https://www.gulfupp.com/do.php?img=92744

قائمة المستخدمين المشار إليهم

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 39

الموضوع: حب في المستشفى الجامعي

  1. #21
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    كيف حالك اليوم ؟
    نظرت فيه مبتسمة وقالت :
    بخير ..
    نظر في لوحتها التي كانت على طرف السرير ..
    وقال : هممممم ..
    جميل .. جميل جداً ..
    ضحكت مايا وقالت :
    اسكت .. أنت لا تحب الفن كثيراً ..
    نظر لها وقال :
    بعد أن عرفتك .. عرفت معنى الفن ..
    ابتسمت واحمر خداها مجدداً..
    وضع اللوحة جانباً وقال :
    سوف أراك بعد ساعة ..
    إن احتجت أي شيء ماذا ستفعلين؟
    قالت بحياء :
    أتصل بك ..
    ابتسم لها ابتسامة أخيرة ..
    وخرج من غرفتها ..


    وخارجاً عند الباب ..
    وقف بشار ..
    ووضع يده على قلبه وقال يتنفس بقوة:
    يا رب ..

    ما كل هذا الخفقان؟
    ما كل هذا الإحساس؟
    أكل هذا حب؟!


    تنهد ..
    ثم التمعت عينيه في بريق ..
    توجه مباشره نحو غرفته ..
    فتح الباب ..
    ثم أضاء المصابيح ..
    التي كشفت عن الأوراق المتناثرة هنا وهناك ..
    والكتب الملقاة على الأرض ..
    وملصقات صفراء في بعضها ..
    وأوراق ملاحظات مكتوبة على الجدار ..
    وعربة صغيرة ..
    تحمل بعض أنابيب الاختبار .. وبعض المحاليل ..
    وميكروسكوب ضوئي صغير على المكتب .
    .
    إنه بالتأكيد لم يمضي هذه الأسبوعين فقط ليجلس جوار مايا .. ولكن أيضاً لأنه يعمل بجد حقيقي .. على الرغم من أن هذا العمل كان هذه المرة من أجل مايا ..



    خلع بالطو المستشفى ..
    ووضعه في الشماعة ..
    وجلس في كرسيه ..
    فتح دفترا كبيراً أزرقاً ..
    وأخذ يقرأ ما كان يكتب البارحة عندما نام على الدفتر ..
    ثم تنهد ..
    وبعد دقائق ..
    دخل الدكتور ميان وقال بجدية وتسارع:
    بشار ..
    تعال بسرعة ..
    ارتدى بشار البالطو وخرج مسرعاً مع الدكتورميان ..
    وذهبا حتى وصلا إلى غرفة المختبر ..
    كانت باردة كالثلج ..
    دخلا ..

    وعلى الشاشة الكبيرة ..
    قال الدكتور ميان .. وهويشير إليها :
    هذا فلم للخلايا التي حقناها بـ Gp53 alpha تحت المجهر الإلكتروني ..
    وهو يعرض أحداثاً مسرعة لما حصل خلال 3 أيام
    كنا نراقب فيها الخلايا الحية .. بعد أن وضعناها في حضانة ..
    كان ميان يتكلم بسرعة بالغة ..
    حتى أن بشار بالكاد كان يفهم كلماته اليابانية السريعة..


    أخذ بشار يطالع ..
    كانت الخلايا تتحرك ..
    ولم يكن هناك أي أثر لأي تغيير ..
    ولكن فجأة ..
    بدأت الخلايا بالحركة ..
    وبدأت كرات صغيرة تظهر في نفس الخلايا ..
    وتتجمع مع بعضها وتفتح على جارتها ..
    حتى تصبح كرة كبيرة ..
    وبعد ثواني ..
    تفجرت هذه الكرة ..
    وأخذت مكونات الخلية تنحسر ..


    أخذ بشار يطالع في ذهول ..
    أفاق من الدهشة ثم صرخ عالياً :
    نجحنا .. نجحناااااااااااااااااااااا
    قام واحتضن ميان ..
    الذي أخذ يصرخ هو الآخر ..
    ولكن ميان بدأ يهدأ وهو يقول ..
    لحظة .. لحظة ..
    إننا لم نجرب هذا البحث على خلايا آدمية في جسم إنسان ..
    ولكن بشار قال :
    دكتور .. لم يبق شيء ..
    لقد حللنا المشكلة .. الخلية أكلت نفسها بنفسها ..
    حتى بقية الخلايا التي لم تتعرض للعقار ..
    لم يحصل لها شيء ..
    نستطيع أن نقتل بهذا أي ورم في 3 أيام فقط ..
    هذا فاق توقعاتنا كثيراً ..
    قال ميان في حماسة ممزوجة بسرحان : نعم لقد نجحنا ..
    ههههههههههههه
    خرج بشار من المختبر وهو يكاد يطير من الفرح ..
    متجها نحو غرفة مايا ..



    دخل الغرفة دون أن يطرقها ..
    كان في عنفوان حماسه ..
    اقترب منها ..
    احتضنها بقوة شديدة ..
    وأغمض عينيه .. وكاد أن يقبلها ..
    ولكن مايا .. أبعدته عنها بقوة ..
    أحس بشار أنها خائفة منه ..
    ابتعد ..
    وخفت حماسته ..
    فقالت : آسف .. لم أكن أقصد ..
    فنظرت مايا في يديها ..
    وانسدل شعرها على كتفها في نعومة ..
    فقال بشار حتى لا تطير حماسته :
    لقد وجدناها يا مايا ..
    اكتشفنا العقار أخيراً ..
    نظرت له مايا مستفهمة ..
    جلس جوارها .. وأخذ يتكلم في انفعال شديد :
    كنت أنا والدكتور ميان نعمل على هذا البحثمنذ زمن بعيد ..
    لقد اكتشفنا الطريقة ..
    سوف تنجين بإذن الله ..
    لم تفهم مايا بإذن الله أبداً ..
    ولكنها ابتسمت وقالت بتساؤل حقيقي :
    حقاً؟
    قال لها و وجهه محمر من كثرة الانفعال : طبعاً ..
    لقد وعدتك بأنك ستعيشين ..
    مايا ..
    مايا ..
    مايا .. أحبك ..

    لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة ..
    ولكنها خرجت في لحظة انفعال ..
    كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ ..

    أما مايا ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

    •   Alt 

       

  2. #22
    مميز السبلة الصورة الرمزية حنااايا..الروح
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    11,690
    Mentioned
    34 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    قصة بشار ومايا توحي لنا بان هناك تشويق واثارة بين خباياها
    تابع فنحن متابعون لمعرفة احداث باقي الرواية
    الف شكر وتقدير لك
    .

    الدعاء هو البر الحقيقي الذي لا يخالطه رياء..
    هو صلة العبد بربه دون وسيط وهو النافع الشافع للميت
    أسعدوا موتاكم بالدعاء

    اللهم أرحم فقيد الوطن .والدنا قابوس وأجعله ممن يقول :
    (ياليت اهلي يعلمون ما أنا به من النعيم)

    اللهم أمين..اللهم أمين ..اللهم أمين

  3. #23
    مميز السبلة الصورة الرمزية حنااايا..الروح
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الجنس
    أنثى
    المشاركات
    11,690
    Mentioned
    34 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    قصة بشار ومايا توحي لنا بان هناك تشويق واثارة بين خباياها
    تابع فنحن متابعون لمعرفة احداث باقي الرواية
    الف شكر وتقدير لك
    .

    الدعاء هو البر الحقيقي الذي لا يخالطه رياء..
    هو صلة العبد بربه دون وسيط وهو النافع الشافع للميت
    أسعدوا موتاكم بالدعاء

    اللهم أرحم فقيد الوطن .والدنا قابوس وأجعله ممن يقول :
    (ياليت اهلي يعلمون ما أنا به من النعيم)

    اللهم أمين..اللهم أمين ..اللهم أمين

  4. #24
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنايا روح عابر مشاهدة المشاركة
    قصة بشار ومايا توحي لنا بان هناك تشويق واثارة بين خباياها
    تابع فنحن متابعون لمعرفة احداث باقي الرواية
    الف شكر وتقدير لك
    أسعدني مرورك الجميل
    ألف شكر لك ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  5. #25
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    لقد وعدتك بأنك ستعيشين ..
    مايا ..
    مايا ..
    مايا .. أحبك ..
    لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة ..
    ولكنها خرجت في لحظة انفعال ..
    كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ ..

    أما مايا ..
    فأصابها الذهول ..
    وضعت يديها على فمها ..
    وهي ترفع حاجبيها ..
    ثم توردت كلها دفعة واحدة ..
    حتى أنها أخذت تمسك قلبها وتقول بصوت خافت :
    يا إلهي ..
    نظر لها بشار وقال :
    مايا .. لا تخشي شيئاَ أنا معك ..
    لأول مرة يحس بشار ..
    كم هو قريب منها ..
    لأول مرة .. يحس أنه في عالم آخر ..
    أحس أنه يهوي في عالم بلا حدود ..
    في حب بدون كوابح ..
    أحس أنه يريد أن يطير ..
    إنه سينقذ الفتاة التي يحبها ..
    الفتاة التي اعتمرت قلبه كملاك عذب المحيا ..
    رقيق المفاتن ..
    لإنسانة لو مررت يديها على الورود .. لتفتحت بتلاتها في الشتاء ..
    أخذ يتطلع فيها ..
    وهي لا تكاد تنظر له من الخجل ..
    كان يستلذ بخجلها ..
    يحس بها ..
    كم هي أنثى عذبة ورائعة بحق ..

    تبسم بشار ..
    نظرت له وتبسمت ..
    وكأنما بريق في العيون تلألأ ..
    وكأنما كرة شبه شفافة ..
    أخذت تطوقهما ..
    وتتسع ..
    رويداً رويداً ..
    حتى غمرت الكرة الأرضية كلها ..
    كان هذا ..
    إعلان حب ..



    الساعة العاشرة صباحاً ..

    بشار يجري في الرواق الغربي من مستشفى نينواه ..
    العرق ظهر في وجهه ..
    وصل إلى الغرفة ..
    دخل إليها بسرعة ..
    كانت صغيرة .. لها سقف منخفض ..
    وبرودة لا تصدر إلا من تكييف مركزي ..
    إضاءة خافتة على جمع غفير كان متوجداً .. وعلى ياقات كل معطف ..
    توجد شارة تحمل اسماً وصورة ..
    ليكتب فيها اسم الطبيب وصورته ..
    وتلك النظرات اللامعة ..
    التي تحمل ورائها الكثير من العلم ..

    كان الدكتور ميان واقفاً في صدر القاعة ..
    أمامه لاب توب من نوع سوني .. ومن وراءه صورة للبروجيكتر ..
    مكتوب فيها بالخط العريض ..

    Gp53 alpha

    ولما شاهد بشار ..
    تهللت أساريره ..
    أمسك المايكروفون ..
    وأخذ يقول ..
    دعونا نرحب بالدكتور العبقري الصغير ..

    بشار البدري ..

    ومجدداً ..
    كانت اللغة اليابانية تمسح كل الحروف ..
    أحس بشار بالحرج ..
    ولكنه وقف هناك محل الدكتور ميان ..
    الذي شد على يديه .. وابتسم له مشجعاً ..
    كان بشار متوتراً إزاء هذا العدد الكبير ..
    من العيون الفاحصة والخبيرة ..
    ولكنه وقف .. وشد قامته وقرب فمه من المايكروفون وقال :
    صباح الخير ..
    اسمي الدكتور بشار البدري ..
    المساعد الأول للدكتور ميان منذ أكثر من 8 سنوات في هذا البحث ..
    Gp53 alpha
    وبمساعدة الدكتور قمت بتطوير عقار خاص ..
    سميناه بنفس اسم البحث ..


    كما تعلمون ..
    إن الجينات التي يحملها الإنسان والتي هي موجودة في كل خلية ..
    مزودة ببرمجة عالية الدقة ..
    في اختيار وظائفها ..
    وكما تعلمون أيضاً أن كل جين مسؤول عن عملية معينة ..
    مثلاً الجين Tp53 "الاسم الحقيقي"
    والذي يعرف بـ Gp53
    يقوم بعملية التدمير الذاتي للخلية ..
    في حال عدم الاستفادة منها ..
    أو في حال تلفها ..
    ويمنع أيضاً انقسام الخلايا بالطريقة المباشرة ..
    وبالتالي عدم استمرار النمو ..
    إن استمرت خلايانا في الانقسام المباشر مدى الحياة ..
    سوف تتضخم أجسادنا إلا ما لا نهاية ..
    ولذلك كان موجوداً هذا الجين ليقوم بالحراسة والحماية ..

    وكما هو معلوم أن الخلية السرطانية ..
    دوماً ما يختفي عندها هذا الجين ..

    كان الكل يستمع إليه في خشوع رهيب ..

    وكأنما على رؤوسهم الطير ..
    بكل اهتمام ..
    حتى لو سقط منديل على الأرض لربما كان له صوت مسموع ..
    نظر بشار في الحاضرين حتى يرى انفعالاتهم ..
    ثم ضغط على لوحة المفاتيح .. لتظهر هذه الصورة ..

    وأخذ يقول :
    على الجهة اليسرى رسم توضيحي لخليه لم ينشط فيها الجين ..

    أما الصورة على اليمين توضح ..
    كيف أنه عندما نشط هذا الجين ..
    عادت الخلية إلى مسارها الطبيعي ..
    إما بأن تقتل نفسها ..
    وإما بأن تصلح نفسها ..
    وتعدل من وظائفها مرة أخرى ..

    وظيفة Gp53 alpha ..
    تنشيط هذا الجين من الخلايا المجاورة ..

    على أن يدخل إليها بواسطة الانتشار البسيط ..
    عن طريق الغشاء السيتوبلازمي ..
    ويعمل عملها المفقود ..
    وبالتالي يعيد النظام إلى الخلية ..

    كان تأثير كلام بشار على الحضور عمل السحر في النفوس ..



    نظر إلى الحاضرين ..
    كانت أعينهم تحملق في الصور في رهبة ..

    وبعد لحظات من الصمت ..
    توقف رجل مسن تبدو عليه علامات الوقار ..
    وقال : دكتور بشار ..
    جهد رائع اللذي بذلته ..
    عندي سؤال هل تسمح لي به؟


    صمت الرجل لبرهة وهو يتأمل نظرات التساؤل في عين بشار ..
    فقال : ولكن ألا تظن أن الجين BAX2
    له دور في هذه المسألة ..
    إن الموضوع لا ينتهي بـ Tp 53فقط ..
    أنا أعمل في بحث مطول حول هذا الموضوع من أكثر من 6 سنوات ..
    وأظن انه لا يكفي أن ننشط الجين وحده دون بقية الجينات المؤثرة ..


    نظر له بشار وقال وقد أحس بتوتر طفيف .. رغم إنه يثق فيما لديه من دراية وخبرة في الموضوع ..
    ولكننا قد جربنا هذا العقار ..
    أما جين BAX2 فهو خاص بقتل الخلية بطريقة أخرى ..
    وإننا لو استطعنا أن ننشط جين واحد على الأقل فإن الأمر كافي ..
    المهم أن نوقف المرض وليس أن نستعيد كل أنظمة دفاع الجسم والجهاز المناعي ..

    والدلائل بالصور لديك الآن ..

    جمع أنفاسه ووجه خطابه للكل ..
    كل ما نطلبه أن تتبنى المستشفى تكاليف التجارب الأخرى ..


    فقام رجل أصلع الرأس .. يرتدي عوينات ..
    وبذلة حريرية فاخرة وقال :
    هذه الخلايا آدمية أم لشامبانزي؟
    فقال بشار :
    لم نستطع أن نوفر شامبانزي ..
    فكما تعلمون الموضوع مكلف ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات ..
    استعملنا الأرنب لأنه قريب جداً من تشريح جسد الإنسان ..
    كما أن لجنة حقوق الإنسـ ..
    قاطعه ذات الرجل وقال :
    عذراً ولكني لن أستطيع أن آخذ هذه النتائج على محمل الجدية بهذه الطريقة ..

    أحس بشار أنه في موقف حرج ..
    على الرغم من أن نتائج بحثه كانت واضحة ..
    ولكن الرجل المسن قال :
    لا بل يؤخذ ..
    إن هذه النتائج لم يتوصل إليها أحد قبلاً ..
    ولابد لنا من التجربة على الأقل ..
    لن نخسر شيئاً ..
    إن هدفنا خدمة البشر ..
    والمحاولة في مداواتهم قدر ما نستطيع ..
    وأن نخفف من معاناة الناس ..
    كم من إنسان ينتظر مثل هذا العقار حتى ينهي ألمه ومرضه ..


    أحس بشار بارتياح بالغ لهذه الكلمات ..
    فتابع المسن وهو ينظر لبشار بسلطة من المؤكد أنه يحملها :
    أظن أننا سنسمح لك بإكمال التجارب ..
    ولكن لن نوافق على إجازتها قبل أن نرى النتائج كاملة ..
    إجراءات الشامبانزي قد تستمر لحوالي سنة ..
    تستطيع في هذه الفترة أن تبحث في الموضوع ..

    وتجري المزيد من التجارب ..


    سادت همهمة كبيرة في الغرفة ..
    بعدها وقف أحد الحاضرين ..
    وقام بالتصفيق ..
    صفق الجميع للدكتور بشار ..
    الذي وقف في خجل أمام هذا الجمع الغفير من الناس ..

    وهو يسمع بعض الأصوات وهي تقول : رائع جداً .. عمل باهر ..


    وبعد نصف ساعة .. كان بشار يسير متوجهاً نحو غرفة مايا ..
    وهو يحمل في يديه باقة ورد رائعة ..
    كان مفعماً بالحيوية ..
    سعيداً بما حصل اليوم من إنجاز ..
    دق الباب بلطف ..
    ثم دخل ووجه مشرق ..

    ولكن أمامه ..
    كانت كارثة إنسانية ..
    كانت مايا ملقاة على الأرض ..
    وهي تستفرغ ..
    تمزق طرف ملاءتها ..
    يبدو أنها سقطت بقوة على الأرض ..
    لم يشعر بشار بنفسه وهو يرمي الورود على الأرض .. ويجري نحوها بأقصى سرعة ..


    الساعة الثالثة ظهراً ..
    بشار في المختبر ..
    يجري تحليلاً لعينة حديثة من مايا ..
    من ورمها في الكبد ..
    الخلايا بدأت تصبح أكثر شراسة ..
    المرض في حالة متقدمة للغاية ..
    والعلاج الكيماوي لا يفيد ..





    قد لا يعرف البعض ..
    ولكن العلاج الكيماوي للسرطان ..
    مسبب كبير لسرطانات أخرى في الجسم ..
    إذا ما الفائدة من العلاج به؟!
    تطويل عمر المريض قدر الإمكان ..
    وفي ذات الوقت إطالة المعانة ..
    هذه حقيقة مؤلمة لأصحاب القلوب المرهفة ..
    ولكنها حقيقة ..
    لا تروق للحالمين أبداً ..
    الواقع يكسر أحلامنا على صخوره الحادة ..


    اخذ بشار في نفسه يفكر ..
    إنه كان يأمل أن تصمد مايا قليلاً ..
    حتى يتمكن من استخدام العقار ..
    ولكن مستحيل ..
    لا بد لها من علاج سريع ..
    لا بد ..
    أخذ يحس أنه سيفقد الإنسانة التي يحب ..

    ولكنه عزم أمره وقرر شيئاً ما ..
    أغلق مصابيح المختبر ..
    وتوجه بـخطى ثابتة إلى مايا ..
    سأل الممرضة عنها قبل دخوله ..
    فقالت : إنها بخير ..


    طرق الباب بلطف ..
    دخل على مايا التي كانت شاحبة اللون ..
    وأخذت ترسم أماها لوحة ..
    جاء بشار إليها ..
    كانت اللوحة عبارة عن فراشة لتوها خرجت من شرنقتها في تابوت زجاجي ..

    نظر لها بشار وقال بألم:
    مايا .. لم ترسمين هكذا؟
    نظرت له مايا وابتسمت بطيبة لا حدود لها ..
    إلهي .. كيف تمشي هذه العذبة في الدنيا ..
    دون ألا تسحر العالم من حولها ..
    كأنـما هي ملاك أبيض ..
    تمسك في يديها النجوم وتوزعها على باقي البشر ..



    نظرت في بشار ..
    ثم ابتسمت في خجل ..
    تأملها بشار ..
    ثم جلس جوارها ..
    وأخذ يديها ..
    ونظر في عينيها بعمق ..
    فلم تتحمل هذه النظرة التي حملت معها حنان الدنيا ..
    وكأنـما نسي هو الواقع وقال :
    أحبك ..
    مال رأس مايا إلى الجهة الثانية وهي في قمة الخجل ..

    لحظات حتى عاد بشار لواقعه ..
    واكتست ملامحه بالجدية وقال :
    مايا أريد أن أخبرك بأمر ..
    بقيت مايا ووجها في الجهة الأخرى ..
    لا يظهر منها إلا شعرها الناعم الفاحم ..
    وطرف خدها الوضاء ..
    وقالت : سأموت أليس كذلك؟
    صمت بشار .. وأحس أنه عاجز ..
    أحس انه لا يقدر على شيء ..
    أحس بالقهر ..
    ضغط على يديها وقال :
    سأنقذك ..
    لا تقلقي يا حبيبتي ..
    قالها وهو يضمر في نفسه أمراً ..



    في صباح اليوم التالي كان بشار متوجهاً إلى وزارة الصحة اليابانية ..
    في طوكيو ..
    وبعد رحلة بالقطار من أوساكا إلى طوكيو ..
    تستغرق 45 دقيقة ..
    دخل المبنى الأزرق البديع ..
    وبعد أن استقل المصعد الزيتي اللون ..
    كان قد وصل إلى رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي .
    دخل المكتب وهو يتنهد في قلق ..


    كان الوقت قد شارف على صلاة الظهر ..
    حين كان بشار يستقل القطار عائداً إلى أوساكا .. محملاً بـخيبة أمل كبيرة ..
    وفي أذنه أخذت ترن كلمات رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي ..
    " لا نستطيع أن نعطيك إذناً بتجربة عقار .. لم يتم التأكد منه .. أرواح الناس ليست لعبة .. نحن هنا في اليابان نهتم بمرضانا ..
    تستطيع أن تجرب ما تشاء على من تشاء في بلدك ..
    لا أستطيع أن أحملك مسؤولية حياة إنسان ياباني واحد

    زفر بشار ..
    على الرغم من كل الآمال التي كان يعلقها على هذه الزيارة ..
    ولكن كل شيء ذهب أدراج الرياح ..
    لم يعرف كيف سيتصرف ..
    أحس أنه مشلول مرة أخرى ..
    وقهر عظيم ..
    وحرقة في صدر عاشق مولوع ..
    وإحساس بالألم يتفجر في داخله بأسى ..
    كم يتمنى أن يعطيها عمره لتعيش بدلاً منه ..
    أحس بدمعة مرة تعتلي جفنه ..
    ولكنه أخفاها بمهارة في كمه ..

    عاد إلى المستشفى ..
    وهو يحمل في صدره غصة لا حدود لها ..
    دخل المستشفى ..
    بـخطى ثقيلة للغاية ..
    حتى استغرب كل من كان يعرفه ..
    ما كان بشار يدخل هكذا أبداً ..
    لطالما كان المرح والسرور يغمر محياه كلما ..
    بل كم وكم وزع أملاً لأصحاب القلوب المحبطة ..
    كان محبوباً بحق لظرفه .. وخفه دمه ..
    وبساطته وأريحيته في التعامل ..


    ولكنه ذلك اليوم لم يكن يأبه لشيء ..
    لم يكن يأبه إلا أن حبيبته ستموت ..
    وهو ..
    سيقف متفرجاً على المأساة ..

    دخل غرفته ..
    وجلس فيها ..
    وهو لا يهتم بالأوراق التي داسها بقدمه ..
    جلس ووضع رأسه بين كفيه ..
    أحس بالمرارة ..
    ثم أسند رأسه للجدار ..
    وبعد لحظات
    راح في شبه غفوة ..
    إنها تلك الحالة التي لا تنام فيها ولا تكون متيقظاً ..
    تلك الساعة التي تنامها وتحس بعدها بأفظع الآلام في رقبتك ..
    وتمر عليك فيها الكوابيس التي لا تتذكرها أبداً ..

    نهض بشار وهو يلهث من فرط الإرهاق ..
    والعرق يتصبب على ياقة قميصه ..
    أحس بحرّ شديد ..

    ولكن فكرة ما ..
    لمعت في رأسه ..
    أخذ ينظر هنالك البعيد باهتمام شديد ..
    أخذ يفكر ويفكر ويفكر ..
    وأطال التفكير ..
    والتمعت عينيه ببريق حاد ..
    ولدت في عقله فكرة جهنمية ..
    كان مصمماً على إنقاذ مايا وبأي ثمن ..


    قام من كرسيه وأخذ يجري ..
    حتى وصل إلى غرفة مايا ..
    دخل الغرفة ..
    نظر إلى مايا ..
    التي أخذت تنظر فيه بدهشة ..
    أمسكها من كتفيها وقال :
    مايا .. هل تثقين في؟
    نظرت له وقالت :
    بشار .. ما الموضوع؟
    نظر لها بشار وابتسم لحظة ثم قال : أول مرة تقولين بشار بدون ألقاب ..
    ابتسمت مايا وأشاحت بوجهها ..
    فقال لها بشار :
    لأجل هذه الابتسامة الخجولة ..
    أبيع عمري ..





    وكان هذا الذي حصل بحق ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  6. #26
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    كانت همسة تطالع بشار ..
    الذي توقف عن سرد القصة قليلاً ..
    فقالت بفضول شديد : ماذا فعلت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    أخذ بشار ينظر لها بتأمل ..
    كانت تجلس في الكرسي .. وتحتضن في يدها وسادة ..
    ونصفها العلوي متجه نحو الأمام في اهتمام شديد ..
    ورجلها اليمنى تهتز في توتر ..
    فضحك بشار عليها وقال : لماذا أنت هكذا؟
    انتبهت همسة لنفسها وقالت : ماذا؟
    ثم عدلت من جلستها ..
    اخذ بشار يضحك ..
    كان الباب مفتوحاً ..
    وكانت أصوات أقدام الممرضات على الأرض تعلو أحياناً ..
    قالت همسة : يبدو أن أخوك لن يأتي اليوم ..
    لن يحالفني الحظ في رؤية فاتنتك منى ..
    ابتسم بشار وقال : يا الله .. ألهذا الحد قصتي مثيرة للملل ..
    لا مشكلة .. أستطيع أن أتوقف عن سردها ..
    قالت همسة برجاء : لا أرجوك .. قل لي ما حصل ؟ ماذا فعلت ؟
    نظر لها بشار للحظات ثم قال :
    بصراحة أنا جائع قليلاً ..
    قالت همسة : أوووووووووووووووه ..
    حسناً ماذا تريد ؟
    قال لها بشار : هل تدعوني إلى وجبة ..
    رائع .. ألا يمكن أن أطلب من فدركرز أو تشيليز ؟
    نظرت له همسة باستغراب ..
    ولكنه انفجر ضاحكاً وهو يكمل مزاحه :
    أوووووه لقد نسيت .. تروق لك سندويتشات أبو ريالين من أقرب كافتيريا ..
    لا تدري همسة لمَ لم توبخه كعادتها ..
    ربما تعودت عليه ..
    ربما لأنها أحست بالألفة معه ..
    وربما لأنه هو الآخر طبيب ..
    فلم تعد تشعر بفارق في الثقافة كما كانت ترى في السابق ..
    أم شيء آخر؟ .. لا تدري إلى الآن ..
    ابتسمت معلنة هزيمتها في حرب الكلام التي لا أظن أن أحداً يستطيع أن يتفوق فيها على بشار ..
    فقال بشار : لا داعي أنا سأعزمك على وجبة خفيفة ..
    ولكن همسة ابتسمت وهي تقول : أنسيت أنك قد دعوتني إلى عصير الدواء ذلك ؟
    انفجر بشار بضحكة تميزة فعلاً عن غيره ..
    أخذت همسة تتأمله لوهلة ..
    فقال : حسناً .. الدور اليوم عليك ..
    فقالت همسة وهي تقف : ماذا تريد ؟
    قال : واحد تشيز برجر بدون جبنة ..
    قالت وهي تردد خلفه : واحد تشير برجـ ..
    وقفت تأملت فيه ..
    وهذه المرة هي اللتي ضحكت .. ثم قالت : أرجوك قل لي ..
    هل شربت اليوم بنزين ؟ أم ماذا ؟
    ضحك بشار مرة أخرى وقال: رائع .. تجيدين الرد ..
    طيب .. طيب .. سوف أريك ..
    ابتسم لها وقال : أي شيء .. فقط شيء خفيف .. مع أي عصير ..
    فقالت ساخرة : ما رأيك في عصير البرتقال ذلك ؟
    فقال : لا أرجوك .. أفضل الموت عطشاً على شربه ..
    ضحكت همسة وهي تخرج ..
    وللحظات .. كان تأثير قصة بشار عليها كبيراً ..
    أحست أنها في عالم غريب ..
    ولو انها خرجت فكانت في طوكيو .. لما حست بغربة أبداً ..
    مرت في الرواق ..
    حتى وصلت إلى الكافتيريا ..
    اشترت 3 ساندويتشات ..
    و2 بيبسي ..
    و2 مياه غازية ..
    وكيسين من بطاطس ليز ..
    كانت عازمة على أن توفر مؤنة .. حتى لا يقطع عليها القصة مرة أخرى ..
    وعند الحساب ..
    وجدت طفلة صغيرة تقف في الصف ..
    وجوارها شاب متأنق جداً ..
    كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ..
    كانت الصغيرة تلبس فستاناً ابيضاً صغيراً إلى الركبتين ..
    كانت سمراء جميلة ..
    وأخذت تجتهد وهي تحاول أن تصل إلى الطاولة التي يحاسب عليها العامل الهندي ..
    وهي تتطلع بعيون متلهفة في الحلويات ..
    أحست همسة نحوها بحنان كبير ..
    في العادة لا تحسه ..

    فقالت لها : حبيبتي .. هل تريدين من هذه الحلوى ؟
    فنظرت لها الطفلة .. وضعت إصبعها في فمها .. وهي تهز رأسها بالإيجاب ..
    كان منظرها في غاية الروعة ..
    فاشترت همسة أيضاً الحلوى وأهدتها لها ..
    وحملت أغراضها ومشت ..
    وبينما هي تمشي ..
    جاءتها الفتاة مسرعة وهي تقول :
    أبلة .. أبلة ..
    نظرت فيها هسمة بحنان ..
    فأتت لها الفتاة وهي تمد يديها وفيها شيء ..
    أخذت همسة الورقة بعد أن هبطت على ركبتيها ..
    فقرأت فيها : 056xxxxxxxx
    فارس ..
    نظرت همسة .. في الورقة ..
    قم أخذت تتأمل الشاب بعيون قاسية ..
    كان الشاب يتصنع الخفة والظرافة .. ويطالع بابتسامات متكلفة ..
    فنظرت همسة مرة أخرى في الطفلة وقالت لها :
    قولي لعمو فارس .. إنت قليل أدب ..
    فقالت الطفلة في براءة :
    من هو عمو فارس؟
    فقالت همسة : ذلك الواقف هناك ..
    فقالت : ذلك خالو بكر ..
    قالت همسة بسخرية : بكر ؟؟؟!!!!!!!!
    ثم قالت لها مرة أخرى : حبيبتي قولي لخالو بكر ..
    أنت قليل الأدب ..
    قالت الفتاة بحماسة وهي سعيدة : طيب ..
    ثم أخذت تجري إلى خالها ..
    ومشت همسة ..
    وهي تسمع البنت تقول لخالها بصوت عالي :
    خالي .. البنت تقول لك .. أنت قليل الأدببببببببببببببببب ..
    ضحكت همسة .. راق له ما فعلت .. وأحست أنها تفعل شيئاً تمليه عليها طبيعتها الفعلية ..
    لا تدري لم أصبحت مؤخراً مختلفة ..
    أصبحت أنثوية أكثر مما كانت عليه ..
    إنها تؤمن أن الأنثى الحقيقية لا تستطيع أن تناضل من اجل البقاء ..
    لا تستطيع أن تحمي نفسها من ويلات الزمان ..

    توجهت نحو غرفة بشار .. وهي تحمل الأغراض ..
    دخلت الغرفة ..
    كان بشار ينتظرها ..
    فقال لها : يا ساتر .. هذه تكفي لمجاعة الصومال ..
    ضحكت همسة .. وكأنها لتوها لم توبخ ذلك الأبله ..
    ثم قالت : حتى لا يكون لك عذر أبداً .. أريد أن أسمع حتى النهاية ..
    صمت بشار .. وهو يتناول الساندويش ..
    فتحه وتناول منه قليلاً ..
    ثم قال : حسناً ..
    اسمعي ..





    " لا .. مستحيل .. أتعقل ما تقول يا بشار ؟" ..
    كان ميان جالساً في حانة قريبة من المستشفى وهو يقول ذلك لبشار ..
    أخذ بشار يتطلع في الدكتور ميان ..
    بقامته القصيرة ..
    وشعره الخفيف ..
    وعيونه المسحوبة ..
    إنه نموذج حقيقي للإنسان الياباني بكل التفاصيل ..

    والحقيقة التي لا يعرفها الكثير عن ميان ..
    أنه يحب شرب الساكي كثيراً جداً ..
    ( الساكي = خمر ياباني )
    وله فيه تقديسة خاصة ..
    وجو محبب لديه ..
    لذلك اختار بشار أن يكلمه في هذا الموضوع وهو يعاقر الخمر ..
    ولكن ما كان يقوله بشار في غاية الخطورة ..
    نظر فيه ميان مرة أخرى وقال بانفعال .. أطار اللعاب من شفتيه :
    هل تدرك أنك بذلك سوف تفصل من رابطة الأطباء ..
    وأن الرخصة سوف تسحب منك .. لو علموا بأمرك ؟
    أخذت هذه الفكرة تدور في رأس بشار وتؤلمه بحق فقال:
    أعلم ذلك .. ولكن لا يهم ..
    لدي شيء أهم بكثير ..
    نظر له ميان بطرف عينه .. وهو يرفع رأسه ليلقي بدفعة من الساكي في فيه .. ثم مسح شفاهه بمنديل وقال:
    بشار .. هذه العواطف ..
    يجب أن تنحيها جانباً ..
    عمل الطب سوف يعلمك ذلك ..
    أحياناً نحن نقطع أيدي أناس نحبهم ..
    ونشق جلودهم ..
    ونمزق أمعاءهم ..
    ونصيبهم بشيء من الألم ..
    بدون أن يطرف لنا جفن ..
    ليس لأننا لا نحبهم ..
    بل لأننا نحبهم .. ونود أن نعالجهم من أمراضهم ..
    ولكن بشار كان عنيداً جداً .. فقال وهو يقف :
    دكتور ميان .. هل تريد أن تساعدني أم لا ؟
    نظر له ميان وفي يده قدحه برهة ثم قال :
    لا أستطيع .. إن ما تطلبه مني تهور .. ولا أستطيع أن أوافقك عليه ..
    جمع بشار حاجياته .. خرج من هناك دون أن يضيف كلمة ..
    وميان لا يزال في جلسته يشرب ..
    ولكن عقله يدور ..

    خرج بشار ..
    وركب تاكسي ..
    وهو لا يزال يفكر ..
    أحس أنه يصارع وحده ..

    أس أنه في حالة من الإرهاق ..
    وأنه يود لو يجلس حتى يستريح قليلاً ..
    فقط القليل من الوقت ..
    ولكن لم يكن لديه شيء منه ..
    لا بد أن يتحرك سريعاً ..
    لا بد أن يفعل ما بوسعه ..
    لإنقاذ مايا ..
    ولما جاءت صورتها في باله ..
    تنهد ..
    وقال في نفسه : حتماً سأنقذك ..


    دخل المستشفى ..
    وبخطى واسعة . اجتاز الممرات .. حتى وصل إلى غرفته ..
    أخذ يبحث في الأوراق التي على الأرض ..
    جمع منها بعضها ..
    وجلب صندوقاً كرتونياً ..
    وهو يجمع أغراضاً معينة ..
    ثم فتح أدراجه ..
    وأخذ يضع بعض الكتب والمراجع ..
    وبينما هو كذلك ..
    شاهد القرآن ..

    كان وجوداً تحت الكتب ..
    تأمله قليلاً ..
    ورانت لحظة صمت طويلة ..
    ثم مد يده في حذر .. وهو يمسك غلافه الأخضر الجميل ..
    المزين بتلك النقوش الذهبية ..
    مسح عنه بعض الأتربة التي كانت تعلوه ..
    لقد وضعه هنا منذ زمن بعيد ..
    بعيد جداً ..
    أخذ يفتحه في جلال ..
    الحق يقال ..
    أن بشار ..
    في تلك الفترة من عمره ..
    التي قضاها في اليابان ..
    كان بعيداً جداً عن الله ..
    حتى الصلوات كان ينساها ..
    أو بالأصح يتناساها متعمداً ..
    وبدأ هذا الشيء تدريجياً ..
    خصوصاً في السنوات الأخيرة التي قضاها دون إجازة في اليابان ..
    منذ أكثر من حوالي 3 سنوات ..

    إنه لم يعاقر الخمر ..
    لم يجرب المومسات ..
    وإن فكر كثيراً ..
    ولكن المباديء التي ترسخ عليها في صغره ..
    كانت تدق له الناقوس تلو الآخر ..
    وهذا شيء غريب بحق ..
    على إنسان مبتعد عن الدين ..
    أو ربما هو بالأصح لم يكن لديه الوقت ليفكر في هذه الأمور .
    شيء غريب أن تكون بعض العائلات مهتمة كثيراً ..
    ببعض جوانب الدين ..
    وتترك أهمها كالصلاة ..
    ربما لأن تلك تجلب العار ..
    والسمعة السيئة للعائلة ..
    وبينما الصلاة لا تفعل مثل هذا القدر !

    وضع بشار المصحف فوق الطاولة ..
    وفتح منتصف القرآن ..
    وجلس يقرأ قليلاً ..
    أحس أنه محتاج إلى معونة إلهية ..


    وبعد عشر دقائق من القراءة ..
    أخذ جواله ..
    واتصل على السعودية ..
    اتصل على والدته ..
    التي ردت عليه ..
    كان الصوت بعيداً ..
    قالت : بشار .. كيف حالك ؟
    بالله عليك .. هان عليك أن تتركنا كل هذه المدة دون اتصال ..
    لقد قلقنا عليك ..
    أسبوع بدون اتصال ؟!
    قال لها وهو يحس بحشرجة في صوته :
    كيف حالك يا ماما ؟
    قالت وقد أحست بقلب الأم التي ينبئها أن هناك شيئاً ما :
    بشار هل حصل شيء ؟
    تنهد وقال :
    نعم .. أريدك أن تدعي لي ..
    هناك أمر هام ..
    وقرار صعب سوف أتخذه ..
    أدعي لي يا ماما ..
    فقالت أمه :
    الله معك يا ولدي ..
    والله إني أدعو لك في الليل والنهار ..
    بشار .. برضاي عليك ..
    الصلاة الصلاة ..
    ولأول مرة يحس بهذه الكلمات وأن لها معنى ملموساً ..
    لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ..
    كانت أمه لا تنفك تقول له ذلك ..
    في كل مكالمة ..
    ولكن حجاباً سميكاً كان على قلب تحجر ..
    فقال لها .. وأحس أن صدره يضيق : إن شاء الله ..
    فقالت له : متى ستأتي ؟
    ألم تتحدد لك إجازة ؟
    كفاك عملاً ..
    لقد اشتقت إليك كثيراً ..
    عد أرجوك ..
    وأحس أن والدته قد ذرفت دموعاً ..
    فقال لها بتنهيدة :
    حالما أنتهي من هذا الأمر سأعود ..
    سأعود لمدة طويلة ..
    فرحت الأم كثيراً وظهر هذا الصوت جلياً في صوتها وهي تقول : أصدقني القول ..
    متى ؟
    فقال لها وهو يغمض عينيه وفي عقله ألف فكرة وفكرة : قريباً إن شاء الله ..


    أغلق سماعة الهاتف ..
    أخذ بقية أغراضه التي يحتاجها ..
    فتح الكومبيوتر ..
    بحث في قائمة الملفات ..
    عن مايا أونيزكا ..
    وعندما وجد معلوماته ..
    طبعها في أوراق ..

    خرج من الغرفة وتوجه نحو المختبر ..

    أخذ بعض أغراضه ..
    وصور لبعض التحاليل والتقارير ..
    وأخرج مسرعاً دون أن يحس به أحد ..


    طرق باب غرفة مايا بلطف ..
    "تفضل "
    انبعث صوتها عذباً ..
    بلغة يابانية
    دخل بشار ..
    كانت مايا كعادتها في فراشها ..
    كان يبدو عليها شيء من الإرهاق والتعب ..
    ولكنها لا تزال جميلة ..
    جلس بشار بجوارها على السرير ..
    أخذ ينظر في يديه بحيرة ..
    أحست مايا أن هناك أمراً خطيراً ..
    فقالت : ما الموضوع ؟
    فقال بشار :
    مايا هل تثقين بي؟
    ظلت مايا تطالعه بشيء من الدهشة للحظات ..
    ثم قالت بخجل :
    نعم أثق بك ..
    قال لها : هل أنت مستعدة .. أن تراهني بحياتك على هذه الثقة ؟
    أطالت مايا النظر في بشار ..
    ثم قالت في ثقة : نعم ..
    أثق بك إلى أبعد مدى ..
    ظل بشار صامتاً ..
    ثم قال :
    مايا هل أنت مستعدة .. لأن أعالجك أنا ؟
    نظرت له باستغراب وقالت : ولكنك أنت تعالجني ..
    فقال لها :
    لا ..
    مايا هناك عقار جديد .. قمت أنا والدكتور ميان بتطويره ..
    ولكنه تحت البحث .. ولا يحق لنا أن نعمل عليه لأنه غير موثوق به ..
    ولم يوافقوا لي بأن أستخـ ..
    قاطعته مايا وهي تقول بهدوء :
    هل أنت الذي صنعته ؟
    توقف قليلاً ثم قال :
    أجل ..
    ابتسمت مايا وقالت :

    بشار .. أنا بين يديك .. افعل ما تريد ..
    لك الحرية المطلقة ..
    فأنا أثق بك ..
    لأني ..
    لأني ..
    أحبك ..

    قالتها مايا ونزل رأسها وصارت لا تقدر أن تنظر في بشار من شدة الخجل ..

    أما بشار فأحس أن قلبه يخفق بشكل غير عادي ..
    إنها أول مرة تقول له هذه الكلمة ..
    لقد قالتها أخيراً ..
    نهض بشار من فوق سريرها ..
    وهو يكاد يجن ..
    جلس فوق الكرسي ..
    وجهه في قمة الاحمرار ..
    أمسك قلبه وقال بالعربية :
    يا الله .. قلبي ..
    ما كل هذا الخفقان ..
    أحس أن قلبه يكاد يتمزق من قوة الضربات ..
    ثم نهض مرة أخرى ..
    أمسك يدها ..
    التي كانت كالزبدة الطازجة ..
    قبلها ..
    وهي لازالت في دوامة من الخجل ..
    نظر لها وقال :
    أحبك ..
    فابتسمت ..


    رجع بشار إلى المنزل ..
    جلس فيه وحده ..
    سيخاطر بحياته ..
    ولكن من اجل من ؟
    من أجل من تعني له الحياة كلها ..
    سيخاطر بمستقبله المهني ..
    كل هذه السنوات سوف تضيع هباءً منثورا إن فشل العلاج ..
    ولكن ليس هذا المهم ..
    المهم أن ينقذ مايا ..
    تنهد بعنف ثم نظر إلى الساعة ..
    كانت قاربت على الثامنة ليلاً ..

    كان يحس بقلق بلا حدود ..
    وفجأة .. تذكر كلام والدته ..
    دخل الحمام ..
    واغتسل ..
    أحس أن هناك سواداً كان متعلقاً فيه ..
    بدأ يخرج من جسمه ..
    توضأ في حمامه ..
    ثم خرج ..
    لبس ثوب نوم سعودي ..
    لا يدري لم فعل ذلك ..
    ولكنه كان يريد بشدة ..
    ربما رغبة منه ..
    في أن يحس أنه مازال مسلماً ..
    ربما كي تعود به الذاكرة حين كان في السعودية ..
    ويحس بالعهد الذي مضى ..
    إنه ليس جاحداً ..
    أو منكراً للصلاة ..
    ولكنه كان متهاوناً في أمرها ..
    بدأ في صلاته ..
    أحس بهدوء رهيب ..
    وهو يقرأ القرآن بصوت عالي ..
    أخذ يحس أنه يطير ..
    وأنه لا يريد أن ينتهي من صلاته ..
    وانه يريد أن يبقي له ما تبقى من عمره في صلاة وعبادة ..
    ركع .. وسجد ..
    أخذ يدعو الله أن يوفقه في أمره ..
    أحس أن الله قريب منه ..
    قريب منه جداً ..
    أحس أن الله يسمعه بحق وهو يناجيه ..
    إحساس قلما يحس به أحدنا والله ..
    اختتم بشار صلاته ..
    وعينيه رطبة ..
    لم تنزل دموعه .. ولكنها أوشكت ..
    أحس بنقاء لا حدود له ..
    وراحة نفسية .. تملأ كل جزء من كيانه ..
    كما لو كان نوراً يملأ روحه كلها ..
    أحس أن لا شيء في هذه الدنيا مهم ..
    قرر من ذلك اليوم ..
    ألا يفوت ركعة لله ..
    ثم أقفل مصابيح غرفته ..
    وغط في نوم مرتاح البال ..



    الساعة السادسة صباحاً ..
    خرج بشار من بيته مبكراً قبل مواعيد الدوام الرسمية ..
    بعد أن صلى الفجر ..
    جميل هو الإحساس في بداية الرجوع إلى الله ..
    يحس الواحد أنه مقبل بكيانه كله ..
    بطريقة قد لا يقدر عليها بعد سنوات من الاستمرار في هذا الطريق ..
    وصل إلى المستشفى ..
    توجه إلى غرفة المدير ..
    ووضع ورقة على مكتب السكرتير ..
    الذي لم يكن موجوداً وخرج ..
    كانت الورقة ..
    طلب إجازة سنوية ..
    لمدة شهر ..
    وهي أمر لم يقم به بشار من أكثر من سنتين من العمل المتواصل ..
    ذهب إلى غرفة مايا ..
    طرق الباب بلطف ..
    كانت مايا .. جاهزة ..
    وكانت قد وقعت ورقة ..
    تخلي فيها مسؤولية المستشفى عنها ..
    بعد أن وقعت ورقة بالخروج منها ..
    ولكنها قبل أن تخرج مع بشار ..
    قالت له : لن أبقى في الفندق القريب من بيتك ..
    وقف بشار وقال لها :
    مايا إنه المكان الأفضل طالما أنت لا تودين المكوث في شقتي ..
    رغم أنك قلت لك أني لن أقيم معك..
    ولكنها قالت : هناك مكان أفضل ..
    نظر فيها بتساؤل ..
    فقالت : عند أهلي في الريف ..
    نظر لها وقال : ولكن هل سيوافـ ..
    قاطعته وهي تقول : لقد كلمتهم ..
    وقد أعددنا لك غرفة خاصة ..
    ثم صمتت بعد أن قالت بحزن : لو مت أريد أن أموت بجوار أهلي يا بشار ..
    نظر لها بشار ..
    وأحس في عينيه حريق الدموع ..
    ثم قال :

    مايا ..
    سوف تعيشي ..
    لن أخذلك أبداً ..
    صدقيني سوف تعيشي ..
    ثم أشاح بوجهه .. وقال لها وهو يمشي أمامها ..
    هيا بنا ..
    مشت مايا معه ..
    ولكنها قبل أن تخرج من الغرفة قالت : توقف ..
    نظر لها بشار ..
    توقفت مايا .. وأخذت تتأمل الغرفة في لحظة صمت ..
    ثم قالت : هذه الغرفة ..
    أول مكان كان للقائنا ..
    أول مرة قلت لي فيها أحبك ..
    وأول مرة قلت أنا لك فيها أحبك ..
    سأشتاق إليها كثيراً ..
    هذه هي أروع ذكرى في حياتي ..
    أخذ بشار يتأملها ..
    كانت كعادتها مذهلة ..
    بل أكثر من ذلك بكثير ..


    أخذ بشار .. يتأمل من نافذة القطار ..
    وهو يقول ..
    مستحيل ..
    رائئئئئئئئئئئئئع ..
    سبحان الله ..
    ابتسمت له مايا ..
    فقال بشار بحماس : إنه تماماً مثلا أفلام الكرتون ..
    الطبيعة هنا بحق خلابة ..
    قالت مايا مبتسمة : إنك لم ترى الجبل بعد ..
    ستعرف أن كل الذي قد رأيته في صغرك ..
    كان من وحي الحقيقية تماماً ..
    أهلي يسكنون في الريف الياباني ..
    في مقاطعة شياو ..
    إنها جميلة جداً ..
    ثم أخذت هي الأخرى تتأمل من النافذة وتقول بصوت منخفض : كم اشتقت إلى المنزل ..
    كانت الغابات الخضراء .. تملأ المكان كله ..
    والأشجار الجميلة .. عالية رائعة ..
    والسماء الزرقاء .. عذبة جميلة ..
    وفي نهايات الأفق تطل عليك الجبال المكسوة بالثلج ..
    منظر في قمة الروعة ..
    ما يجعله ملهماً لكتابة قصيدة يكثر فيها الوصف ..
    ولم يكن يعلم بشار أنها لمحة من جمال الطبيعة اليابانية ..

    وبدأ يحس أن قرار مايا كان صائباً باختيار الريف حتى تساعدها حالتها النفسية على العلاج بشكل أفضل ..

    يظن البعض أن العلاج الكيمائي وحده هو المهم ..
    ولكن الدراسات أثبتت غير ذلك ..
    إذ إنه من المهم ..
    أو تكون النفسية في حالة جيدة ..
    بل إنها لها دور كبير جداً في هذا العلاج..
    ولعل هذا يفسر بمثال بسيط:
    30% بالمائة من تأثير الدواء هو تأثير نفسي ..
    كما ذكر رئيس أكبر شركة لإنتاج الأدوية في مقابلة مع لاري كنج مذيع cnn الشهير ..

    وعندما توقف القطار ..
    نزل بشار مع مايا ..
    وفجأة وجد بشار شاباً يجري باتجاه مايا ..
    كان نحيلاً ..
    ملامحه بسيطة إلى حد مثير ..
    له شعر قصير ..
    ويرتدي جينزاً أزرق اللون ..
    وفلينة بيضاء ..
    وما إن رأته مايا حتى احتضنته ..
    وبدا على محيا ذلك الشاب ..
    الفرح والسرور العميق ..
    ثم جاء إلى بشار ..
    وانحنى أمامه .. بتلك التحية اليابانية المعروفة ..
    أومأ بشار برأسه دون أن يحني رأسه ..
    مشيا سوياً ..
    وذلك الشاب يحمل كل الحقائب .. حتى وصلا إلى سيارة أجرة ..
    وهو لا يكاد يوقف الحديث مع مايا ..
    فقالت مايا وهي مبتسمة إلى بشار ..
    هذا أخي ساندو ..
    وقالت لأخيها : هذا هو الدكتور بشار ..
    فقال ساندو : باااااشار ..
    ضحك بشار وهمسة من اللفظ الغير دقيق ..



    وصل التاكسي إلى بداية غابة ..

    توقف هناك ..

    نزل الجميع ..

    ووقف يتأمل جمال الطبيعة الساحر ..

    حيث الأشجار بأنواعها المختلفة موجودة ..

    وبعض الأزهار الحمراء تزهر فوق تلك الأغصان في منظر فتان ..

    كان السير داخل الغابة العشبية مغري بكل ما تحمل الكلمة من معان ..

    قال بشار بحماس :

    أين المنزل ؟

    نظر ساندو إلى مايا نظرة متسائلة ..

    فقالت مايا :

    قد يطول بنا السير قليلاً ..

    هل أنت مستعد ؟

    فقال بشار وهو يحس بمتعة لا حدود لها:

    بالطبع مستعد ..

    ما دمنا سنسير وسط هذه الغابة ..

    وفعلاً ..

    بدؤوا المسيرة ..

    وبشار لا يكف عن التأمل ..

    كيف لم يزر مثل هذه الأماكن وهو على الأقل يدرك أن بعضها قد يكون موجوداً ..

    لم فضل المدينة الصاخبة ..

    على هذه الطبيعة الرائعة ..

    التي تشتهي فعلاً أن تجلس فيها إلى الأبد ..

    شاهد سنجاباً صغيراً وهو يتسلق شجرة ..

    أخذ يتأمله ..

    كان أحياناً يشاهد بعضاً منه ..

    ولكنه قريب منه جداً هذه المرة ..

    أخذ السنجاب .. يختبأ في حفرة في الشجرة ..

    غير منتظمة المعالم ..

    ويتأملهم في خوف ..

    كل هذا متعة بطريقة خاصة ..

    مضى بهم المسير ساعة من الوقت ..

    وفجأة .. تناهى إلى بشار .. صوت شلال ..

    فقال لمايا : هل هذا ... ؟؟؟

    فقالت مبتسمة ببراءة : نعم إنه شلال ..

    فنظر فيها بشار في دهشة وقال : يوجد شلال بالقرب من بيتكم ..

    فقالت مايا :

    إنه شلال صغير .. ومنزلنا يقع عند مصب الشلال الذي يستمر بعد ذلك نهراً ..

    ابتسم بشار .. حتى ظهرت ضواحكه ..

    وهو يحس بسعادة لا حدود لها ..





    وفعلاً ..

    انتهى بهم الطريق ..

    إلى تله هناك .. جوار مصب الشلال ..

    وفي نهايتها منزل مصنوع من الخشب ..

    بالشكل التقليدي لبيوت اليابانيين ..

    السور الحجري القصير ..

    السقف المثلث الشكل ..

    مجسمات التنين على أطرافه

    والساحة الكبيرة النظيفة ..

    دخل بشار ..

    وكان والدها ووالدتها بانتظارهم ..

    أخذت مايا تجري نحو والدتها ..

    وتعانقها في حب ..

    كانت أمها تلبس الزي الياباني النسائي الشهير .. بلون أزرق جميل ..

    وأبوها أيضاً .. ذلك الزي الياباني ترابي اللون

    ويرتدي سيفاً ..

    أحس بشار منه بالخوف في البداية ..

    ولكن ما لبث أن عرف لاحقاً أنها مجرد شكليات ..

    كانت مايا وساندو هما الابنان الوحيدان لهذه العائلة..

    رحبت العائلة ببشار بحفاوة كبيرة ..

    وأعدو له غرفة خاصة ..

    وكعادتها تتميز ببساطتها الشديدة ..

    والحواجز التي لا يظهر من ورائها الخيال عند إضاءة المصابيح ..



    وبعد أن رتب أغراضه في الغرفة الصغيرة ..

    سمع حشرجة عند الباب ..

    ثم مد ساندو رأسه من الباب وقال بابتسامة :

    الغداء جاهز ..





    جلس بشار .. وهو يتأمل المائدة الشهية ..

    سوشي ..

    وترياكي ..

    وبعض من النودل = المكرونة

    وكلها طبعاً مطبوخة بطريقة معينة ..

    وقطع من سمك السلمون اللذيذ ..

    أحس بشار بألفة غريبة للوهلة الأولى ..

    كانوا ودودين ولطفاء ..

    راق لهم بشار ..

    بخفة دمه ..

    وطريقته المرحة في الحياة ..





    وبعد انتهاء الطعام ..

    توجه بشار إلى غرفته ..

    كانت الساعة قد شارفت على الثانية ظهراً ..

    قرر الصلاة ..

    وأحس أنه يود أن يقوم بأمر ما ..

    خرج من المنزل ..

    بعد أن أخبر ساندو ..

    وتلمس طريقه ..

    حتى وصل إلى النهر ..

    وجلس يتأمل ماء الشلال الذي ينهمر بغزارة من الجبل الصغير ..

    وحين يصطدم الماء بالنهر ..

    منظر في غاية الروعة ..

    لا تستطيع الكلمات أن تصفه ..

    ولمح خيالاً لقوس قزح .. نتيجة لانعكاس ضوء الشمس ..

    والأحجار في قاع النهر في تمام صفاءها ..

    والرذاذ المتطاير في جمال فائق ..

    منظر بديع .. يكفيك أن تبقى له متأملاً طوال حياتك ..

    كم ود لو يستحم فيه ..

    إنه حلم راوده منذ الصغر ..

    منذ كان طفلاً صغيراً ..

    كان يريد أن يفعل ذلك ..

    ولكن ليس الآن ربما لاحقاً ..

    وبدأ يتوضأ من ماء النهر ..

    يا الله .. إنه بارد بحق ..

    بارد جداً ..

    ولكنه كان يستلذ بذلك بحق ..

    يستلذ بالوضوء الذي ما حلم أن يفعله بهذه الطريقة الرائعة ..





    وبعد أن انتهى ..

    رجع مرة أخرى إلى المنزل ..

    وشاهدمايا ..

    يا للجمال ..

    يا اللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللله ..

    لأول مرة شاهدها تلبس اللباس الياباني الكيمونو ..

    كانت جميلة .. جميلة .. جميلة ..

    بل فاتنة .. إلى حد الصمت ..

    كانت ترتدي ثوباً أبيضاً ..

    عليه رسوم لزهور عباد الشمس باللون الأحمر كبيرة الحجم ..

    ولردائها حدود حمراء اللون غاية في الأناقة ..

    وتلبس في قدميها ..

    صندلاً خشبياً مألوفاً ..

    وقدمها مثل المرمر .. يتلألأ فيه ..

    ويديها كأنما هي قطن طبيعي فتان ..

    ووجهها كأنما الفجر إذا أشرق ..

    وشعرها الأسود اللامع يتمايل مع نشيد الرياح بكل أنوثة ..

    لم يشاهد بشار في حياته شيئاً كهذا من قبل ..

    حتى النهر والشلال ..

    لا .. إن ما هو أمامه ..

    أروع وأجمل وأحلى بمليون مرة ..

    كان يحدق فيها بطريقة ..

    زادتها خجلاً ..

    فوضعت سبابتها في فمها في خجل .. وأخذت تعض عليها في دلع ..

    فأحس بشار أنه يكاد أن يفقد وعيه ..

    كان الخجل يرسم في خديها ..

    تفاحة حمراء ..

    وينبت حقول الورد في شفتيها ..

    ويخفض في رأسها دلال وأنوثة لم يحلم بها رجل رومانسي أو كاتب ..

    أحست مايا أنها لا تستطيع أن تتحمل نظرة بشار ..

    فدخلت إلى المنزل مرة أخرى وهي تجري خجلة ..





    بشار مد يده كأنه يستوقفها ..

    دون أن ينطق بشيء ..

    فقط فتح فمه ..

    وظل لدقيقتين واقفاً في محله ..

    من فرط دهشته بهذا الجمال الأخاذ ..

    ثم نفض عنه كل هذا

    وقال : يا الله .. سبحان الخلاق البديع ..





    دخل غرفته .. مرة أخرى .. وهو في حالة سكر ..

    ولكنه نفض عنه كل تلك الأفكار جانباً ..

    حتى يصلي

    وبدأ يصلي ..

    ويسبح الله ..

    ويقرأ شيئاً من القرآن وهو يتمتم ..

    ويسجد .. ويدعو الله ..

    وأحس أنه نسي للحظات فقط ..كل ما مر به للتو ..

    سلم عن يمينه وعن يساره ..

    ثم قام بعد أن رفع سجادته ..

    ولكن ..

    وجد مايا وعائلتها كلها تنظر له بدهشة بالغة للحظات ..

    ثم ..

    ظهرت ملامح عدائية في وجه الأب وهو يصرخ ..

    ما هذا الذي تفعله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  7. #27
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    كان بشار يجلس في غرفة المعيشة البسيطة ..

    وكوب من الشاي في يديه ..

    يتأمل خيال صفحة وجهه على سطحه ..

    ثم نظر أمامه ..

    كانت عائلة مايا كلها تنظر فيه ..

    الأم تجلس وهي تنظر إلى الأرض في تفكير عميق ..

    والأب يجلس يحك رأسه وهو يفكر ..

    وساندو يقف صامتاَ عند الباب متكأً عليه دونما نظرة ذات معنى ..

    أما مايا .. فلم تنزل عيناها من على بشار ..

    تتأمله في شيء من الدهشة ..

    كيف لها ألا تعرف كل هذا عن بشار ؟!

    ولكن لم يكن بينهم الشيء الكثير ..

    لعل الشيء الكثير لم يتجاوز حتى بضعة أيام ..

    وإن كانت أطيافه قبل ذلك بمدة أطول قليلاً ..



    وقفت مايا ..

    عبرت الغرفة الواسعة حتى وصلت إلى بشار ..

    تعلق أبصار الوالدين بها .. وهما ينتظران أن تقول شيئاً ..



    قالت مايا :

    وهي تنظر إلى أهلها :

    له دين مختلف ..

    وماذا في هذا ؟

    إنه هنا لعلاجي كما تعلمون ..

    لقد قام بهذا الشيء دونما ثمن ..

    ألا يستحق أن نمنحه حريته الشخصية ..

    فقال الأب بجدية :

    مايا مرضك ليس بالخطير ..



    حدق بشار فيه باستغراب ..

    وهم بالكلام ..

    ولكن مايا وضعت يدها على كتفه .. وضغطت عليه قليلاً وهي مازالت تنظر لوالدها ..

    فكر والدها قليلاً ..

    ثم تنهد وقال :

    معك حق .. إنها حريته الشخصية ..

    وله الحق في أن يفعل ما يريد ..

    ولكنه نظر إلى بشار وقال بجدية بالغة :

    هل دينك هذا فيه شيء من السحر الأسود ؟

    لقد رأيتك تتمتم ببعض الكلمات الغريبة ؟

    فقال بشار وهو يرفع أحد حاجبيه مستنكراً : سحر أسود ؟

    لا لا .. ديننا يحرم السحر بكل أنواعه ..

    بل من يستخدم السحر يعتبر خارج دائرة الإسلام ..

    فقال السيد أونيزكا :

    إن كان كذلك فلا بأس به أبداً ..

    ثم خرج من الغرفة .. واخذ معه ساندو ..



    وبعض لحظة صمت ..

    جاءت أم مايا وقالت لبشار :

    لا عليك .. إنه هكذا .. ولكنه بعد لحظات سوف ينسى كل شيء ..

    ابتسمت له بلطف ..

    نظر فيها بشار وابتسم ..

    كم تشبهها مايا كثيراً ..

    لا بد أن والدتها كانت في أيام صباها جميلة جداً ..

    ثم خرجت الأم هي الأخرى ..

    ولم يتبقى سوى مايا وبشار ..

    كان صوت العصافير مغرداً في الخارج ..

    وشجرة تفاح في الحديقة ..

    يتسرب ضوء الشمس من خلالها .. ويلقي ببعض الضوء على الغرفة الخشبية ..

    جلست مايا أمام بشار ..

    وابتسمت ..

    وأحس بشار أنه رغماً عنه يبتسم ..

    ولكنه ما لبث أن تذكر شيئاً هاماً فقال لها :

    لمَ لم تخبري أهلك بأنك ......... ؟

    نظرت فيه مايا ..

    ضمت شفيتها في إحباط وقالت :

    لقد أخبرتهم .. أني مصابة بفيروس ..

    وأني أحتاج إلى النقاهة فقط ..

    فقال بشار : لماذا ؟

    وقفت مايا .. وتوجهت نحو الباب ..

    وكان ضوء الشمس .. يغمرها ..

    حتى أصبحت مايا كأنها تتلألأ ..

    كان ظهرها مقابلاً له وهي تقول :

    بشار .. أنا البنت الوحيدة لأبي وأمي ..

    لا أريد أن ينفطر قلبهما من الحزن ..

    ثم لوحت رأسها وقالت ونصف وجهها ظاهر .. تنسدل عليه بعض شعيراتها الفاتنة :

    طالما أن هناك أملاً ..

    أطالت النظر فيه كثيراً ..

    كانت تنظر في عينيه هذه المرة بدون خجل ..

    كانت تنظر فيه وكأنما تقول له :

    أنا أثق بك ..

    وأحس بشار ..

    بالكثير والكثير ..

    اندفعت في نفسه حماسة ..

    وأحس أنه أمام مسؤولية كبيرة ..

    أحس بعمق محبة خارقة ..

    فأومأ لها برأسه إيجاباً ..



    خرجت مايا ..

    وأغلقت الباب في هدوء ..

    وسارت ووقع خطاها لا يكاد يظهر ..

    وهي تلبس في رجليها جوارب بيضاء من الكتان ..



    جلس بشار يفكر قليلاً ..

    وبعد لحظات ..

    أخذ يخرج أوراقه ..

    ويرتبها ..

    لابد من العمل اليوم ..

    ليس هناك الكثير من الوقت ..

    هذه الكتب هنا ..

    وهذه الأوراق هنا ..

    والعقار ..

    لا يحتاج إلى درجة حرارة منخفضة ..

    بل بالعكس ..

    يحتاج إلى درجة حرارة متوسطة ..

    حتى لا تتكسر الروابط الكيمائية في داخله ..

    ولكن إذا زادت درجة الحرارة عن 40 درجة مؤية ..

    فإن العقار سيتحول إلى سائل عديم الفائدة ..

    لذلك كان لدى بشار مستعداً لهذه الظروف بثلاجة صغيرة زرقاء ..

    تعزل الحرارة .. في حال ارتفعت..

    وبعد ذلك ..

    علق بشار جدولاً ..

    فيه مواعيد الحقن والعلاج ..

    وبعض مواد التغذية التي لابد أن ترافق هذا النوع من العقاقير ..

    علق الجدول بشريط لاصق شفاف على الجدار ..

    وقال وهو ينظر بحماس وقوة :

    سوف أنقذك يا مايا لا تخافي ..







    ابتسم بشار في حجرة المستشفى فوق سريره إلى همسة التي كانت تنظر فيه باهتمام ..

    نهض من سريره ..

    وهو لم يغير ذلك اللباس الأزرق الممزق ..

    وتوجه بقدم حافية إلى النافذة وهو يقول :

    سوف يؤذن الفجر قريباً ..

    ثم تطلع فيها مبتسماً ..

    ولكن همسة تجاهلت كلامه وقالت :

    ماذا حدث بعد ذلك ..

    قال لها وهو يتوجه إلى الحمام ..

    بعد ذلك سأتوضأ .. وأصلي وأنااااااااااام ..

    لأني مرهق بالفعل ..

    ثم ماذا عن مرضاك ؟

    ألا ينبغي أن تذهبي إليهم حتى تطمأني عليهم ؟

    قالت وهي لا تريد إلا أن تعرف بقية القصة .. قد قتلها الفضول :

    ما الذي حصل ؟

    أريد أن أعرف ..

    ولكنها لم تسمع سوى صوت بشار وهو يتوضأ ..

    وصوت الماء وهو يتساقط في المغسلة ..

    وبعد لحظات ..

    خرج بشار ..

    وبعض القطرات تلتصق في ذقنه ..

    وهو يمسح يديه بمنديل أبيض ..
    ثم قال كأنه واعظ :

    الصلاة .. الصلاة .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..

    أحست همسة بالغيظ ..

    لم لا يكمل ؟

    هناك وقت كافي للصلاة ..

    فقالت : هل عاشت أم مـ ........



    كان بشار متوجها نحو السجادة وهي تتكلم .. حتى إذا ما وصلت إلى سؤالها ..

    كبر معلناً بداية الصلاة وقال : الله أكبر ..

    وكأنما هي غير موجودة ..

    "الحمد لله رب العالمين .. "

    اشتعلت همسة حقداً ..

    خرجت من الغرفة ..

    وأغلقت الباب بشيء من القوة ..

    وقالت وهي تخرج :

    يا إلهي كم هو يغيظني ..

    لا بد أنه يتلذذ في ذلك ..

    وذهبت ..





    الساعة : 12 ظهراً

    اليوم ستبدأ دوامها في الواحدة ظهراً

    لذلك عادت إلى بيتها مباشرة بعد أن خرجت من عند بشار ..

    صلت في المنزل ونامت ..

    استيقظت على صوت الجوال ..

    نهضت بكسل شديد ..

    ما هذا الإحساس بالخمول ؟لابد أن بسبب تغيير المواعيد ..

    يا إلهي .. أريد أن أنام ..

    غطت وجهها بالفراش ..

    ولكن بعد لحظات ..

    كشفت الفراش ..

    وقالت : ما الذي حصل لمايا ؟

    لا بد أن أعرف ..

    نهضت من فراشها ..

    وذهبت إلى الحمام ..

    وبعد استحمام سريع ..

    ذهبت إلى دولاب ملابسها ..

    اليوم .. ماذا سألبس ؟ ماذا سألبس ..

    أخذت تفكر كثيراً ..

    وهي تضع يدها على وسطها ..

    وهناك في الدولاب ..

    تناثرت قطع الملابس المختلفة ..

    وتظهر من بعضها قطع ورقية ..

    تدل على أنها لم تستخدم ولا مرة ..

    ولكنها في النهاية وقع اختيارها على البنطلون الذي اشترته من دبنهامز ..
    بمبي اللون .. عليه بعض النقوش ..
    وسلسلة في الوسط ..

    وأيضاً القميص الوردي .. مكشوف الكتفين .. الذي كان مرسوماً عليه أرنوبة توني تون ..

    ولكنها أحست به غير لائق في المستشفى ..

    ولكنها كانت ستلبس البالطو على كل حال ..

    وبعد صراع فكري ..

    بين رغبة دفينة بدأت تظهر مؤخراً بشكل ملحوظ في نزعة أنثوية ..

    وبين شخصيتها الحقيقية ..

    ولكنها قالت :

    دائماً أعمل ما هو مفروض ..

    لم لا أعمل ما أريد هذه المرة ؟!

    وفعلاً ..

    لبست .. ما جعلها في قمة البراءة والأنوثة ..

    وخرجت من غرفتها ..

    بعد أن ارتدت ساعتها الفضية اللون الرقيقة ..
    والبالطوا اللامع الأبيض في مهابة وأناقة ..

    ونظارتها الطبية ..

    كحلية البرواز ..

    حتى تناسب عيناها الزرقاوان ..


    وقبل أن تطفئ أنوار الغرفة ..

    لمحت الدب يقف متفرجاً على طاولتها ..
    وهو يحتضن القلب الجميل ..
    بقبعته الناعمة ..


    تأملت فيه قليلاً ..

    وطارت بها الأفكار بعيداً جداً ..

    ولكنها أقفلت الضوء ..

    ومشت ..

    ولكن عقلها لم يتوقف عن التفكير ..





    وصلت إلى المستشفى ..

    دخلت ..

    ووضعت البطاقة على صدرها ..

    ولكنها بعد خطوات قليلة ..

    توقفت ..

    أحست باحتقان رهيب في وجهها ..

    كانت ندى هناك تقف مع فراس ..

    وهما يتحدثان ..

    وفي عيني ندى نظرة جذلة ..

    تضحك .. وهي تدخل بعضاً من خصل شعرها في حجابها البرتقالي ..

    وبينما يدها الثانية تمسك بعض التقارير وتحضنها ..

    أما فراس ..

    كان متكأً على الركن البعيد من طاولة الريسبشن ..

    وهو يتكلم ..


    أحاسيس مختلطة ..

    كانت تمر بهمسة ..

    ولا تدري ما تفكر ..

    أحست بغضب شديد ..

    وفي نفس الوقت حيرة ..

    تجاهلتهما ..

    وسارت نحو غرفتها ..

    ولكن فراس لاحظها في الثانية الأخيرة ..

    تابعها ببصره للحظات ..

    وندى تتكلم معه بانفعال واضح رغم أنها تحاول ان تخفيه ..

    فقال لها بلباقة منهياً حواره وإياها : المعذرة دكتورة ندى ..

    لدي بعض الأمور المهمة ..

    وذهب ليلحق وراء همسة ..

    وتجاهل ندى ..

    التي نظرت فيه من بعيد ..

    وعرفت أنه يلحق وراء همسة .. بعد أن عرفتها من طرحتها السماوية ..

    نظرت في قهر وقالت : ما الذي أتى بكِ الآن ؟





    "همسة .. دكتورة همسة "

    تجاهلت همسة نداءات فراس ..

    ودخلت غرفتها ..

    ولكن فراس دخل ورائها ..

    نظرت فيه وهي تتصنع أنها لم تره وقالت :

    أي خدمة ؟

    فقال لها :

    احم .. كيف حالك ؟

    فقالت وهي تبحث في أوراقها عن أي شيء : الحمد لله ..

    صمت فراس قليلاً .. وأحس أنه ضيف غير مرغوب به ..

    ولكنه في نفس الوقت شعَر أنه يريد أن يبرر موقفه أمام همسة فقال :

    لقد سألت الدكتورة ندى عنك ..

    فجلست تتكلم معي ..

    ثم ابتسم وقال :

    أخبرتني أنك أنت التي أخذت ورقة الأسئلة بعد نهاية الاختبار ليستفيد منها طلاب السنة القادمة ..

    كانت لا تزال مستمرة في بحثها ..

    أما فراس .. فقد اغتاظ بحق ..

    وأحس بأنه يتعطفها في حين أنه لم يخطأ ..

    فقال وهو يغادر : أراك لاحقاً يا دكتورة ..

    " فراس .."

    نظر فراس إلى همسة التي نطقت باسمه دونما ألقاب ..
    كانت قد ضعت كوعيها على المكتب .. وأمسكت رأسها وظلت تحدق في سطح المكتب برهة ثم نظرت إليه .. وقالت : المعذرة ..

    أعصابي مرهقة قليلاً ..

    I am sorry of being rude.

    قال فراس بعد فترة من الصمت : هل هناك ما أستطيع أن أقدمه ؟

    فقالت همسة وهي تومئ بالنفي :

    لا .. فقط أحتاج إلى بعض الوقت وحدي حتى أهدأ ..

    ابتسم لها فراس ابتسامة جذابة ..

    لم تجد همسة بداً من أن تبتسم لها ..

    وصغرت عيناها .. فبدت أجمل كثيراً ..

    فقال فراس وهو يمشي مغادراً : سبحان الله ..

    ابتسمت همسة في خجل ..





    جلست تحادث نفسها :

    "همسة .. لا بد لك أن تحددي ..

    فراس .. أم ..

    أم من ؟

    وجدت عقلها يتوقف عندما وصلت إلى بشار ..

    بشار ؟!

    أيعقل أني أحب بشار ؟

    لا غير ممكن ..

    كيف أحب شخصاً ..

    يستعذب مضايقتي ..

    كيف أحب شخصاً ..

    قد يموت ..... "

    عندما وصلت إلى هذه الكلمة ..

    انقبض قلبها بقوة ..

    حتى أحست أنه يُعتصر ..

    "لا .. لا أريده أن يموت ..

    بشار يموت ..

    لا مستحيل ..

    إذا فأنا .........

    لا .. غير ممكن .. "

    أخذت تفكر بعمق شديد ..

    حتى أنها أغمضت عيناها بقوة ..

    وأخذت تمسك رأسها ..

    مرت عليها لحظة سكون ..

    ثم فتحتها ..

    وجدت ندى أمامها ..

    بقامتها القصيرة ..

    ووجهها السهل الملامح ..

    ابتسمت ابتسامة صفراء وقالت : لقد أضاءت المستشفى ..

    افتقدناك اليومين الماضيين ..

    نظرت فيها همسة بقوة وبنظرات نافذة .. ثم قالت :

    كيف تجرؤين ...

    قاطعتها ندى وهي تقول : همسة ..

    إنك إلى ذلك اليوم لم تكوني واثقة من شعورك ..

    قلتي لي .. لا أعرف .. دعيني أفكر ..

    همسة .. إن لم تكوني تريدينه ..

    فدعيه لي ..

    نظرت فيها همسة بدهشة وقالت :

    إن لم أكن أريده .. أدعه لك ؟

    لست أفهم ..

    كأنما أنت تتحدثين عن سيارة .. أو طريدة ..

    قالت ندى : همسة .. لم تأخذين الأمور على هذا المحمل ؟

    شخص .. يعجبك .. ولكنه ليس الإنسان الذي ترين فيه المواصفات الكاملة ..

    دعيه لي ..
    قالت همسة بلهجة حادة : ندى .. أأنت جادة فيما تقولين ؟؟؟

    قالت ندى : والله جادة ..

    فقالت همسة وهي غير مصدقة : الحمد لله على نعمة العقل ..

    المهم أنه رجل وهذا يكفي ؟

    لا أعرف ماذا تريدين منه !

    هل تريدين أن يتزوجك ؟

    هل تريدين أن تصادقيه ؟

    ماذا تريدي منه بالتحديد ..

    فقالت ندى : دعيك مني .. سأفكر فيما بعد ..

    ولكن أهم شيء أنك لا تريديه صحيح ؟

    قالت همسة حتى تنهي هذا الحوار السخيف :

    لا .. لا أريده .. حلال عليك ..

    ابتسمت ندى بفرح .. وخرجت من الغرفة ..

    أما همسة فجلست تقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ..

    رجعت ندى مرة ثانية .. وعلى الرغم من أنها سمعت همسة .. ولكنها تجاهلتها .. وقالت :

    نسيت أن أخبرك سبب مجيئي ..

    الدكتور علي يريد رؤيتك ..







    "سوف تنتقل حالة المريض في غرفة 246 إلى الدكتور أسامة آصف "..

    نظرت همسة إلى الدكتور علي وهمت بأن تقول شيئاً .. ولكن الدكتور علي قال :

    هناك حالات أخرى ..

    أنا مهتم بأن تتعلمي منها بعض التقنيات المستخدمة ..

    وعلى الرغم من أني غير مقتنع بعملك في اليومين الأخيرة ..

    إلا أن التقرير الذي كتبته المرة الماضية

    كان رائعاً ومفصلاً ..

    أريد أن أرى الدكتورة همسة التي كانت في السابق ..

    كان الدكتور علي .. طبيباً بمعنى ما تعنيه الكلمة من معنى ..

    أهم شيء في حياته العمل ..

    تستطيع أن تضمن أنه سيبذل ما في وسعه من أجل حياتك ..

    وأنه سوف يعمل بكل أمانة ..

    وعلى الرغم من صرخة حبيسة في صدر همسة إلا أنها تظاهرت بلا شيء ..

    وتقبلت الأمر وسلمت به ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  8. #28
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    الساعة .. تمر واحدة تلو الأخرى ..

    همسة استلمت في يديها حوالي 4 حالات جديدة ..

    كلها اشتباه أورام سرطانية ..

    عملت جهدها ..

    بل أوغلت نفسها في العمل حتى لا تفكر ..

    إلا أنها كانت كثيراً ما يأخذها قلبها إلى أماكن كثيرة ..

    ويأخذها عقلها .. وتتذكر قصة مايا وبشار ..

    ترى ما الذي حصل لها ..

    إن كانت حية فأين هي الآن ؟

    كانت في غرفتها وهي تفكر هذه الأفكار ..

    فتحت درجها لتأخذ منه قلماً لتوقع به على تقارير نهاية اليوم ..

    وجدت وردة حمراء كعادتها ..

    في رقتها ..

    وفي جمالها ..

    أمسكتها ..

    وأخذت تداعب وريقاتها ..

    وتمرر أصابعها الناعمة عليها ..





    خرجت همسة من غرفتها ..

    كانت الساعة السابعة مساءً ..

    دوام الطبيب ..

    غير مرهون بوقت معين ..

    خصوصاً إذ ما كان طبيباً يريد أن يتعلم ..

    قد يبيت في المستشفى لأيام متواصلة ..

    ويمضي في التعلم ما يقارب 16 ساعة في اليوم ..

    وربما أكثر ..

    وهو أمر قد لا يصدقه البعض ولكنه حقيقة ..





    وبينما هي تمشي ..

    مرت بغرفة بشار ..

    فكرت قليلاً ..

    أأدخل ؟ أم ؟

    ولكنه كان البارحة فظاً ..

    حسناً ..

    سأدخل فقط للحظات .. لأطمأن عليه ..

    لقد كان مريضي ..

    دخلت همسة عليه بعد أن طرقت الباب ..

    وعندما شاهدها قال : أهلا همسة ..

    أين كنت ؟

    لقد قلت بأنها كرهتني ..

    ههههههههههههه

    ابتسمت همسة بهدوء ..

    فقال :

    أم لأن الدكتور أسامة قد تولى حالتي ؟

    نظرت له وقالت : هل تعرف عن هذا ؟

    قال لها متجاهلا سؤالها :

    ماذا قال لك رئيس الوحدة ..

    أظنه الدكتور علي صحيح ؟

    لقد قابلته مرة ..

    قالت : قال لأنه يريد أن يطلعني عن حالات أخرى حتى أستفيد منها ..

    ضحك بشار .. ثم قال : أنا أفضل حالة سوف تستفيدين منها .. صدقيني ..

    قالت له : كيف ؟

    قال لها : سترين قريباً ..

    المهم ..
    ثم نظر لها بتخابث وقال :
    ألا تريدين أن أكمل لك القصة؟


    نظرت فيه همسة وأظهرت لا مبالاتها وهي تقول :

    عادي ..

    فقال بشار وهو يضحك : تعجبني ثقتك بنفسك ..

    ولكن يعجبني أكثر .. دلالك كأنثى ..

    أحست همسة أن الدماء تندفع في أوداجها ..

    حاولت أن تتدارك نفسها وهي تقول مغيرة للموضوع :

    لقد أنهيت دوامي ..

    وكنت ذاهبة إلى المنزل ..

    فقال بشار وكأنما لديه كل الحلول لكل المشاكل :

    ألا ينفع أن تكوني هنا على أنك زائرة ..

    أم الطبيبة ممنوع عليها الزيارة ؟!

    فقالت : ولكن ..

    فقال : أهم شيء .. أن تدعوني إلى ساندويتش مثل البارحة ..

    ساندويتش دجاج بالمايونيز والجزر ..

    لذيذ والله ..

    ابتسمت همسة وقالت : على شرط ..

    أن تخبرني كل شيء ..

    حتى النهاية ..

    نظر فيها بشار وضاقت حدقته وهو يقول :

    هل أنت متأكدة؟

    سوف تطول جلستنا ..

    فقالت : مستعدة حتى الصباح ..

    حتى لو اضطررت أن آخذ إجازة في الغد ..

    فقال بشار وهو يرفع حاجبه :

    يا الله إلى هذا الحد ..

    فابتسمت همسة ..

    فقال : إذا عليك بمؤنه كالبارحة .. حتى تكفي ..

    وأيضاً لا تنسي سنكرس .. لأني أحبه كثيرااااااً..

    ابتسمت همسة ..





    جلست همسة .. وفي يديها ساندويتش ..

    لم تستطع أن تتناول غدائها مع زحمة العمل اليوم ..

    أما بشار .. وضع أمامه ساندويتشه وقال :

    هل تريدين أن تسمعي أروع قصة حب ..

    وأكثر لحظات الدنيا رومانسية ؟

    قالت همسة : بالتأكيد ..



    فقال لها : اسمعي إذا ..

    وعاد بذاكرته إلى الوراء ..







    "بشار .. بشار .. استيقظ .. "

    استيقظ بشار على صوت ناعم أشبه بقيثارة تهمس له برفق ..

    كان أول ما وقعت عليه عيناه وجه مايا الجميل المحيا ..

    كانت واقفة فوقه ..

    والفانوس الباهت ينبعث من وراء رأسها ..

    كنت شفتيها كحبة كرز كبيرة .. تنتظر أن يقطفها أحد ما ..

    وكانت نضارتها تبعث الندى في الروح المتيبسة ..

    ابتسمت في وجه بشار وقالت :

    صلاة الصبح .. أليس كذلك ؟

    نهض بشار من مكانه وجلس في فراشه الأرضي ..

    ثم تطلع لها ..

    كانت ناعمة بحق ..

    في لباسها الناعم والبسيط ..

    ثوب من الستان المزين ببعض النقوش اليابانية الرفيعة ..

    كانت تجلس وتضع يديها على فخذيها ..

    أخذ بشار يتأمل في هذا الجمال لحظة ..

    ثم قال لمايا : آسف جعلتك توقظينني في هذه الساعة ..

    فقالت وهي تومئ :

    لا عليك ..

    لقد بقيت أتأملك قليلاً ..

    نظر لها بشار ..

    فاحمرت وجناتها .. بروعة ..

    وأصبحت أكثر جمالاً ..

    قام بشار وتوضأ ..





    ثم قام وصلى ..

    ودعا الله في سجوده كثيراً ..

    وعندما انتهى من صلاته ..

    كانت مايا جالسة تتأمله ..

    قالت : جميلة هي صلاتكم ..

    ماذا تقولون فيها ؟

    قال بشار : نقرأ فيها القرآن ..

    قالت : وما هو القرآن ..

    قال : كلام الله .. أنزله من فوق سبع سماوات ..

    صمتت همسة قليلاً ثم قالت :

    مثل ماذا ؟

    قال : أتريدين أن أقرأ قليلاً ؟

    قالت وهي مبتسمة برقة بالغة :

    بالتأكيد ..

    قال : حسناً ..

    وأخذ يفكر فيما يقرأ لها ..

    أخذ يفكر من بين الآيات ..

    حتى جاءت في باله آيات من سورة الرحمن ..

    فأخذ يرتل بصوت عذب جميل وهو يقول :

    للاستماع

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ( الرحمن .. علم القرآن .. خلق الإنسان علمه البيان .. الشمس والقمر بحسبان .. والنجم والشجر يسجدان .. والسماء رفعها ووضع الميزان .. ألا تطغوا في الميزان .. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان .. والأرض وضعها للأنام .. فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام .. والحب ذو العصف والريحان .. فبأي آلاء ربكما تكذبان )


    صمت بشار .. وفتح عينيه ..

    وجد مايا وهي متأثرة ..

    نظر لها فقالت : ما هذا الكلام ؟

    قال لها : هذا كلام الله ..

    قالت : ماذا يعني ؟

    قالت : إنه يتحدث عن نفسه بأنه الإله الرحمن .. يرحم جميع الناس .. وأنه علم القرآن الذي هو كتابه ..

    فقاطعته همسة وهي تقول :

    كان جميلاً جداً ..

    أحسست براحة كبيرة ..

    لا أدري من أين ..

    أحسست أن الكلمات تدخل روحي فتحملني إلى هنالك البعيد ..

    على الرغم من أني لم أفهم شيئاً ..

    أكاد أقسم على هذا ..

    ابتسم بشار وقال : هذا لا يدهشني ..

    إنه كلام الله ..



    نهضت مايا وهي تنظر في ساعتها وقالت :

    مر الوقت سريعاً ..

    لا بد أن أذهب لأوقظ أبي ..

    فقال بشار : إلى أين سيذهب ..

    نظرت فيه وهي تمشي باتجاه الباب وقالت : إلى الحقل ..

    إننا نزرع القمح ..

    وخرجت ..

    وبعد ربع ساعة ..

    كان ضوء الشمس قد آذن بالدخول ..

    وبدأ يغمر الدنيا بشيء من التجديد ..

    إحساس جميل ذلك الذي ينتابك في الصباح ..

    تحس أنه ينفض الكسل عنك في روعة ..

    وصوت العصافير وهي تقف فوق شجرة التفاح وتغني ..

    إحساس بهيج لطبيعة سبحان الذي أبدعها ..

    كان ساندو ووالد مايا كلهم قد استيقظوا ..

    وحملوا أغراضهم .. متجهين إلى الحقل ..

    وبعد قليل ..

    ارتدت مايا ملابس رثة قليلاً ..

    وجاءت إلى والدها .. فقال :

    حبيبيتي لا .. ابقي أنت هنا ..

    فقالت مايا : أنسيت يا أبي أني تربيت في هذا البيت ؟

    صحيح أني كنت في المدينة لفترة ..

    ولكني ابنة هذه القرية الصغيرة ..

    ضحك الأب وهو يلوك في فمه عوداً طويلاً ..

    نظر لساندو الذي ابتسم أيضاً هو الآخر ..

    وهموا بالذهاب ..

    ولكن بشار وقف وقال : لحظة ..

    لن تتركوني وحدي أنا هنا ..

    فقال الأب وهو يرقبه بنظرات غريبة :

    وماذا تعرف أنت في أعمال الحقل ؟

    قال بشار بابتسامة : سأريك ما أعرف ..

    خرجت الأم من المنزل وهي تحمل في يديها أربع ربطات ..

    في كل منها علبة غداء ..

    وقالت : بالسلامة .. ووقفت عند الباب حتى تودعهم ..

    وكأنما نغمة يابانية شهيرة جداً ..

    في قمة الجمال تعزف لحنها ..







    كان الحقل بعيداً بحوالي نصف ساعة من المشي في وسط الغابة البديعة ..

    كان بشار .. يحس أنه في عالم خيالي ..

    ويحس بمتعة لا يحس بها كثيراً والد مايا ولا أخوها ..

    أما مايا فأخذت تنظر في الأشجار وكأنها تسترجع الماضي ..

    شاهد بشار زهور الكاميليا ..

    فأخذ بعضاً منها ..

    ثم جاء عند مايا وقال لها لحظة :

    ثم وضع زهرة على أذنها ..

    كانت فاتنة عليها ..

    ابتسمت مايا في حياء ..

    ونظر الأب نظرة شزراء لبشار ولكنه تظاهر بعد الاهتمام ..



    وصلوا إلى الحقل ..

    كان صغيراً ..

    وبدأ أونيزكا بالعمل هو وابنه ..

    ( أونيزكا هو اسم والد مايا )

    أما مايا ..

    فأخذت سلة من الخوص ..

    وراحت تنثر الحبوب بيديها ..

    أخذ بشار يتأملها وهو يكاد يتيه فيها جمالاً ..

    بزهرة الكاميليا فوق رأسها ..

    والابتسامة التي ما تفارق وجهها ..

    وكأنما تنثر السحر فوق الأرض ..

    وكأنما هي حين تدوس الأرض بقدميها في الطين ..

    تصبح الأرض من تحتها تبرا مطحوناً ..

    والشمس تشرق من عندها .. كأنما تنير العالم بضياء روحها ..

    "باشاااااااااار "

    نظر بشار إلى أونيزكا الذي كان ينظر إليه ويضع يده في وسطه .. وبساعده الآخر بمسح عرقة وهو يقول : أرني ماذا تعرف ..

    فقال بشار : بالتأكيد ..

    ثم ذهب إلى ساندو وأخذ منه المعول ..

    ورفع يده عاليا كما يفعل أونيزكا ..

    وألقى به في الأرض ..

    ولكنه لم يحسب توازنه ..

    فسقط على الأرض ..

    فضحك عليه أونيزكا ..

    وضحكت مايا وهي تخفي ضحكتها بيديها الجميلتين ..

    حتى بشار ضحك على نفسه ..

    لم يكن بشار يعرف شيئاً عن الزراعة ..

    ولكنه كان يريد أن يكون بجوار مايا ..




    وعندما اشتد الحر ..

    قال أونيزكا لمايا :

    ما رأيك أن تذهبي إلى المنزل ؟

    لقد اشتدت الشمس .. لم يبق الكثير من العمل هنا ..

    اذهبي مع هذا الذي لا يعرف شيئاً ..

    وضحك بسخرية ..

    فقال بشار وهو يرد عليه : بلى أجيد الحصاد ..

    فقال الأب وهو يمزح : سنخسر الأرض كلها لو عملت فيها ..

    كان الأب قد بدأ يتعود على بشار ..

    وكما قالت أم مايا : سوف ينسى ..

    إنه إنسان على سجيته ..

    إنسان الريف .. ما في قلبه على لسانه ..

    بساطة .. دونما تعقيدات ..

    بلانفاق أو حتى تملق ..






















    مشى بشار مع مايا ..

    في الغابة ..

    وهو يحس بنشوة بلا حدود ..

    حتى وصلا منتصف الطريق

    توقف وقال لها : مايا ..

    نظرت فيه مايا مستفهمة ببراءة ..

    قال لها :

    أحبك ..

    نظرت له مايا وحدقت فيه .. ثم خجلت .. وصارت تجري ..

    وصار بشار يلاحقها ..

    وهي تجري وتضحك ..

    وصارت تختبئ خلف بعض الأشجار ..

    وصار بشار يبحث ..

    وعندما يجدها .. يلمسها بطرف إصبعه في أنفها ويقول لها : وجدتك ..

    وهي تختبئ من جديد ..

    إن أجمل الألعاب ..

    هي تلك التي تمتليء بالطفولة ..

    بالبراءة ..

    بالطهر ..

    وفي النهاية ..

    أمسك يدها ..

    وراح يسير معها ..

    ثم نظر في عينيها ..

    فأشاحت بوجهها ..

    فمد يدها إلى شفتيه وقبلها ..

    فسحبت يدها بسرعة في خجل ..

    ووضعت طرف بنانها بين أسنانها ..

    فابتسم بشار ..




















    وصلوا إلى المنزل .. وابتسامة عذبة تعلو المحيا ..

    وبسمة صادقة من القلب تغمر الفؤاد ..

    إحساس لم يحس بشار بمثله قبلاً

    وقبل أن يدخلوا من بوابة المنزل ..

    وقف بشار على طرف النهر ..

    وأخذ يتأمل فيه ..

    جاءت مايا وبقيت بجواره ثم قالت : فيم تفكر ؟

    نظر لها بابتسامة خبيثة وقال في هذا : ثم سحب يدها وبقوة ..

    تشششششششششششششششششش

    سقطا في الماء ..

    أخذت مايا تضحك ..

    كان النهر ضحلاً ..

    وكانت مياهه تصل إلى وسطيهما ..

    وصار بشار يرشقها بالماء ..

    وهي بيديها تبعد الماء البارد عنها ..

    وصارا يجريان وراء بعضهما ..

    حتى وصلت مايا إلى صخرة واختبأت خلفها ..














    ثم توقف بشار وهو يتأملها ..



    بلونها الأبيض النقي العذب ..

    وكأنما هذا اللون يعكس روحها الطيبة ..

    وكأنما هذا اللون يجعل منها ورقة بيضاء ..

    لا تحمل خطوطاً سوداء ..

    تحمل الصفاء والشفافية والعذوبة ..

    وشعرها الأسود الفاحم الذي

    التصق بوجهها وجبهتها ..

    وصارت تزيحه بيديها لتضعه وراء أذنها ..

    وابتسامتها التي تحيي القلب اللئيم وتبعث الحب في أوصاله ..

    وأصابعها التي من فرط نعومتها ..

    يكاد يخشن منها الحرير ..

    ويقسو في يدها الورد ..

    تلك اللدانة في يديها .. التي ما إن مست الصخر حتى غاصت راحتها فيه ..

    كم هي عذبة ..

    إنه ليكاد يحس بأريج هالتها الناعمة ..

    تجعل النهر سكراً .. وشراب ورد يروى الظمآنين ..

    اقترب منها بشار ..

    مد يده لها ..

    فوضعت أصابعها في يديه ..

    فأخذها ..

    وصار يراقصها ..

    ويدور معها بقوة ..

    وهو يمسك يدها في قوة ..

    حتى لا تفلت منه ..

    وهي صارت تغمض يدها .. وتضحك وهي تصرخ ..

    حتى سقطت في النهاية ..

    فاحتضنها بشار ..

    ونظر في عينيها ..

    ولأول مرة بهذا القرب الشديد ..

    وأحس أنه فيهما يسافر بعيداً ..

    هناك ما وراء النجوم ..

    ما بعد مجرة درب التبانة ..

    أحس أنه وحده وهي في هذا الكون ..

    كم هي عذبة ..

    كم هي فاتنة ..

    كم هي جميلة بحقققققققققق ..

    وهنا أشاحت مايا بخجل ..

    وأفلتت من بين يديه ..

    ونهضت ..

    وخرجت من النهر ..

    وخرج وراءها بشار ..







    ومرت أيام بعد أن بدأ بشار بالعلاج ..
    حقنة كل يومين في الوريد ..


    وكعادة مايا ..

    كانت في حالة من نشوة الفؤاد ..

    حين قرأ لها بشار القرآن ..

    ولكنها ذات مرة قالت فجأة :

    بشار ..

    أريد أن أصبح مسلمة ..

    نظر فيها بشار بدهشة كمن صب على رأسه دلواً من ماء مثلج ..

    ولكنه قال لها في حذر :

    هل .. أنت متأكدة ؟

    فقالت : نعم ..

    ابتسم بشار من قلبه ..

    ورقص قلبه جذلاً ..

    وقال : الحمد لله

    فردت مايا وراءه بعد أن صارت تفهم بعضاً من التعابير الدينية : الهمد لله ..

    ضحك بشار عليها ..

    فضربت مايا بلطف ودلال وهي تقلب شفاهها .. بحركة طفولية بريئة ..




    وبعدها بأسبوع ..

    أسلمت عائلة السيد أونيزكا كلها ..

    بعد أن اقتنعت بالإسلام ..

    ولكن ليس كمايا ..

    فأونيزكا وساندو أعجبهما ..

    قدسية الصلاة ..

    والرهبة التي كانا يحسانها حين كان يصلي بشار أمامهما ..


    دين الإسلام ..

    دين فطرة ..

    يكفي أن يكون القلب صافياً حتى تعتنقه دون مشكلة ..





    مضت أيام على إسلام العائلة ..

    وبشار كل يوم يعلمهم شيئاً فشيئاً ..

    والغريب أن بشار لم يحس بروعة الدين ..

    إلا عندما بدأ يبحث فيه هو بنفسه ..

    حتى يجيب على أسئلة ساندو أحياناً ..

    وصار يقرأ كثيراً ..

    حتى يستطيع أن يعلمهم ..

    كان سعيداً بهذا الشيء في حياته ..

    وفي كل مرة يحس أنه يرتقي نحو الله خطوة أخرى ..

    كان يحس بفرحة لا حدود لها ..







    إلى أن أتى ذلك اليوم ..

    كان بشار قد توصل إلى قراره الأخير ..

    عقد عزمه ..

    وقرر ..

    كان لابد أن يتخذ هذا القرار ..

    كان الليل قد أرخى سدوله ..

    وكانت مايا وأهلها على وشك النوم ..

    ولكنه طرق الباب بلطف ..

    دخل بشار ..

    وجلس ..

    ونظر في العائلة ..

    التي ظلت تحدق فيه ..

    وطال الصمت ..

    حتى بلغ 3 دقائق كاملة ..

    قال ساندو : باشااار .. هل هناك شيء؟

    جمع بشار أنفاسه ..

    حدق في الجميع ..

    أحس أن قلبه يكاد لا يحتمل ضرباته ..

    جمع رباط جأشه من جديد وقال :

    أريد أن أتقدم لأتزوج مايا ..

    ونظر في مايا ..

    التي علتها دهشة شديدة جداً ..

    ثم أغمضت عيناها في ألم لوهلة صمت فيها الكل ..

    وفي لحظة اهتزت عينها ..

    وتلألأ على خط رموشها بريق خفيف ..

    وسالت منها دمعة بلورية خالصة ..

    مسحتها بسرعة ..

    ثم جرت بسرعة وخرجت من الباب ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  9. #29
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    حدق الجميع في دهشة إلى مايا التي خرجت من الغرفة ..

    ودموعها سلسال على خدها ..

    وخيم على الجميع صمت لثواني ..

    ثم قام بشار ..

    ونظرات الكل تراقبه في صمت ..

    خرج من الغرفة ..

    وجد مايا بجوار شجرة التفاح ..

    وخلف ظهرها ينساب شعرها .. ويتطاير مع لمسة الريح ..

    كان الليل في حلكته ..

    والقمر بادياً وقد اقترب من كماله ..

    يشع كألف ألف مصباح ..

    في مهابة وعظم ..

    حتى لكأنه يغطى ربع الأفق ..

    اقترب بهدوء من مايا ..

    وضع يده على كتفها ..

    التفتت له ..

    كانت عيناها تقطر دمعاً ..

    ووجها قد احمر ..

    ابتسم لها ..

    فأسندت جنبها إلى الشجرة ..

    ثم نظرت في الأرض .. وقالت :

    لا شيء في هذه الدنيا يسعدني يا بشار ..

    أكثر من أن أتزوجك ..

    ولكني لا أقدر ..

    أحس بشار في قلبه بالهم ..

    قال :

    لماذا يا مايا ؟

    قالت وهي تسحب أنفاسها المتهدجة :

    بشار .. إنها أيام وأموت ..

    نظر لها في ألم وقال :

    ومن قال بأنك ستموتين يا حبيبيتي ؟

    قالت : بشار ..

    لم أكن أود أن أقول لك هذا ..

    ولكن ..

    ثم اختلط صوتها بالدموع ولم تستطع أن تكمل ..

    فقال لها :

    ولكن ماذا ؟

    صمتت للحظات ثم جمعت أنفاسها وقالت :

    لقد قابلني الدكتور ميان ..

    في نفس اليوم الذي أخبرتني عن الدواء الجديد .. بعدما ذهبت ..

    وقال لي .. بأن هذا العلاج ..

    ناقص .. عقار غير مكتمل ..

    لا ينفع في وقته الراهن في علاج الناس ..

    يحتاج على الأقل إلى ثلاث سنوات أخرى من الأبحاث ..


    بشار لم يصدق ما يسمع :

    ميان .. العقار غير مكتمل !

    ما الذي تقوله مايا ؟!

    أحس أن في عقله أفكاراً متضاربة ..

    فقال لها وهو يحاول أن يربط المواضيع ببعضها:

    إذن كيف قبلت بأن أعالجك ؟

    نظرت له وقالت بدموع :

    ألا تفهم ..

    إني أحبك ..

    ثم صارت تبكي ..

    وسقطت في أحضان بشار ..

    وأخذ جسدها يهتز وهي تشهق ..

    ووقف بشار مدهوشاً مذهولاً ..

    لا يعرف كيف يتصرف ..

    إلا أنه جمعها في صدره ..

    فصارت تقول .. بصوت متقطع من وسط البكاء:

    لا أستطيع أن أجعلك تفقد الثقة في نفسك ..

    كنت أحس الرغبة في عينيك في إنقاذي ..

    لم أستطع أن أمنعك ..

    حتى لو كان الثمن حياتي ..

    على الأقل سأموت في يد إنسان أحبه ..





    بشار لم يتحمل:

    لقد ضحت مايا بحياتها ..

    وجعلت نفسها دمية للتجارب ..

    من أجل غروري ..

    من أجل نزواتي ..

    صارت دموع من عينيه تمضي في طريقها ..

    وتصنع جدولاً .. انصب على رأس مايا ..

    رفعت مايا رأسها ورأت الدموع في عينيه ..

    فظهر على محياها الطيب الألم وهي تقول :

    أرجوك يا بشار لا تبكي ..

    أرجوك من أجلي ..

    ثم صارت تمسح دموعه من تحت جفنيه ..

    ولكن دموع بشار كانت تتساقط دونما صوت ..

    أحس أنه لا يستطيع أن يتكلم كلمة واحدة ..

    أحس في حلقه غصة كبيرة ..

    كلما مسحت مايا دمعة .. نزلت أخرى ..

    لم تعرف مايا ما تقول ..

    إلا أنها ألقت برأسها في حضنه ..

    أحس أنه لا يستطيع أن يقدم لها شيئاً ..

    وأنه سيكون السبب في موت أغلى إنسانة في حياته ..

    فلم يستطع إلا أن يزيد في احتضانها ..

    تمنى لو استطاع أن يحميها من العالم كله ..

    تمنى لو يكون السرطان به وليس بها ..

    تمنى أن يموت ألف مرة على أن تموت هي بين يديه ..







    وبعد لحظات ..

    هدأت مايا ..

    ثم نظرت في بشار ..

    وقالت : إني موافقة ..

    نظر بشار لها وكأنما لم يترجم صوتها في منطقة السمع لديه ..

    وقبل أن يدرك ما سمعه لتوه من مايا ..

    قالت هي :

    على ثلاثة شروط ؟

    توقف للحظة ..

    حتى أدرك ما سمعه ثم قال :

    ما هي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    قالت :

    الأول : أن تستمر في علاجي وحتى آخر قطرة من الدواء .. فأنا أثق بك أكثر من أي شخص آخر في هذه الدنيا ..

    فنظر لها وقد التصق حاجباه ببعضهما وقال :

    لكني أظـ ..

    قاطعته وقالت :

    الثاني : بعد أن أشفى .. أريد أن أزور مكة ..

    نظر لها وأحس بالدموع مرة أخرى تتجمع في عينيه ثم قال : والثالث ..

    قالت : ألا تذرف دمعة واحدة مهما كانت الأسباب ..

    حتى لو ....

    قاطعها هذه المرة بشار وهو يحتضنها بقوة قائلاً :

    لا تقوليها ..

    ونزل ما تجمع في عينيه من دموع ..

    أحست مايا أنه لم يقاوم دموعه .. ولكنها قالت :

    هذا أول شرط تنقضه ..

    فأبعدها بشار عن يديه وقال وهو يبتسم ماسحاً دموعه وسط عيون محمرة من ألم البكاء:

    أعدك .. وعد شرف ..

    لك ما تريدين ..

    ابتسمت فيه .. وشعت بريقاً ..







    عندما وصل بشار إلى هذه النقطة ..

    ازدادت ضربات قلب همسة ..

    ثم أحست أنها تسقط في بئر عميقة ..

    ثم قالت بصوت مكتوم أشبه ما يكون بالفحيح :

    وهل .. تزوجتها ؟

    نظر فيها وقال : ماذا تقولين ؟

    لم أسمعك .. كأنما صوتك .. صوت دراكولا ..

    تنحنحت همسة وكحت ..

    ثم قالت مظاهرة عدم الاهتمام ..

    وقلبها يكاد من شدة ضرباته ..

    أن يمزق بالطو المستشفى : هل تزوجتها ؟

    نظر لها وابتسم وقال :

    نعم

    فهوى قلب همسة في الأرض ..

    وأحست أنها يكاد يغمى عليها ..

    ولكن بشار تابع وكأنما لم ينتبه لتغير لون همسة الظاهر :

    كانت تلك الليلة .. واحدة من أرو..

    قاطعته همسة وهي تقول :

    لا تبدأ في الوصف ..

    ما الذي حدث بعد الزواج ؟

    صمت بشار وهو يتطلع فيها ثم قال :

    صدقيني إنك لم تسمعي عن الزواج الياباني ..

    إنه رائع ..

    لقد كان هناك تنين راقص ..

    وأشعلوا المشاعل ...

    قاطعته همسة بعصبية وهي تقول :

    أوووه ..

    قلت لك لا أحب ما يتعلق بهذه الأمور ..

    صمت بشار لبرهة .. وأحس في قلبه بألم لتجاهلها لأمر يعنيه كثيراً..

    فقال : حسناً ..

    ثم صمت قليلاً وهو يحس بحرقة قي الصدر ..

    انتبهت همسة لما فعلت..

    فقالت :

    آسفة .. لم أكن أقصد ..

    فقال بشار وهو يتنهد : لا عليك ..

    لم تعرف همسة كيف تتصرف ..

    فقالت محاولة أن تغير مجرى الحديث :

    أأحضر لك كوباً من الماء ؟

    فقال لها : أجل لو سمحتي ..

    خرجت همسة .. وقالت في نفسها :

    سحقاً .. كنت غبية ..

    وبينما هي تمشي حتى تصل إلى ذلك البراد الحديدي ..

    كانت تفكر في نفسها : إذن هو متزوج !

    أحست بخيبة أمل كبيرة ..

    وأحست بأنها بَنت بعض الأحلام والآمال في غير محلها ..

    لم تستطع أن تطيل في أفكارها كثيراً ..

    فقد كانت تدخل غرفة بشار ..

    وعندما شاهدها قال لها بابتسامة ساخرة :

    أنا لا أعلم ..

    لم لا تغيري النظارة؟

    كم مرة قلت لك أنها لا تليق بك ..

    تلك النظارة أم خمسة ريال ..

    ابتسمت همسة في نفسها :

    نعم .. لقد احتاج بشار إلى هذه الدقائق حتى يتعافى من إحساس جرحٍ في الصميم ..

    فقالت وكأنما صارت تجاريه في هذا الأمر :

    اشتري لي واحدة إذاً .. لا أملك المال الكافي ..

    ضحك بشار وقال : عجيب والله ..

    متى تعلمت الرد ؟

    فقالت : إنها بركاتك يا معلمي ..

    ابتسم بشار لوهلة .. وتطلع فيها ..

    ولثانيتين ..

    نظرت له همسة ..

    وصارت تبحر في عينيه ..

    صارت تسافر هنالك في البعيد ..

    أبعد من مجرتها ..

    ولكنها أشاحت في اللحظة الأخيرة ..

    وتظاهرت أنها تبحث عن قارورة العصير الذي كانت تشربه ثم قال وهي تغمض عينيها الزرقاوين وتفتحها :

    ماذا حدث في علاجها ؟

    توقفت نظرة بشار .. ثم بدأ يكمل حديثه :







    أصبحت مهمة بشار أكثر صعوبة ..

    وصار أكثر اهتماماً ..

    لم يكن لديه أي وقت لغير العمل ..

    العمل وفقط ..

    لأجل من يحب ..

    سيصنع الأعاجيب ..

    كان يقرأ في كتبه كثيراً ..

    بل نزل إلى طوكيو وأوساكا أكثر من مرة حتى يشتري بعض الكتب الباهظة الثمن للغاية ..

    وصار يقرأ كثيراً ..

    حتى أن مايا قالت له مرة :

    ألا تريد أن تجلس لتتكلم معي ؟

    مضى يوم كامل لم نتحادث فيه إلا وقت الغداء ..

    الذي تأكله أنت على عجل ..

    احتضنها بين يديه وقال : سامحيني يا حبيبيتي ..

    كل هذا والله من أجلك ..

    ابتسمت مايا وهي تقول :

    كم أتمنى أن أبقى في هذا الحضن إلى نهاية الدنيا ..

    قبل رأسها في حنان وقال :

    إن شاء الله ..

    نظرت فيه مايا وهي تبتسم وقال بلغة عربية ركيكة :

    ربنا يوفكااك ..

    ضحك بشار من قلبه ..

    فنظرت فيه بغضب طفولي وقال:

    لا تسخر مني ..

    فاستمر بشار في الضحك ..

    حتى صارت مايا تضحك بطيبة ..



    ومر شهرين ..

    ولكن حالة مايا بدأت تتدهور ..

    وأحس بشار بالقلق ..

    أحس أن هناك مشكلة ..

    ضاعف وقت عمله ..

    وصار لا ينام كثيراً ..





    وذات يوم رمى القلم على الأوراق وتنهد .. وقال :

    ما هذا الصداع ؟

    ثم زفر بقوة كأنما يريد أن يخرج الدنيا من عليه ..

    ثم خرج من الغرفة إلى الغرفة المجاورة ..

    كانت مايا تنام هناك ..

    وكانت أمها بجوارها ..

    وهي تضع الكمادات على رأسها ..

    وكانت مايا بعد الزواج قد مهدت لأهلها بمرضها .. بالتدريج ..
    حتى عرفوا أنها مصابة بالسرطان ..
    وأن بشار هنا لعلاجها منه ..

    كانت حرارتها مرتفعة ..

    فقال بشار : كيف حالها الآن ؟

    التفتت له الأم وقالت وهي تحس بالحزن :

    لم تتغير يا بني ..

    ثم قالت وهي تستعطفه : لم لا تنقلها إلى المستشفى ؟

    نظر لها بتردد ..

    أحس أنه من الواجب ألا يستمر في لعبة المكابرة هذه ..

    العقار يبدو أنه فاشل !

    أحس أنه يريد أن يمزق نفسه ..

    ولكنه سمع صوت مايا تقول في وهن :

    لا يا بشار ..

    لن يعالجني غيرك ..

    أنت وعدتني ..

    لا بد أن توفي بوعدك ..

    اقترب بشار منها ..

    وصار يربت على شعرها الناعم ..

    ويمرر يديه على جبينها المحموم ..

    وهو يقول : ولكن يا مايا العـ ..

    قاطعته وهي تكح .. ثم قالت : أنت وعدتني ..

    أرجوك .. لا تخلف في وعدك ..

    احتضن بشار يدها .. ثم قبلها وقال :

    لا عليك يا حبيبتي .. سأنقذك ..





    " الدكتور ميان لو سمحت "

    كان بشار يتحدث من كبينة تبعد عن منزل مايا نصف ساعة ..

    أخذ ينتظر وهو يطالع السيارات التي تمر في الطريق ..

    " ميان يتكلم "

    أحس بشار بالتوتر ولكنه قال :

    أنا بشار يا دكتور ..

    فقال ميان بصوت متهلل :

    بشار .. أين أنت ؟

    انتهت إجازتك ..

    ولكنك لم تأتي .. أين أنت ؟

    تجاهل بشار كلامه وقال :

    دكتور أنا بحاجتك جداً ..

    أرجوك ..

    صمت ميان قليلاً ثم قال :

    أخبرني ما الذي حصل ؟

    قال بشار : لا ينفع في التلفون .. أرجوك ..

    أتوسل إليك ..

    صمت ميان قليلاً ثم قال :

    أين أنت الآن ؟







    أخذ ميان يطالع في الميكروسكوب الذي وضعت فيه عينة من كبد مايا ..

    أطال النظر قليلاً ..

    ثم قال بعد أن تنهد :

    مثلما توقعت تماماً ..

    توقف الجين Gp53 عن العمل بعد أسبوع ..

    وعاد كل شيء إلى ما هو عليه ..

    كان بشار يقف خلفه ..

    في الغرفة الصغيرة التي كان بشار يعمل فيها ..

    ثم قال :

    كنت تعرف أن العقار غير مكتمل ..

    لم لم تقل لي ؟

    نظر فيه ميان وقال :

    بشار .. الحماسة اللي كانت لديك مذهلة ..

    لم أستطع أن أقتلها بأن أقول لك مثل هذه المعلومة ..

    لقد منعتك من تجربة الدواء على مايا ..

    وقلت بأني لن أساعدك ..

    ولكنك لم تكن تسمع ..

    حاولت أن أتحدث معك في صباح اليوم التالي ..

    ولكنك كنت قد ذهبت ..

    اتصلت بك كثيراً في شقتك ..

    ولكنك لم ترد ..

    العقار يحتاج إلى الكثير من العمل والتطوير ..

    بهذه الحالة ..

    للأسف لا يمكنه عمل الكثير ..



    بدأت قطرات العرق تنزل على وجه بشار ..

    وهو يشعر أن أطرافه قد تجمدت من هول ما سمع ..

    فقال له وهو يشعر بتوتر لا حدود له :

    والعمل؟

    نظر فيه ميان وهو يشرب آخر رشفة من كوب الشاي متهيئاً للخروج.. ثم قال :

    لا بد أن ننقل مايا فوراً إلى المستشفى ..





    خرج ميان ..

    وبشار في حالة لا يعلم بها إلا الله ..

    جلس حوالي ساعة كاملة ..

    وهو لا يكاد يسمع من الدنيا إلا صوت عقله .. الذي صار أعلى من كل الأصداء ..

    أصوات لنقاش شديد ..

    وأصوات تلومه بغلظة ..

    وأصوات أخرى تقتله ألماً ..

    وصوت مايا وهي تقول :

    ألا تفهم ..

    إني أحبك ..
    كلها كانت تتفجر في رأسه ..

    وفي النهاية ..

    استلقى بشار على بطنه ..

    ووضع رأسه بين يديه ..

    وازدادت أنفاسه صعوبة ..

    وبدأت حبات العرق من جديد تغمر وجهه ..

    وأحس برأسه أثقل من العادة ..

    ولم يدرك بنفسه إلا وقد نام من شدة الإعياء والتعب ..







    " بشار .. بشار .. قم .. الصلاة "

    فتح بشار عينيه ..

    وجد شخصاً قد اتشح بالسواد ..

    فقام فزعاً .. وارتمى بعيداً ..

    كشف صاحب الغطاء عن وجهه ..

    فظهرت مايا وقال بجزع :

    آسفة يا بشار .. لم أكن أقصد ..

    نظر لها بشار للحظات ثم قال :

    ماذا تفعلين ؟

    فقالت مايا وهي تبتسم في خجل :

    أليس هذا هو الحجاب الإسلامي ؟

    ثم لبست ما يشبه الطرحة

    نظر لها بشار في استغراب ..

    وتأمل لباسها ..

    كانت ثوباً يابانياً فضفاضاً أسود اللون ..

    وربطته من وسطها بحزام أبيض عريض من القماش ..

    وعلى وجهها قطعة قماش كبيرة سوداء.. غير مرتبة ..

    فقط لتغطي وجهها ..

    كما لو كان طرحة ..

    كانت محاولة فاشلة لعمل حجاب إسلامي بشروطه ..

    ابتسم بشار وقال :

    من قال لك بأنه بهذا الشكل؟

    قالت في حماس :

    لقد قرأته في الكتاب الذي جَلبته لي من السفارة السعودية ..

    فقال لها: إذا فقط وصلتي إلى فصل الحجاب ؟

    قالت في حماس : نعم ..

    تعلمت الكثير ..
    ثم راحت تعد على أصابعها :

    أحفظ أركان الإسلام كلها ..

    وأعرف أيضاً الزكاة ..

    وتعلمت أدعية رائعة ..

    كان بشار يتأمل فيها ..

    لأول مرة يجد شخصاً يستمتع مثل مايا في الدين ..

    لم يتعود أن يفعل إنسان ما هذا ..

    ربما لأنه هو وكل من يعرف من المسلمين ..

    قد تربوا على هذا الدين ..

    فلم يعرفوا أي معنى للظلام ..

    ولكن هذه الإنسانة ..

    عرفت كيف يسطع نور الحق في داخلها ..

    ابتسم لها من القلب ..

    قام وتوضأ ..

    ثم صلى بها الفجر ..







    وبعد أن انتهى من الصلاة ..

    قالت : الله .. ما أجمل صوتك وأنت تقرأ القرآن ..

    ابتسم بشار

    ثم قال لها بعد لحظة من الصمت :

    مايا .. لا بد أن تذهبي معي إلى المستشفى ..

    نظرت مايا فيه وقالت :

    لقد وعدتني ..

    قال لها: مايا .. هذا أمر هام ..

    يجب أن تُعالجي ..

    نظرت فيه بحب وقالت : أتحبني يا بشار لهذا الحد ؟

    نظر لها وأحس أنه يود أن يبكي ولكنه تماسك وقال :

    بل أكثر مما تتخيلي .. أحبك ..

    ابتسمت وقالت له :

    بقدر ما تحبني ..

    أنا أثق بك ..

    بشار ..

    لقد عشت معك أجمل لحظات عمري كلها ..

    معك عرفت معنى الحياة ..

    معك تعلمت الإسلام ..

    معك عرفت الحب الصادق الطاهر ..

    معك عرفت معنى الحياة ..

    إني راضية بما قسمه الله لي ..

    سوف أموت هنا أو هناك ..

    أرجوك .. دعني أمت بسلام ..

    ولا تجعلني أتعذب في علاج كيماوي ..

    قد أعاني فيه سنوات من الألم ..

    لأموت في النهاية ..

    أرجوك ..

    أتوسل إليك ..

    لا أريد أن يعالجني أحد غيرك ..

    فأنا لا أثق إلا بك ..

    بشار ..

    امتلأت عينيه بالدموع من جديد ..

    أحس أنه لا يستطيع أن يمسك نفسه ..

    سقطت دمعته كالبلورة ..

    ولكنه مسحها بسرعة ..

    شاهدته مايا ..

    قبلت يديه في حنان بالغ ..

    ثم قالت له : فلننم .. ففي الغد لديك الكثير من العمل ..

    أومأ برأسه إيجاباً ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

  10. #30
    متذوق وكاتب قصص وروايات بالسبلة العُمانية الصورة الرمزية القيصـــــر
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    الجنس
    ذكر
    المشاركات
    5,964
    Mentioned
    1 Post(s)
    Tagged
    0 Thread(s)
    بعد شهر من ذلك اليوم ..

    كانت حالة مايا قد تدهورت كثيراً ..

    وعلى ما يبدو أن الكبد قد توقف تماماً عن العمل ..

    ولمن لا يعرف ..

    فالكبد يقوم بأكثر من 100 وظيفة مختلفة في غاية الأهمية ..

    ومن أهمها أنه مصفاة للسموم في الجسم ..

    وصارت مايا في حالة سيئة للغاية ..

    حاول بشار مراراً أن ينقلها للمستشفى ..

    ولكنها لم توافق ..

    وفي هذه الفترة كان أبوها وأمها وحتى أخوها ساندو ملازمين لها ما استطاعوا ..

    على الرغم من أنهم كانوا أكثر تماسكاً من بشار ..

    الذي كان في حالة من الإرهاق النفسي والبدني ..







    إلى أن أتت تلك الليلة ..

    تلك الليلة التي لن ينساها بشار ما حيي في هذه الدنيا ..

    تلك الليلة ..

    التي ما فتئ بشار يستيقظ وينام إلا ويتذكرها بكل تفاصيلها ..

    كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً ..

    كان بشار بجوار مايا .. التي كانت هذه المرة في حالة خطرة للغاية ..

    كان الكل جوارها ..

    مشفق عليها ..

    وهي تنام وفيها الحمى .. تأرق مضجعها ..

    ولكنها قالت :

    أبي أمي .. ساندو .. أرجوكم .. اذهبوا وناموا ..

    في الغد لديكم عمل كثير ..

    فقال أونيزكا : لا يا مايا .. لا يهم العمل .. ألا ترين نفسك ؟

    فقالت مايا : بابا لا تقلق علي .. بشار موجود جواري ..

    فقال ساندو : لا .. سوف نبقى جوارك حتى تعودين لنا كما كنت ..

    فقالت مايا : ساندو عزيزي .. أرجوك .. خذ بابا وماما من هنا .. أرجوك ..

    فقالت ساندو : لا .. لن أتحرك ..

    قاطعته مايا وهي تقول بإلحاح:

    أرجوك ساندو ..


    احتقن وجه ساندو للحظات ..

    ثم خرج وهو غاضب ..

    وخرج والداها بعد ذلك ..

    وأمسكت أم مايا بيد بشار وقالت له والدموع في عينيها : لا تتركها يا بشار أرجوك ..

    فقال لها بشار وهو يربت على كتفها : لا تقلقي أبداً ..

    خرجا ..

    وبقيت مايا مع بشار ..

    مدت مايا يدها لبشار ..

    الذي أمسكها وقبلها ..

    ابتسمت مايا وقالت :

    بشار هل تحبني ؟

    ابتسم بشار وهو يحاول أن يخفي ألمه الشديد وقال :

    طبعاً أحبك .. أحبك .. والله أحبك ..

    تنهدت مايا وقالت مبتسمة : أتذكر أول يوم شاهدتني فيه ..

    ياااااااااااه .. كيف مضى هذا الوقت حتى الآن ..

    أتذكر يوم كنا في النهر ؟

    ثم صارت تضحك وتضحك ..

    ثم كحت ..

    فأمسك بشار برأسها وجلب لها من جوار الفراش كوباً من الماء ..

    شربته مايا ..

    وأخذ بشار يمسح قطرات العرق من على جبينها ..

    فقالت مايا : صدقني يا بشار ..

    أيامي معك كانت أحلى أيام يمكن أن تعيشها إنسانة في هذا الوجود ..

    بشار أنا والله أحبك ..

    احتقن وجه بشار ..

    فقالت مايا :

    بشار أرجوك اسمعني .. الله يرضى عليك ..

    هذه وصيتي .. ولا تقاطعني أرجوك ..

    اهتم بصلاتك .. فوالله ما أحببت فيك أكثر إلا وأنت تصلي ..

    صلي بخشوع ..

    بشار .. أريدك أن تنساني ..

    أريد أن تكون سعيداً ..

    أريد أن أكون هناك سعيدة ..

    لا أريد أن أقلق عليك ..

    أريدك أن تتزوج من بعدي ..

    وأن تنجب أطفالاً كثار ..

    أرجوك .. تلك هي وصيتي ..

    واعلم بأني لست نادمة على أي شيء فعلته معك أبداً ..

    ولا تلم نفسك أبداً ..

    بالله عليك لا تلم نفسك ..

    صدقني هكذا أموت وأنا سعيدة ..

    لقد مت بين يديك ..

    بعدما فعلت أنت كل شيء ممكن ..

    بعدما حاولت ما لا يمكن أن يقوم به أحد غيرك ..

    لقد رأيتك .. وأنت تقرأ وتبحث ..

    صدقني ..

    لا أتوقع أن يفعل أحد من اجلي مثلما أنت فعلت ..

    هذا الكلام أقوله لك لا لأخفف عليك .. ولكني أقوله لك صدقاً .. من قلبي ..

    بشار بدأت عيناه تدمع واحدة تلو الأخرى ..

    لم يستطع أن يتحمل ..

    فقالت مايا مبتسمة وهي تمسح دموعه :

    هل ستنقض اتفاقنا ؟

    ولكن بشار انفجر باكيا وهو يقول :

    والله لا أستطيع أن أتحمل يا مايا ..

    وسقط على صدرها وهو يبكي بحرقة ..

    وصارت مايا تحتضنه في وهن ..

    وهي تمسح على شعره .. وتقول له :

    لا عليك يا حبيبي .. ابكِ كما تشاء .. ابكِ ..

    فأنا حبيبتك ..
    ومرة دقائق وهو ينتفض .. وهي تربت على ظهره في حنان ..

    ثم أمسكت وجهه ..

    وطبعت على وجنته قبلة طويلة ..

    ثم قالت مبتسمة وهي تقول :

    هذه لك .. حتى لا تقول في يوم من الأيام ..

    أنك لم تحظ مني -رغم أنك زوجي- حتى بقبله ..

    ابتسم بشار رغماً عنه وسط الدموع ..

    وأمسك يدها وقبلها ..

    ابتسمت مايا ثم قالت :

    بشار ..

    فقال لها : يا قلب بشار ..

    فقالت : اقرأ لي من القرآن ..

    أحب أن أستمع إلى صوتك وأنت تقرأ ..

    فقال لها : حسناً ..

    فجلب القرآن ..

    ثم اختار سورة فيها المعجزات والرحمات
    .. فتح على سورة مريم ..
    وجلس يتلو ..
    للاستماع
    ( كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا *
    إذ نادى ربه نداء خفيا *
    قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا *
    وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا *
    يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا *
    يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا *
    قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا *
    قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا *
    قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا *
    فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا *
    يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا *
    وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا *
    وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا *
    وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )





    وصل بشار إلى منتصف السورة وهو يقرأ ..

    كانت مايا قد راحت في النوم ..

    تأكد بشار أنها لم يصبها مكروه ..

    كان نبضها ضعيفاً ..

    ولكنه كان موجوداً ..

    نظر في وجهها المصفر ..

    قبلها بكل الحب في رأسها ..

    ثم وضع رأسه على جوارها في المخدة ..

    وراح في نوم ..






    استيقظ بشار في صباح ذلك اليوم على وقت صلاة الفجر..

    قام بتثاقل ..

    رأى مايا كما لو كانت ملاكاً ..

    ابتسم ..

    قال في نفسه سأصلي .. وبعدها أعود لها بماء حتى تتوضأ لتصلي في فراشها ..

    صلى الفجر .. وهو يدعو الله من قلبه أن يشفي مايا ..

    انتهى من صلاته وجلب لها دلواً من الماء ..

    وأخذ يهزها وهو يقول :

    مايا حبيبيتي ..

    استيقظي لتصلي الصبح ..

    مايا ..


    ولكن مايا ..

    لم تتحرك ..

    أخذ يهزها بعنف ..

    وهو يستحثها على النهوض ..

    مايا .. مايا ..

    استيقظي ..

    ولكن مايا لم ترد ..

    صار يصرخ ..

    مايا .. مايا ..

    وما هي إلا ثواني ..

    إلا وأهل مايا كلهم موجودين ..

    وبشار يمسك بها ويهزها بقوة .. وهو يقول صارخاً :

    مايا .. مايا ..

    أمسك ساندو ببشار ..

    واقترب الأب من مايا..

    تحسس نبضها ..

    ثم أغمض عينيه ..

    ونزلت منه دمعة

    لقد أسلمت مايا الروح وفارقت حياة الدنيا ..

    ولما شاهد بشار أونيزكا ..

    هب إليه متملصاً من يد ساندو ..

    وأمسكه من تلابيبه وصرخ فيه : مايا لم تمت .. هل تسمع ..
    مايا لم تمت ..

    ثم ألقاه بعيداً ..

    وتوجه لمايا وهو يقول بصوت خفيض :

    مايا .. حبيبتي ..

    انهضي ..

    إنها صلاة الصبح ..

    مايا .. هيا قومي لتصلي ..

    أمسك يدها التي كانت باردة كالثلج ..

    تركها فسقطت يدها ..

    سقط بشار عليها ..

    وصار يبكي .. ويبكي بكاءً مريراً ..

    كانت أم مايا تبكي في مكانها ..

    وهي لم تستوعب الصدمة ..

    لم يجد أونيزكا بداً من التصرف ..

    أمسك بشار بقوة ..

    ثم صفعه وقال :

    بشار لقد ماتت مايا ..

    لا يمكننا أن نعمل شيئاً ..

    وقف بشار متجمداً في محله ..

    وكأنما صواعق الأرض كلها نزلت بين عينيه ..

    ثم سقط على الأرض ..

    انهار دفعة واحدة ..

    انهارت جميع خلايا جسده ..

    وأصبح غير واعي ..

    حمله أونيزكا وساندو إلى غرفته ..

    سكبا عليه بعض الماء البارد ..

    أفاق للحظات ..

    أبدى تحسنا ..

    وإن كان ساهماً واجماً ..

    وكأنما الدنيا كلها لا تعنيه ..

    وكأنما لا شيء في هذه الدنيا يفرق ..

    ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ..

    وصار يبكي كالأطفال ..

    تركه الرجلان .. وذهبا إلى أم مايا ..

    وظل بشار يبكي بكاءً ملتهباً ..

    حتى أغمي عليه من شدة الإرهاق ..





    كانت همسة تجلس أمام بشار ..

    ودموعها تنزل في صمت ..

    أحست بغصة في حلقها ..

    أما بشار .. فقد أجهش بالبكاء ..

    وقد جلس محتبياً ..

    ووضع رأسه بين ركبتيه وجلس يبكي ..

    أمسكت همسة منديلاً .. ومسحت به أنفها ..

    ثم أخذت واحداً آخر ..

    واقتربت من بشار ..

    وقالت وهي تربت على كتفه :

    ادعي لها بالرحمة ..

    ذلك ما تستطيع أن تفعله الآن ..

    نظر لها بشار بمحمر المدامع ..

    تجاهل المنديل ..

    أغلق عينيه .. فنزلت دمعة ساخنة .. حرقت خده .. وشقته بقسوة ..

    أحست أنها تريد أن ................

    نعم .. أحست أنها تريد أن تحتضنه ..

    ولكنها لم تستطع ..

    أحست أنها تريد أن تحتوي هذا الإنسان ..

    أي هم حمل في قلبه حتى الآن ..

    أي حادثة يموت فيها من نحب بين أيدينا ..

    أي قلب هذا الذي احتمل ..

    أن تموت الزوجة والحبيبة بين يديه ..

    ولكن بشار قال وهو يمسح أنفه بطرف الكم : هل تجلبين لي كوباً آخر من الماء ..

    ثم نظر لها وقال : لو سمحتي ..

    نظرت همسة فيه للحظات ..

    ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب في هدوء ..

    وذهبت إلى الكافتيريا ..

    حتى تمنحه فرصة مناسبة ليتمالك نفسه ..

    على الرغم من أنها كانت ودت لو بقيت ..

    كانت تحس بفراغ هائل في نفسها ..

    فالبنت التي كانت تغار منها قد توفيت ..

    وبقي بشار ..

    محطم القلب ..

    مدمر الفؤاد ..

    يعاني من آلام لا تبقي ولا تذر ..

    شعرت أنها تمشي وحدها في صالات المستشفى ..

    رفعت جوالها ..

    10 missed call

    كانت كلها من جوال والدتها ..

    اتصلت عليها ..

    “where have you been?”

    فردت همسة وهي تخفي صوت الدموع : عندي عمل يا ماما .. لن أتأخر ..

    سوف آتي بعد قليل ..

    وأغلقت الهاتف ..

    لقد قررت ..

    ستوقف بشار هنا ..

    لن تدعه يكمل فتح نزيف جراحاته أكثر ..

    يكفي ما وصل له إلى الآن ..

    سوف تضع الماء وتذهب إلى منزلها ..

    إنها لا تتحمل هذا القدر من المشاعر ..





    وصلت همسة إلى الغرفة ..

    طرقت الباب ثم دخلت ..

    كان بشار يجلس على سريره مبتسماً بتكابر وعيناه وأذناه قد احمرتا ..

    ابتسمت همسة مجاملة له ..

    وضعت قارورة الماء أمامه ..

    ثم قالت : امممم

    سوف أذهب إلى المنزل ..

    لقد تأخرت ..

    نظر لها بشار : ألا تريدي أن أكمل لك القصة ؟

    لم يبق الكثير عليها ..

    فقالت همسة : إنك متعب .. لا بد أن أتركك لترتاح ..

    قال بشار مقنعاً إياها بأسلوب عقلاني:

    على الأقل أنت تؤنسيني ..

    لو ذهبت فسوف أبقى وحدي ..

    والمستشفى كما تعلمين ملل ..

    فقالت وكلامه يدور في رأسها :

    لا .. أتوقع أنك سترتاح أكثر لو تركتك وحدك ..

    فقال بطريقة عناد :

    لا بل سأكمل القصة يعني سأكملها ..

    حتى لو ذهبت ..

    سأدعو الممرضة حتى تسمعها ..

    ما رأيك ؟
    كان بشار يكابر بوضوح ..

    ابتسمت همسة ..

    فقال بشار : لم يبق الكثير ..

    وبصراحة .. لا أريد أن أسرد القصة مرة أخرى ..

    فلقد فتحت الماضي بكل حروقه ..

    حتى كأن مايا قد توفيت البارحة ..

    عض على شفتيه ..

    وتمتم ببعض الكلمات ..

    لمحت همسة منها : اللهم ارحمها يا رب ..






    قال بشار :

    وحتى لا تملي مني ..

    سأذكر لك ما حدث دونما تفصيل ..

    فبعد ما حصل ..

    وصلت الأخبار إلى مستشفى نينواه ..

    وبالطبع أبلغت وزارة الصحة اليابانية ..

    التي قامت بفصلي من نقابة الأطباء نهائياً ..
    مع غرامة مالية .. استدنت الكثير لأدفعها ..
    ولولا أن أهل مايا تنازلو عن حقهم .. لكنت الآن في أحد سجون اليابان أمضي ما تبقى من حياتي ..

    ولكني لم أكن أكترث بكل هذه الأمور ..

    كنت أراها غير مهمة فحسب..

    قالت همسة بعد برهة من الصمت بتساؤل :

    كيف تقول بأن لم تحظ من مايا إلا بقبلة واحدة على خدك .. ألم تتزوجها؟

    قال بشار : ولكنها لم ترضى أن أقترب منها ..

    قالت لي : عندما أستعيد صحتي ..



    صمت بشار قليلاً وقال : لا بد أنك تسألي كيف أصبت بالسرطان ؟

    وسأقول لك : لم يكن حادثاً عرضياً ..

    لقد ..
    لقد .. زرعت بعض خلايا مايا السرطانية في جسدي ..

    نظرت فيه همسة وصرخت : مجنوووووووووون !

    لم يهتم بشار كثيراً لما قالت همسة ولكنه تابع :

    كنت في حالة من الهذيان ..

    مرت بي أفكار كثيرة ..

    وقلت في نفسي ..

    إن لم أستطع أن أعالج نفسي ..

    ومت ..

    بذلك أتأكد أنني فعلت كل ما أستطيع من أجل مايا ..

    كنت لازلت في مرحلة ألوم فيها نفسي ..

    نظرت هي فيه وهو يرمقها في ألم ..

    ثم تنهد وقال : هذه هي الحكاية كلها ..

    قالت همسة :

    أأنت مجنون لتفعل الذي فعلت ؟

    أتدرك أنك قد انتحرت ..
    كيف تزرع في نفسك خلايا سرطانية ؟!
    ألا تعلم أنها السبب في حالتك الصحية الآن ..
    هذا وأنت طبيب ..

    قال لها صارخاً : همسة .. اشعري بإنسان ضاعت منه أغلى إنسانة في حياته ..
    بل أغلى شيء في الدنيا كلها ..

    فكري بمنطق رجل أحب حتى النخاع مثلي ..

    ولا تفكري وأنت تقفين تمثالاً من الزجاج البارد وكأنما لا تحسين بقطرة من بحر جحيمي ..

    إني حتى لم استطع أن أنفذ وعودي لها ..
    ثم هامت نظرته في السرير بين قدميه ..

    المسكينة كانت تريد أن ترى مكة ..

    كانت تريديني ألا أبكي ..

    وها أنا مثل النساء أنتحب كل مرة أتذكرها ..


    صمتت همسة أمام صراخ بشار ..

    الذي هدأ بعد لحظات وقال :

    ولكن كلامك صحيح ..

    ولكني لم أكن في حالة من الوعي ..

    كنت أعمى البصيرة ..



    صمت للحظات ..

    غطى نفسه بالفراش ..

    وقال لها : أريد أن أنام ..

    أرجوك أغلقي الباب .. واذهبي ..



    هذه المرة .. لم تحس همسة بأي شيء ..

    أحست أنها تريد أن تتركه ..

    أحست أنه لا قبل لها بمواجهة مثل هذه الأحاسيس كلها ..
    لابد أنه يحتاج للراحة ..
    لقد استنفذ كل قدرته على إخفاء الألم ..

    وأطفأت الأنوار ..

    ثم خرجت من الغرفة بهدوء ..

    كانت همسة في السيارة ..

    حين جلست صامتة لبضع ثواني ..

    ثم بدأت عيناها تذرف الدموع ..

    ثم صارت تبكي بصوت خافت ..

    وصلت إلى المنزل ..

    لم تكن في حالة تسمح لها بأن تقابل أحداً ..

    حمدت الله أن أحداً لم يكن موجوداً في الصالة ..

    صعدت إلى غرفتها بتثاقل شديد ..

    دخلتها ..

    كانت مضاءة ..

    ولكن ..كأنما الأنوار لا تريد أن تبدد الكآبة التي غلفت محياها ..

    جلست فوق سريرها ..

    ثم صارت تبكي وهي تقول :

    لماذا أحببت يا ربي ؟
    وصارت تضع رأسها بين يديها ..
    وشعرها يتناثر بلا نظام ..

    كانت لأول مرة تعترف أنها تحبه ..

    نعم إنها تحبه ..

    حتى عندما قال لها بأنه تزوج مايا ..

    غارت بقوة ..

    بل إنها لا تزال حانقة ..

    وهي تقول في نفسها :

    ما كان له أن يتزوج ..

    كانت تريد أن تسب مايا وتشتمها ..

    ولكنها توقفت في اللحظة الأخيرة ..






    نظرت في الدب الصغير ..

    تأملته قليلاً ..

    ثم أقفلت الأنوار ..

    وأخذته في حضنها ..

    وأضمرت في نفسها شيئاً ..


    أغمضت عينيها ..

    ثم نامت ..
    .
    .
    .

    يُتبع ،،
    هَمَيَ ذبَحَنَيَ وًّأنَتَ مَاَ تَرَحَمَ اَلَحَاَلَ

    أقَوًّلَكَ مَهَمَوًّمَ تَقَوًّلَ اَلَلَهَ يَعَيَنَك ،،

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة للسبلة العمانية 2020
  • أستضافة وتصميم الشروق للأستضافة ش.م.م