(( أن تروى مأساة ، أسهل بِكثير مِنَ العجز أمامها ))
هيهاتَ هيهاتَ على زمنٍ انطوت صفحتهُ عندما فتح الحاضرُ عيناهُ و خانهُ
كما يخونُ الليلُ النهار بِتفاصيلِ أساه و عينهُ الذابلة من كُلَ شيء إلا مِن لوحةٍ تترصعُ بِها ظلماتٌ حالِكة .. / هيهاتَ هيهات على ماضٍ دفنهُ الأغلبُ تحتَ الأديم و أقلُ مِنَ القليل مَن يحفُر لِيُعيد نفحاتً تلاشت ذاتَ يومٍ قاهرُ الأحداث ..
و ينتصبُ الحاضرُ فوقَ كُلَ شيء و بِلا شيء و دونما مِعطف يقي الزمانَ العاري ..
فَقد أصبحت تتعارك في ذهني أفكارٌ هائِلة : أما مِن مُنادي يصرخُ أمامَ وجهِ التغيُرات
و يُبرزُ تبرمهُ مِن واقعٍ باهِت .. التي باتت لوحتهُ كَالرماد أمامَ أعيُن العاقلون .. و لوحةٌ
مِن ألوان أمامَ أعيُن الملتزِمون بِأوامِر التغيُرات القاهِرة !!
كَعادتي تحتَ ضوءِ القمر ألتزمُ الوقتَ مع المساء .. و أوفي بِعهدي لِأحرُفي أن تُلقي
نظرةً على ما بِداخِلي .. لِتحكيهِ للِورق الذي إذا ما أنهيتُ كتابتي ، سَيشتركُ مع الرياح
و يذهبُ في مسارِه ذهاباً بِلا إياباً .. / و لا قد حكيتُ و لا بكيت !!
و هذا مساءٌ جديدٌ تلهثُ بِهِ أحرُفي .. و أفتشُ في صندوقِ الذكريات عن أيامٍ ذهبت
ذهابَ المُهاجِر المُكتئِب .. / عن أرجوحةٍ جمعتنا أنا و العديدِ مِن الرفيقات .. كُنا نتربصُ
المرحَ في كُلِ زاوية و على كُلِ حائِط و نهوي إليهِ كما يهوي النجمُ مِن على مركبِ
السماء إلى الأرض .. و كانت اجتماعاتنا تكثُر و بِلا موعِد .. إذ كانت البشاشةُ هيَ
مَن تُصفِق بيننا .. / إلى أن جاءَ يومنا هذا الذي بِهِ يُختانُ الموعِد و لا يُعرف لاجتماعات
معنى .. ليسَ إلا الشتات يعبرُ أرواحنا .. و ينثرُ النسيان لِمُحبي السلوان !
و هذا مساءٌ جديد بِهِ نُصِعت عيني مِنَ الدمع .. و قرأتُ بِهِ رسائلُ الأمس التي دُفنت
مشاعرها إلا الذِكرى الخالِدة إلى حتى اليوم .. الماكثة في ذاكرتي دونما
إعصارُ نسيان يمحيها !
بينما أفتشُ بينَ الذكريات .. التقطتُ صورةً مِنَ الماضي .. جعلتني أضيعُ بينَ معاني
الصمت .. ثُم أسعفت أحرُفي تِلكَ الصورة لِتُلصقها على حائِط هذا المساء بعدما
خُضتُ لحظاتٌ مِن سكونٍ مُتعجِب .. / تِلكَ الصورة التي ضجت بِها أحاديثُ النقاء
و القلبُ الخاوي إلا مِنَ البياض ..
و تتناثرُ أمامي صورُ الإحسان و تُهديني رغيفٌ مُتنهد .. / فَقد تلوثَ ذلكَ القلب
في الكثير إلا القليل .. و حاربَ الحقد الصفاء و فتتهُ كَمن يُفتتُ ورقةً فارِغة
لا حاجةَ لها ..
لا عيشةً هنيئةً تعمُ في الديار .. هُناكَ على كُلِ زاوية آثارُ حسد / و ما أكثر مَن سقطَ
على أرضهِ و صاحَ بِهِ الداء .. و بِسببِ الغُصص الساكنة في جسده أصبحَ لسانهُ يُتمتم
و يتلعثم بِالكلام .. و أدمعٌ مِن بؤرةٍ باتت ذابِلة .. خلفها شيءٌ مِنَ الكُتمان !!
و ما أكثر مَن أكلَ لحمَ أخيهِ .. و نبتَ بِهِ الحقدُ منبتَ النبات الضار .. / و النميمة
في الألسُن كَمن يشربُ قدحاً مِنَ الماء .. !
فَما الحاضرُ إلا صوراً مُتعاكِسة لِصورِ الماضي إلا مَن رحمَ ربي .. / يجبُ الحفاظُ عليها
أن لا يأوي إليها تآكلُ التغيُر و يُخمدُ الجميلَ المُتبقي .. و يحتلُ التلوث مكانه !
و تُعيدُ أفكاري نِدائها بِصوتٍ خفي لا يعلمهُ إلا الله : أما مِن مُنادي يُحي الأرضَ و يُعيدها
روضةً مِن هناء !! .. و تُصبحُ القلوب مُترعةً بِالصفاء .. تترنم بِالسعادة كما قرأتُها
في أسطُرِ كتابِ الماضي ..
فَرُحماكَ ربي .. و إليكَ يرجعُ المصير .. !
زهرة الأحلام
11/6/2015