كما هو معلوم بأنا نعيش في مجتمع ضيق مهما اتسعت رقعته ، ففي جنبات ما يحيط بنا من جماد وكائن حي يتربع الإنسان مقدمة المعنى والقصد ، فهو السيد في هذهِ الأرض ، يزخر بالمتناقضات ، ويتنفس المتغيرات ، يكون بين كماشتين متباينتين صحة وسقم ، نشاط وكسل ، صدق وكذب ، عطاء واضمحلال ، وو.... وبين هذا وذاك يطفو على السطح أمر وددت أن يكون محور الحديث ، لكونه يشغل الذكي والبليد ، والمثبط والمشجع ، ومن امتهن حرفته ، ومن ابتعد عنه وكان في ذلكَ مأمنه ، ألا وهو " النقد " فكم منا من يعيش تحت سياط النقد والتجريح من أناس غلاة لا تفقه التمييز بين النقد المنبوذ ، وبين النقد المفيد الحميد ، فبعض النقاد يطلق انتقاده وهو يظن بنفسه أنه بلغ ذروة الفهم والعلم ، وقد شرع له النقد وبيده التمكين ، وبذلك أنب هذا ، وعنف ذاك ، من غير مراعاة لمشاعر من نالهم سهم نقده وسياط تجريحه ! ولا يدري ما يخلف ذاك النقد في ذات ذلكَ المنقود عليه ! ففي بعض النقد تحطيم للنفس ، وتهشيم للعطاء ، وكبت لما حواه من علم وتأهيل ، ليحتاج وقتاً طويلاً كي يضمد الجراح ، ويتناسى آلام التجريح ، وفي المقابل نجد من يحسنون التوجيه ، ونجد في نقدهم عونا لنا في النهوض من كبوة الإخفاق بالنصح الجميل ، فيدهم مشرعة تحتضن حزين الإخفاق بالتشجيع والإطراء ، ويخلصون المتردد في العطاء بدفعه نحو التمكين ، بهم يزهو المكان وبهم نرتقي لقمة الإبداع .
وزدنا منگ قُرباً يامن بقُربهِ الأرواحُ ترتاحُ ❤
في مستهل كلام ذلك الدكتور العزيز ذكر ذاك الحوار
الذي يحرص دوماً على أن يكون إكسير حياة في بيت العائلة
يقول :
كنت أسأل ابنتي وهي في بداية مشوار الطب " في السنة الثانية " ،
كيف هو مناخ العمل وطبيعته ؟
وتعاملك مع الزملاء ؟
و ....
قالت :
نحن نتعامل مع جثة
ولو كانت تنبض بالحياة !
قال :
ألا يُحرك ذاك الشعور عند رؤية هذا وذاك ؟!
قالت :
نحن نلتفت للعمل كأمانة وما عداه فهو هوامش .
الشاهد من كل ذلك :
هي التربية عندما تتجذر في ذات الإنسان تكون له سلوك به يشق الحياة ،
ومن رأى الواقع يُصاب بتلك الصدمة عندما نرى تلكم السلوكيات المنحرفة
التي تُحّتم وتُجبر المرء على التشبث بالعادات النبيلة التي تحفظ كرامة الإنسان .
أعجبني كلام الدكتور حينما قال :
لكل بلد أخلاقياته وإن كان الفساد مُباح ولكن في ظل قانون مُنضبط بقطع النظر عن الاختلاف الكبير الشاسع بيننا وبين أولئك الخلق
الذين تحرك الغالب منهم رغباتهم التي لا يُقيدها أو يُوقفها شرع ولا دين به يدين ،
ولكن لا يمكن أن يأتي أحدهم من الشارع ويفعل ما يحلو له من غير اخبار واشعار للطرف الآخر ،
لتكون لدى البعض الأخلاق هي فطرة يتقاسمونها لتكون كوابح يؤخر تفشي وتعميم الشر ،
وأردف بمثال على ذلك من عالم الطير والحيوان ،
حين قال :
ترى ذلك الدفاع عن النفس ولقمة العيش
حين يأتي من يريد منازعته فيه .
تلك هي " الفطرة " .