عام 2010 .. !
الكل يستعد و مبتهج بقدوم شهر رمضان ، أبي كان يتذمر أمامنا من الصيام ولكننا نراه صائماً ولا نعلم إن كان يأكل خِفية ، أمي تصر على الطبخ الذي اعتادت عليه منذ صغرها بالرغم من أني وأخواتي نطهو جيداً فهي أحسنت تعليمنا إياه ، أخي زكريا تزوج من ابنة عمي رقية وأنجبا لمى و عمار ، نهى بعمر السادسة عشر وهي بالصف العاشر ، عبير بعمر الرابعة عشر و هي بالصف الثامن ، مريم أكملت سن الثانية عشر وهي بالصف السادس ، ليلى بعمر العاشرة وهي بصف الرابع ومعاذ يصغرها بسنتين ، أما غدير بعمر الرابعة والنصف ، و أنا فقد تزوجت برجل خارج نطاق العائلة وقد كان خيرة الرجال ، والآن حامل بولد وسأسميه عيسى كما طلب مني زوجي .
أنا نهى أصبحت الكبيرة بين أخواتي بعدما تزوجت عائشة وابتُعثت سارة لتحضير الماجستير الذي كانت تخطط له بأولى سنواتها الجامعية قبل ذلك و في الصالة ذات يوم كنت أصنع مشروعي الذي كلفتني إياه معلمة الرسم ( حصة ) وإذ بأبي يدخل هو وعينيه الحمراوتين ويبدو أن سهرته طالت هذه المرة ! كان الجميع لا يستلطف وجوده فالمنزل وحين يقبل يهرب كل منهم على سريره ويمثل أنه نائم ، كما أن أخي معاذ ينعته بالوحش ضاحكاً عليه مقلداً لحركاته وقت الصباح ، وهو كعادته ينادي أمي ، ويقص عليها حكاويه المملة مع رفقائه وعن عمله وعن الناس ، ويطلب منها العشاء ، حين تحضره أراقبه من النافذة يخرج لسيارته ويشرب شيئاً ما من قنينة مغلفة من ثم يشعل السيجار ويدخن ويعود ، كانت سارة نائمة على سريرها بغرفتنا المزدحمة بعدما شاهدت مسلسلها برفقتي ، وأنا في الصالة أحاول إنهاء المجسم للمعلمة وأبي كان لطيفاً جداً حين يحادثني وهو دائماً في الليل يختلف عن ما يكن عليه نهاراً .
أثناء تناوله لوجبته المغلفة بالألمنيوم من غير صحن ، نادني لأتناول معه ولكني اعتذرت عن ذلك فلا أعلم من أين جلبه ! وإذ به يسأل أمي عن سارة ، أخبرته أنها نائمة ، ومن ثم هرع لغرفة سارة بعدما غسل يديه وأمي تحاول إيقافه وتركله بقدميها وأنا أشاهد متبلدة لا أتحرك من هول المنظر ، إذ به يحاول إمساك سارة ويبعد أمي عنه وأمي تصرخ عليه ، هذه ابنتك يا علي ؟ ابنتك !!!! .. لم أفهم حركات أبي ولم يقترب من أختي هكذا وخرجت مسرعة أطرق الباب وأصرخ في غرفة زكريا ورقية ، فتح الباب لي ولم أكمل حديثي عن ما حدث إلا وهجم على أبي وعينينه مغمورة بالدموع حرقة على سارة التي كانت متجمدة ، لا تبكي ، ولا تتكلم ، إنما تنظر لزكريا وأمي فقط ، ويبدو إنها في حالة صدمة ، تنازعا أبي وزكريا وتدخل بينهم هيثم بعدما نادته مريم وتعاركا إلى إن سالت الدماء ، من ثم أمسك زكريا يد سارة التي ما زالت متجمدة وتنظر دون حراك وحملها بسرعة إلى سيارته ، وتوجها إلى بيت جدي ( والد أمي ) ، وقضيا الليلة هناك ، كل من كان في المنزل مصدوم ومذهول وخائف ، لم نذهب للمدرسة ، لم ننم طيلة الليل ، كان الجميع يبكي ، يدعي ، يلعن ، يشتم ، يتمنى حياة مختلفة !
مازلت صغيرة ولكني مسؤولة و أتعلم من أمي فنون الطهي . لم يكن بمنزلنا خادمة ، وقد كنا نتشارك الأعمال فيما بيننا حتى في عزيمة هيثم كنت ومريم وليلى بالخارج ننظف حديقة المنزل التي امتلئت بأوراق الأشجار ومعاذ يذهب ويرميها خارجاً عند القمامة ، كنا صائمين ، ولكن هيثم ألح علينا ذلك وقرر أن يكافئنا بسندويشات لذيذة من الخارج إن أحسنا الصنيع ، فهو يود إكرام أصدقائه بمنزلنا ، وافقنا فنحن لا نأكل من الخارج ونشتهي ذلك كثيراً ، كنا نعمل فرحين ، كانت السعادة في قلوب الجميع ، هيثم يمازحنا ، ومعاذ يتسابق مع غدير ، وأمي وعائشة التي زراتنا اليوم يحضرن أشهى المأكولات لرفقاء هيثم ، وعبير ما زالت على ( السكايب ) تتحدث مع سارة التي تشكو من غربتها وشوقها إلينا .
و أبي لم يكن إلا ضيف غير مرحب به يأتي يوم الخميس وقت وجبة الغداء ، وفي بعض الأحيان يقضي العصر برفقتنا ولوقت قصير ويهل علينا بمشاكله أثناء سكره في الليل ، ويقارن أمي بالساقطة ، قد تزوج من تلك المرأة و التي تعرف بها بمكان غير لائق كما حدثنا باحدى الليالي وهو في حالة سُكر ، وأنجب منها طفل لكن لم تكن بيننا وبينه أي صلة . جدي ( والد أمي ) بعدما توفت زوجته بجلطة دماغية تزوج من إمرأة أخرى شابة وكانت تداريه وتهتم به ، وهو كان يملك أموالاً لا بأس بها ، لكنه شديد البخل !
انتظروني في الأحداث المقبلة ،،،