أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

تضمن الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية في صلالة اليوم على المتهمين في القضية المعروفة بـ “الاعتداء على المناطيد” عقوبةً لأول مرة في السلطنة هي حرمان جميع المتهمين من حق الترشح والانتخاب، الأمر الذي أثار تساؤلات حولها سنجيب عنها في هذه الزاوية القانونية عبر “أثير”، خصوصًا وأن مكتبنا “صلاح المقبالي للمحاماة والاستشارات القانونية” هو من كان وكيل المدعين بالحق المدني في القضية.
كما هو معروف فإن القاعدة الدستورية التي نص عليها النظام الأساسي للدولة تقول “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”؛ فلا يتم معاقبة مرتكب فعل مجرّم إلا بموجب العقوبات المقررة قانونًا فقط، فلا يمكن للمحكمة استحداث عقوبات ما لم تكن هذه العقوبات منصوصًا عليها في القانون، لكن بعد صدور المرسوم السلطاني رقم (7/2018) القاضي بإصدار قانون الجزاء العماني الجديد، فقد تراءت في الأفق عقوبات لم تكن معهودة في ظل العمل بقانون الجزاء السابق، كعقوبة “حرمان المتهمين من حق الترشح والانتخاب” التي أشرنا لها سلفًا؛ فما هو السند القانوني لها؟
إن المطّلع على قانون الجزاء العماني يجد أنه اعتمد تقسيمين للعقوبات الواردة؛ فقد قسّمها إلى عقوبات أصلية وعقوبات تبعية وتكميلية، وهذا ما نص عليه القانون في المادة (53) بالنسبة للعقوبات الأصلية، والمواد من (56 – 62) بالنسبة للعقوبات التبعية والتكميلية.
وتعرّف العقوبات الأصلية بأنها ذلك النوع من العقوبات التي وضعها القانون لكل جريمة على حدة، والتي يتوجب على المحكمة الحكم بواحدة منها أو أكثر، وهذه العقوبات تكون كافية بذاتها لتحقيق الهدف المقرر من العقاب وهو الردع العام والخاص الذي غايته إصلاح المجتمع والمتهم. وقد نصت المادة (53) من قانون الجزاء العماني على أن: “العقوبات الأصلية هي: أ- الإعدام. ب- السجن. ج- الغرامة.” فيتضح من نص المادة الماثل أن المشرع حصر العقوبات الأصلية في ثلاثة أنواع فقط، وبالتالي تُعد بقية العقوبات الأخرى عقوبات تكميلية إلا إذا نص قانون خاص آخر على عقوبات أصلية أخرى، كقانون مساءلة الأحداث فهو قانون خاص حدد أنواعًا من العقوبات غير منصوص عليها في قانون الجزاء الحالي أو أنها تكون ضمن إطار العقوبات التبعية والتكميلية بالنسبة لهذا القانون إلا أنها في قانون مساءلة الأحداث تعد عقوبات أصلية بالنسبة للحدث المحكوم عليه فيها.
أما العقوبات التبعية والتكميلية فقد عرفها المشرع في المادة (56) من القانون بما نصه: “تعد العقوبة تبعية إذا كان القانون يقضي بها كأثر حتمي للحكم بالعقوبة الأصلية، وتعد تكميلية إذا كان توقيعها متوقفا على نطق القاضي بها إذا أجاز القانون له توقيعها.”
ومن هذا التعريف الذي اعتمده المشرع للعقوبات التبعية والتكميلية يتضح لنا بأن التعرف على العقوبة بأنها تبعية -أي تابعة للأصل في العقاب- يجب معه أن يصدر ضد المحكوم عليه في جريمة ما عقوبة أصلية ثم يحدد القانون عقوبة تبعية لها تتبعها؛ أي لا يلزم أن ينطق القاضي بها في حكمه فهي تابعة لأصل بقوة القانون، وللقول بذلك يجب أن تكون العقوبة التبعية منصوصًا صراحة عليها في القانون بأنها تتبع العقوبة الأصلية.

ونوضح على ذلك بمثال: المادة (58) من قانون الجزاء نصت بـ: “الحكم بعقوبة نافذة في جناية يستتبع بقوة القانون من وقت صدوره حرمان المحكوم عليه مدة تنفيذ العقوبة، ومدة سنة واحدة تالية، وذلك من الحقوق والمزايا الآتية: أ- تولي الوظائف العامة. ب- عضوية المجالس والهيئات والمؤسسات العامة، ومجالس إدارة شركات المساهمة العامة أو أن يكون مديرا لها. ج- حق الترشح والانتخاب. د- ملكية ونشر وتحرير الصحف. هـ- تولي الوصاية أو القوامة عن القصر، ومن في حكمهم. و- إدارة المدارس والمؤسسات التعليمية، وممارسة أي نشاط تعليمي فيها. ز- حمل الأوسمة والميداليات والألقاب الفخرية. ح- حمل السلاح.”.

وقد عددت المادة (57) من قانون الجزاء أنواع العقوبات التبعية والتكميلية التي يحكم بها وبالتالي لا يمكن الحكم بعقوبات أخرى خارج هذا الإطار تطبيقًا للقاعدة الدستورية ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” فقد نص القانون على أن: “العقوبات التبعية والتكميلية هي: أ- الحرمان من كل أو بعض الحقوق والمزايا المنصوص عليها في المادة (58) من هذا القانون. ب- المصادرة. ج- منع الإقامة في مكان معين أو ارتياده. د- الحرمان من مزاولة المهنة. هـ إلغاء الترخيص. و- إبعاد الأجنبي. ز- إغلاق المكان أو المحل. ح- حل الشخص الاعتباري. ط- الوضع تحت مراقبة الشرطة. ي- نشر الحكم. ك- التكليف بأداء خدمة عامة.”

ومن قراءة هذا التقسيم الذي وضعه القانون للعقوبات التبعية والتكميلية يتضح بأن الغالب الأعم من هذه العقوبات هي عقوبات تكميلية، ولا يوجد عقوبة أصلية منها إلا في الحالة المنصوص عليها في المادة (58) سالفة الإشارة، وحالة إبعاد الأجنبي من البلاد عند الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية في جناية، أما بقية العقوبات فهي عقوبات تكميلية يجب أن ينطق بها القاضي في حكمه ليتم تطبيقها على المتهم.
وبناءً على التوضيح أعلاه نتبين بأن “عقوبة الحرمان من حق الترشح والانتخاب” الصادرة اليوم جاءت وفق البند “أ” من المادة (58) الذي نص بـ ” أ- الحرمان من كل أو بعض الحقوق والمزايا المنصوص عليها في المادة (58) من هذا القانون”.