هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ = أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي = وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ عبْلةَ واسلَمِي
كَم يُبعِدُ الدَهرُ مَن أَرجو أُقارِبُهُ = عَنّي وَيَبعَثُ شَيطاناً أُحارِبُهُ
فَيا لَهُ مِن زَمانٍ كُلَّما اِنصَرَفَت = صُروفُهُ فَتَكَت فينا عَواقِبُهُ
لِغَيرِ العُلا مِنّي القِلى وَالتَجَنُّبِ = وَلَولا العُلا ما كُنتُ في العَيشِ أَرغَبُ
مَلَكتُ بِسَيفي فُرصَةً ما اِستَفادَها = مِنَ الدَهرِ مَفتولُ الذِراعَينِ أَغلَبُ
لا تَذكُري مُهري وَما أَطعَمتُهُ = فَيَكونَ جِلدِكِ مِثلَ جِلدِ الأَجرَبِ
إِنَّ الغَبوقَ لَهُ وَأَنتِ مَسوأَةٌ = فَتَأَوَّهي ما شِئتِ ثُمَّ تَحَوَّبي
جَزى اللَهُ الأَغَرَّ جَزاءَ صِدقٍ = إِذا ما أوقِدَت نارُ الحُروبِ
يَقيني بِالجَبينِ وَمَنكِبَيهِ = وَأَنصُرُهُ بِمُطَّرَدِ الكُعوبِ
دَعني أَجِدُّ إِلى العَلياءِ في الطَلبِ = وَأَبلُغُ الغايَةَ القُصوى مِنَ الرُتَبِ
لَعَلَّ عَبلَةَ تُضحي وَهيَ راضِيَةٌ = عَلى سَوادي وَتَمحو صورَةَ الغَضَبِ
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ = وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
وَمَن يِكُن عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُم = إِذا جَفوهُ وَيَستَرضي إِذا عَتَبوا
أَحِنُّ إِلى ضَربِ السُيوفِ القَواضِبِ = وَأَصبو إِلى طَعنِ الرِماحِ اللَواعِبِ
وَأَشتاقُ كاساتِ المَنونِ إِذا صَفَت = وَدارَت عَلى رَأسي سِهامُ المَصائِبِ
أُعاتِبُ دَهراً لا يَلينُ لِعاتِبِ = وَأَطلُبُ أَمناً مِن صُروفِ النَوائِبِ
وَتوعِدُني الأَيّامُ وَعداً تَغُرُّني = وَأَعلَمُ حَقّاً أَنَّهُ وَعدُ كاذِبِ
أَلا يا عَبلَ قَد زادَ التَصابي = وَلَجَّ اليَومَ قَومُكِ في عَذابي
وَظَلَّ هَواكِ يَنمو كُلَّ يَومٍ = كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي
وَغادَرنَ نَضلَةَ في مَعرَكٍ = يَجُرُّ الأَسِنَّةَ كَالمُحتَطِب
فَمَن يَكُ في قَتلِهِ يَمتَري = فَإِنَّ أَبا نَوفَلٍ قَد شَجِب
كَأَنَّ السَرايا بَينَ قَوٍّ وَقارَةٍ = عَصائِبُ طَيرٍ يَنتَحَينَ لَمَشرَبِ
وَقَد كُنتُ أَخشى أَن أَموتَ وَلَم تَقُم = قَرائِبُ عَمروٍ وَسطَ نَوحٍ مُسَلِّبِ
تُرى هَذِهِ ريحُ أَرضِ الشَرَبَّه = أَمِ المِسكُ هَبَّ مَعَ الريحِ هَبَّه
وَمِن دارِ عَبلَةَ نارٌ بَدَت = أَمِ البَرقُ سَلَّ مِنَ الغَيمِ عَضبَه
حَسَناتي عِندَ الزَمانِ ذُنوبُ = وَفَعالي مَذَمَّةٌ وَعُيوبُ
وَنَصيبي مِنَ الحَبيبِ بِعادٌ = وَلِغَيري الدُنُوُّ مِنهُ نَصيبُ
سَلا القَلبُ عَمّا كانَ يَهوى وَيَطلُبُ = وَأَصبَحَ لا يَشكو وَلا يَتَعَتَّبُ
صَحا بَعدَ سُكرٍ وَاِنتَخى بَعدَ ذِلَّةٍ = وَقَلبُ الَّذي يَهوى العُلا يَتَقَلَّبُ
ما زِلتُ مُرتَقِياً إِلى العَلياءِ = حَتّى بَلَغتُ إِلى ذُرى الجَوزاءِ
فَهُناكَ لا أَلوي عَلى مَن لامَني = خَوفَ المَماتِ وَفُرقَةِ الأَحياءِ
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ = بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ = مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
لَئِن أَكُ أَسوَداً فَالمِسكُ لَوني = وَما لِسَوادِ جِلدي مِن دَواءِ
وَلَكِن تَبعُدُ الفَحشاءُ عَنّي = كَبُعدِ الأَرضِ عَن جَوِّ السَماءِ
فَإِن تَكُ أُمّي غُرابيَّةً = مِنَ ابناءِ حامٍ بِها عِبتَني
فَإِنّي لَطيفٌ بِبيضِ الظُبى = وَسُمرِ العَوالي إِذا جِئتَني
إِذا قَنِعَ الفَتى بِذَميمِ عَيشٍ = وَكانَ وَراءَ سَجفٍ كَالبَناتِ
وَلَم يَهجِم عَلى أُسدِ المَنايا = وَلَم يَطعَن صُدورَ الصافِناتِ
سَكَتُّ فَغَرَّ أَعدائي السُكوتُ = وَظَنّوني لِأَهلي قَد نَسيتُ
وَكَيفَ أَنامُ عَن ساداتِ قَومٍ = أَنا في فَضلِ نِعمَتِهِم رَبيتُ
لِمَنِ الشُموسُ عَزيزَةَ الأَحداجِ = يَطلُعنَ بَينَ الوَشيِ وَالديباجِ
مِن كُلِّ فائِقَةِ الجَمالِ كَدُميَةٍ = مِن لُؤلُؤٍ قَد صُوِّرَت في عاجِ
أَشاقَكَ مِن عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ = فَقَلبُكَ مِنهُ لاعِجٌ يَتَوَهَّجُ
فَقَدتَ الَّتي بانَت فَبِتُّ مُعَذَّباً = وَتِلكَ اِحتَواها عَنكَ لِلبَينِ هَودَجُ
أُعاتِبُ دَهراً لا يَلينُ لِناصِحِ = وَأُخفي الجَوى في القَلبِ وَالدَمعُ فاضِحي
وَقَومي مَعَ الأَيّامِ عَونٌ عَلى دَمي = وَقَد طَلَبوني بِالقَنا وَالصَفائِحِ
إِذا لاقَيتَ جَمعَ بَني أَبانٍ = فَإِنّي لائِمٌ لِلجَعدِ لاحي
كَأَنَّ مُؤَشَّرَ العَضُدَينِ حَجلاً = هَدوجاً بَينَ أَقلَبَةٍ مِلاحِ
طَرِبتَ وَهاجَتكَ الظِباءُ السَوارِحُ = غَداةَ غَدَت مِنها سَنيحٌ وَبارِحُ
تَغالَت بِيَ الأَشواقُ حَتّى كَأَنَّما = بِزَندَينِ في جَوفي مِنَ الوَجدِ قادِحُ
صَحا مِن بَعدِ سَكرَتِهِ فُؤادي = وَعاوَدَ مُقلَتي طيبُ الرُقادِ
وَأَصبَحَ مَن يُعانِدُني ذَليلاً = كَثيرَ الهَمِّ لا يَفديهِ فادي
إِذا فاضَ دَمعي وَاِستَهَلَّ عَلى خَدّي = وَجاذَبَني شَوقي إِلى العَلَمِ السَعدي
أُذَكِّرُ قَومي ظُلمَهُم لي وَبَغيَهُم = وَقِلَّةَ إِنصافي عَلى القُربِ وَالبُعدِ
لَعوبُ بِأَلبابِ الرِجالِ كَأَنَّها = إِذا أَسفَرَت بَدرٌ بَدا في المَحاشِدِ
شَكَت سَقَماً كَيما تُعادُ وَما بِها = سِوى فَترَةِ العَينَينِ سُقمٌ لِعائِدِ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ = طَلَلٌ لِعَبلَة مُستَهِلُّ المَعهَدِ
يا مَسرَحَ الآرامِ في وادي الحِمى = هَل فيكَ ذو شَجَنٍ يَروحُ وَيَغتَدي