لميس ضيف

أحد أهم وأكبر الأخطاء التي ارتكبت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي هي احتقارالعمل اليدوي، وتبجيل العمل المكتبي. وتسهيل الدراسة الجامعية - بغض النظر عن مستوى التحصيل الدراسي - ودفع الشباب والشابات لها بغض النظر عن ميولهم أواستعداداتهم الشخصية. وكانت النتيجة أجيالا من العاطلين عن العمل، أو المنخرطين فيغير تخصصاتهم، أو تلك الفئة التي تعايشونها وتعرفونها جيداً؛ فئة البطالة المقنعة،التي تشغل مواقع لا طاقة ولا رغبة لها بها. ولا تضــــيف شيئا للعمل ولا يضيف لهاالعمل – نفسه – إلا رصيداً في البـــنك.

تلك الفئةالتي تشعر بانعدام القيــــمة؛ وتجـــعلك تدفع – أنــــت وغيرك – ثمن هذاالإحـــباط الـــذي لا يبارحها حتى تتقاعد

الأصل في العمل، أن يُورث المرء السعادة لا أن يوفر له نقداً للحياة فحسب، فالعمل المثالي لك هو ما يجعلك تتطلع للعودة لموقع العمل كل صباح. وهو العمل الذي تبدع فيه وتمرالساعات به دون أن تشعر بها. أعرف رجلاً في منتصف العمر اتخذ قرارا فاجأ الجميع؛ فبعد أن كان شخصية مرموقة في القطاع المصرفي، يتقاضى راتبا كامل الدسم، قرر أن يترك العمل ليعمل “كطاه” في مطعم!

أنكرعليه الجميع ذلك، وصنفوا ما فيه على أنه أزمة منتصف العمر وأولهم زوجته، لكنه فاجأ الجميع بمهارته وموهبته، وسرعان ما فتح مطعمه الخاص الذي يستقبل فيه – بفخر –المديرين والتجار الذين يعرفهم بمئزر المطبخ وقبعة الطاهي البيضاء.. لقد وجد هذاالرجل سعادته وراحته في هذه المهنة، ويردد من يعرفونه أنهم لم يروه يوما بهذاالمزاج الرائق والابتسامة والحماس وكأنه صغر 10 سنوات

ماديا؛الميكانيكي الماهر اليوم يفوق دخله الشهري دخل المعلم. والسباك والنجار بل ومنيصلح المكيفات.. لذا تطبق بعض الدول الأوروبية اليوم في المدارس امتحانا يتيح لأولياء الأمور تحديد الوجهة المثالية للتلامذة في المستقبل. يوصي بإدخال بعضهم لتخصصات جامعية معينة فيما يوصي بتقديم تدريب مهني فقط للبعض الآخر ولا علاقة لهذاالأمر بالنبوغ أو بالقدرات العقلية بقدر ما هو مرتبط بالمواهب والقدرات
أقول هذا بعد أن شكت لي صديقتي الطبيبة من أن ابنتها لا تحب إلا تصميم الأزياء والماكياج. وتريد منها أن تبعثها لدراسة هذه التخصصات في كلية بفرنسا. وهو ما أثار حفيظة والدتها التي تصرفت وكأنها نهاية العالم.. فأخـــــبرتها بما أخبركم به الآن؛ ليتبع كل فرد منارغبته وميوله. وقـــــد يكون الحداد الناجح أهم من المهندس الــفاشل. ثم إن الــــبلاد ليست بحاجة لمزيد من الخريجين العاطلين، ولا الموظــــفين الفاشـــلين.هي بحاجة لمن يتقنون عملهم ويجيدونه؛ أيا كان مجالهم.