قصص من التراث العماني :

الرجل الغول


في زمن بعيد، عاشت فتاة صغيرة مع أبيها وزوجته، وكانت زوجة الأب تقسو عليها وتجبرها على القيام بأعمال البيت الكثيرة، بينما تقبع ابنتها هانئة مستريحة، وذات يوم جعلت زوجة الأب تزجرها بصوت عالٍ لتأخرها في جلب الحطب من السيح، وأمرتها أن تذهب من فورها لجمعه مشترطة عليها في تحدٍ وتجبر قائلة: "جيبي حطب لا من الشمس ولا من الظل، لا عوج ولا مستقل، لا رطب ولا يابس.."
سارعت الفتاة لتلبية مطالب عمتها القاسية وهي تبكي، فأنى لها أن تحضر حطبًا بذي المواصفات؟ وإن جاءت بغيره تعرضت للضرب والإذلال.. وبينما هي تبحث عن بغيتها إذا برجل يظهر لها فجأة، ودنا منها سائلا: لماذا تبكين هذا البكاء؟ وماذا تفعلين هنا وحدك وقت أذنت الشمس بالغروب؟
أجابته الفتاة: "عمتي زوجة أبي تجبرني على الإتيان بالحطب.. حطب لا من الشمس ولا من الظل، لا عوج ولا مستقل، لا رطب ولا يابس.. وإن لم أحضره تعرضت للضرب من قبلها.."
تعجب الرجل وصمت قليلا ثم قال لها: سأساعدك في جمع الحطب وأخلصك من ظلم خالتك، فاسمعيني جيدا، إذا ما انتهينا من جمع الحطب سأتحول لغول فحمليني معك في حزمة الحطب، وعندما تصلين للبيت قولي لأبيك: زوجني هذا الغول..
هتفت الفتاة متعجبة: وهل يمكن ذلك؟
أومأ الرجل إليها بالإيجاب وشرعا يجمع الحطب معها، حتى إذا ما انتهوا انقلب إلى غول والتف حول حزمة الحطب، وانطلقت الفتاة عائدة إلى بيتها، وفور وصولها تسلل الغول لسطح البيت تجنبا أن يقضي عليه أحد، وقالت الفتاة لأبيها: أبي زوجني هذا الغول..
هتف الأب مستنكرا: أزوجك الغول؟ هل جننت؟ كيف يمكن حدوث هذا؟
بينما ضحكت العمة في سخرية وقالت: زوجها إياه.. زوجها غولا.. أي عقل هذا الذي فيك؟.. غول!..
أصرت الفتاة على أبيها حتى يأس منها وزوجها الغول، وعند المساء دخلت الفتاة لغرفتها مع الغول، فتحول من فوره إلى رجل يحمل لها الجواهر والذهب وأجمل الملابس والدرر، وانتشلها من انبهارها مما ترى قائلا: أريد منكِ أن تتوجعي بصوت عالٍ، كأنني غول يلدغك..
فعلت الفتاة ما طلب وبدأت بالصراخ: وارأسي.. واعنقي.. وايدي.. واقدمي..
سمعتها زوجة الأب فأخذت تردد في شماتة: "لدَّغ وزيد.. لدَّغ وزيد.."
ومضى الليل وحين أقبل الصباح جاءت زوجة الأب إليه وقالت: اذهب وانظر ماذا فعلت ابنتك، طوال الليل وهي تصرخ وتتألم.. وأضافت ساخرة: ماذا ستجد غير الموت من تزوجت غولا..
أسرع الأب إلى غرفة ابنته، وفور أن فتح الباب وجدها أمامه تتلألأ من الذهب والجوهر، وتزهو بأجمل الملابس والعطور.. وقف الأب وزوجته بذهول وتعجب، وسألتها الزوجة: من أين جئت بكل هذا؟
أجابتها ببساطة وهي تنظر للغول: جاءني به زوجي الغول..
جن جنون زوجة الأب، وذهبت من فورها لابنتها وزجرتها قائلة: اذهبي لجمع الحطب، وجيئي معك بغول وقولي لأبيك أن يزوجك إياه..
لم تفهم البنت شيئا حتى خرجت من غرفتها ورأت أختها سعيدة بزينتها، وجعلت أمها تحثها وتدفعها حتى استجابت لها وسارعت طامعة للظفر بأحسن مما نالت أختها من الغول..
وعندما عادت الابنة بحطبها وغولها طلبت من أبيها أن يزوجها له، وجعلت أمها تحث الأب وتقنعه حتى زوجها.
وفي المساء دخلت البنت وغولها لغرفتها، وسمعتها أمها تصرخ بما صرخت به أختها من قبل: وارأسي.. واعنقي.. وايدي.. واقدمي..
فأخذت تضحك وتقول للغول: "صوَّغ وزيد.. صوَّغ وزيد.."
وفي الصبح ذهبت زوجة الأب لغرفة ابنتها بعجالة، متوقعة رؤيتها تزدان بالذهب، فإذا بها تجدها ملقاة على الأرض قد جرعها الغول من طعناته سما مميتا.. فأخذت تصرخ بلوعة وندم...
بعد أيام جاءت الفتاة لأبيها وقالت له: إن زوجي الغول يريد الرحيل، وسأذهب معه حيثما ذهب.. قال لها الأب: إلى أين تذهبين مع هذا الغول؟!! ألا يكفي ما حلَّ بسببه؟
أجابته: لقد رضيت أن تزوجني إياه يا أبي، فهو زوجي اتبعه حيثما ذهب..
وخرجت تتبع الغول وهو يسير أمامها، حتى ابتعدت عن مسكنها وقريتها، فتحول الغول إلى رجل ألفته الفتاة ومضت معه إلى بلده، حيث وجدت قصرا عظيما كان المسكن والمأوى لها للأبد.