يمكن تقسيم انتفاضة 14 فبراير / شباط 2011 في البحرين إلى أربعة فصول رئيسية هي:
- مظاهرات حاشدة ومفاوضات فاشلة
- حملة دموية من قبل الحكومة
- محاولة صورية للمصالحة والحوار
- جمود سياسي ولد من رحم الاقتتال الملكي الداخلي والاستقطاب الطائفي.
يمكن القول بأن هذا الجمود قد انتهى مع قرار الحكومة بسحب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم، أبرز رجل دين شيعي في المملكة والملهم الروحي لجمعية "الوفاق" البحرينية المعارضة.
وتعد هذه الخطوة بمثابة الضربة القاضية في إطار سلسلة من حملات القمع التي تشنها الحكومة ضد المعارضة في الآونة الأخيرة.
وشملت هذه الإجراءات إعادة اعتقال المعارض الصريح للحكومة نبيل رجب، وفرض حظر السفر على النشطاء الذين يعتزمون حضور جلسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال الشهر الجاري في جنيف.
الشيخ عيسى قاسم يعد الزعيم الروحي للمعارضة البحرينية
وشددت الحكومة عقوبة السجن بحق الأمين العام لجمعية الوفاق منذ فترة طويلة الشيخ علي سلمان لمدة تسع سنوات، وسنت قانونا جديدا يمنع الزعماء الدينيين من عضوية الجمعيات السياسية، وقررت وقف أنشطة جمعية الوفاق.
يبدو، في ظاهر الأمر، أن مثل هذه القرارات تشير إلى نظام أكثر جرأة وعلى استعداد في نهاية المطاف للتخلص من التظاهر بأنه يقوم بإصلاحات جدية – نظام واثق في قدرته على التعامل مع التداعيات المحلية والدولية الحتمية لمضاعفة القمع السياسي الذي يمارسه.
وعلى الصعيد الدبلوماسي على الأقل، فإن مثل هذا الاستنتاج صحيح بلا أدنى شك. فمنذ مقاطعة جمعية الوفاق للانتخابات البرلمانية عام 2014 احتجاجا على عدم وجود تنازلات مجدية من قبل الدولة، نأى جميع محاوري الجمعية في السفارات الأمريكية والبريطانية بأنفسهم عن الجمعية.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية، على وجه الخصوص، وبكل وضوح إنه كان يتعين على المعارضة أن تدرك أنها ستواجه مصاعب بسبب رفضها المشاركة في الإطار السياسي القائم، بالرغم من أنه معيب، والآن يجب عليها أن تتعامل مع هذه المصاعب.
ملصقات مؤيدة للشيخ على سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق، الذي حكم عليه بالسجن تسع سنوات
وفي نفس الوقت تقريبا، على المستوى الإقليمي، كان الصعود غير المتوقع لما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها وجدوا أنفسهم في حاجة مباشرة للبحرين وغيرها من دول الخليج العربي، بدلا من الاحتياج العكسي المعتاد.
وفي مقابل مساعدتهم الدبلوماسية والعسكرية (المحدودة)، طالب قادة دول الخليج بحرية أكبر في إدارة السياسة الداخلية. وفي حالة البحرين، صمتت الانتقادات والتدخلات الغربية بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين.
السير على منوال الاستراتيجية السعودية؟
لكن الشيء الأقل وضوحا، مع ذلك، هو ما إذا كانت الإجراءات الأخيرة في البحرين ضد المعارضة تعد دليلا على قوة داخلية، أو رؤية لضعف داخلي.
ثمة ثلاثة عوامل على الأقل توضح ذلك. والجدير بالذكر أن اثنين من الثلاثة عوامل ترتبط بالاقتصاد أكثر من السياسة.
العامل الأول هو المجتمع السني في البحرين، الذي قدم دعما حيويا للأسرة الحاكمة في عام 2011 من خلال تنظيم مسيرات مضادة ساعدت في الحد من زخم الانتفاضة.
الاضطرابات تجتاح البحرين منذ الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية التي قُمعت في 2011
ولكن بدلا من الاختفاء مع نهاية المظاهرات الحاشدة، تحول كثير من هذه التحالفات السنية الشعبية إلى حركات سياسية في حد ذاتها، تطالب الدولة، في كثير من الأحيان بصورة علنية بزيادة الأجور وتعامل الأمن بشكل أقوى مع الاحتجاجات.
وخشية أن تؤدي هذه الجماعات إلى ظاهرة جديدة من المعارضة السنية، أعادت الدولة رسم حدود الدوائر الانتخابية قبل انتخابات عام 2014 بطريقة تُحجم مرشحي هذه الجماعات الذين فشلوا في الفوز بمقعد واحد.
هذه المكائد الانتخابية، جنبا إلى جنب مع تنحية الحكومة للقيادات الدينية عن السياسة، يجعل من الواضح أن الحملة التي تشنها الدولة لا تستهدف الشيعة فحسب، لكنها تستهدف السنة الناشطين سياسيا أيضا.
وهذا لا يبشر بالخير لأكبر وأعرق اثنتين من الجمعيات السياسية في البلاد بعد جمعية الوفاق، واللتين تمثلان السلفيين وأتباع جماعة الإخوان المسلمين على التوالي. وبالنسبة للسنة العاديين، ينظر إلى هذا الشك على أنه رد سيء على ولائهم للدولة ساعة الحاجة.
أزمة أسعار النفط
تدني أسعار النفط ألحق ضررا شديدا بمستوى المعيشة
والعامل الثاني الذي يمكن أن يساعد في تفسير توقيت هذه الحملة من قبل الحكومة في البحرين هو الأزمة المالية التي تواجه الدولة في الوقت الحاضر نتيجة انخفاض أسعار النفط.
وكان يتعين على البحرينيين، الذين يعتبرون فقراء بمعايير الخليج، خلال الأشهر الستة الماضية وحدها تحمل سلسلة من تدابير خفض التكاليف التي شهدت زيادات كبيرة بين عشية وضحاها في أسعار المواد الغذائية والمياه والكهرباء ووقود السيارات.
ووعدت الدولة بمزيد من التضييق المالي في شكل ضريبة القيمة المضافة على نطاق دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية، وحتى إحداث تغييرات في الاستحقاقات التقاعدية.
ولي العهد الأمير البحريني، سلمان بن حمد، هُمّش بعدما حاول الحوار مع الوفاق
وفي المملكة العربية السعودية، فإن الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي أعلن عنها على نحو مماثل في يناير /كانون الثاني سبقها الإعدام المفاجئ لرجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر، وهو ما رآه معظم المراقبين محاولة واضحة لاسترضاء أنصار النظام من السنة. فهل تسير البحرين على نفس درب المملكة العربية السعودية؟
وأخيرا، من الممكن أن تكون الخطوات البحرينية نحو الضغط السلطوي تعكس صراعا على النفوذ داخل عائلة خليفة الحاكمة التي تعاني من التفكك.