https://up.h2adi.com/do.php?imgf=171586452030431.jpeg

قائمة المستخدمين المشار إليهم

النتائج 1 إلى 10 من 49

الموضوع: كل يوم قصة من قصص الأنبياء

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #11
    عضو نشيط الصورة الرمزية ام الهنوف
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    الدولة
    عيون مسقط
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    782
    Mentioned
    3 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)





    الجزء الثاني

    سيدنا إبراهيم

    مع إبنه إسماعيل وبناء الكعبة


    وكانت سارة زوجة إبراهيم عقيمًا لا تلد وكانت تعلم رغبة إبراهيم وتشوقه لذرية طيبة فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها لعل الله أن يرزقه منها ذرية صالحة .

    فتزوج إبراهيم عليه السلام هاجر فأنجبت له إسماعيل فسعد به إبراهيم سعادة كبيرة لأنه جاء له بعد شوق شديد وانتظار طويل

    وأمر الله عز وجل إبراهيم أن يأخذ زوجته هاجر وولدها إسماعيل ويهاجر بهما إلى مكة فأخذهما إبراهيم إلى هناك وتوجه إلى الله داعيًا

    (
    رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )


    ترك ابنه وزوجته في مكه ، وطلب من الله أن يؤمن لهم المأكل والمشرب وتركهما ومشى ، وبعد مضي عدة ساعات بدأ ابنها اسماعيل عليه السلام يبكي الجوع والعطش ،و لم يكن بيدها حيلة إلا أن تقوم وتبحث عن الطعام والشراب ، ولكن الله كان بعباده رحيما ، وشق الأرض من تحت قدمي اسماعيل لتنبع بماء زمزم الذي ما زال ينبع حتى اليوم ، وما زالت القبائل تتوافد لتشرب منه .



    وعاد سيدنا إبراهيم إلى زوجته سارة .

    كان إبراهيم جالس لوحده. في هذه اللحظة، هبطت على الأرض أقدام ثلاثة من الملائكة: جبريل وإسرافيل وميكائيل.

    يتشكلون في صور بشرية من الجمال الخارق. ساروا صامتين. مهمتهم مزودجة.

    1- المرور على إبراهيم وتبشيره.

    2- زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم.

    سار الملائكة الثلاثة قليلا. ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم.

    رفع إبراهيم رأسه.. تأمل وجوههم..... لا يعرف أحدا فيهم.

    بادروه بالتحية. قالوا: سلاما. قال: سلام.

    نهض إبراهيم ورحب بهم. أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء. أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا،

    ثم استأذن وخرج. راغ إلى أهله.

    نهضت زوجته سارة حين دخل عليها. كانت عجوزا قد ابيض شعرها ولم يعد يتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي يطل من عينيها.

    قال إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء.

    سألته: من يكونون؟

    قال: لا أعرف أحدا فيهم. وجوه غريبة على المكان.

    لا ريب أنهم من مكان بعيد، غير أن ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل. أي طعام جاهز لدينا؟

    قالت: نصف شاة.

    قال وهو يهم بالانصراف: نصف شاة.. اذبحي لهم عجلا سمينا. هم ضيوف وغرباء.

    ليست معهم دواب أو أحمال أو طعام. ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء.

    اختار إبراهيم عجلا سمينا وأمر بذبحه، فذكروا عليه اسم الله وذبحوه.

    وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة.

    وأعدت المائدة. ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام. أشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله،

    وبدأ هو يأكل ليشجعهم.

    كان إبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل،

    وضيوفه ثلاثة ونصف شاة يكفيهم ويزيد، غير أنه كان سيدا عظيم الكرم.

    راح إبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون.

    لاحظ أن أحدا لا يمد يده إلى الطعام. قرب إليهم الطعام وقال: ألا تأكلون؟ عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهم نظرة

    فوجدهم لا يأكلون.. رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام. عندئذ (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً).

    في تقاليد البادية التي عاش فيها إبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت.

    ولاحظ إبراهيم بينه وبين نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه. لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة.

    لم يرهم إلا وهم عند رأسه. لم يكن معهم دواب تحملهم، لم تكن معهم أحمال. وجوههم غريبة تماما عليه.

    كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لتراب السفر. ثم ها هو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون إلى المائدة ولا يأكلون.

    ازداد خوف إبراهيم.

    كان الملائكة يقرءون أفكاره التي تدور في نفسه، دون أن يشي بها وجهه.

    قال له أحد الملائكة: (لاَ تَخَفْ). رفع إبراهيم رأسه وقال بصدق عظيم وبراءة: اعترف إنني خائف.

    لقد دعوتكم إلى الطعام ورحبت بكم، ولكنكم لا تمدون أيديكم إليه.. هل تنوون بي شرا؟

    ابتسم أحد الملائكة وقال: نحن لا نأكل يا إبراهيم.. نحن ملائكة الله.. وقد (
    أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)

    ضحكت زوجة إبراهيم.. كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم، فضحكت.

    التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحاق.

    صكت العجوز وجهها تعجبا:

    قَالَت يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72) (هود)

    عاد أحد الملائكة يقول لها:

    وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ

    جاشت المشاعر في قلب إبراهيم وزوجته.

    شف جو الحجرة وانسحب خوف إبراهيم واحتل قلبه نوع من أنواع الفرح الغريب المختلط.

    كانت زوجته العاقر تقف هي الأخرى وهي ترتجف. إن بشارة الملائكة تهز روحها هزا عميقا.

    إنها عجوز عقيم وزوجها شيخ كبير. كيف؟! كيف يمكن؟!

    وسط هذا الجو الندي المضطرب تساءل إبراهيم:

    أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) (الحجر)

    أكان يريد أن يسمع البشارة مرة أخرى؟

    أكان يريد أن يطمئن قلبه ويسمع للمرة الثانية منة الله عليه؟

    أكان ما بنفسه شعورا بشريا يريد أن يستوثق؟

    ويهتز بالفرح مرتين بدلا من مرة واحدة؟ أكد له الملائكة أنهم بشروه بالحق.
    قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) (الحجر)

    قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (الحجر)

    لم يفهم الملائكة إحساسه البشري، فنوه عن أن يكون من القانطين، وأفهمهم أنه ليس قانطا.. إنما هو الفرح.

    لم تكن البشرى شيئا بسيطا في حياة إبراهيم وزوجته.

    لم يكن لإبراهيم غير ولد واحد هو إسماعيل، تركه هناك بعيدا في الجزيرة العربية.

    ولم تكن زوجته سارة قد أنجبت خلال عشرتها الطويلة لإبراهيم، وهي التي زوجته من جاريتها هاجر.

    ومن هاجر جاء إسماعيل. أما سارة، فلم يكن لها ولد. وكان حنينها إلى الولد عظيما،

    لم يطفئ مرور الأيام من توهجه.

    ثم دخلت شيخوختها واحتضر حلمها ومات.

    كانت تقول: إنها مشيئة الله عز وجل.

    هكذا أراد الله لها. وهكذا أراد لزوجها. ثم ها هي ذي في مغيب العمر تتلقى البشارة.

    ستلد غلاما. ليس هذا فحسب،

    بشرتها الملائكة بأن ابنها سيكون له ولد تشهد مولده وتشهد حياته.

    لقد صبرت طويلا ثم يئست ثم نسيت. ثم يجيء جزاء الله مفاجأة تمحو هذا كله في لحظة.

    فاضت دموعها وهي تقف.

    وأحس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإحساس محير. جاشت نفسه بمشاعر الرحمة والقرب،

    وعاد يحس بأنه إزاء نعمة لا يعرف كيف يوفيها حقها من الشكر. وخرّ إبراهيم ساجدا على وجهه.

    انتهى الأمر واستقرت البشرى في ذهنيهما معا.

    نهض إبراهيم من سجوده وقد ذهب عنه خوفه، واطمأنت حيرته، وغادره الروع،

    وسكنت قلبه البشرى التي حملوها إليه. وتذكر أنهم أرسلوا إلى قوم لوط.

    ولوط ابن أخيه النازح معه من مسقط رأسه، والساكن على مقربة منه.

    وإبراهيم يعرف معنى إرسال الملائكة إلى لوط وقومه. هذا معناه وقوع عذاب مروع.

    وطبيعة إبراهيم الرحيمة الودودة لا تجعله يطيق هلاك قوم في تسليم.

    ربما رجع قوم لوط وأقلعوا وأسلموا أجابوا رسولهم.

    وبدأ إبراهيم يجادل الملائكة في قوم لوط. حدثهم عن احتمال إيمانهم ورجوعهم عن طريق الفجور،

    وأفهمه الملائكة أن هؤلاء قوم مجرمون. وأن مهمتهم هي إرسال حجارة من طين مسومة من عند ربك للمسرفين.

    وعاد إبراهيم، بعد أن سد الملائكة باب هذا الحوار، عاد يحدثهم عن المؤمنين من قوم لوط.

    فقالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها. ثم أفهموه أن الأمر قد قضي.

    وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط.

    أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار. ليوفر حلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه.

    وتقرر عليهم (
    عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) عذاب لن يرده جدال إبراهيم. كانت كلمة الملائكة إيذانا بنهاية الجدال..

    سكت إبراهيم. وتوجهت الملائكة لقوم لوط عليه السلام.


    أمَرَ الله سيّدَنا إبراهيمَ عليه السّلام أن يَبنيَ بيتاً ومَسجِداً يكونُ رَمزاً للتوحيدِ ومَكاناً لعبادِة الله

    قال سيّدُنا إبراهيمُ لولِده :

    إنّ اللهَ يأمرُني أن أبنيَ بيتَه فَوقَ هذا التلِّ الصغير

    لبّى إبراهيمُ أمْرَ الله ولبّى إسماعيلُ دعوةَ أبيه إبراهيمَ لبناءِ بيتِ الله.

    كانَ على إبراهيمَ الشيخِ الكبيرِ وإسماعيلَ الفَتى أن يَنهَضا بهذِه المُهمّةِ الشاقّة.

    علَيهما أوّلاً أن يَنقُلا الصُّخورَ المُناسِبةَ للبناءِ من الجبالِ المُحيَطةِ بالوادي

    وكانَ عليهما أن يَجمَعا التُّرابَ ويُوفِّرا الماءَ الكافي لِصنُعِ « المَلاط » اللازم في بناءِ البيت

    وهكذا بدأ البناءُ، نَقَلوا أوّلاً الصُّخورَ من الجِبالِ المُحيطَةِ بالوادي وصَنَعا حَوضاً للماءِ وجَمَعا التراب

    كانَ الفتى إسماعيلُ يتَولّى حَمْلَ الصُّخور.. كانَ يَنتَخِبُ الصُّخورَ الصُّلبةَ لتكونَ أساساً قَوياً في البناء

    جَمَع كثيراَ من الصُّخورِ الخضراءِ اللّون.. ثمّ صَبَّ الماءَ في حوضِ الترابِ ليصنعَ طيناً لَزِجاً

    يَشُدُّ الصُّخورَ إلى بعضِها

    كانَ سيّدُنا إبراهيمُ يَرصِفُ الصُّخورَ الخضراءَ الواحدةَ بعدَ الأخرى ليبني أساسَ البيت

    أمّا إسماعيلُ فكانَ يُناوِلُ أباهُ الصُّخور

    في كلّ يومٍ كانا يَبْنِيانِ سافاً واحداً، ثمّ يعودان في اليوم التالي لبناءِ سافٍ آخرَ..

    وهكذا

    وأخذا ينقلان الحجارة اللازمة لذلك و أخذا يدعوان ربهما أن يتقبل منهما .

    قال تعالى :

    (
    وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )

    فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل وبارك في الكعبة وجعلها قبلة للمسلمين جميعًا في كل زمان ومكان.




    في كلِّ يومٍ كانَ البناءُ يَرتفعُ قليلاً... و كلِّ يومٍ كان إبراهيمُ وإسماعيلُ يَطُوفانِ حولَ البناءِ

    ويَقولان: ربَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إنّكَ أنتَ السَّميعُ العَليمُ

    ارتَفَعَ البناءُ في الفضاءِ تِسعَةَ أذرُعٍ، أي ما يَقرُبُ من الثَّمانيةِ أمتارٍ.

    رأى سيّدُنا إبراهيمُ فَراغاً في زاويةِ البيتِ العُليا

    في تلك الليلةِ كانَتِ الشُّهُبُ تتَوهّجُ في السماء،

    وسَقَطَ نَيزَكٌ فوقَ سُفوحِ الجبالِ القريبة

    في الصباحِ انطَلَق سيّدُنا إبراهيمُ إلى الجبلِ المطلّ على الوادي،

    وَقَعت عيناه على حَجَرٍ أبيضَ مِثلِ الثَّلج، كانَ حَجَراً بحجمِ الفَراغ..

    لهذا حَمَلهُ سيّدُنا إبراهيم ووَضَعَهُ في مكانِه
    .




    انتهى بناءُ البيت.. بيتِ اللهِ الحرامِ، ليكونَ أوّلَ بيتٍ يُعبَدُ فيه اللهُ وحدَه لا شريكَ له

    كانَ للكعبةِ بابان:

    بابٌ باتّجاهِ الشرق، وبابٌ باتّجاه الغربِ،

    جَمَعَ سيّدُنا إبراهيم نَباتاً طيّبَ الرائحةِ يُدْعى « الإذخُر » فوَضعَه على الباب،

    وجاءت هاجَرُ أمُّ إسماعيل وأهدَت إلى الكعبةِ كِساءً



    الحجُّ الإبراهيمي


    انطَلَق سيّدُنا إبراهيمُ إلى الجبلِ وارتَقَى القِمّةَ ثم هَتَف بأعلى صوتِه يَدعو الأجيالَ البشريّةَ إلى حَجِّ البيتِ العتيق

    سَمِعَت قبيلةُ جُرهُم والقبائلُ العربيّةُ المُجاوِرةُ نِداءَ إبراهيمَ خليلِ الرحمن

    لم يَحِجَّ ذلكَ العامَ سوى سيّدنا إبراهيمَ وإسماعيلَ وهاجَر.

    هَبَط جِبْريلُ عليه السلام يُعلّمُ سيّدَنا إبراهيمَ مَناسِكَ الحَجّ

    غسَلَوا بمياهِ زَمزَم، وارتَدَوا ثِياباً بيضاءَ ناصِعةً،

    وبدأوا طَوافَهُم حولَ الكعبةِ سَبْعَ مرّات، وأدَّوا الصلاةَ ودَعَوا الله أن يَتقّبلَ منهم أعمالَهُم

    وبعدَها انطَلَقوا لقطعِ الوادي بين جَبَلَي الصَّفا والمَرْوَةِ.


    وتَذَكّرت هاجَرُ تَفاصيل ذلك اليومِ قبلَ أكثرَ من اثنَي عَشَرَ عاماً، عندما كانَ إسماعيلُ صَبيّاً في المَهْد

    تَذكَّرت بُكاءه وبَحثَها عن الماء..

    تَذَكّرت كيفَ قَطَعَت هذا الوادي المُوحِشَ سَبْعةَ أشواطٍ تَبحثُ عن الماءِ،

    وكيف تَوجَّهَت بقلبِها إلى السماء ؟

    وكيفَ تَدفَّقَ الماءُ عند قَدَمَي إسماعيل ؟

    اللهُ ربُّنا أرادَ لهذه الحوادثِ أن تَبقى في ذاكرةِ البَشَر، يَتذكّرون دائماً أنّ الله سبحانه هو وحدَهُ القادرُ على كلِّ شيء

    صَعِدَ سيُّدنا إبراهيمُ وابنُه إسماعيلُ جَبَل الصَّفا، ونَظَرا إلى بيتِ اللهِ بخشوعٍ وهَتَفا

    ـ لا إله إلاّ الله وحدَهُ لا شَريكَ له.. لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير.


    القُرْبان


    هَبَط المَلاكُ جبريلُ وأمَرَ سيّدَنا إبراهيمَ أن يَتزَوّدَ بالماءِ ثَمّ يذهبَ إلى جَبَل عَرَفات ومِنى،

    ومن ذلك الوقتِ سُمّي يوم الثامنِ من ذي الحجّةِ الحرام بيومِ التَّرْوِيَة

    أمضى سيّدُنا إبراهيمُ ليلتَه هناك.. نظَرَ إلى السماء المُرصَّعَة بالنجوم.

    نظَرَ إلى ما خَلَق الله من الكواكبِ التي تُشبِهُ المَصابيحَ،

    فسجَدَ لله الخالقِ البارئ المصوِّرِ له الأسماءُ الحُسنى يُحيي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير
    .


    أغمَضَ سيّدُنا إبراهيمُ عَينَيه ونامَ.. في عالَمِ المَنامِ رأى سيّدُنا إبراهيمُ شيئاً عجيباً !!

    رأى نفسَهُ يَذبَحُ ولدَهُ إسماعيل... إنتَبَه من نومِه..

    كانت السماءُ ما تزال زاخِرةً بالنجومِ، ورأى ابنَه نائماً. عادَ سيّدُنا إبراهيمُ إلى نَومِه
    ..

    مرّةً أخرى تَكرَّرت ذاتُ الرُّؤيا.. رأى نفسَهُ يَذبَحُ ابنَهُ ويُقِّدمُه قُرباناً إلى ربِّ العالمين!!

    استَيقَظ سيّدُنا إبراهيمُ وقد انفَلَق عَمودُ الفَجرِ.. تَوضّأ وصلّى...

    واستيَقَظ إسماعيلُ فتَوضّأ وصلّى. طَلَعَتِ الشمسُ وغَمَرت التِّلالَ بالنور
    .


    كانَ سيّدُنا إبراهيمُ حَزيناً..

    إنّ الله عزّوجلّ يَمتَحِنهُ مَرّةً أخرى... يَمتحِنُهُ هذه المرّةَ بذبحِ ابنِه..

    ماذا يفعل ؟

    لو أمَرَه اللهُ سبحانه بأن يَقذِفَ نفسَه في النارِ لَفَعل، ولكن ماذا يَفعلُ ؟

    في هذه المرّة عليه أن يَذبحَ ابنَه ؟! ترى ماذا يَفعل ؟ هل يُخبِرُ ابنَه بذلك ؟ هل يَذبَحُه عُنوَةً ؟

    وإذا أخبَرَ ابنَهُ هل يَقبَلُ ابنُهُ بالذبحِ ؟ هل يَتحَمّلُ إسماعيلُ آلامَ الذَّبح ؟
    !

    إسماعيلُ رأى أباه حَزيناً، فقال له:

    ـ لماذا أنتَ حَزينٌ يا أبي ؟

    قالَ سيّدُنا إبراهيم:

    ـ هناك أمرٌ أقلَقَني... يا بُنيّ إنّي أرى في المَنامِ أنّي أذبَحُكَ، فماذا تَرى ؟


    أدرَكَ إسماعيلُ أنّ الله سبحانه يأمرُ رسولَه إبراهيمَ أنّ يُضحّي بولدِه...

    إسماعيلُ كانَ يُحبُّ أباه كثيراً، يَعرِفُ أنّ أباه لا يَفعلُ شيئاً إلاّ بأمرِ ربِّه...

    إنّه خليلُ الرحمن الذي امتَحَنَه اللهُ عندما كانَ فتىً في بابلَ وحتّى بعد أن أصبَحَ شيخاً كبيراً
    .

    عَرَف إسماعيلُ أنّ اللهَ يَمَتَحِنُ خليلَه إبراهيم...

    لهذا قال له
    :

    ـ يا أبتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إنْ شاءَ اللهُ مِن الصَّابِرين.

    سيّدُنا إبراهيمُ فِرِحَ بذلك.

    كانَ إسماعيلُ وَلداً بارّاً مُطيعاً ومُؤمناً باللهِ ورسولهِ
    .

    الذَّبيح

    أخَذَ سيّدُنا إبراهيمُ مُدْيَةً وحَبلاً، وذَهَب إلى أحدِ الوِديان القريبة..

    كانَ إسماعيلُ يُرافِقُ أباه ساكِتاً. كانَ يُهيّئُ نَفسَهُ لِلَحظةِ الذَّبح، ويُدعو الله أن يَمنَحَهُ الصبرَ لتحمّلِ الآلامِ في سبيله..

    هاجَرُ عندما رأتْ سيّدَنا إبراهيمَ وإسماعيلَ قد انطَلَقا نحو الوادي، ظنّت أنّهما ذَهَبا لجمعِ الحَطَب..

    وصَلَ سيّدُنا إبراهيمُ وإسماعيل إلى الوادي..

    نَظَر إسماعيلُ إلى أبيه، كانت عَيناهُ مَليئتين بالدُّموع..

    هو أيضاً بكى من أجلِ أبيهِ الشيخ فأراد أن يُنهِيَ الأمرَ بسرعة، قالَ لأبيه
    :

    ـ يا أبي، أحْكِمْ وَثاقي، واكْفُفْ ثِيابَكَ حتّى لا تَتَلطَّخَ بالدمِ فتَراهُ أُمّي..

    يا أبي، واشْحَذِ السِّكِّينَ جَيّداً، وأسْرِعْ في ذَبْحي فإنّ آلامَ الذَّبح شديدة
    .

    بكى سيّدُنا إبراهيمُ وقال:

    ـ نِعْمَ العَوْنُ أنتَ يا بُنَيّ على أمرِ الله.

    أحكَمَ سيّدُنا إبراهيم الوَثاقَ على كَتِفَي إسماعيلَ.. كاَن إسماعيلُ مُستَسلِماً تَماماً لأمرِ الله.

    أغمَضَ عَيْنَهِ.. سيّدُنا إبراهيمُ أمسَكَ بِجَبينِ ولدِه وحَناهُ إلى الأرض.

    جَثا إسماعيلُ الفَتى بهدوءٍ. كانَ يُودِّعُ الحَياة، يُودّعُ أُمَّه وأباه...

    وضَعَ سيّدُنا إبراهيمُ السكِّين على عُنُقِ إسماعيل..

    لحظةٌ واحدةٌ وينتهي كلُّ شيء
    .

    ماذا حَصَل في تلك اللحظاتِ المُثيرة ؟! هل ذُبِح إسماعيل ؟ كلاّ.

    سَمِع سَيّدُنا إبراهيمُ نِداءً سماويّاً... يأمرُه بذبحِ كَبْشٍ فِداءً لإسماعيل...

    نَظَر سيّدُنا إبراهيمُ إلى جهةِ الصَّوت.. فرأى كَبْشاً سَميناً يَنزِلُ من فوقِ قمّةِ الجبل.. كانَ كبشاً أملَحَ لَه قُرون!




    حَل سيّدُنا إبراهيمُ الوَثاقَ عن ابنهِ إسماعيل...

    ثَمّ قَدّمَ الكبشَ وذَبَحَهُ باسمِ الله،

    وقدّمه قرباناً إلى ربّنا الرحيم
    .

    ومن ذلك اليومِ أصبَحَ تقديمُ الأضاحي من مِناسِكَ الحجّ.

    المسلمونَ في كلِّ مكانٍ يَذهبونَ لزيارةِ بيتِ الله... البيتِ الذي بناهُ إبراهيمُ وإسماعيلُ لعبادةِ الله..

    يَطوفونَ حَولَهُ ويُمَجّدونَ اسمَهُ... ويَسْعَون بينَ الصَّفا والمَروَةِ كما سَعَت هاجَرُ مِن قَبلُ،

    ويُقدِّمونَ القَرابينَ كما قَدّم إبراهيمُ قُرباناً مِن قَبلُ...

    يَفعلونَ ذلكَ لأنّهم على دينِ إبراهيم، ودينُ سيّدِنا إبراهيمَ هو دينُ الإسلامِ الحنيف
    .


    أنا ابنُ الذَّبيحَين

    هل تعلمونَ مَن قالَ هذه العبارة ؟

    إنّه سيّدُنا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله. لماذا ؟ لأنّ سيّدَنا محمّداً من ذُريةِ إسماعيلَ عليه السّلام،

    فقد عاشَ سيّدُنا إسماعيلُ عليه السّلام وتَزَوّجَ وأصبَحَت له ذُرّيّة
    ..

    ومِن ذرّيتهِ عبدُالمُطَّلِب جَدُّ سيّدِنا محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وهو الذي حَفَر زَمزمَ من جديد،

    وفي عهدِه هاجَمَ الجيشُ الحَبَشيُّ مكّة لَتدميرِ الكعبةِ،

    فدَعا عبدُالمطّلب اللهَ سبحانه أن يَحْميَ البيتَ الحرامَ من شَرِّ الأعداء

    واستَجابَ الله دُعاءَ حفيدِ إبراهيمَ وإسماعيلَ،

    وأرسَلَ طَيراً أبابِيلَ قَصَفَت جيشَ أبرهَةَ الحَبَشيّ ومَزَّقَته
    ..

    دعا عبدُالمطّلب الله سبحانه أن يَرزُقَهُ عَشرَةَ بَنينِ،

    ونَذَر إن رزَقَهُ اللهُ ذلك أن يَذبَحَ أحدَهُم قُرباناً لله
    ..

    الله سبحانه رَزَق عبدَالمطّلب عشرةَ أبناء...

    فقال عبدالمطّلب
    :
    ـ لقد رَزَقَني اللهُ عَشرةَ أبناء وعَلَيّ أن أفِيَ بالنَّذر.

    اقتَرَعَ عبدُالمطّلب بين بَنيهِ العَشرةِ، فخَرَجَت القُرعَةُ على عبدِالله والدِ سيّدِنا محمّدٍ صلّى الله عليه وآله،

    فأرادَ عبدُالمطّلب أن يَذبَحَ ابنَهُ وَفاءً بِنَذرِه
    .


    أهلُ مكّةَ كانوا يُحبّونَ عبدَالله كثيراً، لهذا قالوا لعبدِالمطّلب: لاتَذْبَح ابنَكَ، واقرَعْ بينه وبين الإبل..

    وأعطِ ربَّك حتّى يَرضى
    ..
    وهكذا كانَ عبدُالمطّلب يَقرَع بينه وبين عشرةٍ من الإبل،

    فتخرجُ القُرعةُ على عبدالله، حتّى أصبحَ عددُ الإبل مئةً.

    وعندها خرَجَت القُرعةُ على الإبل... لقد رضيَ اللهُ بالفِداء
    .


    فأمرَ عبدُالمطّلب بالإبلِ أنْ تُنحَر وأن تُوزَّع لُحومُها على الفقراءِ والجِياع.


    لقد كانَ عبدُالله على وَشْكِ أن يُذبَحَ، ولكنّ الله رَضِيَ بفدائهِ، فهو كإسماعيلَ الذي افتَداه اللهُ بذِبحٍ عظيم.


    لهذا كان سيّدُنا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله يقول: أنا ابنُ الذَّبيحَين، لأنّه ابنُ عبدِالله بنِ عبدالمطّلب

    الذي هو من ذريّةِ ذبيحِ الله إسماعيل
    .

    واليومَ عندما يَذهَبُ المسلمونَ كلَّ عامٍ إلى مكّةَ لأداءِ مراسمِ الحجّ فإنّهم يتَذكّرون جميعاً قصّةَ سيّدِنا إسماعيلَ..

    ذلك الفتى البارّ المُطيع لله ولرسوله
    .



    قد كان لإبراهيم عليه السلام رسالة ودين قويم وشريعة سمحة أمرنا الله باتباعها

    قال تعالى
    (
    قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

    أي اتبعوا الدين الحنيف القويم الثابت الذي لا يتغير.

    ومرض إبراهيم عليه السلام ثم مات بعد أن أدى رسالة الله وبلغ ما عليه.


    قيل في رحلة النبي محمد صل الله عليه وسلم , رحلة الإسراء والمعراج

    قابل النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله إبراهيم عليه السلام في السماء

    السابعة بجوار البيت المعمور الذي يدخله

    كل يوم سبعون ألف من الملائكة يتعبدون فيه ويطوفون ثم يخرجون ولا

    يعودون إليه إلى يوم القيامة

    وذلك كما ذكر في حديث المعراج الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم )

    عندما صعد بي جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟

    قال : جبرائيل , قيل : ومن معك ؟ قال محمد , قيل : وقد بعث إليه؟

    قال : نعم, قيل : مرحبًا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم ,

    قال : هذا أبوك فسلم عليه فسلمتُ عليه فرد السلام ثم قال مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح).

    وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير البرية فقال :

    (
    ذاك إبراهيم ) وهو أول من يكْسى يوم القيامة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( … وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم )

    فالناس يحشرون يوم القيامة عراة فيكسى إبراهيم عليه السلام تكريمًا له

    ثم الأنبياء ثم الخلائق وقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم وأثنى عليه

    قال تعالى

    (
    إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).

    وقد فضل الله إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة فجعل النبوة فيه وفي ذريته إلى يوم القيامة

    قال تعالى

    (
    وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ).

    وإبراهيم عليه السلام من أولي العزم من الرسل ووصى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يسير على ملته

    قال تعالى : (
    قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

    وقال : (
    ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ


    ومدح الله إبراهيم بالوفاء والقيام بما عهد إليه فقال تعالى : (
    وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ).

    ولأنه أفضل الأنبياء والرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصلي عليه في صلاتنا أثناء التشهد.



    اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
    كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم

    اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
    كما باركت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم

    في العالمين ,, أنك حميد مجيــــد ,,
    الصور المرفقة الصور المرفقة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م