أَعلمتها بما حدث فجر اليوم ، وقالت : لا تُخبري أحداً عما شاهدت ِ ولا حتى أمام أخواتك ، نظرت إليها بتعجب : أهذا المهم ، أني رأيت أبي بصُحبة إمرأة غريبة وبمنزلنا بالمجلس يا أمي ! ... لم تعرني أي اهتمام فقد كانت منشغلة بتطهير سُرة غدير .
مرت عدة سنوات وأخي زكريا يُعيلنا وأساعده بذلك في الفترة المؤخرة ، لم أُرزق بالوظيفة إلا بعد سنتين من تخرجي وأبي لا يُنفق في المنزل شيء رغم أنه ما زال بمهنة الجيش وراتبه ليس بقليل ... زكريا كان بمثابة الأب لنا جميعاً ، كان يُحرج من تصرفات أبي الطائشة أمام الناس ، يواضب على صلاته ، ومنذ أن كان في الثانوية ونحن برقبته ، أكمل دراسته وأصبح طبيب أسنان ، كانت أمي تحاول التخفيف عليه من مصاريفنا خاصة بعد ولادة غدير التي تحتاج الحفايظ و الألبسة و السرير ، وتتمنى لو تفرح به وتراه عريساً ، كان وجهه سمح جميل ، به لحية دائرية وشارب ، عينيه سوداوتين واسعتين ورمشه طويل وشعره كثيف ، لم يكن قصير ولا طويل ، دائماً ما تمناه عمي زوجاً لابنته ، كان يقف بوجه أبي و يحارب الجميع كي لا تسقط دمعة أمي التي اعتدنا على رؤيتها ، أما هيثم أخي الذي ما زال طالباً جامعياً يحلم بأن يكن حاله كحال زملاءه يتعلم قيادة السيارة ، يرجع المنزل لينام مرتاحاً ... ذات يوم كُنت في الصالة ومريم بجانبي تتابع مسلسلها بوقت الظهيرة دخل هيثم بعد أن سلم علينا وجلس يسأل عن أمي فقد سمع من عبير أن رأس الغالية يُؤلمُها طَمأنتُه على حالها وأنها نائمة دون أن تفتح أجهزة التكييف طالبة منه تخفيف صوته كي لا نزعجها . وإذ بأبي ينهل عليه كالوحش وأخي ينظر إليه بدهشة ويبعده عنه ، تنازعا ، وعَلت أصواتهما ، وأيقظت أمي ، عرفنا بعد إن هدأت الأصوات قليلاً بأن أبي يطمع في المبلغ القليل الذي يأخذه زكريا من كليته ! ، ولكن أخي بقلبه حقد دفين على أبي مما يراه دائماً ومن المواقف الطفولية السيئة التي قضيناها معه ومن تعامله مع أمي ........ أما سارة فهي الابنة المحبوبة و المدللة عند أمي وتعرضت لمواقف سيئة مع أبي أيضاً حالها كحال بقية إخوتي ، الإبتسامة لا تفارق شفتيها ، عيناها واسعتين كانت تشابه زكريا في الملامح وهما قريبان من الطباع أيضاً ، نحيلة ، فاتنة ، متفوقة دراسياً ، تَصغُر هيثم بسنتين كانت في السنة الأولى من دراستها الجامعية ، وقد شاركت في جمعية نظمتها عمتي أمينة لتكسب أموالاً وتشتري هاتفاً جديداً ، وحينما أتى اليوم الموعود ذهبت فرحة لزكريا وأعطته المبلغ كي يُحضر لها ما كانت تحلم به وفعلاً أحضره وقد كانت تتراقص في المنزل وهيه بقمة السرور والفرح و تُرينا ما لديها ، مر أسبوع واحد على إقتنائها الهاتف كانت نائمة بوقت الظهيرة على سريرها وبغرفتنا المزدحمة ، وأبي في الخارج يتابع الأخبار وإذ بهدوء ينادي ليلى التي انتهت من تناول وجبة الغداء ، وقَفتْ أمامه وأمرها بأن تذهب لتلك الغرفة المزدحمة وتنادي سارة ، نفذت ما طلب ، وإذ به يقترب من سارة ويسألها من أين جنت الأموال لتشتري الهاتف ، أخبرته ، سكت ثم قال ، أعيريني إياه ، هاتفي معطل . نظرت إليه بخوف وقالت : أمهلني بعض الوقت لأمسح ما به من صور ، قال : لا داعي لذلك ، فقط يومان وسأرده لك ، أنا أباك ألا تثقين بي . عادت سارة لغرفتها وأخبرتني بما حدث قلت لها وأنا أرتب سريري لأنام : أعطيه لن يأكله ، نَظرت لهاتفها وكأنها ستُسلم إبنها الرضيع لتهلكة !! من ثم استلقت على سريرها ، وهيه تطيل التحديق به ، قُرع الباب وإذ بأبي ينظر ، أمي كانت نائمة على الأرض بحجابها ! وأنا فوق سريري وأخواتي الصغيرات مع معاذ خارجاً . وإذ به ينادي سارة باصبعه خَرجت وسلمته الهاتف ، مر يومان والهاتف لم يعود ، بدأت سارة تقلق من ذلك ، وأبي اختفى لا يأتي للمنزل ، أمي وأنا نُهدأ سارة التي تبكي حرقة على هاتفها وتنوي شتم أبي إن لم يعيده ، وإذ يمر أُسبوعاً كاملاً على ذلك وأبي والهاتف لم يعودا ، إلا أن فُتح الباب ذات يوم وإذ بأبي ، سارة كانت تستحم أما أنا فقد كنت مستلقية على الكنبة أُشاهد التلفاز ناولني معاذ حجابي ، ونظرت لأبي ، فقد كنت أنوي سؤاله لكنه يبدو غاضباً فضلت السكوت . خَرجت من دورة المياه وشعرها مبلل وعيناها حمراوتين وكأنها ما زالت تبكي في الحمام وأبي غاضب وعينيه حمراوتين أيضاً ونعلم سبب ذلك الإحمرار ! وإذ بسارة تسأل بصوت مرتجف : أبي هل ما زال هاتفك معطل ؟ ، نظر إليها بندم وقال : لا ، قالت وصوتها ما زال يرتجف : هل ستُعيد لي هاتفي فأنا أحتاجه الآن ؟ قال : كنت مفلس يا صغيرتي ولم يكن لي خيار سوى أن أبيع هاتفك !
كان الجميع ينظر إليه بعتب ، كل أخواتي وأمي يحدقن مذهولات !!!! وسارة تصرخ بحرقة وتلعن على أبي أمامه وهو صامت لأول مرة لم يقف ويضربها كما تعودنا منه ، إنما ينظر إليها فقط !..... أما يوسف فلم يكن مستواه الدراسي جيداً كاخوتي ، كان قصير القامة ، ولم يكن وسيماً ، بل كان مراهقاً طائشاً لكن لم يبدر منه أي تصرف سيء ، تعرض لحادث مروع ولكنه شفي منه تماماً بعد عدة أسابيع ، لم يكن وجوده يفيدنا كثيراً فقد كان طيلة الوقت نائماً أو على جهاز الكمبيوتر الذي اشتراه زكريا ، ولم يكن كزكريا محافظاً على صلاواته فقد كنت أراه يصلي في المنزل و لا أعلم إن كان يصلي كل الصلوات ولكن دائماً ما يكن نائماً عند صلاة الجمعة لم يتعرض لمواقف سيئة كثيرة من أبي فهو لا يملك أي مال ، لكن ذات يوم صفعه أبي على الغداء ربما لطيشه وكانت تلك الصفعة تأديبية استحقها ..! ،،، نهى وعبير ومريم وليلى ومعاذ ما زالو صغاراً والمفآجات تنتظرهم 😊.