+ تابع ديلمون :
× الناجي من الطوفان يحيا في أرض الخلود :
هذه النظرة إلى ديلمون باعتبارها الجنة أو الفردوس الأرضي جعلت سكان بلاد الرافدين القدماء يعدونها أيضاً "أرض الخلود"، ولذا كان من الطبيعي أن تجعلها الآلهة المكان الذي يقيم فيه الرجل الذي نجا من الطوفان بعد أن منحته الآلهة حق الخلود.
ولدينا نصان لأسطورة الطوفان أحدهما سومري وهو الأقدم بالطبع، والثاني بابلي آشوري مأخوذ عنه مع تغيير أسماء الأبطال والآلهة، والمعروف أنّ الحضارة البابلية الىشورية ورثت الكثير من ثقافة السومريين في اللغة والكتابة والأساطير والأدب والدين... إلخ.
وفي أسطورة الطوفان السومرية نقرأ:
تجمعت كل العواصف البالغة القوة وهاجمت كعاصفة واحدة...
وفي وقت واحد غطّى الفيضان مراكز العبادات
ولمدة سبعة أيام وسبع ليال
ظلّ الطوفان يجتاح كلّ الأرض
وأخذ القارب الكبير تتقاذفه العواصف فوق الأمواج العظيمة
وانبلج أوتو (إله الشمس) وألقى ضوءه على السماء والأرض
وفتح زيوسودرا نافذة القارب العظيم
ونثر البطل أوتو أشعته داخل السفينة الكبيرة
وتقدم زيوسودرا الملك
وركع أمام أوتو
وذبح ثوراً وغنماً
وبعد انقطاع في اللوح المسماري الذي يحوي الاسطورة يمضي النص فيصف مصير زيزسزدرا قائلاً:
تقدّم زيوسودرا الملك
فركع أمام آنو وانليل
وبارك آنو وانليل زيوسودرا
وأعطياه حياة تشبه حياة الآلهة
وهباه أنفاساً خادة كأنفاس إله
وعندئذ، زيوسودرا الملك
الذي حفظ اسماء النباتات وبذرة البشرية
جعلته الآلهة يعيش
في أرض ديلمون
أرض العبور
المكان الذي تشرق منه الشمس.
ففي هذا النص السومري من اسطورة الطوفان تذكر الأسطورة صراحة أرض ديلمون كمكان يعيش فيه زيوسودرا ملك سيبار الناجي من الطوفان، إذ لما كان زيوسودرا قد منح حياة خالدة جزاء لأنّه "حفظ أسماء النباتات وبذرة البشرية" لذا كان من الطبيعي أن يحيا في أرض الخلود لأنّ الفكرة المسبقة لدى السومريين عن ديلمون أنّها الجنة.
ولكن النص البابلي من أسطورة الطوفان، وهو الأحدث عهداً من النص السومري، لا يذكر ديلمون بالاسم كمكان يعيش فيه الناجي من الطوفان وهو أوتنابيشتيم الذي يعادل زيوسودرا في الاسطورة السومرية. ومن غير الواضح ما إذا كان عدم ذكر ديلمون في هذا المقام يعود إلى انقطاع في النص - إذ ان اللوح غير واضح بالفعل في هذا المكان- أو لأنّ البابليين لم يكونوا ينظرون إلى ديلمون كأرض جنة وخلود كما كان يفعل أسلافهم السومريون، خاصة أنّ هؤلاء -أي السومريين- كانوا ينفردون بأسطورة انكي ونينخورساك التي لا مقابل لها في الميثيولوجيا البابلية.
ومع ذلك فإنّ النص البابلي أيضاً يشير اشارات قوية إلى امكان أن تكون ديلمون هي المكان الذي التقى فيه جلجاميش مع أوتنابيشتيم الناجي من الطوفان، إذ في نهاية القصة عندما تعلن الآلهة رضاها عن أوتنابيشتيم وزوجته يباركهما كبير الآلهة انليل ويمنحهما الخلود كآلهة، ويجعلهما يعيشان "هناك بعيداً عند فم الأنهار" وإذا لاحظنا أنّ ديلمون تقع على الامتداد البحري لفم نهري دجلة والفرات (وغيرهما من أنهار الهضبة العيلامية) أمكننا المطابقة بين مكاني اقامة بطل الطوفان في الأسطورتين.
ولما كان النص البابلي هو الأوفى من حيث تفصيلات القصة فلا بدّ من استعراضه بشيء من الاسهاب في مقام البحث عن مركز ديلمون في الأساطير المسمارية.