الحَياةُ المُترفة ، حَزينةٌ بقدرِ جَمالهَا !


...

تَضعُ نَظارةَ القراءة ،

و تُسابقُ نسيمًا عليلاً ، بِكُرسيّها الهزاز ..

كِتابٌ هزيلٌ تَقرأه .. وَمائدةٌ أمامهَا تُسميها “ الفَطور “

...

الأبناء ؟

من يَكترثُ ؟!

لَعلّهُم نِيام .. لَعلّ السّهرَ طِوالَ الليلِ أتعبهُم ..

...

الخَدمُ يقومونَ بكل شيء ..

هي لا تطبُخ ، لا تُنظِّف هِي فقط ترفعُ اِصبعًا والخدمُ يُنفذون !


تَتوقفُ عن القراءةِ قليلاً ، فَقد أعياهَا العَطش ..

تلتقطُ هَاتفًا ثَمينًا و تتصل ، في الخَادِمَة !

( جيبي لي مَاي يا فلانة )

حَتّى كَأسُ المَاءِ يَأتي إليهَا مُتعجبًا ..

كَيفَ لهَا أن تستثقلَ إحضارَهُ رغمَ خِفَّته !


هِي لا تُلام فَمنزلهَا أشبهُ بالقصر ..

صِحتهَا لم تعد تعينهَا على القِيامِ بواجبهَا المَنزلي الضّخمِ الثّقيل !


أمّا الخَادِمة ، فَلأنّ هذهِ وظيفتهَا عليهَا أن لا تَغفل ،

لا تُخطئ ، لا تَنسَى .. لا تَكُن بَشر ..

عليهَا فقط أن تعمل كَيفَ ما تشاء المَدام ..

...


الأبّ ؟

بعدَ إذ بدأ الشَّبابُ يُودِّعهُ ، أصبحَ مُحافِظًا على الصّلاةِ في المسجد ..

“ مُلتزمًا “ بإخلاص في تأديةِ واجبِ التعزية و مُشاركةِ الناس أفراحهم و أحزانهُم ..

...

مَاذا عَن أولئكَ المَساكين الذينَ حبستهُم الأجهزة و “
البليستيشن “ ؟

من يكترث ، لا زالوا شبابًا يتعلمونَ مِنَ الحَياة ..

الحَياةُ الناجحة بالنسبةِ لهم تتمحور حول إتقانِ الانجليزية ..

أَن يُصبحوا مُهندسينَ أو أطبَاءَ بارعين ، يتحدَّثونَ الإنجليزية بطلاقة فهي أهم من لغتهم الأُم !

لذا عليهم أن يستمتعوا بوقتهم و يترفهوا .. لتتهيأ نفسياتُهم لكل هذا الجُهد الذي ينتظرهم !!

الأجمل أن مَنزلهم الشّبيهُ بالقصر و حاشيةُ الخَدم والرّاحةُ التي يعيشونهَا تُهيئ لهم السّبل ...

تَعتقد الأم .. أنها السبلُ إلى أن يكونوا أفضل ، أن تصفى أذهانهُم للدراسة ..

لكن !

في الحقيقةِ هي سُبلٌ إلى اللامَسؤولية ، إلى أن يعتقدَ هذا الشّاب أن الخدم خُلقوا دومًا من أجلِ راحتي ..

من أجلِ أن لا أخدمَ نفسِي ، من أجلِ أن لا أُصبحَ وضيعاً بترتيبِ فراشي أو سكبِ المَاء لنفسي !

سَيكبر على اعتقاداته .. عَلى أنّ هُنالكَ دومًا من سيُنظفُ الفَوضى التي أُخلفها وَ سيكونُ مَسؤولاً عن نظافةِ أحذيتي و ثيابي ..

و كل شيءٍ يخصني ، نَظافتهُ ليست مَسؤوليتي فَأنا أَرفَعُ و أَفضَلُ مِن أن أفعل شيئًا كَهذا !

إنهَا أفعالُ “ الخَدم

إِنهَا واجباتهُم .. إنهَا مَسؤولياتهُم !

...

دَعوني أقطع حديثي عَن هذا القَصر ، لأشرحَ من هُم “ الخَدم “

هم بشر … بمشاعِر .. بأحلام ، بأحاسيسَ مُختلفة

يُودّعونَ أطفالًا .. آباء و أمهَات .. و أحباب ،

يَأتونَ إلى هُنا ليس للعمل ، بل للصبرِ على تَلقي الإهَانة ..

و دعُوني أوضّح أنني لا أعني هُنا أن الأعمالَ المنزلية عملٌ مُهين ..

بَل أعني تلكَ الإهانةُ التي تخرجُ من أفواهِنا و أفعالِنا و نظرتنا المُستفزة !


نُحضرهم إلى هُنا لخدمتنا ، لا بَأس ولا ضَرر ..

لكِنَ الضّرر في مُعاملتِنا .. في تلقي أطفالنَا إلى طريقتنا في التعاملِ معهم ..

ليكبروا بفكرةِ أنّ الخَدم ليسوا بشرًا يستحقونَ الاحترام ، هم لم يُخلقوا إلا لخدمتنا !


...

لنعُد إلى قصرنَا الشّاسِع ، حَيثُ الابنةُ مُحاطةٌ بأدواتِ التّجميل و أفخمِ الثّياب والكثير مِما تشتهيهِ نفسهَا ..

تَخرجُ بمنظرٍ كيفَ مَا شاءَ مَزاجُها المُتقلب ، لا أحدَ يَرى ذلكَ عَيبًا فهي شَابةٌ لابُد أن يَبرُزَ جَمالهَا ..


يُعانقُ عِطرها الهَواء أمامَ الملأ دونَ حَياء ، لا بَأس فهي ملاكٌ صَغير !

لا بَأسَ أن تغيبَ عَنهم طويلًا في وِحدتهَا فأناقتهَا تحتاجُ إلى ذلكَ الوَقت ،


هي مَسؤولةٌ عَن لا شَيء ، هي لم تُخلق لتعمل ، هي خُلقت لتتجمل ..

خُلقت لتفتنَ الآخرِينَ بجمالها ، لتخطفَ الأبصارَ و القلوب !

و لَيسَ على الأمّ سِوى أن تُساعدهَا على هذا الهُراء !

...

من يَكترث بالصّلاة من يكترث بِالعِفَّة من يكترث بجمعِ هَؤلاءِ ومُحاورتهم و تلقِينهم دِينهم ..

مَن يكترث بمكارمِ الأخلاقِ و حُسنِ الخُلُق ؟

هَل تَكفي معهُم بِضعُ كَلمات ؟

لِماذا يصلُ بهمُ الحَالُ إِلى اتخاذِ المُطربين والممثلينَ قُدوة !

باتت هُويتهُم العربية محصورةً في جوازِ السّفرِ ،

أمّا نمطُ الحياةِ فلم يَعُد .. لن أقولَ عَربيًا ، سأقولُ
مُسلمًا !

"لَم يعُد نمطُ الحياةِ مُسلمًا"

نُقطة ، حزينة .

مَيثْ
2018