قبل سنوات قليلة، اطّلعتُ على مفهوم العلاج المناعي والطريقة التي بدّل فيها الحرب على السرطان. ووفق تقرير أصدرته الشركة الصيدلانية العملاقة "فرما" PhRMA، وصل عدد العلاجات المناعيّة التي يشتغل عليها العلماء في 2017 إلى قرابة 250 علاجاً. وفي تشرين أول (اكتوبر) 2018، ذهبت جائزة نوبل في الطب مناصفة إلى الباحثين جايمس آليسون وتاسوكو هونجو تكريماً لأعمالها البحثية الرياديّة التي أسهمت في إطلاق ثورة العلاج المناعي للسرطان.
إذ اكتشف آليسون، أستاذ أكاديمي في "مركز أم دي آندرسون للسرطان" في هيوستون، التابع إلى "جامعة تكساس"، أنّ مكوّناً بيولوجيّاً في جهاز المناعة يسمّى "سي تي آل إيه- 4" CTLA-4 يعمل بطريقة تشبه عمل "الفرامل"، بمعنى أنه يكبح نشاط عناصر مناعيّة تتمثّل مهمتها الأساسيّة في مكافحة الأورام السرطانية. وتذكيراً، عندما يظهر تركيب سرطاني في الجسم، يتصدّى جهاز المناعة ويحاول ضربه والتخلص منه. وعندما لا تُنْجَزْ تلك المهمة الحميدة، تنفلت الخلايا الخبيثة وتتكوّن الأورام الخبيثة المختلفة. بكلمات أكثر علميّة، يعمل المكوّن "سي تي آل إيه- 4" على "فرملة" خلايا مناعيّة تقاوم الخلايا الخبيثة وتلتهمها التهاماً. ووفق ما اكتشفه آليسون، تؤدي إزالة تلك "الفرملة" إلى انطلاقة قويّة للخلايا المناعيّة التي تقاوم السرطان، ما يسهم في الشفاء منه. واستدراكاً، ينطبق ذلك الوصف على مجموعة من الأورام الخبيثة، وليس بالضرورة عليها كلها. وصرف آليسون 17 سنة كي يقنع آخرين بجدوى تلك المقاربة، ما أدّى في 2011 إلى الموافقة على دواء مناعي اسمه "يرفوي" Yervoy (اسمه العلمي "إيبيليموماب" Ipilimumab) استطاع أن يحقق ما يشبه المعجزة في علاج سرطانات جلدية لدى مجموعة من المرضى.
في المقابل، درس هونجو، أستاذ في "جامعة كيوتو" اليابانية، نوعاً آخر من المُكوّنات التي تعمل كأنها "فرامل" جهاز المناعة، تحمل اسم "بي دي- 1" PD-1 (طريف معرفة أن الاسم يختصر عبارة علمية مفادها "الموت المُبَرمَج للخلايا- 1"). وأعطى نجاح آليسون في استخدام "سي تي آل إيه- 4" ضد السرطان، دفعاً لعمل هونجو، وصار مقتنعاً بإمكانية النجاح في استعمال "بي دي- 1" ضد الأورام الخبيثة على غرار ما حصل مع "سي تي آل إيه- 4". أبعد من ذلك، تبدّى لهونجو أن المُكوّن الذي يشتغل عليه أشد فعالية وأكثر أماناً من المُكوّن الذي عمل آليسون عليه. كذلك تبيّن لهونجو إمكانية تسخير المُكوّن "بي دي- 1" في علاج مروحة واسعة من الأورام الخبيثة، تشمل سرطانات في الرئة تفتك بما يزيد على 150 ألف أميركي سنويّاً. وظهرت أدوية تجمع المكوّنين السابقين سويّة، ما يعني أنها تزيل زوجاً من "الفرامل" التي تكبح نشاط جهاز المناعة ضد السرطانات، وتعطي دفعاً قويّاً لعمل ذلك الجهاز في مقاومة مجموعات من السرطانات والتخلص منها.