قصتنا الثالثة من أشكال وألوان عن الزوج أبي عامر:
أبو عامر متزوج من امرأة تكاد تمتلك مواصفات الزوجة الكاملة.. طول وشكل ودين وأخلاق.. لكنه مع ذلك لا يمتلك القناعة الكافية بزوجته..
وكلما اجتمع أبو عامر بمن تفوق زوجته في الجمال، انقلبت عليه عيشته، وتملّكه النكد ووجع الرأس..
لا يفتأ أبو عامر يترنم صباح مساء بالزواج من أخرى.. ولا يتحرّج من أن يذكر هذا أمام زوجته، فيكسر خاطرها ويقلق بالها..
كانت أم عامر زوجة عاقلة وفهيمة عرفت من أين تؤكل الكتف.. كانت تتظاهر باللامبالاة على الرغم من انزعاجها من تهديداته المتلاحقة بالزواج من أخرى..
وعندما كان أبو عامر يعود من عمله يجدها متزينة متعطرة، تمطره بعبارات الحب والشوق والهيام..
تدرك أم عامر بأنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.. ولذلك كانت تلجأ إلى ربها ضارعة، تناشده وتناجيه وتبثه همومها وشكواها:
اللهم اختر لي الخير في ديني و دنياني وآخرتي، ورضني بما قسمته لي من خير يا الله .. اللهم استودعتك زوجي يا من لا تضيع عنده الودائع، فوفّق بيني وبينه يا الله..
في الواقع.. لم يكن أبو عامر يعرف ما يريد.. وعندما كان يعزم على الزواج من زوجة ثانية يقع فريسة صراع رهيب ينشب بينه وبين نفسه..
يقول: أريد الزواج من فلانه لأنها أجمل من زوجتي.. فتقول له نفسه: ولكن زوجتك جميلة، والجمال أمر نسبيّ، وليس هناك جمال مطلق، فما من جميلة إلا وهناك أجمل منها..
لا ينسى أبو عامر حكمة قرأها مرة في أحد الكتب تقول: المرأة الجميلة دمية، والمرأة المتعلمة فاكهة، أما المرأة الفاضلة فهي غذاء القلب والروح..
ظلت فكرة الزواج بأخرى تراود أبا عامر ما بين مدّ وجزر، إلى أن استطاعت أم عامر استلالها بأخلاقها وصبرها وحسن معاملتها..
• * *
ننتقل إلى بيت أبي مسعود الذي ابتلاه بمرض أصاب زوجته أم مسعود فأقعدها في سريرها منذ عشر سنوات.. وطوال تلك السنوات كان أبو مسعود ابن عالم وناس.. فقد كان يخدمها ويؤانسها دون أن يتأفف أو يتذمر..
و لكن.. بعد عشر سنوات.. قرر أن يتزوج زوجة ثانية دون أن يتخلّى عن حرمه المصون أم مسعود، التي يجمعه بها حبّ وذكريات وأولاد، فهو حسب رأيه يحتاج إلى من يرعاه عندما يتقدم به الزمان..
أما أم مسعود الزوجة المريضة فكانت دائماً تحث زوجها على الزواج، وتقول لمن يلومها: أنا أحب زوجي، ولا ينبغي لي أن أكون أنانية أفكر في نفسي فقط، فالمحبة الحقيقية هي أن تعطي كما تأخذ.. من حقّه أن يجد بجانبه من يرعاه عندما يشيخ.. وفقه الله لما يحبه ويرضاه..
هذه صورنا أشكال وألوان.. ومن المؤكد أن لدى الكثير من قرّائي صوراً أخرى، أشكال وألوان..