السيارة ؛ كان واقفا هناك دون حراك ويداه معقودتان على صدره ووجهه شطر البحر .. خيل إليها كأنه عمود خشبي طويل مغروس في الرمل ؛ فلم تر منه إلا ظهره وقامته المديدة .. كان صامتا ولا يكاد يشعر بما حوله .. أما هي فبعد عشر دقائق تقريبا مضت على بقائها داخل السيارة إنتزعت نفسها من المقعد بعدما سارعت ونفذت ما كان يدور في رأسها ، وخرجت عائدة إليه وهي تسير مندفعة مثل عاصفة هوجاء ، ولكن بامرأة أخرى ، لها وجه آخر وعين أخرى ..
    كانت هذه المرة تمشي وتضرب الأرض بقدمين إنطفأ منهما ضياء ذلك البياض الناعم الذي كانتا عليه قبل دقائق خلت .. رآها .. كانت غير التي انصرفت عنه قبل قليل .. واندهش حين أبصرها على هذا النحو المقرف والمحرج جدا وصرخ مستنكرا وقد زاغت عيناه :
    @ ما هذا الذي فعلت بقدميك ؟!
    صفعته برد مستخف تحتقن فيه مرارتها وحنقها وازدرائها أيضا :
    _ سترتهما بهذين الجوربين الأسودين .. أليسا عورة وعيبا وحراما ؟! ها إني سترت هذه الثقوب المضيئة .. أيروق لك هذا أيها المثقف المنفتح الفكر ؟!
    ولوت بوجهها وهي تعض شفتها السفلى غيظا وقهرا وألما .. صمتت ناظرة نحو الأسفل إلى حيث الخسوف الكلي الماثل لأجمل قدمين من نور .. ثم فجأة و كالمجنونة أخذت تركض بخسوف قدميها ذاك على رمل الشاطىء المشبع بالماء . تركض فحسب من غير أن يكون لذلك اشتهاء واضح أو فرح أو حماس حقيقي بالركض وجو الركض . كانت تركض حينا وحينا تترك قدميها تغوصان وتندفنان بجوربيهما الاسودين ذينك في الرمل عن عمد وقصد وقسوة وكأنها تتنفس بغيظها من خلال خطاها التي كانت تدوس بها كل كلماته وأفكاره البالية التي سئمت من سماع نغمتها ؛ العيب . العورة . الحرام . الستر . الجحيم ... ليل نهار .. ليس بينهما من حديث جميل يتنفسان من خلاله إلا هذه الأسطوانة العتيقة والخطب البلهاء التي فيها ، وكأن الإنسان شكلا لا فكر ا . ثوبا لا جوهر .. سحقا !!
    إبتل الجوربان الأسودان وتلطخا بالطين .. ولم تبالي بشكلها الذي صار الآن مزريا للغاية وباعثا للسخرية والهزء والاشمئزاز والنفور من كل شخص عابر ..
    إمرأة عارية الساقين إلى حد الركبة مرت عليها ونظرتها بذهول مستنكر وتقزز وهزت رأسها كأنها تلعن هذا اليوم الذي شاهدت فيه هذا النحس .. شاب آخر معه رفيقة جميلة ، في مثل عمره ، وضيئة الوجه ، مرا بها ونظراها وهما يرسمان على أعينهما نظرة اندهاش غير مصدقان ما يبصران من عجب ، لكنهما تابعا مشيهما على الشاطىء ، متعانقان في دفء مكشوف وهما يغمغمان بكلام غير مفهوم لكنه كان يصل إليها مخترقا أعماق روحها مثل أنصال حادة جارحة ، فتتألم ويزيد من ألمها تلك الضحكة الهازئة والمستفزة التي سمعتها من رفيقة ذلك الشاب بعد لحظات من إبتعادهما عنها .. قهقهت تلك الشابة وهي تلتفت للخلف برأسها ذو الشعر القمحي المنسدل حتى ردفها الممتلئ كأنها تلقي نظرة أخيرة مشفقة على كائن غريب بائس أتى من أزمنة غابرة وعقليات منقرضة ..
    " متخلفة "
    " مجتمع رجعي "
    كانت هاتين الكلمتين بالذات أبشع ما لطم سمع مشاعرها بهذا اليوم كله . وارتفع دم حنقها وانتصبت أمامه ووجهها يطفح بنظرة التهكم :
    _ هاه .. هل أعجبك ما ترى ؟! هل أنت سعيد ومبسوط بهذا العسل الذي نحن فيه الآن ؟!
    في إحراج وخجل شديدين أطرق برأسه عاجزا لا يدري ما يقول .. لكنه بعد ثوان ، كشر عن أنياب لومه ودفاعه قائلا :
    @ أنت السبب . أنا لم أطلب منك أن تغطي قدميك بهذه الجوارب .. و ..
    صرخت متقيأة بكل ما فيها من مرارة وحاجباها مقطبان في غضب :
    _ بل طلبت وأمرت .. ألم تصرخ بي قبل قليل : تراجعي . إرجعي . لا تدعي ماء البحر يلمس قدميك !! أليست هي هذه عقلية جوربك الأسود هذا ؟! أليست هذه هي نفسها مفرداته التي تكبلني وتقمعني وتجلدني بها داخل البيت وخارجه : الستر . العيب . الحرام . وما يجوز وما لا يجوز ؟! أليس ذا هو قانونك الذي تطبقه علي وتجلدني به حتى ونحن في السرير ؟! .. منذ ما قبل انتقالنا إلى عش الزوجية وأنت على هذه الحال معي . ليست لديك من لغة لتتقارب وتتفاهم بها معي إلا العيب والحرام والجنة والجحيم والإثم والعقاب ... إلى آخر قاموس تطرفك الأعمى ، وكأني إمرأة منحرفة طائشة آثمة يتوجب تقويمها أو رجمها في ساحة عامة .. إني ضقت ذرعا من هذا الوضع الذي حشرتني في قنينته الضيقة .. لماذا نستمر ندور في هذا العبث الفارغ ؟! عد بي فورا إلى بيت أسرتي .. حالا أريد أن أعود .. يكفي .. لقد شبعت من شهر عسلك هذا و لن أحتمل قطرة واحدة زائدة من كأس مرارته !!
    طعنته بنظرة احتقار وهي تنسحب من أمامه راجعة إلى السيارة وفي عينيها غم وندم ، وفي رأسها قرار لا رجعة فيه ..
    _ أنفذي بجلدك قبل أن يتعاظم الجحيم !!
    بقلمي / سعيد مصبح الغافري
    ______________________
    التعديل الأخير تم بواسطة صدى صوت ; 13-01-2019 الساعة 10:37 PM
    أنا الكثير كما الدموع
    أنا القليل كما الفرح

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م