صرخ الشاب في وجه الشيخ وقال نفعلا : ماذا أفعل مع أبي ؟ إنه لا يفهمني !!
يريدني نسخة منه والزمن تغير ..والحياة تطورت .. وهو يريدني أن أكون مقيد الحرية .. أسير على نفس النهج الذي نهجه هو في الحياة .. الدنيا تطورت والحياة اختلفت وهو على نفس عاداته القديمة ............
ترك الشيخ للشاب الحديث يسترسل على سجيته دون أن يقاطعه وحتى بآخر ما عنده من ضيق يختلج صدره ... سحب الشيخ ورقة أمامه ودون بها بعض الملاحظات أثناء كلام الشاب ... وكلما نظر الشيخ في عيني الشاب وجد أن هناك شلال من الكلام لا ينتهي .. ولكن لم يمر إلا وقت قليل حتى انتهى الشاب من كلامه ...
وقف الشيخ وأعطى للشاب الورقة المدون بها الملاحظات مختصرة وكانت الكلمات واضحة :
1 ـ أريد الحرية في تصرفاتي بدون رقيب أو تأنيب .
2 ـ أريد أن أختار زملائي وأصدقائي بنفسي دون تدخل منه .
3 ـ أريد السهر خارج المنزل بدون مانعة مثل كل الشباب .
4 ـ أريد تجنب نصائحه المملة ويوفرها لأخي الصغير .
5 ـ أريد منه ألا يتدخل في اختياري لأي موقع على الإنترنت .
6 ـ أريد منه ألا يعبث في هاتفي المحمول ولا يحذف الأغاني التي به وأسماء صديقاتي .
7 ـ أريد أن أساير أصدقائي في عاداتهم وأستمتع برحلات شبابية معهم .
8 ـ أريد أن أسافر للخارج ولا يمنعني .
9 ـ أريد منه ألا يبخل علي بالمال ولا يقطر ولا يسألني عن أوجه الصرف .
10 ـ أريد أن أستعمل سيارته ولا يرفض .
قرأ الشاب هذه الكلمات المختصرة وجلس يتنهد وقال : نعم هذا قليل من كثير !!!!!!
قال الشيخ :
أتريد نصيحة أم استغنيت عن كلام الكبار ؟
قال الشاب : يا شيخ إني أحبك وأريد نصيحتك .. إنني أشعر أن هناك شي خطأ ولكن عقلي مشوش ولا أستطيع التركيز فيما أريد ،
وأطلب منك أن تساعدني للتخلص من هذا التشويش !!
قال الشيخ :
هل تشك ولو للحظة واحدة أن أباك يكره لك الخير ولا يحبك ؟
قال الشاب :
لا أشك في حبه المبالغ فيه ولكن إخوتي بالطبع !
قال الشيخ :
إذن هذا هو المدخل الذي من خلاله ستتخلص من أي تشويش أو تأثير عليك يريد الوقيعة بينك وبين والدك .
الأب يا بني هو الوحيد على ظهر الكرة الأرضية الذي يريدك أن تكون أفضل وأحسن منه في المركزالعلمي والمكانة الإجتماعية ويرى ما لا تراه أنت لأن بصرك لا يمتد إلا لمسافة قريبة جدا ... أما الأب فهو ينظر إلى سنوات وسنوات قادمة .. فهو يريدك ناجح ومتفوق في حياتك العلمية بأن تدخل أفضل الكليات وأرقى الجامعات وتحصل على أعلى الشهادات ... يريد أن يراك بثوب التخرج من الجامعة وعلى منصة التتويج الجامعي ومن العشر الوائل في الجامعة .. يريدك شريك معه في أعماله فتتعلم طريقته في العمل وتكتسب خبراته لتواصل ما بدأه هو وتعلو وتكبرفي حياتك ويكون لك إسم رنان يشارله بالبنان ...
إن أباك حفر إسمه في الصخور وواجه الصعاب والشدائد وتحمل الكثير من أجل أسرته لعبر بها أمواج الحياة العاتية ولا يريدك أن تخوض مثل التجارب الصعبة التي عايشها ففي طريقه واجه المؤامرات والدسائس والظلم .. كم ذاق شظف العيش والجوع والغربة عن البلاد في سبيل تكوين مال ليتزوج ويرزق بالأولاد وتكوين منزل مناسب ومعيشة مناسبة وعمل حر مناسب يدر عليه الدخل المناسب لحياة كريمة لكل أفراد أسرته .
إن الأب ينظر من مكبر كبير لا تستطيع أنت أن تشاهد الواقع الذي تعيش فيه إلا بنظرتك القاصرة .. فأنت لا تستطيع أن تعتمد على نفسك في المعيشة وحيدا لتتصرف بحرية كما تظن فأنت تعيش في مجتمع له عاداته وتقاليده التي نشأ عليه جيلا بعد جيل .. ولكن مع الإنفتاح الإلكتروني على الغرب نقل لنا هذا الإنفتاح ثقافات وعادات يتعايش بها الغرب في حياتهم لا تتناسب مع حياتنا الشرقية المحافظة .
لا شك أن في الغرب تقدم تكنلوجي وصناعي ودراسي على درجة عالية ولكن هم لا يريدون أن يصدروا لنا هذا التقدم أو نستفيد منه ولكن يصدرون لنا أقذر ما لديهم من ثقافة هم أنفسهم ينبذونها ويرفضونها لنظل بعيدين عن التقدم والإزدهار .
الحرية الشخصية يا بني تنتهي عند بداية حرية الآخرين ويجب أن تحترم الذوق العام فلا يعقل أن يتحول الشاب إلى فتاة في اختيار ملابسه وتضييقها وتوسيعها وتسقيطها ثم التلاعب بالشعر بشكل مبالغ فيه مع اختيار قصات لا تناسب مجتمعنا الشرقي بل هي موضات الشواذ والمتحولين للجنس الثالث الذي لا هو فتاة ولا هو رجل .. اللوطيين والعياذ بالله ..
لا تصدق ذلك الشاب الذي يبالغ في الإهتمام بمظهره الغريب والشاذ فهو ينم عن عن ضحالة تفكير وإذا جربت أن تعرف منه شئ عن بلده التي يعيش فيها أو دينه الذي يدعي أنه ينتسب له أو أي ثقافة فستجده ضحل التفكير والغالبية العظمى من هؤلاء يظهرون بالمظهر غير الواقع الذي يعيش فيه فتجد أحدهم والده معدم بل قد يكون عامل باليومية يكتسب رزق يومه بيومه ولكن الشاب يريد أن يظهر بمظهر الغني الذي يسرف في المال ( وقد يسرق حتى يرضي نزواته وشهواته ) وقد تجد الآخر يثرثر بأنه من عائلة كبيرة ولها من الأراضي والعقارات ويقضون الصيف على أفخر الشواطئ وإذا بحثت ستجده من أسرة فقيرة متواضعة تسكن في حارة ضيقة تجمعهم غرفة ويستعير الملابس من محل الملابس المستعملة بالإيجار ...
وهكذا معظم الشباب يريدون أن يظهروا أمام الناس و أمام أقرانهم بغير واقعه .. والقليل منهم من تجده صادقا يعيش حياته الطبيعية ولا يخجل من أصوله وينبذ الحرية الكاذبة وواقع الشباب الضائع .
لا تخدع نفسك يا بني وتعايش مع واقعك بكل أمانة وصدق ..
قد يكون أبوك شديدا عليك يعاملك بقسوة .. يغضب سريعا .. لا يتحمل الحوار الطويل معك .. فهل هذا دليل على أنه يكرهك ـ لا سمح الله ـ لكن إذا دخلت إلى واقعه ستجده يجمل أثقالا كبيرة على ظهره تتمثل في العمل والكد والمشقة الخارجية ومتطلبات البيت اليومية والأسبوعية والشهرية والأدوية والعلاج لكل أفراد الأسرة وتبعات الدراسة لك ولإخوتك من أدوات ودروس خصوصية ومصروفات ورسوم مدارس وجامعات والكثير من الفواتير العالقة الواجب سدادها وفوق هذا مطلوب منه أن يحقق رغبات كل فرد من أفراد العائلة .. فهذه أثقالا بيرة يحملها على كاهله وتشغل عقله ووجدانه ...
هب أن هذا الأب فقدته بالموت ( لا قدرالله ) ماذا ستفعل ؟؟ هل تستطيع أن تتحمل كل هذه المسؤوليات وحدك ؟ والجواب لا يمكن أن تتحملها وحدك ولا كل أفراد الأسرة لو اجتمعت عليها .. لذلك عندما يموت الأب تشعر الأسرة كلها بكارثة كبيرة حلت بها .. سيعاني منها الصغير قبل الكبير .
لذلك يا بني تحمل أباك بما هو فيه ولا تحزن من قسوته وشدته فله عذره .. إذهب أنت له ولا تجعله يأتي هو إليك بمعنى تقرب منه ومازحه في أوقات هدوئه وناقشه على انفراد في مشاكل تعرض لها أصدقائك وكيف تنصحهم ستجد منه شلال من النصائح والتقرب منك .. احكي له عن آمالك وتطلعاتك للمستقبل وأمنياتك وأحلامك التي تريد أن تصل إليها .. صف له تخوفاتك من الدراسية والعملية .. عبر له عن أحلامك لبلدك ووطنك ..
أعد أسئلة حائرةتدور في ذهنك دون أي حرج واطلب منه أن يجيبك عليها ...
وهكذا يكون ذهابك لأبيك أي أن تدخل بواقعك إلى عالم أبيك ولا يقف على الباب لتجادل في أمور بديهية فجميع تصوراتك التي تعتقد أنها حق وواجبة بقليل من التفكير ستكتشف أنها خاطئة وغير سليمة وعندها ستعرف أن أباك على حق !
للفائدة نقلته من كتاب يابني كن رجلا
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عذووووبه
