(تكملة) فصل في حكم الصيام
3⃣1⃣﴿ ﷽ ﴾
"قال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَنْ أرادَ الله بهِ خَيرًا فقهَهُ في الدِّينِ"
4⃣ أنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحمَةِ والعَطْفِ عَلَى المحتَاجِينَ، فَإِنَّ الصَّائمَ إذَا ذَاقَ ألَمَ الجُوعِ في بَعْضِ الأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ مَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ في جمِيعِ الأَوْقَاتِ، فتَدُبُّ في نَفْسِهِ مَشَاعِرُ الرِّقَّةِ والرَّحمَةِ والإِحْسَانِ تجَاهَ المحتَاجِينَ والمحرُومِينَ، فيَبْسُطُ يَدَهُ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ، فينَالُ بِذَلكَ مَا عنْدَ اللهِ تَعَالى مِنْ حُسْنِ الجَزَاءِ عَلَى حُسْنِ العَمَلِ، يَقُولُ صَاحِبُ القَوَاعِدِ: "وفَرَضَ سُبْحَانَهُ الصَّوْمَ عَلَى ذَوِي الفَاقَةِ والأَغْنِيَاءِ لِكَسْرِ شَهْوَةِ النَّفْسِ الَّتي هِيَ دَابَّةُ الشَّيطَانِ، ولِيَعْرِفُوا إذَا صَامُوا رَمَضَانَ مَا يُقَاسِيهِ ذَوُو الفَاقَةِ مِنْ شِدَّةِ المجَاعَةِ طُولَ الزَّمَانِ"..فالقَلْبُ في شِبَعٍ والبَطْنُ خمْصَانُ.
5⃣ أنَّ الصِّيَامَ يُعلِّمُ الأمَّةَ أفرادًا وجماعاتٍ النِّظامَ والالْتِزَامَ والحَزْمَ والجِدِّيَّةَ -كَمَا لا يخْفَى عَلَى عَارِفٍ بأَحْكَامِ الصِّيَامِ-.
6⃣ أنَّ للصِّيَامِ فَوَائِدَ صِحِّيَّةً وبَدَنِيَّةً، وَقَدْ أَخْبرَنَا بِذَلِكَ الصَّادِقُ المصْدُوقُ قَبْلَ أَكْثرَ مِنْ أَرْبعَةَ عَشَرَ قَرْنًا بِقَولِهِ: "...وَصُومُوا تَصِحُّوا"، ولِذَا فقَدْ أَوْصَى بِهِ الأطِبَّاءُ المُحْدَثُونَ لعِلاجِ الكَثِيرِ مِنَ الأَمْرَاضِ الجِسْمِيَّةِ..
ومِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ الصِّحيَّةِ أَنَّهُ يُذِيبُ الشُّحُومَ الزَّائِدَةَ بِالجِسْمِ، ويُطَهِّرُ المعِدَةَ مِنَ الرَّوَاسِبِ، ويُرِيحُ الجِهَازَ الهَضْمِيَّ، وهَذَا مِنْ إِعْجَازِ السُّنَّةِ وأَعْلامِ النُّبُوَّةِ الصَّادِقَةِ.
وبالجُمْلةِ فَإِنَّ للصَّومِ حِكَمًا كَثِيرةً أَكْثَرَ مما بَانَ لنَا وَظَهَرَ، لا يحِيطُ بعِلْمِهَا إلا رَبُّ العِبَادِ، أمَّا أَنْتَ فـَ{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هو}، وحَسْبُكَ مِنَ القِلادَةِ مَا أحَاطَ بالعُنُقِ، أمَّا مَنْ لم يَنْتَفِعْ بقَلِيْلِ الحِكْمَةِ ضَرَّهُ كَثِيرُها، واللهُ أَعْلَمُ وأَحْكَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب المعتمد
في فقه الصيام




رد مع اقتباس