عود أحمد
كتب التاريخ بطولاته.. وسطر الزمان اسمه .. نحت عزمه وصبره .. على صفحات هذا التراب المقدس .. حاول ان يرمم ما طواه الدهر .. حاول ان يستعيد احلامه وامانيه .. تسلل صخب الليل الى مسامعه .. رسم خارطة عمره .. ذات يوم بعدما حل الظلام .. نامت الفراشات على وسادته .. كما نامت دموعه .. غرست آخر خنجر في خاصرته .. جروحه نازفة .. خارت قواه .. تألم بصبر واضح .. تأوهاته غير مسموعة على الملأ .. إصابته قاتلة .. للاسف .. لايزال جرح قلبه مفتوحا .. طافت به الرياح .. كان يشعر بألم واضح .. اقدام الالم تركله ليل نهار .. وكفوف السهرتعبث بصفحة وجهه البريء .. دموعه تعصر قلبه .. لايعلم ما الامر ؟ .. كما لا تعلم طفلته ..تأخر في ذلك اليوم المشؤوم .. ليس كعادته .. كانت تتأمل منه الاعتذار .. كالعادة .. لم تسمع صوته .. بالفعل تأخر عن الموعد .. أخبرت شقيقتها .. لم يكن الأمر سرا.. حتى شقيقتها تعرف السر .. التزم الهدوء .. فهو ليس كالاخرين ..كان هنا يصارع الالم ..والجوع .. ودموع ساخنة تعبر صفحة ومتاهات وجهه.. تائه بين رغبات الامس وقدر اليوم .. مواعيد اخرى.. تسكن ضلوعه وانفاسه .. سنوات اخرى من الضياع .. تناسخت الاحزان في عينيه .. لايدري عنه احد..تجسدت آلام العالم في عينيه.. اختزلت في اسمه .. نخرت قلوبنا وعقولنا .. صدمتنا النهاية .. وهول الموقف .. استغاثاته غير مسموعه .. لايرغب أحد في سماعها .. لا احد يقترب منه .. لان قلبه اصبح ضعيفا .. خارت قواه .. لا احد يصدق نوبات المه ..خوفا من المجهول.. ذات يوم .. اختفى.. طار الى هناك .. حملته اجنحة ملائكية .. فوق قمة ذلك الجبل .. كالنسر الجريح .. يستريح على هامات القمم .. طار ولم يعد بعد .. سافر وحيدا .. حمل حقيبة احزانه .. ودع ظلامه .. مفضوحا بنوبات المه.. بصراخه .. واشباح آلامه .. أشفقت على تلك المسكينة.. البائسة.. لم يتذكرها أحد على الاطلاق .. لم نتذكر دموعها وحسرتها .. تكلمت ذات يوم .. اوصت كثيرا .. لسبب بسيط..أنه فلذة كبدها .. لا تعلم انه اقرب الى القلوب .. يسكن الروح.. أختصر عمره.. كزهرة سقطت قبل اوانها .. تحمل اكليلا من ورق الغار .. نجمة سقطت في عمق المحيط .. أشرعة تهوي ما بين أفواه الامواج العاتية .. أختفت في غبار الكون .. تلاشت عيون.. مضى الليل بانتظار عودته .. نترقبه كحبة قمح .. تخرج من بين كومة قش.. حملتها الريح الهائجة.. حملت أخبارا لم نستوعبها بعد .. لا نملك الا الدعاء والصلاة .. انهكتنا احاديث المساء وتأويلات الليل .. كما انهكت اجسادنا من انتظار عودته .. نلملم بقايا ذكرياته .. اوراق مذكراته .. كلماته المبعثرة .. دموعه .. صدى ضحكاته .. لا تزال مواقفه مرسومة بعقولنا .. مضى فصل الشتاء.. كذلك الربيع .. لايزال بعيدا .. رغم قربه منا .. وجوه تسأل عنه .. اخرى رحلت .. هذه الليلة تشبه تلك الليلة .. عقارب الساعة لا تزال تدور .. تمضي الى زمن وقدر آخر .. انحسرت أوراق الخريف .. تساقطت قطرات المطر .. زهور الربيع تأخرت قليلا ...طارت الكلمات مع اسراب النوارس .. تلاشت الوعود .. سقطت أقنعة سوداء .. تناثرت على اطراف الوادي .. جفت الينابيع الرقراقة .. ذاب الجليد .. اطفال تعبث باشياء صغيرة..يجمعون حبات مطر .. يطاردون اجنحة فراشات مهاجرة .. استيقظت قلوب .. ابواب موصدة.. في انتظار العودة ..اخبارا اخرى.. حملت الريح غبارا .. وسحاب صيف ابيض .. ذات ليلة .. بعد الغروب .. انفرجت الابواب والاسوار .. عاد أحمد .. ومعه الم وحسرة .. قلبه ينبض باشياء جميلة .. مشرق بابتسامة ساخرة .. ودموع بائسة ..عادت عصافير الربيع .. تبني اعشاشا .. أضمر أملا موشوما بقلق .. لاجدوى .. بلا حدود.. لا بديل غير ذلك .. هروب من جحيم .. أمل جديد .. روح تعتصر .. غابات بغيضة .. صراع ضد الذات .. أرهقنا الانتظار .. ذهول في عيوننا .. سحب صيف متراكمة .. نعيق في ظلمة مساء .. نجوم تنتظر ثمة صباح.. حكمة.. تسللت خيوط.. تناثرت دوائر شمس الصباح.. عانق النسيم خصلات شعره .. كتم احزانه .. هجعت في منام تلك الطفلة.. لا تزال تنتظره يعود اليها .. تسللت الى شفاه ام ثكلى .. ليلة ماطرة .. شروق شمس صباح ابلج .. اجنحة الظلام والقدر .. اخبار استفزت دموعه.. ودموع الرفاق .. ينزف الما .. ينبض احزانا .. دونته ذاكرة روزنامة الجدران ..عاد أحمد أخيرا .. والعود أحمد..
ناصر الضامري (بقلمي)