محمد العريمي
الاسم الكامل مع اسم الأب: محمد عيد العريمي
مكان الولادة وتاريخها: صور، سلطنة عمان
الجنسية عند الولادة: عماني
الجنسية الحالية: عماني
مكان الإقامة الحالي: مسقط ـ سلطنة عمان
العنوان البريدى: ص. ب: 211 ـ ص. ب: 116 ـ مسقط، سلطنة عمان
التحصيل العلمي: بكالوريوس في الهندسة الصناعية
الإصدارات أو الكتب المنشورة:
يكتب القصة القصيرة والمقالة. صدر له:
• كتاب "مـذاق الصـبر" (سيرة)، دار الفـارابي ـ ببيروت 2001
• "حـز القيد" (رواية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 2005
• ترجمة "مذاق الصبر" بالإنجليزية، شركة تنمية نفط عمان ـ مسقط 2005
• مخطوطة "قوس قزح" مجموعة قصص قصيرة
• ترجم له الى الانجليزية كتاب "مذاق الصبر"
الصحف والمواقع التي نشرت به:
• مقالة نصف شهرية في جريدة البيان الاماراتية.
• مقالة أسبوعية في جريدة الوطن.
• مشارك منتظم في الملحق الأدبي "شرفات"/جريدة عمان.
• نشرت له مجلة نزوى الفصلية
• مجلة المنال الإماراتية
• عدد من المواقع الأدبية
عضو باتحاد الكتاب العرب
حوَار جماعة الخليل للأدبِ –
حاورته- عهود المخينية –
كَان لجمَاعة الخلِيل للأدَب شرفُ لقَاء الكَاتِب محمد عيد العرِيمي، حينَ أتَاحَ لنَا وقتًا كَي نُحاورهُ ونستلهِم من انْهِمَال تجربتِهِ سابِقَةِ الأثَر.
للحوَار مع العرِيمي إيْواءٌ ضخمٌ استشعرنَاه بِتلقائيَّة الحَديث الذِي تسَاقطَ آذنًا بِانْجلاءٍ لَسِنٍ لخامةٍ أدبيَّةٍ مُميّزةٍ في الأدبِ العُمانِي.
حدَّثنَا العرِيمي في بداءةِ الأمرِ عَن تجربتهِ، ابتدَأ بالحدِيثِ عَن سيرتهِ والتِي اجْتزَأهَا فِي كتابهِ الأوَّل «مذاق الصَّبر». حكَى لنَا أحداثًا مُقتضبَة من حياتهِ، والتِي صبَّها فِي كتابهِ بصدقِ المَشهد وعُمقِ الحكايَة. بيُوغرافيتهُ السرديَّة تجعلُ الأحدَاث تجرِي أمامَ أعيننَا، قُدرتهُ الفائقَة علَى تَصوِير المَشهد فيغدُو حقيقيًا سَطَت علَى ألبابنَا وعزلتهَا عن عالمهَا الواقعِي لتعيشَ واقعَ السيرَة!.. فكان هذا الحوار:
– درستَ تخصّص الهندسَة وبعدئذٍ برزتَ أدبًا، ما الدَّور الأكبَر فِي توجّهكَ لمجال الأدبِ؟ هَل بدأتَ الكتابَة باكرًا ومتَى ظهرَ شغفُها لديكَ؟
الكتابةُ تأتي هكذا، هذا ما خرجتُ بهِ بعد خوضها والولوج إلى أسرارها وأعماقها. كتبتُ بعد فترةٍ طويلةٍ، بعد الدراسة وبعد العمل بمدَّةٍ. بإمكانِي القول أنني بدأتُ الكتابة وأنا في الثلاثينَات. شغفها يتنامَى مع الوقت، بمجرد أن تمسكَ القلمَ وتخوض معركتك مع نفسك وما حولك لَن تتوقّف. هذَا الميل للكتابة يستدرجكَ نحو معرفة ما لا تعرف، الكتابة بطبيعتها منفذ لعوالم أخرَى، متَى ما كتبت ستجدُ أنكَ تدخلُ عالمًا جديدًا، والأدب يتيحُ لنا الاغتراف دومًا. لا شيءَ يحدّكَ، تكتبُ وتكتبُ وتحيَا.
– «مذاق الصبر» «سِيرة تجربة»،و«بين الصحراء والماء» (سيرة روائية) / وحز القيد رواية خالصة مجمُوعةُ مقالاتٍ سرديَّة أدبيَّة، أينَ تجدُ نفسكَ؟
السيرة الذاتية، وإن كانت تنتمي إلى جنس الرواية نفسِهِ.. غير أنها تختلفُ عنها في جوانب كثيرة. ولعل أهم أوجه الاختلاف هو أنها تقوم على الصدق ومتعتُها تكمن في البوح المباشر للكتاب.. أي أنها تحكي القصة الحقيقة لكاتبها أو من كُتبت عنه. وهي، إذ ذاك، استعادة حرفية للواقع بكل أبعاده.
إن ما كتبته لم يكن سيرة حياة كما نعرفها، وإنما سيرة تجربة في حياة .. الأمر الذي أعطاني حيزا أوسع للتعبير والتركيز على جوانب مفصلية في تلك التجربة.
أما «بين الصحراء والماء» فهي سيرة روائية.. وهي شكل آخر للسرد.. لا هو بيان بسيرة الذات ولا هو خيالي صرف.. إنه شيء من هذا وذلك.. فضاء يجمع ما بين الحقيقة، أي الذاتي، والخيال، أي الرواية، ويصهرهما في بوتقة واحدة.
لا أستطيع بما أنجزته حتى الآن أن أحدد النوع الأدبي الذي أجد نفسي فيه، وهذا ليس انتقاصا مما كتبت ولا هو تواضع مفتعل لا مكان له؛ بيد أني في القصة القصيرة أجد صعوبة في «تكثيف النص» فتطول القصة وتغدو في جوانب منها مشروع رواية، وهذا ما حدث في رواية «حز القيد».
كاتبُ السرد الطويل «الرواية»، كتَابةُ الوَاقع على أحداثٍ فصليَّة مُصوّرة مطلقًا المجَال لخيالٍ بعيدٍ عائدًا لواقعيّة النّص حينًا.
– بناءً على السؤال السابق، هل تؤمن بأنّ اللون الأدبي الذِي يكتبهُ الكَاتب ينبغِي أن يرتبطَ بهدفٍ تنويري أو إيصَال رِسَالة، أم تَنتهِج نهجَ الكتابة للكتابة؟
التَركِيز علَى الهدف من الكتابة (الكتابة للكتابة أو الكتابة لرسالة) تقيّد الكاتب، بعبارةٍ أُخرَى، الكَاتِب حينمَا يكتُب يعرفُ ما سيأتِي بهِ فكرهُ، والأثرُ موجودٌ على كل الحَالات. الكتَابَة تستدعي أثرًا يتركُ في ذاكرة القَارئ، وقد تكُون الرسَالة أمرٌ مُشابه أو مناظِر للرسَالة. لا بأسَ، لكُلّ كاتبٍ طريقتهُ في عرضِ نتاجهِ، أمّا بالنسبةِ لِي، فأكتبُ لأنّني أُحبّ أن أكتُب وأحب أن أرسمَ الوَاقِع على صفحَات الكُتب. مهمَا ابتعدتُ ووظّفت الخيَال في بعضِ كتاباتِي إلا أنّها تنطبعُ بشيءٍ من الوَاقع بصُورةٍ مُباشرة أم غير مُباشرة.
ومهما حاول المرء أن ينأى بنفسه عن نصه ـ أيا كان شكل النص ـ إلا أن تجاربه الشخصية تجد لها دائما مكانا في كتاباته دون وعي منه. وكما يقال «لا يوجد نص لا يشبه صاحبه» قليل أو كثير! لذلك فإن نصوصي حتى القصير منها يستدعي الإطالة؛ فتجارب الحياة مهما كان ثراؤها تحتاج إلى نفس سردي طويل.
– من تجربةٍ أدبية، هل تعتقد أن الكِتابة أمر فِطري أم مُكتَسب؟
هِيَ مُكتسبَة، كما أرَى، وإن كَان للمرءِ ملكَة الصيَاغة أو النظم البدِيع فلا بُدّ أن يَتمكّن من سبرِ أغوار الكِتابة بمعرفةٍ مُكتسبة من خلال القراءة والمرور بتجارب الحيَاة التِي تعجن صنعة المرء الكتابية بمراحلها.
– لِنَلج إلى السَاحة الأدبية في عُمان وحركتها، ما رأيُك في الحركة الثقافيَّة/الأدبيّة؟
حسنًا، هذا الموضُوع واسِع جدًا، لكِن لأكُن واضحًا. الفترة الأخيرَة تمخّضت بأسمَاء لا بأسَ بهَا في مجال كِتابة السرد القصصي والروَائِي، لكِن ما زالَت القائمَة بحاجة إلى تكثِيف الجهُود لنتاجٍ أدبي ضَخم. السَاحة الأدبيّة في عُمان ثريّة بأسمَاءٍ تحتاجُ لِإظهَار مكنوناتهَا الأدبيَّة بالإعلام والاهتمام، ومتأملُون فِي قادمٍ أفضَل دومًا، الأسمَاء مُبشّرة والمُؤهّلات مُتاحة.
– هل يتلقّ الكاتب العُماني اهتمامًا كافيًا من الدُور والجمعيَّات المَعنيَّة بالأدبَاء؟
فِي الواقع، الكَاتبُ يرعَى بالاحتفَاء بإنتاجهِ، والكِتاب مُحاربٌ في عُمان. قلةُ دُور النشر والجميعات المعنيَّة سببٌ من أسباب خفُوت صوت الكَاتب العُماني. بطبيعة الحَال، العملية بحَاجة لدراسةِ مقتضياتها، فَالكاتب ليكُون محقّقا لن تَكفيهِ كتابات تَعتكفُ الأدراج! بَل يحتَاجُ لنشرهَا، وحركة النَشر هُنا تعوزها الكميّة. دارُ نشرٍ واحدة وهِي بيت الغشّام لا تكفِي لحراك أدبي يتمخّض يومًا بعد يوم.
– هَل تعتقِد أن الساحة الأدبية العمانيَّة تمتلكُ كتابًا محققين؟
نَعم، تمتلك. الأسمَاء تبزغ يومًا بعد يوم. الإجادَة تحكمها عدَّة مقومات لكِن العُمق الكتابي وإمكانيَّة التحقّق في الكتابة تتّضح مع الخبرة والدربة والاطّلاع، وهذَا شائعٌ بين معشر الكُتّاب، على اختلاف مستوياتهم.
– كَلمةُ الكَاتب لجماعَة الخلِيل للأدَب.
السنوات الجامعية (الخمس أو الست) هي في نظري الفترة التي يتشكل فيها وعي الطالب الحسي من خلال الفرص التي تتاح له للتعرف واكتساب معارف وقيم إنسانية بمختلف أطيافها.. سواء من خلال المقررات الدراسية أو المناشط الطلابية.
لكن، وللأسف الشديد، الجامعات والكليات، لاسيما الخاصة منها، تخرج متعلمين (هذا إذا اعتبرنا أن الشهادة وثيقة تؤكد أن حاملها مؤهل في المجال الذي أمضى سنوات الجامعة يدرسه، وأنا هنا أشير بقولي، إذا اعتبرنا، إلى الكليات الخاصة أو أغلبها، التي لا تضع المستوى العلمي (الخدمة التي تقدمها نظير مقابل مادي) في صدارة قائمة أولوياتها!
اهتمامات الطالب وممارسة هوايته أو تنمية مهاراته (ذائقته) خارج كتب المقررات ـ سواء ذاتية أو مكتسبة من خلال برامج وأنشطة ترعاها المدرسة أو الجامعة، تشكل حساسيته «الفنية».. أي تنمي فيه الحس الإبداعي. فالكتابة الإبداعية على سبيل المثال يسبقها شغف القراءة مهما كانت ملكة المبتدئ قبل تراكم التجربة وتبلور سعة الخيال.
فعلى سبيل المثال، الحساسية الفنية المسرحية تبدأ بالمدرسة أو النادي وتُصقل في سنوات الجامعة تخصصا أو هواية. وفي غياب التخصص الجامعي المسرحي بكافة أشكاله أو ندرته، وغياب النشاطات المسرحية المدعومة أو المنظمة من قبل الجامعة / الكلية يتراجع اهتمام الطالب بهذا الفن، وهذا يعني «اغتيال» حساسيته الإبداعية.
ولأن حديثي هذا موجه لمجموعة من الطلبة اتخذوا من اسم «أبو العروض» الخليل بن أحمد مظلة يلتقون تحت فيّها، أفترض أن اهتمامكم ينصب أكثر على الشعر، ويأتي قبل سواه من فنون الكتابة الإبداعية. وإذ ذاك وجب علي التحدث عن الشعر، ديوان العرب، المجال الذي عرفه العرب قبل غيره من فنون الأدب وبرعوا فيه وتربعوا على عرشه، لكني للأسف الشديد ـ أقولها بخجل ـ حبي لقراءة الأدب ومن ثم اشتغالي على بعض أجناسه (السيرة، القصة، والرواية) لم تلامس ضفاف الشعر، واقتصر اهتمامي به على متابعته من بعيد!
ويبقى أن فنون السرد، أو «النثر» كما يشير إليها الشعراء، ويستهجنه كتاب القصة والرواية، أخذت في الآونة الأخيرة تستهوي الشعراء، فأصاب النجاح بعضهم وتعثر سعي أغلبهم، وكان حظهم في محاولاتهم هذه أفضل عن حظ بعض كتاب القصة والرواية الذين أخذوا بنجاحهم في مجال «الحكي» وتصوروا أن بإمكانهم إحراز نجاح مماثل في الشعر!
النجاح الذي أحرزه الشعراء في تجاربهم السردية يعزى على نحو رئيس إلى شاعرية «حساسيتهم» وقدراتهم اللغوية، وإن جاء ذلك على حساب حكاية السرد أو موضوع القصة.
ويبقى أن المرء يمكن أن يحاول كتابة قصة أو خمس أو عشرين قبل أن يعترف لنفسه أن الحظ لم يحالفه في كتابة الشعر، ويتوقف! لكن من يحاول كتابة الرواية فإنه سيحاول مرة واحدة، ولا يمكن أن يكررها، فهي حسب شاعر اليمن الكبير عبدالعزيز المقالح «أدب صعب المنال».
ورغم أن العمانيين برعوا في كتابة الشعر منذ آلاف السنين، إلا أن الشعر يتراجع أمام سطوة السرد، لاسيما القصة القصيرة والرواية، فقد أظهر كتاب القصة القصيرة، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، نضجا فنيا في استخدام تقنية القصة الحديثة بما يتناسب مع طبيعتها الحيوية، ونزوعها نحو التجدد والتجريب، مبتعدة عن الإسفاف والثرثرة والتغريب اللغوي الذي طغى على نتاجهم خلال العقد الأخير من القرن الماضي.
ومن خلال تتبع تطور أشكال القص من حيث ابتكار أساليب وأنماط جديدة للسرد، يمكن القول أن القصة القصيرة غدت الإبداع الأبرز في كتابة الأجناس الأدبية وأكثرها إنتاجاً وتنوعاً وغنى، وشكلت معلما متميزا في الحركة الثقافية العمانية.
ويتجلى حضور القصة القصيرة في الفترة الأخيرة من خلال زيادة عدد الإصدارات القصصية، وظهور أسماء جديدة مقارنة بما كانت عليه الحال في العقدين الماضيين. ولعل فوز عدد من كتاب القصة بجوائز عربية كبيرة يؤكد أن القصة العمانية سجلت أيضا حضورًا قويًا في المشهد السردي العربي.
***
والآن اسمحوا لي أن أتحدث عن تجربتي «المتواضعة جدا» في الكتابة والمصادفات التي قادتني إلى هذا العالم المثير.
لا أفشي سرا، ولا أخجل من الاعتراف بأني دخلت عالمَ الأدب متأخراً جداً، ودخلته بالمصادفة ومن باب الـ«الهلوسة»، إذ لم أكْتُب شيئا يُعتدُ به قبل «مذاق الصبر» غير مجموعة من القصص والنصوص القصيرة نُشر بعضها في الجرائد والمجلات العمانية والإماراتية، وحشر الباقي في أَدْرَاجِ مُهْمَلاتِ محرري الصفحات الثقافية.. وحسنا فعلوا.. إذ أصبحت تلك النصوص، بين ليلة وضحاها وبقدرة قادر، صالحة للنشر بعد صدور «مذاق الصبر» والحفاوة الطيبة التي حظي بها الكاتب والكتاب.
من بين تلك القصص التي كتبتها «هلوسة في يوم غائم». هذه القصة لم تكن، بالنسبة لي، سِوَى هلوسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لكن هناك من رأى أنها جديرة بالاهتمام.. لاسيما وأنها جاءت في وقت كانت الساحة الثقافية العمانية تشهد تحولا في أساليب السرد. كتبت هذه القصة في محاولة لركب الموجة السائدة، وإذا بالهلوسة تفوز بالمركز الأول في مسابقة سنوية للقصة القصيرة!
وحين قررت كتابة «مذاق الصبر» ـ وهو نص يقع في التخوم الفاصلة بين الرواية والسيرة ـ لم أكن معنيا كثيرا بشكل الكتابة قدر عنايتي بمضمونها، ولعلي لست على اطّلاع واسع بهذا النوع من مستويات الكتابة.
وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره كتاب «مذاق الصبر» حول ماهية شكله الأدبي ـ أَسيرةٌ هو أم رواية؟ ـ إلا أن «أسلوب الطرح وخصوصية الموضوع تضافرا وجعلا النص مقروءا بصرف النظر عن الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه بشهادة عدد كبير من النقاد والكتاب العرب.
حينئذ لم أكن مدركا أن تورطي في الكتابة السردية سيأخذني إلى هذا البعد، فبعد صدور الكتاب والحفاوة الكبيرة التي حظي بها، وجدت نفسي مطالبا بمواصلة الكتابة، ومثلما كان «مذاق الصبر» تحديا للإعاقة وتداعياتها على الروح والجسد، كتبتُ رواية «حز القيد» تحديا «لمذاق الصبر» الذي وصفه أحد الكتاب «أنه بيضة الديك»، وحظيت أيضاً بنصيبها من القبول.
في مكان قلت أن «مذاق الصبر» كتبني، أما رواية «حز القيد» فأنا كاتبها، وقد شكلت كتابة هذا النص متعة خاصة لن يدرك ماهيتها إلا من جربها. ويقال إن الرواية معنية بفتح عالم جديد أمام قارئها، وبالتالي فإن كتابتها واختلاق شخوصها وعوالمها تستدعي الانفتاح على الفضاء التخيلي الذي لا يحده البصر.
تدور معظم أحداث رواية «حز القيد» داخل سجن يقع في مكان نائي يُطلق عليه تهكماً «مراغة البعير الأجرب». داخل هذا السجن يؤخذ أحد شخوص الرواية: «علي الناصر» بجريرة غيره حيث يُحقق معه حول تنظيم سري لا يعرفُ عنه شيئا غير صداقة عابرة ربطته بشخص له علاقة بهذه الجماعة. ويتعرض هذا الشاب لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي بطشا لانتزاع اعترافات تُثبتُ التهمة عليه وعلى آخرين غيره.
لم تكن معاناة «علي الناصر» شخصية وإنما كانت دلالة على مُعاناة وطن بالكامل.. وطن قد لا نعرفُ له اسماً، ولا نعرف له وجودا ولكنه قد يكون واحداً من كل الأسماء التي نَعْرِفُها أو بعضًا منها.
«إن القيد الذي تتقصاه الرواية قد يكون واسع الدلالة، فهو ربما قيد مادي، نفسي أو فكري، وهو قد يطبق على فرد أو على جماعة أو قـد يكون ربقاً يُقَيِّدُ وطنـاً كبيراً مثل «قحطين»، كما يقول ناصر صالح الغيلاني في إضاءته للرواية.
في «حز القيد» حاولت إثراء السرد من خلال تصوير أشخاص وأحداث تحتفي بواقعها الخاص لفترة ثم تعودُ إلى السياق العام للنص، وابتعدتُ عن فرض بطولةٍ فردية تُهَمشُ الآخرين، وأبرزتُ دور الشخصية الرئيسة من خلال تَفَاعُل آخرين معها وإشراكهم في بطولة جماعية بُغْيةَ الابتعاد عن نمطية البطولة المفردة السائدة في مملكة الرواية العربية التي هي، على خلاف غيرها في الروايات العالمية، انعكاس لواقع حال مملكات أوطاننا ولعلها لا تختلف عنها كثيرا.
فالبطولة فردية والملك واحد، ومن يحيطون به ليسوا سوى أبطال ثانويين ـ كومبارس ـ يدورون في فَلَكه مهمتهم الأساسية تلميع صورة البطل.. الملك!
ومما لا شك فيه أنني استمعت بكتابة «حز القيد» رغم معاناة الكتابة، وكنت أشعر بمُتْعَة عظيمة وأنا أصنع الأحداث بالكلمات وأرسم الشخوص. وبالكلمات أيضا، أُشكلُ مَلاَمِحَ حياتهم بكافة أبعادها!
في «حز القيد» من الواقع شيء ومن الخيال كثير، وإنّْ كان هذا الخيال أقرب إلى الحقيقة منه إلى أي شيء آخر. إذ أن ظاهرة سجن «مراغة البعير الأجرب» لا تخلو منها دولة في العالم حتى تلك التي جاءت من وراء المحيطات لتَعْليمَنامعني «الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان».. قد لا تكون التفاصيل نَفْسُها، ولكنها تشترك في جوانب كثيرة، وهي في العالم العربي أكثر قسوة وأشد ضراوة.
قلت يوما أن «مذاق الصبر كتبني»، أما «حز القيد» فأنا كاتَبُها.. مختلق شخصياتها وأمكنتها وأزمنتها ومحرك أحداثها، وإن مررتُ بفتراتٍ كنتُ خِلالها أمشي خلف بعض شخوص الرواية.
زُلفَى لجماعةِ الخَلِيل للأدَب قطف لحظاتِ الرُوَاء من الوقتِ بلقَاءِ الكَاتب المُترجم محمّد عيد العريمي. الخبرة حينَ تمتزجُ بجودَةِ الصُنعَةِ تأتِي بنتاجٍ سحيقٍ يَنْتَأُ بسدادِ الكِتابةِ. ولعلاقةِ الكاتب بقلمهِ مُكنَةٌ في خلقِ هويته الكِتابيَّة، هذَا بعضُ ما استبَان من تجربَة الكَاتب الأدبيَّة في مجالِ القصَّة القصيرة والروَايَة. وعلى مُستوَى الكتابةِ تجريدًا من أي رابطٍ معنوي أو مادِي، نصًا مُنفردًا بطابعهِ السيميائِي، فهذَا التجلِّي الذِي تميَّزَت بهِ كتابات كَاتبنَا تُنبئُ عن شغفٍ بادٍ بهذهِ الصُنعة، الوجُود الحقيقِي لروح الكَاتب في كُل تدوينةٍ وتَدبيج.