خلق الأنسان و العمل جزء من كينونته و صيرورته في هذه الحياة. فلكي يعيش عليه إن يعمل، و لكي يستقيم عوده و هو طرئ هش هناك من يكفله و يعمل بالأنابة عنه. إذا العمل جزء لا يتجزاء من نظام الحياة على هذه الأرض. فلكي يطعم الأنسان نفسه و من يعول عليه إن يعمل و إلا فإن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة. على إن العمل لا يفرق بين جنس البشر، إنما نحن بوجودنا في مجتمعات تحكمها قوانينها و ثقافتها تختلف نظرتنا للعمل و توصيفه. ففي الشرق و الغرب مثلا لا تختصر التخصصات على جنس معين، فليس غريبا أن نرى سيدة تعمل في مجال البناء، و ليس غريبا أن نرى رجلا يعمل خياط نساء أو طباخ. بينما في ثقافتنا العربية و لا أقول الأسلامية حوصرت بعض التخصصات على بعض الفئات و الأمر طبعا يعود لثقافة المجتمع وكما يحلو للبعض يرجعها إلى البنية الجسمانيه للرجل و المرأة.
إن العمل في حد ذاته عباده و ثقافة. فلكي نعبد الله حق عبادته علينا بالعمل و أخذ بأسباب الحياة. بل إن طقوس العبادة ما هي إلى عمل في حد ذاته و أجره من لدن العليم الخبير. العمل أيضا ثقافة فبجانب الدخل المادي الذي يحصل عليه الأجير من قطرات عرقه هناك أمور تجعل العمل روح الحياة. فهو يربي في النفس الثقة ، و يمنح النفس الطمآنينه و أحترام أفراد المجتمع للعامل. كما إن العامل نفسه يحس بقيمته كمضيف للحياة و ليس عالة عليها.
بيد إنه ما ينقصنا نحن هنا هو التوعية المستمرة بثقافة العمل و مدى أهميتها في غرس قيم المثابرة و إبعاد نزعة التواكل و الأتكال على الغير. نحن الآن هنا في عمان و في عموم الوطن العربي نحاول إدخال الشباب الباحث عن العمل لسوق العمل و لكن ننسى أهم نزعة و هي غرسة فكرة العمل في الجيل منذ نعومة أظفاره. جميع بلداننا العربية فيها من العمال الأكفاء و مع ذلك نجد إننا نستعين بالوافدين من غير العرب في تسير أمور حياتنا بينما العربي المبدع يهجر وطنه الأم إلى مكان يجد فيه من يعينه على تفتق قريحته و يفتح له طريق العلم و الأبتكار. هو تضاد ما بعده تضاد، فكيف لبلد مثل عمان أن يوجد بها ما يزيد عن مليون وافد و بها ما يقرب من ثمانين ألف باحث عن عمل؟
المشكلة ليست في توفر فرص العمل، و ما تقوم به الحكومة من جهود الآن هو محاربة ظواهر المشكلة و ليس حل لها على الأمد البعيد. الحل يمكن في معرفة جذور المشكلة ومن ثم وضع الحلول لها ، و من وجهة نظري المتواضعة المشكلة تكمن في مبداء معرفة ثقافة العمل و سوف أوجزها مع حلولها في التالي:
1- يجب على الحكومة تبني غرس ثقافة "إعمل بنفسك" في سلوك كافة الأجيال وتسمى باللغة الأنجليزيه DIY )Do It Yourself ) فهناك من الأعمال البسيطة لانقوم بها و إنما دائما نبحث عن الراحة و عن من يقوم بها عوضا عنا. أمثلة على ذلك، غسيل السيارة، غسل الملابس و كيها، إصلاح بعض الأعطال البسيطه.
2- يجب إن يقوم كل أب و أم بتعليم أولادهم ثقافة حب العمل و إبعادهم عن الكسل و مشاهدة التلفاز أو لعب الفيديو لأوقات طويله و ذلك بإشراكهم في بعض الأعمال المنزليه البسيطه. فتصوروا مثلا لو قام كل طفل بترتيب غرفته و غسل ملابسه و المساعدة في تنظيف البيت، هل سنحتاج لهذا الكم الهائل من مستخدمات المنازل؟.
3- يجب وضع الحوافز و التشجيع من قبل الحكومة على ألأبتكار و التفوق. فليس كل تفوق يأتي عن طريق الدراسة ، بل هناك أفكار كثيرة قد ننظر أليها على إنها غير ذات أهميه و تثبت أهميتها في المستقبل.
4- يجب الحد من هجرة العقول العربية و العمل على إستغلالها و تدويرها في نطاقنا العربي لأنهم هم الأقرب لثقافتنا. هذا الأمر كان في بداية النهضة هنا في عمان و هو الأستعانة بالمدرسين العرب.
5- يجب إنشاء مركز عربي يعنى بغرس ثقافة العمل للنشئ و تعليم بعض المهن. كما يجب إدخال هذه المهن في مناهج الدراسة من الأبتدائيه، حيث يمكن إكتشاف المواهب مبكرا.
6- على جميع الأباء و الأمهات حث الطفل على شغل وقت فراغه و محاولة إيجاد فرص عمل لأبنائهم و عدم الأتكال على الحكومة في توفير الوظيفة. و بعض أقليات المجتمع العماني نجحت في ذلك و تكاد لا تجد فيهم عاطلا و احد.
إذا العمل روح و ثقافة يجب الحث عليه و يجب تناقلها من جيل إلى آخر. لا يستحي أحد من أي عمل ما دام فيه رضى الله و رضى نفسه.
هذا مالدي وبانتظار ما تجود به عقولكم الكريمة.....قال تعالى تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ).
والله من وراء القصد.