[ وأنا معه، فارتعشت الروح]
ليسجل التاريخ ذلك المساء المختلف، كعلامة فارقة في سجلات عمري.
كنت هائمة على وجهي في ردهات الحياة بين مسارب التفكير.
وبين الفينة والأخرى أطلق زفرات مصحوبة بتسابيح ثم أعود لما كنت فيه دون أن يتغير في شيء سوى حركة الشفتين واللسان، كانت هذه نظرتي للذكر {مجرد تمتمات تلقائية أستجلب بها عددا من الحسنات وأسكت وخزات ضميري بعد طول غفلة}!
حتى وقع بصري على الحديث الذي زلزل كياني، واهتزت له مشاعري وأعاد بناء تصوري للذكر.
في الحديث القدسي من صحيح البخاري:*
يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم …”
لبثت دقائق أحدق به مشدوهة، لم أستطع استيعابه، قرأته مرة أخرى وثالثة!
- (وأنا معه إذا ذكرني)*
بالله عليك اقرأها بقلبك؛ أنا معه!
من هو الذي معك؟*
تغدو في عملك، تمضي وسط جمهرة من الناس، على حافة الطريق، تجلس مغمورا في آخر المقاعد هناك.
لا يؤبه لك؛ لكن الله معك!
من يغلبك آنذاك؟
من يؤذيك، أتخشى شيئا، أتهاب أمرا والله معك؟*
- (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)
أنت من أنت وهو من هو سبحانه!
الملك، القدوس، المهيمن، العزيز، الجبار المتكبر، هناك في ملكوته وجبروته، في عليائه يتفضل عليك ويذكرك في نفسه!*يذكرك أنت!
وأنت الهباءة في هذا الكون العظيم.*
وسط لفيف من البشر يذكرك من بينهم فكأنما هالة من نور تحيط بك.
يقشعر الجسد وينتفض الفؤاد مهابة وحبا وجذلا وشعورا آخر لا يوصف.
أشعر وكأن روحي تحلق عاليا، تسمو عن هذه الدنيا، ترتقي شيئا فشيئا إلى عالم رباني، فأغفو لحظات في هذا الشرف الإلهي.
- (وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)*
في الملأ الأعلى في العالم العلوي
حيث ملائكة النور، حيث الأنبياء الكرام، أمام هذه الصفوة:
يذكرك الرب العظيم، يثني عليك.
فلتتهاوى ثناءات البشر، ومحافلهم، وتكريماتهم
ملوكا وأفرادا!
* * * * * * * * * * * * * * * **
*في هجيع الليل:
عندما يغلبني الشجى، وأختنق بالدموع، وتثور لواعج الأسى بداخلي.*
يأتي النداء الرباني يتردد بين جنباتي:
(من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)
- عندما تهيج بي ذكرى الأحباب، ويلوح لي طيفهم جاثما في الأفق، وتضيق بي الدنيا، وأشعر بسياط الوحدة تقطعني، حتى كأن نفسي التي بين جنبي جفتني فجأة؛ يعلو النداء:
(وأنا معه إذا ذكرني)*
- أجيء شريدا حزينا مضطربا فتنزل علي الكلمات بردا وسلاما، تدثرني دثارا حانيا، تنفض عني كل شائبة حزن وكآبة ويأس!
* * * * * * * * * * * * * * * **
(الله أكبر):
استشعر العظمة وأنت تتلفظ بها!
انطقها بكل نبضات التعظيم والإجلال والإكبار!
أكبر من تحالفات الأعداء وأسلحتهم وجيوش الظلام، وحكومات المصالح، وتجار المناصب.
أكبر من قاضي الجور ومحكمته،
من ذلك السجان الذي وضع القيد في معصم قريبك،**من الزوج البائس الذي انتزع أطفالك منك، من ظالم افترى عليك،*
من الألم، من القهر.
من كل معتركات الحياة*
كلهم أقزام، والله أكبر!
(الحمد لله):
قلها بعميق الامتنان، دع كل ذرة في وجدانك تلهج بالشكر.
الحمد لله على أن جعلني عبدا له، على رؤية الجمال في هذه الحياة، على أن جعلنا نمضي في سبيلنا دون عجلات كرسي متحرك، على ما اعتدنا عليه من نعم حتى باتت جامدة في عيوننا.
أحمدك بجوارحي وأخجل أن أعصيك بها.
[الحمد لله الذي ألهمنا الحمد له]
- (لا إله إلا الله):
أشكو بثي لك وحدك، أفوض أمري خالصا لك
لا أرجو من أحد سواك نفعا ولا ضرا*
أعوذ بك أن أتزلف إلى أحدهم أستجديه حاجة،*
أستعصر قطرات من عطفه وأنت القدير الرحيم*
أنت العليم بما يعتلج في صدري، بما أعاني، بحاجتي، بهمي.
هؤلاء عبيدك، وأنت الإله!
* * * * * * * * * * * * * * * **
بقلم: بيان المقبل