حين يجفوك النوم، ويُسلِمك إلى سجان السهاد، تجد نفسك تتململ اختناقا وحنقا من ذلك الغدر؛
غدر لا يأتي من الخارج، بل يتسلل من الداخل، حيث يخاصم الجسد راحته، ويتمرّد العقل على هدأته.



قد تنفلت منك كلمة تخرج من تحت وطأة الأرق والتعب، كلمة لا تُقاس بميزان الاتزان، ولا تُمحَّص بعين الحكمة،
ثم تتجاهل — أو تتغافل — أنك أنت المسبّب الأول،
وأنك من أوقد الفكرة، وأطلق الشرارة، ثم شكا احتراقها.




ففي هجعة الليل ينطلق عقلك، عاريا من ضجيج النهار،
وتراه ينبش في دفاتر الذاكرة، لا ليبحث عن جواب، بل ليوقظ السؤال،
فينتقل من صفحة إلى صفحة، ومن أثر إلى أثر،
ويقف طويلا على أعتاب المواقف التي كان يومك حافلا بها،
لا كما كانت، بل كما كان يجب أن تكون، أو كما تمنيت لو لم تكن.



ومن ذلك يهجر النوم أعشاشه،
كطير أُزعج في مأمنه، فلا استقرار له ولا عودة،
ويبرز السؤال الباحث عن إجابة،




سؤال لا يطرقه اللسان، بل يهمس به الوجدان: كيف يكون الخلاص من ذلك الأرق؟
أهو في إخماد الفكرة قبل أن تستفحل؟
أم في مصالحة النفس قبل أن تحاكم ذاتها؟
وهل يكون حالنا مع ذلك خاضعا لاختيار منا،
أم لإكراه نصنعه بأيدينا، ثم نسميه قدرا،
ونهرب من مسؤوليته إلى وهم العجز والاضطرار؟