يونس عليه السلام
يُقال بأنّ نبي الله يونس عليه السلام، قد ولد في بلاد الشام في بلدة كفرا الجنوبية الواقعة في منطقة بنت جبيل في لبنان في القرن الثامن قبل الميلاد،
ثم انتقل للعيش والإقامة في نينوى الواقعة على نهر دجلة باتجاه مدينة الموصل، ووُلد في كنف أسرة فقيرة فقد امتهن والده الاحتطاب وكان مصدر رزقه فيبيعه للناس، وكان رجلاً زاهداً فقير الحال مؤمناً بالله تعالى.
كان يونس بن متى نبيا كريما أرسله الله إلى أهل نينوى في الموصل العراقيّة يعظهم، وينصحهم، ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار، ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون -يونس عليه السلام- ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد.
وحاول إقناع قومه بالرجوع إلى الله تعالى وترك عادات الجاهلية في عبادة الأوثان، لكنهم لم يستجيبوا له و أظهروا له الرفض التام ولم يبدى لهم أية استجابة له كما هو الحال في الأمم الغابرة التي مضت، فتوّعدهم بالعذاب الأليم من الله تعالى في يوم معلوم إن لم يعودوا إلى الله تعالى ويتوبوا.
وجاء يوم فأحس سيدنا يونس باليأس من قومه.. وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون،
وخرج غاضبا وقرر هجرهم
ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاثة أيام.
فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة.
ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم.
فلما خرج من قريته،
عند حلول موعد العذاب و بدأت إنذاراته وإشارات صدقه بالظهور، تأكد أهل القرية من نزول العذاب بهم .
كانت المفاجأة أن ذهبوا إلى ظاهر المدينة والتجؤوا إلى الله تعالى تائبين .
فقذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم وصرخوا وتضرعوا إلى الله عز وجل،
وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات.
وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وقد آمنوا أجمعين.
فلما صدقوا بالتوبة منع عنهم الله تعالى العذاب فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي استحقوه بتكذيبهم وآمنوا بالله تعالى وحده لا شريك له دون عبادة الأصنام.
وذهبوا يبحثون عن يونس في مناكب الأرض ليشهروا له إيمانهم وتوبتهم إلى الله تعالى، ويطلبون منه أن يكف الله عنهم العذاب ولكن لم يكن لهم أن يجدوه،
أما سيدنا يونس عليه السلام وصل إلى شاطئ البحر فشاهد سفينة راسية تستعّد للمضي قدماً في عرض البحر
فسأل أهلها أن يرافقهم فوافقوا على ذلك،
وعندما وصلت السفينة إلى عُرض البحر بدأت بالاضطراب والهيجان،
فقالوا: "إن فينا صاحب ذنب، فقد هاج بها البحر، وارتفع من حولها الموج.
وكان هذا علامة عند القوم بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه لأنه ارتكب خطيئة.
وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق.
فاقترعوا على من يلقونه من السفينة .
فخرج سهم يونس -وكان معروفاً عندهم بالصلاح- فأعادوا القرعة،
فخرج سهمه ثانية، فأعادواها ثالثة،
ولكن سهمه خرج بشكل أكيد
فألقوه في البحر -أو ألقى هو نفسه في البحر ليكف غضب الله تعالى عنهم،
فالتقمه الحوت وحدث ما أمرالله به فابتلعه حوت ضخم وسار به إلى ظلمات البحر،
و أوحى الله للحوت أن لا يخدش ليونس لحما ولا يكسر له عظما
وكانت المعجزة بأمر الله تعالى بأن يكون يونس آمناً في بطن الحوت،
واختلف المفسرون في مدة بقاء يونس في بطن الحوت،
فمنهم من قال أن الحوت التقمه عند الضحى، وأخرجه عند العشاء.
ومنهم من قال انه لبث في بطنه ثلاثة أيام، ومنهم من قال سبعة
بقي سيدنا يونس في بطن الحوت يستغفر الله
وعندما أحس بالضيق في بطن الحوت، في ظلمات ثلاث
-ظلمة الحوت، ظلمة البحر، وظلمة الليل-
سبح الله واستغفره وقام ينادي بدعائه العظيم :
(لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
وسمع الله دعاءه واستجاب له. فحظي باستجابة الله تعالى لدعائه
واستجاب له ونجاه مما ألم به من غم وهم في ظلمات بطن الحوت.
أمر الله تعالى الحوت أن يُخرج سيدنا يونس عليه السلام من بطنه ويلقي به إلى اليابسة،
(فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).
وقد خرج من بطن الحوت عندما ألقي به وهو سقيم وهزيل، أنبت الله عليه شجرة القرع.
قال بعض العلماء في إنبات القرع عليه حِكَم جمة.
منها أن ورقه في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نياً ومطبوخاً،
وبقشره وببزره أيضاً.
وكان هذا من تدبير الله ولطفه. وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك.
فشكر يونس عليه السلام ربه وحمده على النجاة فعافاه الله تعالى وغفر له،
فلما استكمل عافيته رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضباً
فعاد يونس عليه السلام إلى قومه فوجدهم مؤمنين بالله تعالى وحده ينتظرون عودته ليمتثلوا لأوامره،
وبدأ يعلمّهم ويهديهم ويرشدهم إلى طريق الحق والصواب.
فضل يونس عليه السلام:
لقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل يونس عليه السلام، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى"
وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب".
ذنب يونس عليه السلام:
نريد الآن أن ننظر فيما يسميه العلماء ذنب يونس.
هل ارتكب يونس ذنبا بالمعنى الحقيقي للذنب؟ وهل يذنب الأنبياء.؟
الجواب أن الأنبياء معصومون..
غير أن هذه العصمة لا تعني أنهم لا يرتكبون أشياء هي عند الله أمور تستوجب العتاب. المسألة نسبية إذن.
يقول العارفون بالله: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.. وهذا صحيح.
فلننظر إلى فرار يونس من قريته الجاحدة المعاندة.
لو صدر هذا التصرف من أي إنسان صالح غير يونس.. لكان ذلك منه حسنة يثاب عليها.
فهو قد فر بدينه من قوم مجرمين.
ولكن يونس نبي أرسله الله إليهم.. والمفروض أن يبلغ عن الله ولا يعبأ بنهاية التبليغ أو ينتظر نتائج الدعوة.. ليس عليه إلا البلاغ.
خروجه من القرية إذن.. في ميزان الأنبياء.. أمر يستوجب تعليم الله تعالى له وعقابه.
إن الله يلقن يونس درسا في الدعوة إليه، ليدعو النبي إلى الله فقط.
هذه حدود مهمته وليس عليه أن يتجاوزها ببصره أو قلبه ثم يحزن لأن قومه لا يؤمنون.
ولقد خرج يونس بغير إذن فانظر ماذا وقع لقومه. لقد آمنوا به بعد خروجه..
ولو أنه مكث فيهم لأدرك ذلك وعرفه واطمأن قلبه وذهب غضبه.. غير أنه كان متسرعا..
وليس تسرعه هذا سوى فيض في رغبته أن يؤمن الناس،
وإنما اندفع إلى الخروج كراهية لهم لعدم إيمانهم..
فعاقبه الله وعلمه أن على النبي أن يدعو لله فحسب. والله يهدي من يشاء.
توفي نبي الله يونس عليه السلام في بلدة كفرا البلدة التي ولد فيها، وكان ذلك في القرن السابع قبل الميلاد،
ومقامه في تلك البلدة مازال قائماً حتى عصرنا الحالي، وهو محاط بالأعمدة والحجارة المنقوش عليها الرموز التاريخية.




رد مع اقتباس