في غمرة هذا التكالب الحاصل بين الشباب على إيجاد بقعة ضؤ في عوالم السوشل ميديا، يبرز السؤال الكبير: هل يعي شبابنا مدى جدارتهم واستحقاقهم واستعدادهم للشهرة؟

لا شك بأن الجواب بات سهلاً إذ لم تعد تلك التي تدعى «شهرة» تحتاج إلى فهمٍ ودراية وعلما، أو حتى مجرد إحاطة بأمور الحياة وإرهاصات العصر، لم يعد كل هذا مهماً أو مطلوباً، ففي زمن التسطيح عليك أن تختار إحدى الطرق السهلة والمرفوضة:»على الأغلب» لتصل إلى هدفك وتنال بقعة ضؤ يتحدد مداها وتنازلاتك أو بذلك من نفسك وحياتك الخاصة ثم تتكل على الحظ الذي سيرافق بزوغ نجمك بين الناس!..

لكن ما الذي ينمي هاجس الشهرة في نفوس الشيبة والشباب؟، ما الذي يدفع -على سبيل المثال- رجلاً يبدو في هيئة وقورة أو يظن به أنه ذا شأن لبث مقطع صغير وتافه يحط من مكانته بسبب رغبة مريضة في لفت النظر إليه؟ بينما في وسيلة أخرى يثرثر أحدهم بكلام لا قيمة أو وزن له، ومع ذلك لا أحد يعلم إلى أي باب ستوصل هؤلاء تصرفاتهم؟!، قد يحدث أن تفترض العقول فرضيات لمصير كل ذلك السخف بينما يقول الحظ كلمة الفصل مخالفاً توقعات الجميع فيرفع من لا يستحق الرفع ويسقط من يستحق البقاء فعلاً! فاليوم حتى التفاهة أصبحت توصلنا إلى أهدافنا للأسف!

حتى المشاهير باتو يتكالبون على مزيدٍ من الشهرة وجلب الأنظار بأساليب أقل ما يقال عنها أنها سخيفة، هذا ما يجعلنا نطرح سؤالاً، هل بمقدور أولئك الساعين إلى الشهرة من الشبيبة أن يحتملوا ضغطها على نفوسهم وأعصابهم وحتى قواهم العقلية؟ لا شك أن معظم طالبي الشهرة هذه الأيام لا يدركون خطورة ما يقدمون عليه، لا سيما وهم عرايا من كل سلاح يؤهلهم إلى اعتلاء المجد فعلياً. هو فقط ذلك الإطار العام الذي صار يسحق الجميع في حفرة ليس لها قعر محدد.. يحضرني هنا موقف شهدته لطالب جامعي في أوائل العشرينيات من عمره وكيف يكون حاله كلما ألف مسرحية ونفذها برفقة شقيقته الصغيرة أو بعض أصدقاءه في الكلية، كانت والدته تفكر وهي تراقبه بصمت أنه لا ولن يقدر على الشهرة لأنه لا يحتملها فقد كان وكلما نفّذ «سكتش» صغير: أمسك بهاتفه طالع المحتوى عشرات المرات بلا كلل أو ملل والابتسامة السارحة تحلق به في عالمٍ وردي من خيال ليس سهلاً أن يعود إلى الواقع، و كأن الذي أنجزه عمل جبار يستحق إهراق الكثير من الوقت المتاح للحياة!.
لا شك أن الشهرة أصبحت مطلب كبير لدى الجيل الجديد، وهو مطلب مشروع حقاً وله فوائده على المستوى الشخصي فقد رأينا المشاهير المحدثين والذين حققوا كثيراً من الوفرة المالية ومحبة الناس وإعجابهم حتى مع رداءة محتواهم. ولكن يظل هؤلاء قلة بالمقارنة مع الأعداد الغفيرة التي تحاول أن تحذو حذوهم وتصل إلى ما وصلو إليه فلا تستطيع، فالحظ لن يلعب مع الجميع بذات الرحابة والحب، الحظ سيبتسم في وجه القلة بينما سيلقي بأكثرهم إلى السكك المتفرقة بشراسة مهينة. ولربما قادت الشهرة من ليس لها أهلاً إلى الندم فيما بعد حيث لم يكن مستعداً يوماً لها.
مساء ٢ يوليو ٢٠١٨