ثقافة المقاطعة .. ثقافة الرقي!
لسعود الفارسي
@salfarsis

بدأت في هذه الأيام حملات لمقاطعة شركات الاتصالات في دول خليجية عدة ، كانت انطلاقتها من المملكة العربية السعودية فانتقلت إلى عمان وبدأت مؤخراً بدولة الامارات العربية المتحدة ، ومع أهمية هذه الحملات التي تعبر عن تطور ملموس في مستوى وعي المواطن الخليجي بحقوقه ،وعن رقي في اختيار طرق ووسائل التعبير عن الرأي ، وعن جمالية في انتقاء أساليب المطالبة بما يعتقد المواطن بأنها من حقوقه ، في سبيل ايصال رسائل عميقة مضمونها " أريد حقوقي كاملة بطريقة تحترم كياني وكرامتي وتعكس أهميتي كمشترك " ، وللأسف ، بدأت في المقابل تظهر الكثير من الأصوات المثبطة التي لا تعكس سوى سطحية في النظر وفراغ في الفكر وجهل في ملامسة الأهداف من حملات كهذه ! فمن تلك الأصوات ما يسخر من مثل هذه الحملات قائلاً " مقاطعة لساعات قليلة لن تؤثر في أرباح الشركة فأنتم تنامون أكثر من ثمان ساعات والشركات لم تخسر " ومنهم من يقول " أن الشركات بالطريقة هذه ستستفيد بشكل أكبر حيث أنه وبانتهاء فترة المقاطعة سيكون هنالك استخدام كبير لخدمات الاتصالات من شأنه إكساب تلك الشركات ربحاً إضافيا بدلا من الخسارة " ! وغيرهم الكثير ، وحقيقة أقف متعجباً من أصوات غريبة كهذه ! من قال لهؤلاء القوم أن الهدف من المقاطعة تحقيق خسائر لتلك الشركات ! لا أدري لما " الفلسفة " الزائدة في موضوع كهذا !! نحن نعلم بل وعلى يقين بأن مقاطعة الشركات لساعات معينة لن يكبدها خسائر تذكر ، لا سيما وأن الفواتير مدفوعة سواء استخدمنا الشبكة أم لم نستخدمها ! نحن نعلم بأن الشركات يكفيها جداً الربح الذي تحققه من العقود المبرمة مع الجهات الحكومية المختلفة والشركات ، نحن نعلم أن نسبة كبيرة من أرباح شركات الاتصالات لا علاقة مباشرة لها بالمستخدم البسيط لخدمات الاتصالات والانترنت وأنها تقدم خدمات كثيرة أخرى غيرها هي كفيلة بتحقيق أرباح بأرقام خيالية ، نعم نعلم كل ذلك وأكثر ، لكن يبدوا أنك أنت تجهل جداً ياصديقي " المثبط " وأنت ياصديقي " المتفلسف " الهدف الحقيقي والعميق لحملات المقاطعة ، حملات المقاطعة " الجماعية " ياصديقي لها أهداف سامية عميقة جداً اهمها إيصال رسالة جماعية مباشرة للشركات ولأصحاب القرار بعدم قبول الوضع الحالي للاتصالات من نواحي عديدة من بينها الخدمات المقدمة وجودتها وأسعارها ، إيصال رسالة مباشرة بعدم قبول الإذعان لهم بهذه الطريقة المخجلة ! أعرفت الآن صديقي " المتحذلق " أهداف المقاطعة ! فليست كل مقاطعة هدفها تكبيد خسائر مالية ، فما بالك إذا كانت تلك الشركات وطنية وتدر دخلاً لخزانة الدولة !

بالإضافة إلى ماتقدم ، أستغرب حقيقة أيما استغراب من الصمت المطبق العجيب الذي تواجه به هذه الشركات حملات المقاطعة حتى هذه اللحظة ، من الواجب – أخلاقيا – على هذه الشركات أن تتفاعل مع المشتركين على الأقل من باب إظهار الاحترام وإظهار أهمية التعامل مع هذا الانسان " كمشترك " ! أما أن تتم مقابلة كل هذا الحشد من الرسائل والتغريدات الخاصة بدعوات المقاطعة والتشجيع عليها والتي يشارك فيها الصغير والكبير ، المرأة والرجل ، الاعلامي والقانوني والأستاذ والممرض والطبيب والجميع بهذا البرود والتجاهل فأعتقد بأنه أمر مرفوض جملة وتفصيلا ويعكس عدم اهتمام من قبل هذه الشركات بالمشترك وعدم جدية ولا احترافية في التعامل معه ! من جانب آخر ، عجيب هذا الصمت الغريب الذي تبديه الهيئات المشرفة على تلك الشركات ! وكأن الأمر لا يعنيها ! وكأنها هي في واد والمشتركين في واد آخر ! هل من المعقول أنها لم تعلم بحملات المقاطعة أم أن على قلوب أقفالها ياترى ؟!

أخيراً ، أن تصل المجتمعات لهذا المستوى من الرقي في اختيار أساليب ووسائل المطالبة بالحقوق لهو أمر في غاية الجمال ، ويبعث السعادة والأمل في أن الشعوب الخليجية على وجه الخصوص بدأت تصل لمستويات عالية من النضج الفكري ، ذلك النضج المسؤول الذي يجعل من مصلحة الوطن أولوية كبرى وخط عريض تدور في نطاقه وحدوده جميع المطالبات الأخرى ، فهنيئا لنا بفكر كهذا وهنيئا لنا هذا الرقي .

سعود الفارسي
6/10/2016م