لا يخطر في بال أي إنسان أن عاملات المنازل قد يصبحن أحد أفراد الأسرة التي تخاف على سلامة وصحة أفرادها، ولا يخطر في بال أي أحد أن “الحميمية” و”العشرة الطيبة” مع عاملات المنازل قد تمنعهن من ارتكاب أي فعل دخيل على الأسرة والمجتمع، كل ذلك نتيجة ما نسمعه ونشاهده من إهمال وسوء تدبير يكون أفراد العائلة ضحيته بسبب عاملات المنازل.

مشكلات كثيرة تجلبها الأيادي العاملة الوافدة سواء كانت داخل المنازل أو حتى في الطريق، وآفات لا تعد تلك التي تنتشر بفعل تلك العمالة، ولكن حجم كل ذلك يتضاعف داخل المنازل، ويتضاعف أكثر حين “تتكل” ربة المنزل على عاملة المنزل في تربية فلذات أكبادها، فقد تعتقد ربة المنازل أن رقابتها المتواصلة تمنع حدوث أي مشكلة لا قدر الله، وهذا فعلا ما حدث في قصتنا القادمة، والتي كادت العائلة أن تفقد فلذة كبدها بسبب فعل عاملة المنزل.
الجريمة هي الجريمة لا تعرف ذكرا أو أنثى أو مواطنا أو وافدا، بل عندما يتغلغل الجرم في قلب الإنسان تجعله يفقد إنسانيته، ليتجه في اتجاه آخر لا نعرف كيف نصفه، بل نعرف أين مكانه، فالجهات القضائية دائمًا تضع هؤلاء المجرمين في موقعهم الصحيح، إصلاحًا وعقابًا لهم من جهة، وأخرى هي رسالة لكل من تسول له نفسه أن يتطاول على الإنسانية والقوانين التي تحكمنا.

نطرح قصتنا التي رصدناها من مجلة الادعاء العام “المجتمع والقانون” لعل تفاصيلها تدفع أولياء الأمور لإعادة النظر في وضع عاملات المنازل لديهم، وأن تكون أعينهم مفتوحة دائمًا على هؤلاء الدخيلات إلى أفراد أسرهم.

بدأت القصة حين سعت عاملة المنزل بكل خبث ووحشية إلى النيل من الأسرة التي تعمل لديها وذلك بقتل ابنة الأسرة ذات التسعة أشهر من عمرها فقط، وذلك بخلط مادة سامة في حليب الرضيعة، انتقامًا لضغينة حمقاء حملتها تجاه الأسرة بسبب عدم استجابة الكفيل لرغبتها في العودة إلى وطنها وعدم رغبتها في العمل لديه.

تمثلت ردة فعل الشيطانة في أن طحنت مادة سامة عبارة عن مبيد سام للقوارض وجدتها في مخزن البيت ومزجته ببودرة الحليب الخاص بالمجني عليها، قاصدة بذلك إزهاق روحها، وبهذا امتدت يد الأم إلى تلك الخلطة لإعداد الحليب لابنتها، إلا أن حرصها جعلها تلاحظ تغير لون الحليب عن اللون المعتاد، ناهيك عن رائحته الشاذة، التي ما كانت لتخطئها سلامة حاسة الشم لديها؛ وهو ما جعلها تشك في سلامة الحليب. لقد كان من حسن تصرف الأم أن امتنعت عن إعطاء الحليب لطفلتها، لتنقذها بذلك من موت محقق؛ وبادرت من فورها إلى إخبار زوجها بما لاحظته من تغير لون الحليب، ومن رائحته النفاذة؛ ليبادر الزوج، بدوره، إلى إبلاغ الشرطة، بعد أن اشتبه في أن تكون العاملة قد امتدت يدها الآثمة إلى المبيد الذي كان قد اشتراه قبل بضعة أيام، ووضعت منه في حليب ابنته.

وصل رجال الشرطة فور الإبلاغ إلى منزل المبلغ للمعاينة، فتم تحريز الحليب المشتبه بتلوثه، فضلا عن تحريز مبيد القوارض تمهيدًا لإحالتهما إلى مختبر الأدلة الجنائية من أجل الفحص الفني، ثم تم استجواب المتهمة من قبل الادعاء العام، فأنكرت في بداية الأمر علاقتها بالواقعة؛ بيد أنه وبمواجهتها بالأدلة الفنية القائمة ضدّها، المتمثلة في تقرير المختبر الجنائي، التي أثبتت وجود مادة سامة في حليب الطفلة وهو عبارة عن مبيد للقوارض، وتم أخذه من المبيد ذاته المحرز بمنزل كفيلها حتى اعترفت تفصيلا بفعلتها.
حيث أكدت المتهمة بأنها طحنت كمية من مبيد للقوارض، كانت قد وجدته بمنزل كفيلها، وخلطته مع بودرة الحليب الخاص بالمجني عليها، وأن قصدها من إتيان هذا الفعل انصرف إلى قتل الرضيعة.، وبانتهاء التحقيقات قرر الادعاء العام إحالة المتهمة إلى المحكمة المختصة مكانيًا بنظر الدعوى، لمحاكمتها عن جناية (محاولة القتل العمد) المؤثمة بنص المادة (235) بدلالة المادة (86) من قانون الجزاء رقم (74/7).

وبمباشرة المحكمة التحقيق النهائي ومواجهة المتهمة بالجرم المسند إليها من قبل الادعاء العام، أكدت الأخيرة على الاعترافات التي أدلت بها أمام سلطات التحقيق، مُشيرة إلى أن هدفها اتجه إلى إزهاق روح المجني عليها، لعدم رغبتها في البقاء في السّلطنة ولا العمل لدى كفيلها – والد الطفلة – الأمر الذي قادها إلى وضع المادة السامة في الحليب؛ كما استمعت المحكمة إلى شهادة والدة الطفلة وكيفية اكتشافها للواقعة، واستقر وجدان المحكمة، بعد انتهائها من إجراءات التحقيق القضائي، إلى قناعة تامة وبإجماع الآراء، باقتراف المتهمة للجرم المنسوب إليها، وإدانتها بجناية (محاولة قتل طفلة)، ومعاقبتها عن ذلك بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف، وبطردها من البلاد مؤبدًا بعد انقضاء العقوبة وهو الحكم الذي يراه الادعاء العام رادعا لكل من تسول له نفسه العبث بحياة الآخرين، لاسيما وإن كانت تلك الأفعال تعرض حياة الأطفال للخطر، بصرف النظر عن الأسباب والبواعث.

إن لطف الله وعنايته أدركت المجني عليها بسبب ملاحظة والدتها لتغير لون الحليب، والسؤال هنا موجه للجميع، كم من الأمهات لديهن اهتمام حقيقي ينصبُّ في ملاحظة بعض التفاصيل الدقيقة المتعلقة بطفلها وغذائه، وكم من الأمهات اللواتي يوكلن مهمة إطعام أطفالهن لرحمة عاملات المنازل دون أدنى رقابة أو متابعة، على الرغم من تواجد الأم بالمنزل، حيث إن بعض التفاصيل البسيطة قد تصنع الفرق في حياتنا وحياة أطفالنا، كما أن العديد من حالات التهاون في تربية الأبناء قد تقود بشكل أو بآخر إلى نتائج سلبية لا تحمد عقباها، على الرغم من إمكانية تلافيها .