https://www.gulfupp.com/do.php?img=92989

قائمة المستخدمين المشار إليهم

صفحة 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 67

الموضوع: ▅ ▄ ▃ ▂ ▁ سلسلة رجال حول الرسول ..▁ ▂ ▃ ▄ ▅

  1. #1
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4

    ▅ ▄ ▃ ▂ ▁ سلسلة رجال حول الرسول ..▁ ▂ ▃ ▄ ▅

    مصعب بن عمير ( أول سفراء الإسلام )


    هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.
    غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..
    يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..
    ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.
    ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..
    ذلك الفتى الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟
    بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
    انه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..
    ولكن أي واحد كان..؟
    إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعا..
    لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..
    "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.
    وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
    ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..
    ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
    هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن, ويصلي معهم لله العليّ القدير.
    ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متآلفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
    ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
    ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!
    --
    كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب إلى حد الرهبة..
    ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه.
    فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولاً يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب إلى حين..
    أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
    ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا.
    وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بإيمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا..
    ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة, الواشية..
    ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا إلى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...
    ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى.
    وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الإقناع..
    ولكن, إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى, فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..
    وهكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه إغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى إلى الحبشة مهاجرا أوّابا..
    ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم إلى مكة, ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
    ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم..
    خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..
    ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطرا..
    وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:
    " لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!
    لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!
    ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
    وإنها لتعلم صدق عزمه إذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..
    وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...
    أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!
    وخرج مصعب من العتمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما و ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...
    --
    وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
    كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..
    وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..
    لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
    وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب بن عمير".
    لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..
    فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. وعرف أنه داعية إلى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..
    هناك نهض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (إنما الله اله واحد)..
    ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..

    ذات يوم فاجأه وهو يعظ الإنس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!
    إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها و إذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا إليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..
    أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
    وما إن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد بن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..
    وقف أسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
    "ما جاء بكما إلى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
    وفي مثل هدوء البحر وقوته..
    وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:
    "أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
    الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!

    كان أسيد رجلا أعرايبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه إلى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول إلى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..
    هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغي..
    ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!
    ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
    "ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟
    وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:
    "يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله إلا الله".
    فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..
    وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: إذا كان أسيد بن حضير, وسعد بن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا إلى مصعب, فلنؤمن معه, فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!
    --
    لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحاً هو له أهل, وبه جدير..
    وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر, و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..
    وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..
    حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركّزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..
    وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
    يد تحمل الراية في تقديس..
    ويد تضرب بالسيف في عنفوان..
    ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول..
    لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!
    يقول ابن سعد: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال:
    [حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..
    وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..
    ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأنفذ الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء].
    وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
    وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!
    وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان..
    كان يظن أنه إذا سقط فسيصبح طريق القتلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..
    ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:
    (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)
    هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..
    --
    وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
    لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
    أو لكأنه خجلان إذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي إلى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!
    لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!
    --
    وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
    وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..
    يقوا خبّاب بن الأرت:
    [هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر"..]..
    وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..
    وعلى الرغم من أن أرض المعركة امتلأت بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
    على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..
    أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:
    (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
    ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. "ثم ها ذا شعث الرأس في بردة"..؟!
    وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:
    "إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".
    ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
    "أيها الناس زوروهم , وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة, إلا ردوا عليه السلام"..
    --
    السلام عليك يا مصعب..
    السلام عليكم يا معشر الشهداء..
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    التعديل الأخير تم بواسطة سهل الباطن ; 13-07-2016 الساعة 01:31 PM

    •   Alt 

       

  2. #2
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    عبدالرحمن بن أبي بكر ( بطل حتى النهاية )

    هو صورة مبيّنة للخلق العربي بكل أعماقه, وأبعاده..
    فبينما كان أبوه أول المؤمنين.. والصدّيق الذي آمن برسوله إيمانا ليس من طراز سواه.. وثاني اثنين إذ هما في الغار..كان هو صامدا كالصخر مع دين قومه, وأصنام قريش.!!
    وفي غزوة بدر, خرج مقاتلا مع جيش المشركين..
    وفي غزوة أحد كان كذلك على رأس الرماة الذين جنّدتهم قريش لمعركتها مع المسلمين..
    وقبل أن يلتحم الجيشان, بدأت كالعادة جولة المبارزة..
    ووقف عبدالرحمن يدعو إليه من المسلمين من يبارزه..
    ونهض أبو أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه مندفعا نحوه ليبارزه, ولكن الرسول أمسك به وحال بينه وبين مبارزة ولده.
    إن العربي الأصيل لا يميزه شيء مثلما يميزه ولاؤه المطلق لاقتناعه..
    إذا اقتنع بدين أو فكرة استبعده اقتناعه, ولم يعد للفكاك منه سبيل, اللهمّ إلا إذا أزاحه عن مكانه اقتناع جديد يملأ عقله ونفسه بلا زيف, وبلا خداع.
    فعلى الرغم من إجلال عبدالرحمن أباه, وثقته الكاملة برجاحة عقله, وعظمة نفسه وخلقه, فان ولاءه لاقتناعه بقي فارضا سيادته عليه.
    ولم يغره إسلام أبيه بإتباعه.
    وهكذا بقي واقفا مكانه, حاملا مسؤولية اقتناعه وعقيدته, يذود عن آلهة قريش, ويقاتل تحت لوائها قتال المؤمنين المستميتين..
    والأقوياء الأصلاء من هذا الطراز, لا يخفى عليهم الحق وان طال المدى..
    فأصالة جوهرهم, ونور وضوحهم, يهديانهم إلى الصواب آخر الأمر, ويجمعانهم على الهدى والخير.
    ولقد دقت ساعة الأقدار يوما, معلنة ميلادا جديدا لعبدالرحمن بن أبي بكر الصدّيق..
    لقد أضاءت مصابيح الهدى نفسه فكنست منها كل ما ورثته الجاهلية من ظلام وزيف. ورأى الله الواحد الأحد في كل ما حوله من كائنات وأشياء, وغرست هداية الله ظلها في نفسه وروعه, فإذا هو من المسلمين..!
    ومن فوره نهض مسافرا إلى رسول الله, أوّأبا إلى دينه الحق.
    وتألق وجه أبي بكر تحت ضوء الغبطة وهو يبصر ولده يبايع رسول الله.
    لقد كان في كفره رجلا.. وها هو ذا يسلم اليوم إسلام الرجال. فلا طمع يدفعه, ولا خوف يسوقه. وإنما هو اقتناع رشيد سديد أفاءته عليه هداية الله وتوفيقه.
    وانطلق عبدالرحمن يعوّض ما فاته ببذل أقصى الجهد في سبيل الله, ورسوله والمؤمنين...

    في أيام الرسول عليه صلاة الله وسلامه, وفي أيام خلفائه من بعده, لم يتخلف عبدالرحمن عن غزو, ولم يقعد عن جهاد مشروع..
    ولقد كان له يوم اليمامة بلاء عظيم, وكان لثباته واستبساله دور كبير في كسب المعركة من جيش مسيلمة والمرتدين.. بل انه هو الذي أجهز على حياة محكم بن الطفيل, والذي كان العقل المدبر لمسيلمة, كما كان يحمي بقوته أهم مواطن الحصن الذي تحصّن جيش الردّة بداخله, فلما سقط محكم بضربة من عبدالرحمن, وتشتت الذين حوله, انفتح في الحصن مدخل واسع كبير تدفقت منه مقاتلة المسلمين..
    وازدادت خصال عبدالرحمن في ظل الإسلام مضاء وصقلا..
    فولاؤه لاقتناعه, وتصميمه المطلق على إتباع ما يراه صوابا وحقا, ورفضه المداهنة...
    كل هذا الخلق ظل جوهر شخصيته وجوهر حياته, لم يتخل عنه قط تحت إغراء رغبة, أو تأثير رهبة, حتى في ذلك اليوم الرهيب, يوم قرر معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد بحد السيف.. فكتب إلى مروان عامله بالمدينة كتاب البيعة, وأمره إن يقرأه على المسلمين في المسجد..
    وفعل مروان, ولم يكد يفرغ من قراءته حتى نهض عبدالرحمن بن أبي بكر ليحول الوجوم الذي ساد المسجد إلى احتجاج مسموع ومقاومة صادعة فقال:
    " والله ما الأخيار أردتم لأمة محمد, ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية.. كلما مات هرقل قام هرقل"..!!
    لقد رأى عبدالرحمن ساعتئذ كل الأخطار التي تنتظر الإسلام لو أنجز معاوية أمره هذا, وحوّل الحكم في الإسلام من شورى تختار بها الأمة حاكمها, إلى قيصرية أو كسروية تفرض على الأمة بحكم الميلاد والمصادفة قيصرا وراء قيصر..!!
    لم يكد عبدالرحمن يصرخ في وجه مروان بهذه الكلمات القوارع, حتى أيّده فريق من المسلمين على رأسهم الحسين بن علي, وعبدالله بن الزبير, وعبدالله بن عمر..
    ولقد طرأت فيما بعد ظروف قاهرة اضطرت الحسين وابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم إلى الصمت تجاه هذه البيعة التي قرر معاوية أن يأخذها بالسيف..
    لكن عبدالرحمن بن أبي بكر ظل يجهر ببطلان هذه البيعة, وبعث إليه معاوية من يحمل مائة ألف درهم, يريد أن يتألفه بها, فألقاها ابن الصدّيق بعيدا وقال لرسول معاوية:
    " ارجع إليه وقل له: إن عبدالرحمن لا يبيع دينه بدنياه"..
    ولما علم بعد ذلك أن معاوية يشدّ رحاله قادما إلى المدينة غادرها من فوره إلى مكة..
    وأراد الله أن يكفيه فتنة هذا الموقف وسوء عقباه..
    فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها حتى فاضت إلى الله روحه,, وحمله الرجال على الأعناق إلى أعالي مكة حيث دفن هناك, تحت ثرى الأرض التي شهدت جاهليته..
    وشهدت إسلامه..!!
    وكان إسلام رجل صادق, حرّ شجاع...

  3. #3
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    البراء بن مالك ( الله, والجنة )


    هو ثاني أخوين عاشا في الله, وأعطيا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا نما وأزهر مع الأيام..
    أما أولهما فهو أنس بن مالك خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    أخذته أمه أم سليم إلى الرسول وعمره يوم ذاك عشر سنين وقالت:
    "يا رسول الله..
    هذا أنس غلامك يخدمك, فادع الله له"..
    فقبّله رسول الله بين عينيه ودعا له دعوة ظلت تحدو عمره الطويل نحو الخير والبركة..
    دعا له لرسول فقال:
    " اللهم أكثر ماله, وولده, وبارك له, وأدخله الجنة"..
    فعاش تسعا وتسعين سنة, ورزق من البنين والحفدة كثيرين, كما أعطاه الله فيما أعطاه من رزق, بستانا رحبا , كان يحمل الفاكهة في العام مرتين..!!

    وثاني الأخوين, هو البراء بن مالك..
    عاش حياته العظيمة المقدامة, وشعاره:
    " الله, والجنة"..
    ومن كان يراه, وهو يقاتل في سبيل الله, كان يرى عجبا يفوق العجب..
    فلم يكن البراء حين يجاهد المشركين بسيفه ممن يبحثون عن النصر, وان يكن النصر آنئذ أجلّ غاية.. إنما كان يبحث عن الشهادة..
    كانت كل أمانيه, أن يموت شهيدا, ويقضي نحبه فوق أرض معركة مجيدة من معارك الإسلام والحق..
    من أجل هذا, لم يتخلف عن مشهد ولا غزوة..
    وذات يوم ذهب إخوانه يعودونه, فقرأ وجوههم ثم قال:
    " لعلكم ترهبون أن أموت على فراشي..
    لا والله, لن يحرمني ربي الشهادة"..!!
    ولقد صدّق الله ظنه فيه, فلم يمت البراء على فراشه, بل مات شهيدا في معركة من أروع معارك الإسلام..!!

    ولقد كانت بطولة البراء يوم اليمامة خليقة به.. خليقة بالبطل الذي كان عمر بن الخطاب يوصي ألا يكون قائدا أبدا, لأن جسارته وإقدامه, وبحثه عن الموت.. كل هذا يجعل قيادته لغيره من المقاتلين مخاطرة تشبه الهلاك..!!
    وقف البراء يوم اليمامة وجيوش الإسلام تحت إمرة خالد تتهيأ للنزال, وقف يتلمظ مستبطئا تلك اللحظات التي تمرّ كأنها السنين, قبل أن يصدر القائد أمره بالزحف..
    وعيناه الثاقبتان تتحركان في سرعة ونفاذ فوق أرض المعركة كلها, كأنهما تبحثان عن أصلح مكان لمصرع البطل..!!
    أجل فما كان يشغله في دنياه كلها غير هذه الغاية..
    حصاد كثير يتساقط من المشركين دعاة الظلام والباطل بحدّ سيفه الماحق..
    ثم ضربة تواتيه في نهاية المعركة من يد مشركة, يميل على أثرها جسده إلى الأرض, على حين تأخذ روحه طريقها إلى الملأ الأعلى في عرس الشهداء, وأعياد المباركين..!!

    ونادى خالد: الله أكبر, فانطلقت الصفوف المرصوصة إلى مقاديرها, وانطلق معها عاشق الموت البراء بن مالك..
    وراح يجندل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه.. وهم يتساقطون كأوراق الخريف تحت وميض بأسه..
    لم يكن جيش مسيلمة هزيلا, ولا قليلا.. بل كان أخطر جيوش الردة جميعا..
    وكان بأعداده, وعتاده, واستماتة مقاتليه, خطرا يفوق كل خطر..
    ولقد أجابوا على هجوم المسلمين شيء من الجزع. وانطلق زعماؤهم وخطباؤهم يلقون من فوق صهوات جيادهم كلمات التثبيت. ويذكرون بوعد الله..
    وكان البراء بن مالك جميل الصوت عاليه..
    وناداه القائد خالد تكلم يا براء..
    فصاح البراء بكلمات تناهت في الجزالة, والدّلالة, القوة..
    تلك هي:
    " يا أهل المدينة..
    لا مدينة لكم اليوم..
    إنما هو الله والجنة"..
    كلمات تدل على روح قائلها وتنبئ بخصاله.
    أجل..
    إنما هو الله, والجنة..!!
    وفي هذا الموطن, لا ينبغي أن تدور الخواطر حول شيء آخر..
    حتى المدينة, عاصمة الإسلام, والبلد الذي خلفوا فيه ديارهم ونساءهم وأولادهم, لا ينبغي أن يفكروا فيها, لأنهم إذا هزموا اليوم, فلن تكون هنالك مدينة..
    وسرت كلمات البراء مثل.. مثل ماذا..؟
    إن أي تشبيه سيكون ظلما لحقيقة أثرها وتأثيرها..
    فلنقل: سرت كلمات البراء وكفى..
    ومضى وقت وجيز عادت بعده المعركة إلى نهجها الأول..
    المسلمون يتقدمون, يسبقهم نصر مؤزر.
    والمشركون يتساقطون في حضيض هزيمة منكرة..
    والبراء هناك مع إخوانه يسيرون لراية محمد صلى الله عليه وسلم إلى موعدها العظيم..
    واندفع المشركون إلى وراء هاربين, واحتموا بحديقة كبيرة دخلوها ولاذوا بها..
    وبردت المعركة في دماء المسلمين, وبدا أن في الأمان تغير مصيرها بهذه الحيلة التي لجأ إليها أتباع مسيلمة وجيشه..
    وهنا علا البراء ربوة عالية وصاح:
    " يا معشر المسلمين..
    احملوني وألقوني عليهم في الحديقة"..
    ألم أقل لكم انه لا يبحث عن النصر بل عن الشهادة..!!
    ولقد تصوّر في هذه الخطة خير ختام لحياته, وخير صورة لمماته..!!
    فهو حين يقذف به إلى الحديقة, يفتح المسلمين بابها, وفي نفس الوقت كذلك تكون أبواب الجنة تأخذ زينتها وتتفتح لاستقبال عرس جديد ومجيد..!!

    ولم ينتظر البراء أن يحمله قومه ويقذفوا به, فاعتلى هو الجدار, وألقى بنفسه داخل الحديقة وفتح الباب, واقتحمته جيوش الإسلام..
    ولكن حلم البراء لم يتحقق, فلا سيوف المشركين اغتالته, ولا هو لقي المصرع الذي كان يمني به نفسه..
    وصدق أبو بكر رضي الله عنه:
    " احرص على الموت..
    توهب لك الحياة"..!!

    صحيح أن جسد البطل تلقى يومئذ من سيوف المشركين بضعا وثمانين ضربة, أثخنته ببضع وثمانين جراحة, حتى لقد ظل بعد المعركة شهرا كاملا, يشرف خالد بن الوليد نفسه على تمريضه..
    ولكن كل هذا الذي أصابه كان دون غايته وما يتمنى..
    بيد أن ذلك لا يحمل البراء على اليأس.. فغدا تجيء معركة, ومعركة, ومعركة..
    ولقد تنبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه مستجاب الدعوة..
    فليس عليه إلا أن يدعو ربه دائما أن يرزقه الشهادة, ثم عليه ألا يعجل, فلكل أجل كتاب..!!

    ويبرأ البراء من جراحات يوم اليمامة..
    وينطلق مع جيوش الإسلام التي ذهبت تشيّع قوى الظلام إلى مصارعها.. هناك حيث تقوم إمبراطوريتان خرعتان فانيتان, الروم والفرس, تحتلان بجيوشهما الباغية بلاد الله, وتستعبدان عباده..
    ويضرب البراء بسيفه, ومكان كل ضربة يقوم جدار شاهق في بناء العالم الجديد الذي ينمو تحت راية الإسلام نموّا سريعا كالنهار المشرق..

    وفي إحدى حروب العراق لجأ الفرس في قتالهم إلى كل وحشية دنيئة يستطيعونها..
    فاستعملوا كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محمأة بالنار, يلقونها من حصونهم, فتخطف من تناله من المسلمين الذين لا يستطيعون منها فكاكا..
    وكان البراء وأخوه العظيم أنس بن مالك قد وكل إليهما مع جماعة من المسلمين أمر واحد من تلك الحصون..
    ولكن أحد هذه الكلاليب سقط فجأة, فتعلق بأنس ولم يستطع أنس أن يخلص نفسه من السلسلة , إذ كانت تتوهج لهبا ونارا..
    وأبصر البراء المشهد فسارع نحو أخيه الذي كانت السلسلة المحمأة تصعد به على سطح جدار الحصن.. وقبض على السلسلة بيديه وراح يعالجها في بأس شديد حتى قصمها وقطعها.. ونجا أنس وألقى البراء ومن معه نظرة على كفيه فلم يجدوهما مكانهما..!!
    لقد ذهب كل ما فيهما من لحم, وبقي هيكلهما العظمي مسمّرا محترقا..!!
    وقضى البطل فترة أخرى في علاج بطيء حتى برئ..

    أما آن لعاشق الموت أن يبلغ غايته..؟؟
    بلى آن..!!
    وهاهي ذي موقعة تستر تجيء ليلاقي المسلمون فيها جيوش فارس
    ولتكون للبراء عيدا أي عيد..

    احتشد أهل الأهواز, والفرس في جيش كثيف ليناجزوا المسلمين..
    وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص بالكوفة ليرسل إلى الأهواز جيشا..
    وكتب إلى أبي موسى الأشعري بالبصرة ليرسل إلى الأهواز جيشا, قائلا له في رسالته:
    " اجعل أمير الجند سهيل بن عديّ..
    وليكن معه البراء بن مالك"..
    والتقى القادمون من الكوفة بالقادمين من البصرة ليواجهوا جيش الأهواز وجيش الفرس في معركة ضارية..
    كان الأخوان العظيمان بين الجنود المؤمنين.. أنس بن مالك, والبراء بن مالك..
    وبدأت الحرب بالمبارزة, فصرع البراء وحده مائة مبارز من الفرس..
    ثم التحمت الجيوش, وراح القتلى يتساقطون من الفرقين كليهما في كثرة كاثرة..
    واقترب بعض الصحابة من البراء, والقتال دائر, ونادوه قائلين:
    " أتذكر يا براء قول الرسول عنك: ربّ أشعث أغبر ذي طَمْرٍ لا يؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه, منهم البراء بن مالك..؟
    يا براء أقسم على ربك, ليهزمهم وينصرنا"..
    ورفع البراء ذراعيه إلى السماء ضارعا داعيا:
    " اللهم امنحنا أكنافهم..
    اللهم اهزمهم..
    وانصرنا عليهم..
    وألحقني اليوم بنبيّك"..
    ألقى على جبين أخيه أنس الذي كان يقاتل قريب منه.. نظرة طويلة, كأنه يودّعه..
    وانقذف المسلمون في استبسال لم تألفه الدنيا من سواهم..
    ونصروا نصرا مبينا.

    ووسط شهداء المعركة, كان هناك البراء تعلو وجهه ابتسامة هانئة كضوء الفجر.. وتقبض يمناه على حثيّة من تراب مضمّخة بدمه الطهور..
    لقد بلغ المسافر داره..
    وأنهى مع إخوانه الشهداء رحلة عمر جليل وعظيم, ونودوا:
    ( أن تلكم الجنة, أورثتموها بما كنتم تعملون)....

  4. #4
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    حذيفة بن اليمان ( عدوّ النفاق وصديق الوضوح )


    خرج أهل المدائن أفواجا يستقبلون واليهم الجديد الذي اختاره لهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه..
    خرجوا تسبقهم أشواقهم إلى هذا الصحابي الجليل الذي سمعوا الكثير عنورعه وتقاه.. وسمعوا أكثر عن بلائه العظيم في فتوحات العراق..
    وإذ هم ينتظرون الموكب الوافد, أبصروا أمامهم رجلا مضيئا, يركب حمارا على ظهره إكاف قديم, وقد أسدل الرجل ساقيه, وأمسك بكلتا يديه رغيفا وملحا, وهو يأكل ويمضغ طعامه..!
    وحين توسط جمعهم, وعرفوا أنه حذيفة بن اليمان الوالي الذي ينتظرون, كاد صوابهم يطير..!!
    ولكن فيم العجب..؟!
    وماذا كانوا يتوقعون أن يجيء في اختيار عمر..؟!
    الحق أنهم معذورون, فما عهدت بلادهم أيام فارس, ولا قبل فارس ولاة من هذا الطراز الجليل.!!

    وسار حذيفة, والناس محتشدون حوله, وحافون به..
    وحين رآهم يحدّقون فيه كأنهم ينتظرون منه حديثا, ألقى على وجوههم نظرة فاحصة ثم قال:
    " إياكم ومواقف الفتن"..!!
    قالوا:
    وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله..!!
    قال:
    " أبواب الأمراء"..
    يدخل أحدكم على الوالي أو الأمير, فيصدّقه بالكذب, ويمتدحه بما ليس فيه"..!
    وكان استهلالا بارعا, بقدر ما هو عجيب..!!
    واستعاد الأنس موفورهم ما سمعوه عن واليهم الجديد, من أنه لا يمقت في الدنيا كلها ولا يحتقر من نقائصها شيئا أكثر مما يمقت النفاق ويحتقره.
    وكان هذا الاستهلال أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد, وعن منهجه في الحكم والولاية..

    فـحذيفة بن اليمان رجل جاء الحياة مزودا بطبيعة فريدة تتسم ببغض النفاق, وبالقدرة الخارقة على رؤيته في مكامنه البعيدة.
    ومنذ جاء هو أخوه صفوان في صحبة أبيهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنق ثلاثتهم الإسلام, والإسلام يزيد موهبته هذه مضاء وصقلا..
    فلقد عانق دينا قويا, نظيفا, شجاعا قويما.. يحتقر الجبن والنفاق, والكذب...
    وتأدّب على يدي رسول الله واضح كفلق الصبح, لا تخفى عليهم من حياته, ولا من أعماق نفسه خافية.. صادق وأمين..يحب الأقوياء في الحق, ويمقت الملتوين والمرائين والمخادعين..!!

    فلم يكن ثمة مجال ترعرع فيه موهبة حذيفة وتزدهر مثل هذا المجال, في رحاب هذا الدين, وبين يدي هذا الرسول, ووسط هذا الرعيل العظيم من الأصحاب..!!
    ولقد نمت موهبته فعلا أعظم نماء.. وتخصص في قراءة الوجوه والسرائر.. يقرأ الوجوه في نظرة.. ويبلو كنه الأعماق المستترة, والدخائل المخبوءة. في غير عناء..
    ولقد بلغ من ذلك ما يريد, حتى كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه, وهو الملهم الفطن الأريب, يستدل برأي حذيفة, وببصيرته في اختيار الرجال ومعرفتهم.
    ولقد أوتي حذيفة من الحصافة ما جعله يدرك أن الخير في هذه الحياة واضح لمن يريده.. وإنما الشر هو الذي يتنكر ويتخفى, ومن ثم يجب على الأريب أن يعنى بدراسة الشر في مآتيه, ومظانه..
    وهكذا عكف حذيفة رضي الله عنه على دراسة الشر والأشرار, والنفاق والمؤمنين..
    يقول:
    " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني..
    قلت: يا رسول الله فهل بعد هذا الخير من شر؟
    قال: نعم..
    قلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟
    قال: نعم, وفيه دخن..
    قلت: وما دخنه..؟
    قال: قوم يستنون بغير سنتي.. ويهتدون يغير هديي, وتعرف منهم وتنكر..
    قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر..؟
    قال: نعم! دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها..
    قلت: يا رسول الله, فما تأمرني إن أدركني ذلك..؟
    قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم..
    قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام..؟؟
    قال: تعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"..!!
    أرأيتم قوله:" كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"..؟؟

    لقد عاش حذيفة بن اليمان مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن, مسالك الشرور ليتقها, وليحذر الناس منها. ولقد أفاء عليه هذا بصرا بالدنيا, وخبرة بالإنس, ومعرفة بالزمن.. وكان يدير المسائل في فكره وعقله بأسلوب فيلسوف, وحصانة حكيم...

    ويقول رضي الله عنه:
    " إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم, فدعا الإنس من الضلالة إلى الهدى, ومن الكفر إلى الإيمان, فاستجاب له من استجاب, فحيي بالحق من كان ميتا...
    ومات بالباطل من كان حيا..
    ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على مناهجها..
    ثم يكون ملكا عضوضا..!!
    فمن الإنس من ينكر بقلبه, ويده ولسانه.. أولئك استجابوا لحق..
    ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه, كافا يده, فهذا ترك شعبة من الحق..
    ومنهم من ينكر بقلبه, كافا يده ولسانه, فهذا ترك شعبتين من الحق..
    ومنهم من لا ينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه, فذلك ميّت الأحياء"...!

    ويتحدّث عن القلوب وعن حياة الهدى والضلال فيها فيقول:
    " القلوب أربعة:
    قلب أغلف, فذلك قلب الكافر..
    وقلب مصفح, فذلك قلب المنافق..
    وقلب أجرد, فيه سراج يزهر, فذلك قلب المؤمن..
    وقلب فيه نفاق وإيمان, فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب.. ومثل النفاق كقرحة يمدّها قيح ودم: فأيهما غلب, غلب"...!!

    وخبرة حذيفة بالشر, وإصراره على مقاومته وتحدّيه, أكسبا لسانه وكلماته شيئا من الحدّة, وينبأ هو بهذا في شجاعة نبيلة:
    فيقول:
    " جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله, إن لي لسانا ذربا على أهلي, وأخشى أن يدخلني النار..
    فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: فأين أنت من الاستغفار..؟؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"...

    هذا هو حذيفة عدو النفاق, صديق الوضوح..
    ورجل من هذا الطراز, لا يكون إيمانه إلا وثيقا.. ولا يكون ولاؤه إلا عميقا.. وكذلكم كان حذيفة في إيمانه وولائه..
    لقد رأى أباه المسلم يصرع يوم أحد..وبأيد مسلمة, قتلته خطأ وهي تحسبه واحدا من المشريكن..!!
    وكان حذيفة يتلفت مصادفة, فرأى السيوف تنوشه, فصاح في ضاربيه: أبي... أبي.. انه أبي..!!
    لكن القضاء كان قد حم..

    وحين عرف المسلمون, تولاهم الحزن والوجوم.. لكنه نظر إليهم نظرة إشفاق ومغفرة, وقال:
    " يغفر الله لكم, وهو أرحم الراحمين"..
    ثم انطلق بسيفه صوب المعركة المشبوبة يبلي فيها بلاءه, ويؤدي واجبه..
    وتنتهي المعركة, ويبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة "حسيل بن جابر" رضي الله عنه, ويتصدّق بها على المسلمين, فيزداد الرسول حبا له وتقديرا...

    وإيمان حذيفة وولاؤه, لا يعترفان
    بالعجز, ولا بالضعف..بل ولا بالمستحيل....
    في غزوة الحندق..وبعد أن دبّ الفشل في صفوف كفار قريش وحلفائهم من اليهود, أراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقف على آخر تطوّرات الموقف هناك في معسكر أعدائه.

    كان الليل مظلما ورهيبا.. وكانت العواصف تزأر وتصطخب, كأنما تريد أن تقتلع جبال الصحراء الراسيات من مكانها.. وكان الموقف كله بما فيه من حصار وعناد وإصرار يبعث على الخوف والجزع, وكان الجوع المضني قد بلغ مبلغا وعرا بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم..
    فمن يملك آنئذ القوة,وأي قوة ليذهب وسط مخاطر حالكة إلى معسكر الأعداء ويقتحمه, أو يتسلل داخله ثم يبلوا أمرهم ويعرف أخبارهم..؟؟
    إن الرسول هو الذي سيختار من أصحابه من يقوم بهذه المهمة البالغة العسر..
    ترى من يكون البطل..؟
    انه هو..حذيفة بن اليمان..!
    دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فلبى, ومن صدقه العظيم يخبرنا وهو يروي النبأ أنه لم يكن يملك إلا أن يلبي.. مشيرا بهذا إلى أنه كان يرهب المهمة الموكولة إليه, ويخشى عواقبها, والقيام بها تحت وطأة الجوع, والصقيع, والإعياء الجديد الذي خلفهم فيه حصار المشركين شهرا أو يزيد..!
    وكان أمر حذيفة تلك الليلة عجيبا...
    فاقد قطع المسافة بين المعسكرين, واخترق الحصار.. وتسلل إلى معسكر قريش, وكانت الريح العاتية قد أطفأت نيران المعسكر, فخيّم عليه الظلام,واتخذ حذيفة رضي الله عنه مكانه وسط صفوف المحاربين...
    وخشي أبوسفيان قائد قريش, أن يفاجئهم الظلام بمتسللين من المسلمين, فقام يحذر جيشه, وسمعه حذيفة يقول بصوته المرتفع:
    " يا معشر قريش, لينظر كل منكم جليسه, وليأخذ بيده, وليعرف اسمه".
    يقول حذيفة"
    " فسارعت إلى يد الرجل الذي بجواري, وقلت له من أنت..؟ قال: فلان بن فلان؟"...
    وهكذا أمّن وجوده بين الجيش في سلام..!
    واستأنف أبو سفيان نداءه إلى الجيش قائلا:" يا معشر قريش.. إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام.. لقد هلكت الكراع _ أي الخيل_ والخف_ أي الإبل_, وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من شدّة الريح, ما تطمئن لنا قدر, ولا تقوم لنا نار, ولا يستمسك لنا بناء, فارتحلوا فاني مرتحل"..
    ثم نهض فوق جمله, وبدأ المسير فتبعه المحاربون..
    يقول حذيفة:
    " لولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ ألا تحدث شيئا حتى تأتيني, لقتلته بسهم"..
    وعاد حذيفة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبره الخبر, وزف البشرىإليه...

    ومع هذا فإن حذيفة يخلف في هذا المجال كل الظنون..
    ورجل الصومعة العابد, المتأمل لا يكاد يحمل سيفه ويقابل جيوش الوثنية والضلال حتى يكشف لنا عن عبقرية تبهر الأبصار..
    وحسبنا أن نعلم, أنه كان ثالث ثلاثة, أو خامس خمسة كانوا أصحاب السبق العظيم في فتوح العراق جميعها..!

    وفي همدان والري والدينور تم الفتح على يديه..
    وفي معركة نهاوند العظمى, حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا.. اختار عمر لقيادة الجيوش المسلمة النعمان بن مقرّن ثم كتب إلى حذيفة أن يسير إليه على رأس جيش من الكوفة..
    وأرسل عمر إلى المقاتلين كتابه يقول:
    " إذا اجتمع المسلمون فليكن على كل أمير جيشه.. وليكن أمير الجيوش جميعها النعمان بن مقرّن..
    فإذا استشهد النعمان, فليأخذ الراية حذيفة, فإذا استشهد فجرير بن عبدالله..
    وهكذا مضى أمير المؤمنين يختار قوّاد المعركة حتى سمّى منهم سبع...
    والتقى الجيشان..
    الفرس في مائة ألف وخمسين ألفا..
    والمسلمون في ثلاثين ألفا لاغير...
    وينشب قتال يفوق كل تصور ونظير ودارت معركة من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا..
    وسقط قائد المسلمين قتيلا, سقط النعمان بن مقرّن, وقبل أن تهوي الراية المسلمة إلى الأرض كان القائد الجديد قد تسلمها بيمينه, وساق بها رياح النصر في عنفوان لجب واستبسال عظيم... ولم يكن هذا القائد سوى حذيفة بن اليمان...
    حمل الراية من فوره, وأوصى بألا نذع نبأ موت النعمان حتى تنجلي المعركة.. ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه النعمان تكريما له..
    أنجزت المهمة في لحظات والقتال يدور, بديهيته المشرقة.. ثم انثنى كالإعصار المدمدم على صفوف الفرس صائحا:
    " الله أبكر صدق وعده!!
    الله أكبر نصر جنده!!"
    ثم لوى زمام فرسه صوب المقاتلين في جيوشه ونادى: يا أتباع محمد.. هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم فلا تطيلوا عليها الانتظار..
    هيا يا رجال بدر..
    تقدموا يا أبطال الخندق وأحد وتبوك..
    لقد احتفظ حذيفة بكل حماسة المعركة وأشواقها, إن لم يكن قد زاد منها وفيها..
    وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس.. هزيمة لا نكاد نجد لها نظيرا..!!

    هذا العبقري في حمته, حين تضمّه صومعته..
    والعبقري في فدائيته, حين يقف فوق أرض القتال..
    هو كذلك العبقري في كل مهمة توكل إليه, ومشورة تطلب منه.. فحين انتقل سعد بن أبي وقاص والمسلمون معه من المدائن إلى الكوفة واستوطنوها..
    وذلك بعد أن أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا.
    مما جعل عمر يكتب إلى سعد كي يغادرها فورا بعد أن يبحث عن أكثر البقاع ملاءمة, فينتقل بالمسلمين إليها..
    يومئذ من الذي وكل إليه أمر اختيار البقعة والمكان..؟
    إنه حذيفة بن اليمان.. ذهب ومعه سلمان بن زياد, يرتادان لمسلمين المكان الملائم..
    فلما بلغا أرض الكوفة, وكانت حصباء جرداء مرملة. شمّ حذيفة عليها أنسام العافية, فقال لصاحبه: هنا المنزل ان شاء الله..
    وهكذا خططت الكوفة وأحالتها يد التعمير إلى مدينة عامرة...
    وما كاد المسلمون ينتقلون إليها, حتى شفي سقيمهم. وقوي ضعيفهم. ونبضت بالعافية عروقهم..!!
    لقد كان حذيفة واسع الذكاء, متنوع الخبرة, وكان يقول للمسلمين دائما:
    " ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة.. ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا.. ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه"...

    وذات يوم من أيام العام الهجري السادس والثلاثين..دعي للقاء الله.. وإذ هو يتهيأ للرحلة الأخيرة دخل عليه بعض أصحابه, فسألهم:
    أجئتم معكم بأكفان..؟؟
    قالوا: نعم..
    قال: أرونيها..
    فلما رآها, وجدها جديدة فارهة..
    فارتسمت على شفتيه آخر بسماته الساخرة, وقال لهم:
    " ما هذا لي بكفن.. إنما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص..
    فاني لن أترك في القبر الا قليلا, حتى أبدّل خيرا منهما... أو شرّ منهما"..!!
    وتمتم بكلمات, ألقى الجالسون أسماعهم فسمعوها:
    " مرحبا بالموت..
    حبيب جاء على شوق..
    لا أفلح من ندم"..
    وصعدت إلى الله روح من أعظم أرواح البشر, ومن أكثرها تقى, وتآلقا, واخباتا...

  5. #5
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    عمير بن وهب ( شيطان الجاهلية, وحواريّ الإسلام )


    في يوم بدر, كان واحدا من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام.
    وكان حديد البصر, محكم التقدير, ومن ثم ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم, ولينظر إن كان لهم من وزرائهم كمين أو مدد..
    وانطلق عمير بن وهب الجمحيّ وصال بفرسه حول معسكر المسلمين, ثم رجع يقول لقومه:" إنهم ثلاثمائة رجل, يزيدون قليلا أ, ينقصون" وكان حدسه صحيحا.
    وسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟؟ فأجابهم قائلا:
    " لم أجد وراءهم شيئا.. ولكن يا معشر قريش, رأيت المطايا تحمل الموت الناقع.. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم..
    " والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم, فإذا أصابوا منكم مثل عددهم, فما خير العيش بعد ذلك..؟؟
    " فانظروا رأيكم"..
    وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش, وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال, لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم, وأضرم في النفوس نار الحقد, ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها..

    كان أهل مكة يلقبونه بـشيطان قريش..
    ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغن قومه شيئا, فعادت قوات قريش إلى مكة مهزومة مدحورة, وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه.. إذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيرا..
    وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة.. وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة, فان أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب.
    جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما..
    ولندع عروة بن الزبير ينقل إلينا حديثهما الطويل:
    " قال صفوان, وهو يذكر قتلى بدر: والله ما في العيش بعدهم من خير..!
    وقال له عمير: صدقت, ووالله لولا دين محمد عليّ لا أملك قضاءه, وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله, فان لي عنده علة أعتلّ بها عليه: أٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير.
    فاغتنمها صفوان وقال: عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك.. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا..
    فقال له عمير:إذن فاكتم شأني وشأنك..."

    ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ, ثم انطلق حتى قدم المدينة.
    وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر, ويذكرون ما أكرمهم الله به, إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب, قد أناخ راحلته على باب المسجد, متوشحا سيفه, فقال:
    هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب, والله ما جاء إلا لشرّ..
    فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
    ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فال:
    يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه..
    قال صلى الله عليه وسلم:
    أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها, وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار, ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث, فانه غير مأمون."
    ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: دعه يا عمر..
    إذن يا عمير..
    فدنا عمير وقال: انعموا صباحا, وهي تحيّة الجاهلية,
    فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير, بالسلام.. تحية أهل الجنة.
    فقال عمير: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
    قال لرسول: فما جاء بك يا عمير..؟؟
    قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم.
    قال النبي: فما بال السيف في عنقك..؟؟
    قال عمير: قبّحها الله من سيوف, وهل أغنت عنا شيئا..؟!
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقني يا عمير, ما الذي جئت له..؟
    قال: ما جئت إلا لذلك.
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش, ثم قلت, لولا دين عليّ, وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا, فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له, والله حائل بينك وبين ذلك..!!!
    وعندئذ صاح عمير: أشهد أن لا اله إلا الله, وأشهد أنك رسول الله.. هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان, فوالله ما أنبأك به إلا الله, فالحمد لله الذي هداني للإسلام..
    فقال الرسول لأصحابه: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئه القرآن, وأطلقوا أسيره....!!

    هكذا أسلم عمير بن وهب..
    هكذا أسلم شيطان قريش, وغشيه من نور الرسول والإسلام ما غشيه فإذا هو في لحظة يتقلب إلى حواريّ الإسلام..!!
    يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
    " والذي نفسي بيده, لخنزير كان أحبّ إليّ من عمير حين طلع علينا..
    ولهو اليوم أحبّ إليّ من بعض ولدي"..!!

    جلس عمير يفكّر بعمق في سماحة هذا الدين, وفي عظمة هذا الرسول:
    ثم تذكر بلاءه يوم بدر وقتاله.
    وتذكر أيامه الخوالي في مكة وهو يكيد للإسلام ويحاربه قبل هجرة الرسول وصحبه إلى المدينة.
    ثم هاهو ذا يجيء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول.
    كل ذلك يمحوه في لحظة من الزمان قوله:" لا اله إلا الله, محمد رسول الله"..!!
    أيّة سماحة, وأي صفاء, وأية ثقة بالنفس يحملها هذا الدين العظيم..!!
    أهكذا في لحظة يمحو الإسلام كل خطاياه السالفة, وينسى المسلمون كل جرائره وعداواته السابقة, ويفتحون له قلوبهم, ويأخذونه بالأحضان..؟!
    أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جريمة, لا يزال يلمع أمام أبصارهم, ينسي ذلك كله, ولا يذكر الآن إلا أن عميرا بإسلامه, قد أصبح أحدا من المسلمين ومن أصحاب الرسول, له ما لهم.. وعليه ما عليهم..؟!!!
    أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الخطاب منذ لحظتين أن يقتله, يصبح أحب إلى عمر من ولده وبنيه..؟؟؟!!!
    إذا كانت لحظة واحدة من الصدق, تلك التي أعلن فيها عمر إسلامه, تحظى من الإسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والإجلال, فان الإسلام إذن لهو دين عظيم..!!

    وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين.. أن يخدمه بقدر ما حاربه, وإن يدعو إليه, بقدر ما دعا ضدّه.. وأن يري الله ورسوله ما يحب الله ورسوله من صدق, وجهاد وطاعة.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم, قائلا:
    " يا رسول الله: انب كنت جاهدا على إطفاء نور الله, شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل, واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة, فأدعوهم إلى الله تعالى, وإلى رسوله, وإلى الإسلام, لعلّ الله يهديهم, وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..

    في تلك الأيام, ومنذ فارق عمير مكة متوجها إلى المدينة كان صفوان بن أمية الذي أغرى عميرا بالخروج لقتل الرسول, يمشي في شوارع مكة مختالا, ويغشي مجالسها وندواتها فرحا محبورا..!
    وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته, وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر, يفرك كفّيه في غرور يقول للناس:" أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..!
    وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان:" ألم يحدث بالمدينة أمر".
    وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى, فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال.
    ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان, حتى لقي بعضهم يوما فسأله:" ألم يحدث بالمدينة أمر"..؟؟
    فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!!
    وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح..
    وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق:" ماذا حدث اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب, وهو هناك يتفقه في الدين, ويتعلم القرآن"..!!
    ودارت الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه, والتي كان ينتظرها لتنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما..!!

    وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير إلى مكة شاهرا سيفه, متحفزا للقتال, ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية..
    وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته, ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه إلى صوابه, فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
    دخل عمير بن وهب مكة مسلما, وهو الذي فارقها من أيام مشركا, دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم, ثم صاح فور إسلامه قائلا:
    " والله لا أدع مكانا جلست فيه بالكفر, إلا جلست فيه بالإيمان".

    ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعارا, ومن ذلك الموقف قدوة, فقد صمم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه.. ولقد كان في موقف يسمح له بأن ينزل الأذى بمن يريد له الأذى ..
    وهكذا راح يعوّض ما فاته.. ويسابق الزمن إلى غايته, فيبشر بالإسلام ليلا ونهارا.. علانية وإجهارا..
    في قلبه إيمانه يفيض عليه أمنا, وهدى ونورا..
    وعلى لسانه كلمات حق, يدعو بها إلى العدل والإحسان والمعروف والخير..
    وفي يمينه سيف يرهب به قطاع الطوق الذين يصدّون عن سبيل الله من آمن به, ويبغونها عوجا.
    وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال.
    وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق.
    وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من قريب حاملا سيفه, حاثّا خطاه إلى المدينة ليقتل الرسول, ثم عبرها مرّة أخرى راجعا من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملؤون رحابها تهليلا وتكبيرا..

    أجل لإنه لنبأ عظيم.. نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله إلى حواريّ باسل من حوارييّ الإسلام, والذي ظلّ واقفا إلى جوار رسول الله في الغزوات والمشاهد, وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا.
    وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه إليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول, وصدق الرسالة..
    بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن..
    واشتدّ إشفاق عمير على صفوان, وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة.
    وذهب مسرعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
    " يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه, وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليك,
    فقال النبي: هو آمن.
    قال رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك, فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة"..

    ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث:
    " فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان, فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به..
    قال له صفوان: ويحك, اغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان..فداك أبي وأمي, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس, وأبرّ الناس , وأحلم الناس, وخير الإنس.. عزّه عزّك, وشرفه شرفك..
    قال: إني أخاف على نفسي..
    قال: هو أحلم من ذاك وأكرم..
    فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا يزعم أنك أمّنتني..
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدق..
    قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين..
    قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر".
    وفيما بعد أسلم صفوان.
    وسعد عمير بإسلامه أيّما سعادة..
    وواصل ابن وهب مسيرته المباركة إلى الله, متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور.

  6. #6
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    سلمة بن الأكوع ( بطل المشاة )

    أراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله في عبارة واحدة.
    فقال:
    " ماكذب أبي قط"..!!
    وحسب إنسان أن يحرز هذه الفضيلة, ليأخذ مكانه العالي بين الأبرار والصالحين.
    ولقد أحرزها سلمة بن الأكوع وهو جدير بها..
    كان سلمة من رماة العرب المعدودين, وكان كذلك من المبرزين في الشجاعة والكرم وفعل الخيرات.
    وحين أسلم نفسه للإسلام, أسلمها صادقا منيبا, فصاغها الإسلام على نسقه العظيم.
    وسلمة بن الأكوع من أصحاب بيعة الرضوان.

    حين خرج الرسول وأصحابه عام ست من الهجرة, قاصدين زيارة البيت الحرام, وتصدّت لهم قريش تمنعهم.
    أرسل النبي إليهم عثمان بن عفان ليخبرهم أن النبي جاء زائرا لا مقاتلا..
    وفي انتظار عودة عثمان, سرت إشاعة بأن قريشا قد قتلته,وجلس الرسول في ظل الشجرة يتلقى بيهة أصحابه واحدا واحدا على الموت..
    يقول سلمة:
    " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت تحت الشجرة,. ثم تنحيّت, فلما خف الناس قال يا سلمة مالك لا تبايع..؟
    قلت: قد بايعت ي رسول الله, قال: وأيضا.. فبايعته".
    ولقد وفى بالبيعة خير وفاء.
    بل وفى بها قبل أن يعطيها, منذ شهد أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..
    يقول:
    " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات".

    كان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة, ويرمون بالنبال والرماح,
    وكانت طريقته تشبه طريقة بعض حروب العصابات الكبيرة التي تتبع اليوم.. فكان إذا هاجمه عدوه تقهقر دونه, فإذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجمه في غير هوادة..
    وبهذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده, القوة التي أغارت على مشارف المدينة بقيادة عيينة بن حصن الفزاري في الغزوة المعروفة بغزو ذي قرد..
    خرج في أثرهم وحده, وظل يقاتلهم ويراوغهم, ويبعدهم عن المدينة حتى أدركه الرسول في قوة وافرة من أصحابه..
    وفي هذا اليوم قال الرسول لأصحابه:
    " خير رجّالتنا , أي مشاتنا, سلمة بن الأكوع"!!

    ولم يعرف سلمة الأسى والجزع إلا عند مصرع أخيه عامر بن الأكوع في حرب خيبر..
    وكان عامر يرتجز أمام جيش المسلمين هاتفا:
    لا همّ لولا أنت ما اهتدينا
    ولا تصدّقنا ولا صلّينا
    فأنزلن سكينة علينا
    وثبت الأقدام ان لاقينا
    في تلك المعركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد المشركين فانثنى السيف في يده وأصابت ذوّابته منه مقتلا.. فقال بعض المسلمين:
    " مسكين عامر حرم الشهادة"
    عندئذ لا غير جزع سلمة جزعا شديدا, حين ظنّ كما ظن غيره أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ قد حرم أجر الجهاد, وثواب الشهادة.
    لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع الأمور في نصابها حين ذهب إليه سلمة وقال له:
    أصحيح يا رسول الله أن عامرا حبط عمله..؟
    فأجابه الرسول عليه السلام:
    " إنه قتل مجاهدا
    وإن له لأجرين
    وإنه الآن ليسبح
    في أنهار الجنة"..!!
    وكان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوادا إذا سئل بوجه الله..
    فلو أن إنسانا سأله بوجه الله أن يمنحه حياته, لما تردد في بذلها.
    ولقد عرف الناس منه ذلك, فكان أحدهم إذا أراد أن يظفر منه بشيء قال له:
    " من لم يعط بوجه الله, فبم يعطي"..؟؟

    ويوم قتل عثمان, رضي الله عنه, أدرك المجاهد الشجاع أن أبواب الفتنة قد فتحت على المسلمين.
    وما كان له وهو الذي قضى عمره يقاتل بين إخوانه أن يتحول إلى مقاتل ضد إخوانه..
    أجل إن الرجل الذي حيّا الرسول مهارته في قتال المشركين, ليس من حقه أن يقاتل بهذه المهارة مسلما..
    ومن ثمّ, فقد حمل متاعه وغادر المدينة إلى الربدة.. نفس المكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له ومصيرا.
    وفي الرّبدة عاش سلمة بقية حياته, حتى كان يوم عام أربعة وسبعين من الهجرة, فأخذه السوق إلى المدينة فسافر إليها زائرا, وقضى بها يوما, وثانيا..
    وفي اليوم الثالث مات.
    وهكذا ناداه ثراها الحبيب الرطيب ليضمّه تحت جوانحه ويؤويه مع من آوى قبله من الرفاق المباركين, والشهداء الصالحين.


  7. #7
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    سلمان الفارسي ( الباحث عن الحقيقة )

    من بلاد فارس, يجيء البطل هذه المرة..
    ومن بلاد فارس, عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد, فجعل منهم أفذاذا لا يلحقون في الإيمان, وفي العلم.. في الدين, وفي الدنيا..
    وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظمائه, ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر, كل نبوغها ويحرج كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..
    وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والإرادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!!
    ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا, بل وعد به وعدَصدقٍ من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأيَ العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها..
    وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وُثقى .
    كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
    ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوف المسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقي رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..!
    وفوجئ الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
    وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
    وصوّر القرآن الموقف, فقال الله تعالى:
    (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ). الأحزاب (10)
    أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه, وأصحابه..
    وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.
    إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح..
    ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
    وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..
    وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟
    هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا.
    تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.
    وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
    والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدت شملها..
    ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

    خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخور عاتية..
    كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
    وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.
    وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..
    وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا عن مرمى الشظايا..
    وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فإذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
    ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
    "الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها"..
    ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت الظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
    "الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء, وان أمتي ظاهرة عليها".
    ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما, وصاح المسلمون في إيمان عظيم:
    هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!!
    كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مدائن الفرس والروم..
    رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
    رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!
    وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أمام داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى المسيحية, ثم إلى الإسلام..
    كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضان الفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!
    كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
    كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
    تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه..
    [كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي"..
    وكان أبي دهقان أرضه.
    وكنت من أحب عباد الله إليه..
    وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها نخبو..
    وكان لأبي ضيعة, أرسلني إليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت إلى ضيعة أبي, ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري...
    وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام..
    وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا..
    فحاذرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
    وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم إلى الشام..
    وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم..
    وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذ كان يجمع الصدقات من الإنس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه.
    ثم مات..
    وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..
    وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
    قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..
    فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت إليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..
    ثم حضرته الوفاة, فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين جرّتين, فان استطعت أن تخلص إليه فافعل.
    وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, إذا رأيته عرفته.
    ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
    واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناك ظلموني, وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.
    وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فو الله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
    وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
    واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني قريظة إنم ليتقاصفون على رجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي..
    فو الله ما إن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
    فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالك ولهذا..؟
    أقبل على عملك..
    فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
    ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..
    فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
    ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله..
    وأكل معهم..
    قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
    ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته في البقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملتين مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي..
    فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..
    ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
    وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.
    بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله, وترسم له دوره في الحياة..
    فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟
    أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
    أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعاً مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق, وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤون أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!
    ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته, وهذا صدقه؟
    لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
    أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
    وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة..
    فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي, وأصلي له..؟ّ
    فأجابه سلمان قائلا:
    إن لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صم وافطر, وصل ونم..
    فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
    " لقد أشبع سلمان علما ".
    وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه..
    ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..
    وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".
    وانه بهذا الشرف لجدير..
    وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:
    [ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
    أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف].
    ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
    ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, إذ جمع أصحابه وقال لهم:
    "هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
    وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.
    لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا.
    وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
    وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الإسلام تملأ الأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية, فتورّع الأنس في صورة أعطيت منتظمة, ومرتبات ثابتة.
    وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..
    فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟
    افتحوا أبصاركم جيدا..
    أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟
    انه سلمان..
    انظروه جيدا..
    انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد إلى ركبته..
    انه هو, في جلال مشيبه, وبساطة اهابه.
    لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام, بيد أنه كان يوزعه جميعا, ويرفض أن يناله منه درهم واحد, ويقول:
    "أشتري خوصا بدرهم, فأعمله, ثم أبيعه بثلاثة دراهم, فأعيد درهما فيه, وأنفق درهما على عيالي, وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!
    ثم ماذا يا أتباع محمد..؟
    ثم ماذا يا شرف الإنسانية في كل عصورها ومواطنها..؟؟
    لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم, مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر وإخوانهم, أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..
    فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية, ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم, ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟
    ما باله يرفض إمارة ويهرب منها ويقول:
    "إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".
    ما باله يهرب من الإمارة والمنصب, إلا أن تكون إمارة على سريّة ذاهبة إلى الجهاد.. وألا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه, فيكره عليها إكراها, ويمضي إليها باكيا وجلا..؟
    ثم ما باله حين يلي على الإمارة المفروضة عليه فرضا يأبى أن يأخذ عطاءها الحلال..؟؟
    روى هشام عن حسان عن الحسن:
    " كان عطاء سلمان خمسة آلاف, وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها, ويلبس نصفها.."
    "وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه, ويأكل من عمل يديه..".
    ما باله يصنع كل هذا الصنيع, ويزهد كل ذلك الزهد, وه الفارسي, ابن النعمة, وربيب الحضارة..؟
    لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربهاالعلي الرحيم.
    دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..
    قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".
    فأجابه سلمان:
    " والله ما أبكي جزعا من الموت, ولاحرصا على الدنيا, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا, فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب, وهاأنذا حولي هذه الأساود"!!
    يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!
    قال سعد فنظرت, فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة, فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد إلينا بعهد نأخذه عنك, فقال:
    " يا سعد:
    اذكر عند الله همّتك إذا هممت..
    وعند حكمتك إذا حكمت..
    وعند يدك إذا قسمت.."
    هذا هو إذن الذي ملأ نفسه غنى, بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها, ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم, وألا يأخذ أحدهم منها إلا مثل زاد الركب..
    ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل, مخافة أن يكون قد جاوز المدى.
    ليس حوله إلا جفنة يأكل فيها, ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..
    ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟
    وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن, لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الإمارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس إلا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..
    وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..
    كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه, فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم, حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله, حتى إذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..
    وأشار للرجل فأقبل عليه, وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.
    وإذ هما على الطريق بلغا جماعة من الإنس, فسلم عليهم, فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..
    وعلى الأمير السلام..؟
    أي أمير يعنون..؟!!
    هكذا سأل الشامي نفسه..
    ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:
    عنك أيها الأمير..!!
    فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي, فسقط في يده, وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه, واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:
    " لا, حتى أبلغك منزلك"..!!
    سئل يوما: ما الذي يبغض الإمارة إلى نفسك.؟
    فأجاب: " حلاوة رضاعها, ومرارة فطامها"..
    ويدخل عليه صاحبه يوما بيته, فإذا هو يعجن, فيسأله:
    أين الخادم..؟
    فيجيبه قائلا:
    " لقد بعثناها في حاجة, فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."
    وحين نقول بيته فلنذكر تماما, ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا, سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟
    وكان البنّاء حصيفا ذكيا, يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر, وتسكن فيها من البرد, إذا وقفت فيها أصابت رأسك, وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!
    فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".
    لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن إليه سلمان لحظة, أو تتعلق به نفسه إثارة, إلا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص, ولقد ائتمن عليه زوجته, وطلب إليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.
    وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه, ناداها:
    "هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!
    فجاءت بها, وإذا هي صرة مسك, كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.
    ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه, ثم ماثه بيده, وقال لزوجته:
    "انضحيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله, لا يأكلون الطعام, وإنما يحبون الطيب".
    فلما فعلت قال لها:" اجفي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..
    وبعد حين صعدت إليه, فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.
    قد لحقت بالملأ الأعلى, وصعدت على أجنحة الشوق إليه, إذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد, وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.
    --
    لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..
    وآن اليوم أن يرتوي, وينهل..

  8. #8
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    عبدالله بن مسعود ( أول صادح بالقرآن )


    قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم, كان عبدالله بن مسعود قد آمن به, وأبح سادس ستة أسلموا واتبعوا الرسول, عليه وعليهم الصلاة والسلام..
    هو إذن من الأوائل المبكرين..
    ولقد تحدث عن أول لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
    " كنت غلاما يافعا, أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم, وأبوبكر فقالا: يا غلام,هل عندك من لبن تسقينا..؟؟
    فقلت: إني مؤتمن, ولست ساقيكما..
    فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل عندك من شاة حائل, لم ينز عليها الفحل..؟
    قلت: نعم..
    فأتيتهما بها, فاعتلفها النبي ومسح الضرع.. ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة, فاحتلب فيها, فشرب أبو بكر ثم شربت..ثم قال للضرع: أقلص, فقلص..
    فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد لك, فقلت: علمني من هذا القول.
    فقال: انك غلام معلم"...

    لقد انبهر عبدالله بن مسعود حين رأى عبدالله الصالح ورسوله الأمين يدعو ربه, ويمسح ضرعا لا عهد له باللبن بعد, فهذا هو يعطي من خير الله ورزقه لبنا خالصا سائغا للشاربين..!!
    وما كان يدري يومها, أنه إنما يشاهد أهون المعجزات وأقلها شأنا, وأنه عما قريب سيشهد من هذا الرسول الكريم معجزات تهز الدنيا, وتملؤها هدى ونور..
    بل ما كان يدري يومها, أنه وهو ذلك الغلام الفقير الضعيف الأجير الذي يرعى غنم عقبة بن معيط, سيكون إحدى هذه المعجزات يوم يخلق الإسلام منه منه مؤمنا بإيمانه كبرياء قريش, ويقهر جبروت ساداتها..
    فيذهب وهو الذي لم يكن يجرؤ أن يمر بمجلس فيه أحد أشراف مكة إلا مطرق الرأس حثيث الخطى.. نقول: يذهب بعد إسلامه إلى مجمع الأشراف عند الكعبة, وكل سادات قريش وزعمائها هنالك جالسون فيقف على رؤوسهم. ويرفع صوته الحلو المثير بقرآن الله:
    ( الرحمن, علّم القرآن, خلق الإنسان, علّمه البيان, الشمس والقمر بحسبان, والنجم والشجر يسجدان).
    ثم يواصل قراءته. وزعماء قريش مشدوهون, لا يصدقون أعينهم التي ترى.. ولا آذانهم التي تسمع.. ولا يتصورون أن هذا الذي يتحدى بأسهم.. وكبريائهم..إنما هو أجير واحد منهم, وراعي غنم لشريف من شرفائهم.. عبدالله بن مسعود الفقير المغمور..!!
    ولندع شاهد عيان يصف لنا ذلك المشهد المثير..
    انه الزبير رضي الله عنه يقول:
    " كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, عبدالله بن مسعود رضي الله عنه, إذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
    والله ما سمعت قريش مثل هذا القرآن يجهر لها به قط, فمن رجل يسمعهموه..؟؟
    فقال عبدالله بن مسعود:أنا..
    قالوا: إنا نخشاهم عليك, إنما نريد رجلا له عشيرته يمنعونه من القوم إن أرادوه..
    قال: دعوني, فان الله سيمنعني..
    فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى, وقريش في أنديتها, فقام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم _رافعا صوته_ الرحمن.. علم القرآن, ثم استقبلهم يقرؤها..
    فتأملوه قائلين: ما يقول ابن أم عبد..؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به محمد..
    فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه, وهو ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ..
    ثم عاد إلى أصحابه مصابا في وجهه وجسده, فقالوا له:
    هذا الذي خشينا عليك..
    فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن, ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها غدا..
    قالوا: حسبك, فقد أسمعتهم ما يكرهون"..!!

    أجل ما كان ابن مسعود يوم بهره الضرع الحافل باللبن فجأة وقبل أوانه.. ما كان يومها يعلم أنه هو ونظراؤه من الفقراء والبسطاء, سيكونون إحدى معجزات الرسول الكبرى يوم يحملون راية الله, ويقهرون بها نور الشمس وضوء النهار..!!
    ما كان يعلم أن ذلك اليوم قريب..
    ولكن سرعان ما جاء اليوم ودقت الساعة, وصار الغلام الأجير الفقير الضائع معجزة من المعجزات..!!

    لم تكن العين لتقع عليه في زحام الحياة..
    بل ولا بعيدا عن الزحام..!!
    فلا مكان له بين الذين أوتوا بسطة من المال, ولا بين الذين أوتوا بسطة في الجسم, ولا بين الذين أوتوا حظا من الجاه..
    فهو من المال معدم.. وهو في الجسم ناحل, ضامر.. وهو في الجاه مغمور..
    ولكن الإسلام يمنحه مكان الفقر نصيبا رابيا وحظوظا وافية من خزائن كسرى وكنوز قيصر..!
    ويمنحه مكان ضمور جسمه وضعف بنيانه إرادة تقهر الجبارين, وتسهم في تغيير مصير التاريخ..!
    ويمنحه مكان انزوائه وضياعه, خلودا, وعلما وشرفا تجعله في الصدارة بين أعلام التاريخ..!!
    ولقد صدقت فيه نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام يوم قال له: " انك غلام معلّم" فقد علمه ربه, حتى صار فقيه الأمة, وعميد حفظة القرآن جميعا.
    يقول على نفسه:
    " أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة, لا ينازعني فيها أحد"..
    ولكأنما أراد الله مثوبته حين خاطر بحياته في سبيل إن يجهر بالقرآن ويذيعه في كل مكان بمكة أثناء سنوات الاضطهاد والعذاب فأعطاه سبحانه موهبة الأداء الرائع في تلاوته, والفهم السديد في إدراك معانيه..

    ولقد كان رسول الله يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول:
    " تمسّكوا بعهد ابن أم عبد".
    ويوصيهم بأن يحاكوا قراءته,ويتعلموا منه كيف يتلو القرآن.
    يقول عليه السلام:
    " من أحب أن يسمع القرآن عصّا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد"..
    " من أحب أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل, فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"..!!
    ولطالما كان يطيب لرسول الله عليه السلام أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود..
    دعاه يوما الرسول, وقال له:
    " اقرأ عليّ يا عبد الله"..
    قال عبد الله:
    " أقرأ عليك, وعليك أنزل يا رسول الله"؟!
    فقال له الرسول:
    "إني أحب أن أسمعه من غيري"..
    فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى:
    (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا..
    يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض..
    ولا يكتمون الله حديثا)..
    فغلب البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفاضت عيناه بالدموع, وأشار بيده إلى ابن مسعود:
    أن" حسبك.. حسبك يا ابن مسعود"..

    وتحدث هو بنعمة الله فقال:
    " والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل, وما أحد أعلم بكتاب الله مني, ولو أعلم أحدا تمتطى إليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لأتيته وما أنا بخيركم"!!

    ولقد شهد له بهذا السبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
    " لقد ملئ فقها"..
    وقال أبو موسى الأشعري:
    " لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم"
    ولم يكن سبقه في القرآن والفقه موضع الثناء فحسب.. بل كان كذلك أيضا سبقه في الورع والتقى.
    يقول عنه حذيفة:
    " ما رأيت أحدا أشبه برسول الله في هديه, ودلّه, وسمته من ابن مسعود...
    ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد لأقربهم إلى الله زلفى"..!!
    واجتمع نفر من الصحابة يوما عند علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه فقالوا له:
    "يا أمير المؤمنين, ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا ولا أرفق تعليما, ولا أحسن مجالسة, ولا أشد ورعا من عبدالله بن مسعود..
    قال علي:
    نشدتكم الله, أهو صدق من قلوبكم..؟؟
    قالوا:
    نعم..
    قال:
    اللهم إني أشهدك.. اللهم إني أقول مثل ما قالوا أو أفضل..
    لقد قرأ القرآن فأحلّ حلاله, وحرّم حرامه..فقيه في الدين, عالم بالسنة"..!

    وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يتحدثون عن عبدالله بن مسعود فيقولون:
    " إن كان ليؤذن له اذا حججنا, ويشهد إذا غبنا"..
    وهم يريدون بهذا, أن عبد الله رضي الله عنه كان يظفر من الرسول صلى الله عليه وسلم بفرص لم يظفر بها سواه, فيدخل عليه بيته أكثر مما يدخل غيره ويجالسه أكثر مما يجالس سواه. وكان دون غيره من الصّحب موضع سرّه ونجواه, حتى كان يلقب بـصاحب السواد أي صاحب السر..

    يقول أبو موسى الشعري رضي الله عنه:
    "لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام, وما أرى إلا ابن مسعود من أهله"..
    ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبّه حبا عظيما, وكان يحب فيه ورعه وفطنته, وعظمة نفسه.. حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:
    " لو كنت مؤمّرا أحدا دون شورى المسلمين, لأمّرت ابن أم عبد"..
    وقد مرّت بنا من قبل, وصية الرسول لأصحابه:
    " تمسكوا بعهد ابن أم عبد"...

    وهذا الحب, وهذه الثقة أهلاه لأن يكون شديد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعطي ما لم يعط أحد غيره حين قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:" إذنك عليّ أن ترفع الحجاب"..
    فكان هذا إيذانا بحقه في أن يطرق باب الرسول عليه أفضل السلام في أي وقت يشاء من ليل أو نهار...
    وهكذا قال عنه أصحابه:
    " كان يؤذن له اذا حججنا, ويشهد اذا غبنا"..

    ولقد كان ابن مسعود أهلا لهذه المزيّة.. فعلى الرغم من أن الخلطة الدانية على هذا النحو, من شأنها أن ترفع الكلفة, فان ابن مسعود لم يزدد بها إلا خشوعا, وإجلالا, وأدبا..
    ولعل خير ما يصوّر هذا الخلق عنده, مظهره حين كان يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته...

    فعلى الرغم من ندرة تحدثه عن الرسول عليه السلام, نجده اذا حرّك شفتيه ليقول: سمعت رسول الله يحدث ويقول: سمعت رسول الله يحدث ويقول... تأخذه الرّعدة الشديدة ويبدو عليه الاضطراب والقلق, خشية أن ينسى فيضع حرفا مكان حرف..!!

    ولنستمع لإخوانه يصفون هذه الظاهرة..
    يقول عمرو بن ميمون:
    " اختلفت إلى عبدالله بن مسعود سنة, ما سمعه يتحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله, فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدّر عن جبهته, ثم قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول"..!!
    ويقول علقمة بن قيس:
    " كان عبدالله بن مسعود يقوم عشيّة كل خميس متحدثا, فما سمعته في عشية منها يقول: قال رسول الله غير مرة واحدة.. فنظرت إليه وهو معتمد على عصا, فإذا عصاه ترتجف, وتتزعزع"..!!
    ويحدثنا مسروق عن عبدالله:
    " حدّث ابن مسعود يوما حديثا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم أرعد وأرعدت ثيابه.. ثم قال:أو نحو ذا.. أو شبه ذا"..!!
    إلى هذا المدى العظيم بلغ إجلاله رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبلغ توقيره إياه, وهذه أمارة فطنته قبل أن تكون أمارة تقاه..!!
    فالرجل الذي عاصره رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره, كان إدراكه لجلال هذا الرسول العظيم إدراكا سديدا.. ومن ثمّ كان أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته, ومع ذكراه في مماته, أدبا فريدا..!!

    لم يكن يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, ولا في حضر.. ولقد شهد المشاهد كلها جميعها.. وكان له يوم بدر شأن مذكور مع أب جهل الذي حصدته سيوف المسلمين في ذلك اليوم الجليل.. وعرف خلفاء الرسول وأصحابه له قدره.. فولاه أمير المؤمنين عمر على بيت المال في الكوفة. وقال لأهلها حين أرسله إليهم:
    " إني والله الذي لا اله إلا هو, قد آثرتكم به على نفسي, فخذوا منه وتعلموا".
    ولقد أحبه أهل الكوفة حبا جما لم يظفر بمثله أحد قبله, ولا أحد مثله..
    وإجماع أهل الكوفة على حب إنسان, أمر يشبه المعجزات..
    ذلك أنهم أهل تمرّد ثورة, لا يصبرون على طعام واحد..!! ولا يطيقون الهدوء والسلام..

    ولقد بلغ من حبهم إياه أن أطاحوا به حين أراد الخليفة عثمان رضي الله عنه عزله عن الكوفة وقالوا له:" أقم معنا ولا تخرج, ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه"..
    ولكن ابن مسعود أجابهم بكلمات تصوّر عظمة نفسه وتقاه, إذ قال لهم:
    " إن له عليّ الطاعة, وإنها ستكون أمور وفتن, ولا أحب أن يكون أول من يفتح أبوابها"..!!
    إن هذا الموقف الجليل الورع يصلنا بموقف ابن مسعود من الخليفة عثمان.. فلقد حدث بينهما حوار وخلاف تفاقما حتى حجب عن عبدالله راتبه ومعاشه من بيت الأمل,, ومع ذلك لم يقل في عثمان رضي الله عنه كلمة سوء واحدة..
    بل وقف موقف المدافع والمحذر حين رأى التذمّر في عهد عثمان يتحوّل إلى ثورة..
    وحين ترامى إلى مسمعه محاولات اغتيال عثمان, قال كلمته المأثورة:
    " لئن قتلوه, لا يستخلفون بعده مثله".
    ويقول بعض أصحاب ابن مسعود:
    " ما سمعت ابن مسعود يقول في عثمان سبّة قط"..

    ولقد آتاه الله الحكمة مثلما أعطاه التقوى.
    وكان يملك القدرة على رؤية الأعماق, والتعبير عنها في أناقة وسداد..
    لنستمع له مثلا وهو يلخص حياة عمر العظيمة في تركيز باهر فيقول:
    " كان إسلامه فتحا.. وكانت هجرته نصرا.. وكانت أمارته رحمة..".
    ويتحدث عما نسميه اليوم نسبية الزمان فيقول:
    " إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار.. نور السموات والأرض من نور وجهه"..!!
    ويتحدث عن العمل وأهميته في رفع المستوى الأدبي لصاحبه, فيقول:" إني لأمقت الرجل, إذ أراه فارغا.. ليس في شيء من عمل الدنيا, ولا عمل الآخرة"..
    ومن كلماته الجامعة:
    " خير الغنى غنى النفس , وخير الزاد التقوى, وشر العمى عمى القلب, وأعظم الخطايا الكذب, وشرّ المكاسب الربا, وشرّ المأكل مال اليتيم, ومن يعف الله عنه, ومن يغفر الله له"..

    هذا هو عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذه ومضة من حياة عظيمة مستبسلة, عاشها صاحبها في سبيل الله, ورسوله ودينه..
    هذا هو الرجل الذي كان جسمه في حجم العصفور..!!
    نحيف, قصير, يكاد الجالس يوازيه طولا وهو قائم..
    له ساقان ناحلتان دقيقتان.. صعد بهما يوما أعلى شجرة يجتني منها أراكا لرسول اله صلى الله عليه وسلم.. فرأى أصحاب النبي دقتهما فضحكوا, فقال عليه الصلاة والسلام:
    " تضحكون من ساقيْ ابن مسعود, لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد"..!!
    أجل هذا هو الفقير الأجير, الناحل الوهنان.. الذي جعل منه إيمانه ويقينه إماما من أئمة الخير والهدى والنور..
    ولقد حظي من توفيق الله ومن نعمته ما جعله أحد العشرة الأوائل بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.. أولئك الذين بشروا وهم على ظهر الأرض برضوان الله وجنّته..

    وخاض المعارك الظافرة مع الرسول عليه الصلاة والسلام, مع خلفائه من بعده..
    وشهد أعظم إمبراطوريتين في عالمه وعصره تفتحان أبوابهما طائعة خاشعة لرايات الإسلام ومشيئته..

    ورأى المناصب تبحث عن شاغليها من المسلمين, والأموال الوفيرة تتدحرج بين أيديهم, فما شغله من ذلك شيء عن العهد الذي عاهد الله عليه ورسوله.. ولا صرفه صارف عن إخباته وتواضعه ومنهج حياته..

    ولم تكن له من أمانيّ الحياة سوى أمنية واحدة كان يأخذه الحنين إليها فيرددها, ويتغنى بها, ويتمنى لو أنه أدركها..

    ولنصغ إليه يحدثنا بكلماته عنها:
    " قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.. فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فأتبعتها أنظر إليها, فإذا رسول الله, وأبوبكر وعمر, وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته, وأبو بكر وعمر يدليانه إليه, والرسول يقول: أدنيا إلي أخاكما.. فدلياه إليه, فلما هيأه للحده قال: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه.. فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة"..!!

    تلك أمنيته الوحيد التي كان يرجوها في دنياه.
    وهي لا تمت بسبب إلى ما يتهافت الناس عليه من مجد وثراء, ومنصب وجاه..
    ذلك أنها أمنية رجل كبير القلب, عظيم النفس, وثيق اليقين.. رجل هداه الله, وربّاه الرسول, وقاده القرآن..!!

  9. #9
    مميز السبلة الصورة الرمزية ابتسامة الحياه
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    ْْفي سماء القلوب الطاهرةْْْ
    المشاركات
    10,121
    Mentioned
    0 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    السلام عليكم عزيزتي ميران القمر...
    سلسلة جميله جدا ورائعه...
    وما أجملها من قصص...
    تستمتع وأنت تقرا مثل هذه القصص....
    البطولية.....
    بارك الله فيكي عزيزتي....
    ونور قلبك بالقران.....
    يمكـــن لشجرة واحدة تصنع مليون
    «عـــود كبريت ويمكن لعود كبريت
    أن يحرق مليــــــــــــــــون شجرة،
    ،
    ~{لذلك لا تدع أمرسلبي واحد أن يؤثرعلى ملايين الايجابيات في حياتك}~



  10. #10
    متذوقة قصص وروايات بالسبله العمانيه الصورة الرمزية روانـــــووو
    تاريخ التسجيل
    Jun 2015
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    24,728
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    مقالات المدونة
    4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابتسامة الحياه مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم عزيزتي ميران القمر...
    سلسلة جميله جدا ورائعه...
    وما أجملها من قصص...
    تستمتع وأنت تقرا مثل هذه القصص....
    البطولية.....
    بارك الله فيكي عزيزتي....
    ونور قلبك بالقران.....
    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ابتسامة .. أسعدني مرورك
    اللهم آمين وإياك إن شاء الله ...بوركتي ..,,

صفحة 1 من 7 123 ... الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م