“كافح الفساد”.. الشعار الذي اختارته الأمم المتحدة، لليوم الدولي لمكافحة لفساد والذي يصادف 9 ديسمبر من كل عام. تأتي هذه المناسبة في الوقت الذي تصدرت الدول الخلﯿجﯿـة قائمة الدول الأقل فساداً على بقﯿة الدول العربﯿة عدا الأردن، بحسب تقرير دولي نشر مؤخرا.

لكن التقرير نفسه أشار إلى تراجع السلطنة في مؤشر مدركات الفساد عن عام 2013، فقد جاءت في المركز الـ 64 عالمياً و السادس عربيا في هذا العام، بينما كانت تحتل المركز الـ 61 دولياً و والرابع عربياً.

ويأتي تراجع السلطنة في مؤشر مدركات الفساد، رغم ما شهدته محاكم السلطنة من محاكمات تتعلق بقضايا الفساد والرشوة ومكافحة غسيل الأموال، وما رافقه من محاكمات لشخصيات بارزة في الحكومة منهم، وزراء ووكلاء، ومستشارين، ورؤساء تنفيذيين لشركات حكومية، والتي بدورها أحدثت ردات فعل واسعة في المجتمع العماني العام الماضي.

وقد أثارت تلك القضايا التساؤلات التي لا تزال مطروحة حول جدية الحكومة في محاكمة الفاسدين، ومتابعة قضايا الفساد، لا سيما مع تراجع الحديث والنشر الإعلامي عنها.

ويتساءل البعض هل قضايا الفساد كانت صورية، وذات طابع سياسي، ودعائي فقط؟ وما هي دواعي منع نشر قضايا الفساد، بعد أن حازت على اهتمام إعلامي واسع داخل وخارج السلطنة؟

جدية محاكمات الفساد

يرى مالك العبري عضو مجلس الشورى، بأن هناك اهتمام وجدية من قبل أجهزة الدولة المختلفة في محاربة الفساد والفاسدين، وتطبيق حكم القانون، لاسيما وأن جلالة السلطان قابوس أكد على هذا النهج وأنه لا أحد فوق القانون أيا كان، على حد وصفه.

وقال العبري “لو قارنا مستوى المسائلة والمحاسبة للمسئولين في السابق والآن، سنجد أن الفرق واضح وأننا نسير في الطريق الصحيح، وإن كان ” ليس بالمستوى المنشود”. ولربما تحاول الحكومة الموازنة في نهج المسائلة والمحاسبة بحيث يعكس صورة حسنة وجاذبة للاستثمار في السلطنة على المستوى الإقليمي والدولي وفي نفس الوقت يردع من تسول له نفسه مخالفة القوانين والثراء من خلال الأموال العامة وباستغلال الوظيفة في تحقيق منافع خاصة”.

و ذكر أحمد المخيني، الباحث في شؤون حقوق الإنسان، أن الحكومة جادة كما يظهر معنا بادئ الأمر، إلا أن الجلبة خفتت ولا أعلم أن كانوا سيمضون على الطريق التي شقتها قدما، فالثقة بالاقتصاد العماني وسيادة القانون هما المحك وهما في ذات الوقت المتضرران الأساسيان.

وأكد المخيني على أن الدور منوط بمجلس الشورى لمتابعة هذا الأمر فهو مطلع على تقارير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وفق أحكام النظام الأساسي للدولة في تعديلات عام 2011.

من جهة أخرى يرى الدكتور صالح المعمري مؤلف كتاب “قضايا الفساد الإداري” بأنه لو كانت الحكومة كاملة الجدية، لما رأى الشارع من يظن أنه استثرى بوظيفته، حرا طليقا، وقد كانوا قبل الوظيفة معدمين، أو من متوسطي الدخل، بحسب وصفه، إلا أنه يرى أن هذه القضايا جاءت محققة لكثير من الأهداف بغض النظر عن شدة الأحكام التي صدرت أو مدى ترفقها.



هل القوانين الحالية كافية للردع؟

وفيما يتعلق بمدى كفاية القوانين الحالية لمواجهة الفساد، ذكر المحامي تركي المعمري بأن قانون الجزاء العماني صدر مع بداية السبعينات أي قبل أكثر من أربعة عقود، وقد طرأ عليه بعض التغير الجزئي فقط.

وأشار إلى أن الحاجة “ماسة” لتعديل نصوص التجريم والعقاب بقانون الجزاء وهذا ما يتم دراسته الآن لدى مجلس عمان تمهيداً لتعديل بعض النصوص القانونية.

فيما يقول الباحث أحمد المخيني حول هذا الجانب : “القوانين دائما بحاجة إلى مراجعة خاصة في دولة مثل عمان حيث المنظومة مازالت في طور النشوء والارتقاء، وكذلك لتغير الأوضاع الاقتصادية ودلالة العقوبات مجتمعيا وسياسيا”.

من جانبه يوضح الدكتور صالح المعمري بأن ردع الفساد لا يقتصر على محاكمات هنا أو تحقيقات هناك، فهي عملية متداخلة الجوانب، متعددة الاتجاهات والخطوات. على حد تعبيره، وأضاف لو طبقت قوانين الردع بحذافيرها ودون أي غرض وبشمولية متناهية، فهي كفيلة للردع عن الوقوع في براثن الفساد.

استمرارية المحاكمات

وحول استمرارية محاكمات قضايا الفساد يرى المحامي تركي المعمري بأن الاستمرار في المحاكمات هو الأصل لأن سلطة الاتهام والتحقيق ممثلة في محامي المجتمع (الادعاء العام) ودوره في تتبع المجرمين وملاحقتهم، ولا يمكن الجزم بالتحفظ على إي جريمة إلا وفق ما سنه القانون، و أشار المحاكمات ستستمر بوجود القضاء النزيه الذي نضع كل ثقتنا جميعاً فيه.

وذكر عضو مجلس الشورى مالك العبري أن المحاكمات “ستستمر” لأنه لا خيار إلا باستمرار المحاكمات، وقال :” قناعتي أنه طالما بدأنا في الطريق إلى الهدف فسوف نصل إليه وهذا تحول إيجابي، ونحن نثق في الأجهزة الرقابية والقضائية وقد أثبتت استقلاليتها”.



منع نشر قضايا الفساد في الإعلام

وجاء منع نشر قضايا الفساد في الإعلام ليعطي انطباعا لدى البعض بعدم رغبة الدولة في إظهار المحاكمات بشكل واضح وجدي أمام المجتمع، بينما رأى آخرون بأن قرار المنع جاء صائبا وذلك ليخفف من الهيجان في الشارع لاسيما ضد المتهمين، و ذكرت الصحفية فاطمة العريمي أن قرار المنع له “جانب سلبي” من وجهة نظري كصحفية، خاصة بعد السماح بالنشر منذ بدء القضايا في نوفمبر 2013.



وأوضحت أن للمجتمع الحق في الحصول على المعلومة، خاصة في قضايا تمس أهم قطاعات البلد ومؤسساته.

وأضافت: “أن المنع الذي كان على مراحل (منع نشر التفاصيل لحين النطق بالحكم ثم منع نشر كافة التفاصيل والأحكام) بثّ في بعض فئات المجتمع الإحساس بعدم جدية جهود مكافحة الفساد؛ بل وتم اتهام القضاء بأنه “مسيس” بعد تحويل بعض القضاة الجلسات لجلسات سرية، وهو نوع من “المغالاة” لا تبرير له بعد منع النشر”.

و قالت فاطمة العريمي: “أن الجانب الإيجابي للمنع قد يكون في إيقاف حالة الذم والإساءة للأشخاص المتورطين وذويهم، وهي ظاهرة انتشرت في وسائل الإعلام الاجتماعي وصاحبت هذه القضايا بشدة”.

وأضافت العريمي: “إذا كان تركيز الإعلام فقط على نشر وقائع، فهي مادة مؤقتة، أما إذا اجتهد الإعلام في ربط القضايا بظواهر السوق والمجتمع والهيكل المؤسساتي، فهي مادة يمكن للإعلام أن يستنبط منها الكثير من القضايا لمناقشتها – حتى مع منع النشر- وهذه خطوة بيد ممتهني الإعلام بالدرجة الأولى”>

وأكدت أن عدم منع نشر أحكام جلسات قضايا النفط المستأنفة يعد تأكيدا على جدية القضاء في السير قدما على طريق مكافحة الفساد. وهو الامر الذي اراه خطوة اجابية، وحبذا لو لا تقتصر هذه الخطوة على القضايا المستأنفة والجنايات؛ بل ان تشمل ايضا الجنح في مرحلتها الابتدائية”.
“ولعل المنع في فترة من الفترات كان لتهدئة الشارع”.



مريم البلوشي – البلد