شكل سقوط بلدة تل أبيض السورية الاستراتيجية الحدودية،أخيراً، ضربةً موجعة ذات دلالات لتنظيم «داعش» المتشدد، خاصة أن هذه البلدة تشكل نقطة عبور أساسية بالنسبة لمقاتليه ومعداته.
وتسطر السيطرة على تل أبيض كذلك الانتصار الأساسي الثاني على قوات التنظيم، بالنسبة للقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وهو انتصار دعا إلى المزيد من الاحتفالات أخيراً.
وتندرج مدينة أقجة قلعة، وهو الاسم التركي لبلدة تل أبيض المتنوعة إثنياً، على نحو مناسب جداً، ضمن الطموحات الكردية الساعية لتأسيس دولةٍ إقليمية.
وقال كاني كزولام، مدير شبكة المعلومات الكردية الأميركية تعليقاً على التطورات الأخيرة: « إنه انتصار ذو أهمية محورية بالنسبة للأكراد. لطالما خسرنا، عبر التاريخ، القضية لصالح جيراننا الأتراك والعرب والفرس. ونحن نعلم اليوم، أنه إذا دعت الضرورة، فيمكننا رمي كرة النار إليهم أيضاً».
وأضاف كزولام قائلاً: « خسارة تل أبيض تعني قطع الطريق على (داعش) ومنعه من الوصول إلى تركيا. ويخضع العديد من مقاتلي التنظيم للعلاج في المستشفيات التركية، وهناك عدد منهم ممن تعيش عائلاتهم في تركيا، لذا فإنها خسارة كبيرة للتنظيم فعلاً».
شكلت مدينة تل أبيض المحطة السورية الأولى للمقاتلين الأجانب المنضوين تحت لواء «داعش»، كما كانت محور التجارة غير الشرعية التي ساعدت في تأمين الإمدادات وتمويل تمدد التنظيم.
وقال موتلو سيفيروغلو، المحلل المقيم في واشنطن المتخصص في المسائل السورية والكردية: «خسر (داعش) نقطة التواصل مع العالم الخارجي. وهو يشعر بوهن العزيمة، وقد تلقى ضربة موجعة ثانية بعد الهزيمة التي مني بها في بلدة عين العرب، وها هو يتعرض لهزيمة ثانية من الأكراد».
ضوء أخضر
وقد ارتكزت عملية السيطرة على تل أبيض على نجاح سابقتها في عين العرب، ذاك المعقل الكردي في شمال سوريا الذي كان سيسقط في يد المتشددين لو لم يتدخل التحالف بقيادة الولايات المتحدة العام الماضي. وقد واصلت وحدات القتال الكردية، التي ضمت الشبان والشابات، والمعروفة باسم وحدات حماية الشعب التقدم ضد مقاتلي تنظيم «داعش»، مستفيدةً من الضربات العسكرية الجوية التي يشنها التحالف.
وقال سيفيروغلو: «لقد تدعمت أواصر العلاقة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب بما أتاح حصول هذه العملية. وقد أتى الضوء الأخضر من أميركا للهجوم على تل أبيض، نظراً لما تحمله هذه المدينة من أهمية كبرى لتنظيم (داعش) في سوريا».
رمضان الرقة
وقد توقع أحد المواطنين المقيمين في مدينة الرقة المزيد من الخسائر لتنظيم «داعش»، حيث قال في اتصال معه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي: « يسمع كلام هنا مفاده أن أبا عيسى يريد الاحتفال بنهاية شهر رمضان في الرقة».
ويعتبر أبو عيسى قائداً بارزاً في صفوف المسلحين، وقد سبق له أن نجا من محاولة اغتيال استهدفته في تركيا العام الفائت. كما أنه قاتل إلى جانب الأكراد في عين العرب، وقيل إنه شارك في المعركة التي جرت في تل أبيض، أخيراً.
إلا أن المحللين يشيرون إلى عدم ثقتهم في أن يحاول الأكراد الذهاب باتجاه تأسيس عاصمة لهم على غرار تلك التي أقامها تنظيم «داعش»، على الرغم من التقدم الذي أحرزوه على طول الطريق التي تصل تل أبيض بالرقة.
وقال كزولام: « سيشعر الأكراد بالتردد إزاء الاستيلاء على الرقة، التي تعتبر مدينة عربية. إلا أني أعتقد أنهم سيقدمون مساعدة على المستوى اللوجستي».
وفي الجانب المواجه، كان عدد السكان الموجودين في تل أبيض قبل نشوب الصراع يقارب الخمسين ألف مواطن، حيث كان العرب والأكراد يتعايشون جنباً إلى جنب بسلام نسبياً، قبل وصول تنظيم «داعش» وجبهة النصرة.
يعتبر الأكراد مدينة تل أبيض جزءاً من «روجافا» أو كردستان السورية، تلك المحافظة الغربية الواقعة غربي موطنهم الإثني الموعود، الذي يجمع بين سوريا وتركيا وإيران والعراق.
تغريدة
نشرت وحدات حماية الشعب مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه عدد من مقاتلي الوحدات وهم يسيرون بهدوء أمام لافتة على الطريق بالأبيض والأسود كتب عليها: « الدولة الإسلامية، القائمة على النبوءة، محافظة الرقة، القطاع الشمالي، منطقة تل أبيض».
وقال قائد وحدات حماية الشعب المعروف بولان كان في تغريدة نشرها عبر موقع تويتر باللغتين العربية والكردية: « جيريسبي، وهو الاسم الكردي لتل أبيض قد تحرر بالكامل... وها هي رايات وحدات حماية الشعب، وبركان الفرات، والجيش السوري الحر ترفرف على أبنية المدينة. هنيئاً لجميع مناصري الحرية».
رد مع اقتباس
).
