❤ *القرآن يرتقي بك (7)*❤
محمد بن سعيد المسقري
➖ *لا تحزن (الحلقة 2)*➖
نتعلم منكم ومعكم ونواصل آلية تعامل القرآن مع مشاعر الحزن
*ثالثا :* كما وضع القرآن الكريم خطا منهجيا لبرمجة قناعات المؤمن تبعد عنه شبح الحزن الذي يجثم في القلوب لأجل المتاع الدنيوي، نجده يؤكد مرارا في مواضع مختلفة النهي عن الحزن وذمه بشكل عام *حتى لا يكاد تمر عليه في القرآن إلا منهيا عنه أو مذموما*، فنجد تردد عبارات ( لا تحزن ) و( لا تحزنوا ) (لا تحزني) (لكيلا تحزنوا )، إضافة إلى النهي عن مرادفاته وما في معناه ( الأسى .. الحسرات .. الضيق ..
وهذا التكرار يزجر النفس عن التلبس به، واتخاذه رفيقا ..
*رابعا :* لو تلاحظون معي ؛ نجد القرآن يركز في قضية الحزن والنهي عنه على أمور قد يخيّل للمؤمن أنها مطلوبة ومحببة لارتباطها بالدعوة والخير ، كالحزن على المعرضين عن الله، وهم يصرون على فسقهم وكفرهم ، فنجد النهي عن ذلك في عدة مواضع من كتاب الله : " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " , " فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون " ، " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات "، وكذا الحزن على ما قد يحصل من انكسارات في المواجهات مع الباطل : " فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون " ، *ونجد في هذه الآيات ذاتها جرعة للنفس المؤمنة، بتعليل النهي عن الحزن* ، بأن الله عليم بكيدهم وأن الهداية من الله؛ لذلك فالأمر كالنعم والمصائب لا يد للمؤمن فيه؛ فبهذا يقر المؤمن عينا ولا يحزن ..
*خامسا* : في قصة النبي – صلى الله عليه وسلم – مع صاحبه الصديق – رضي الله عنه - ، نجد بلسما شافيا لما قد يعتري المؤمن من أحزان , فها هو – صلوات ربي وسلامه عليه – يطمئن صاحبه بقوله " لا تحزن إن الله معنا "، *فاستحضار المؤمن أن الله معه في كل أموره، وأنه هو الذي يصرف حياته يريح قلبه*، وفيها تطمين لأهل الحق أن يكونوا أقوياء القلوب ويوقنوا بالله وأن جولات الباطل ضعيفة، وحبل الحق متين لارتباطه بالقوي المتين ..
*بل فيها أهمية اتخاذ الصاحب الذي يقوي نفسيتك وعزيمتك*، ويعينك على تخطي المصاعب والأحزان بنفس واثقة بالله، موقنة به، *والبعد عن الأصحاب الذين يخذّلون الإنسان ويملأون قلبه بالوساوس* والهواجس والقلق والحزن بإيحاءاتهم السلبية، وتضخيم المصاعب وتهويل المواقف ..
*سادسا* : وجه القرآن عناية المؤمن إلى ما يصرف فيه طاقة الحزن، بحيث تكون إيجابية ، وكما مر معنا عند سيدنا يعقوب – عليه السلام – أن حزنه إنما كان بثا ودعاء إلى الله مع حث أبناءه على التحسس من يوسف وعدم اليأس؛ *نجد القرآن العظيم يمنح لنفوسنا مساحة من الحزن الإيجابي ..*
تأملوا – حفظكم ربي - في هذا الموقف المهيب : " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا إلا يجدوا ما ينفقون "، لله درهم .. أعينهم تفيض دموعا من الحزن ، *لماذا ؟*
*لأنهم فقراء .. لغياب الكراسي والمناصب.. لفقد العاشقين لحبيباتهم؟!*
*كلا .. إنما لفوات العمل الصالح*، ولعدم قدرتهم على المشاركة في الجهاد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ..
هكذا هو المؤمن .. حزنه إنما يكون لما قد يفوته من أعمال صالحة , حزن يحفز همته للتعويض والمثابرة والاجتهاد في فعل الخير, حزن يعقب راحة في الدنيا وسعادة في العقبى ..