ليته سكت!
من "الشاورما" إلى "العربون"
سعود الزدجالي
وزير التجارة في مقطع غريب، يبتدئ حديثه التاريخي وهو يواجه الطلبة بقضية الشهادة الجامعية، ويزعم أنها مجرد "عربون" بتعبيره المستهلك، ولعل هذا المصطلح الخارج من أسواق الاستهلاك والحجز هو خير معبر عن واقع تتزايد فيه أعداد الباحثين عن العمل في تعطل تاريخي لرأس المال البشري العماني، وتزايد العمالة الوافدة غير الداعمة للاقتصاد الوطني، لأن المعيار هو "عربون" آخر غير "عربون الحساب" بمصطلحات الوزير، والأغرب أنه ينفث هذه الأفكار داخل صرح علمي مثل جامعة السلطان قابوس، كان يفترض أن يكون انطلاقة الدراسات والبحوث في تطوير "الخبرة المتهالكة" التي لم تسعف في حل قضايانا، وكأن الوزير قادم من بيئة اقتصادية منافسة أبدع هو في إنتاجها بخبرته ولم يكتف فيها بعربونه أو عرجونه.
وفي وقت تعالت فيه النداءات حول اقتصاد المعرفة، وتوطين التعليم، يجعل الوزير الموقر التعليمَ "لا شيء" إنه مجرد عربون، حتى اللغة التي بها يتحدث لم تسعفه في توضيح أفكاره ومقاصده، يذكرني ذلك بقول فتغنشتاين: "ما يمكن فهمه يمكن قوله"، وليت الوزير وهو جزء من التخطيط الاقتصادي رجع إلى عمان ظ¢ظ*ظ¢ظ* ليدرك أن اقتصاد الدولة كلي، وأن التعليم جزء أساسي لكل مناحي الحياة وهو من أبرز التحديات اليوم، وأن حديثه عن العربون ما هو إلا خرق للتآزر العضلي بين مؤسسات الدولة في ظل مفهوم الاقتصاد الكلي حسب الإستراتيجية الشاملة.
ثم يستدل على صحة قضية "العربون" التي يطرحها بمربي النحل، وأن المعيار هو الدخول في الوقت المناسب وليس التمويل، ولا يدري بأن آخر كلامه ينسف أوله، ونسي الوزير الموقر بأن الصناعة والزراعة تطورتا في حقول التعليم والتجارب والدراسات، وأن الثورات العلمية والاختراعات حدثت عبر انزياح النماذج والنظريات بما يمتلكه أصحابها من "عرابين" ، فقد تفاعلت في عقول حملة المعرفة، وفي ظلها حدثت أبرز تلك الثورات العلمية، ولكن يبدو أن الوزير خارج التاريخ، وخارج الإشكال الذي نعيشه اليوم، ولذلك لم يجد في استشهاده إلا "مربي النحل" فمشاريع الاستثمارات الضخمة التي فتح مجالها في ظل الاقتصاد المتنافس كثيرة في السلطنة منذ أن استلم الوزارة الموقرة ولم تسعفه الذاكرة إلا بقناني العسل.
سؤالي للوزير الموقر: ألم تقرأ تقارير المعرفة الإنسانية، وإشكالات التوطين فيها؟ علما بأن تقرير التنمية الإنسانية العماني القادم في السلطنة حول توطين المعرفة عبر المجلس الأعلى للتخطيط، وأنت أيها الوزير جزء من هذا المجلس ولكن الأعمال (ربما) منعتك من متابعة الأفكار، فاستنتجت أن مشكلاتنا بسبب "عرابين" هؤلاء الطلبة.
ولكن دعك من المصانع والمشاريع الاستثمارية التي تنتظر الطلبة، فعلى أي أساس دخل مربي النحل السوق العمانية المنافسة أو قام بتربية النحل؟ أولم يدرس سلوك هذا الكائن الصغير، الذي جعل الله أساس عمله قائما على الإلهام والتعليم الإلهي؟ ألم تعتمد هذه القضايا على شبكات التنمية الزراعية القائمة على تخصصات منحتها لهم "العرابين" الجامعية؟
ما الإنجازات التي حققتها أنت أيها الوزير على صعيد التجارة والصناعة بعيدا عن شهادتك "العربون" بخبراتك العظيمة في الاقتصاد العماني؟ إننا لا نجد تقدما سوى تراكم أصحاب العرابين دون عمل في أي قطاع من القطاعين!
كيف يتلقف الطلبة محاضرتك وأفكارك البدائية عن التعليم ودوره في تنمية المجتمع، والذي يعد الإنفاق فيه أهم مؤشرات التنمية؟
ألا تدرك الدولة انتهاء صلاحية بعض الأفكار التي تدار بها مؤسسات الدولة؟
"وهل ينقض ما في المهارق الأهواء"