وَدِّعْ هُـرَيْـرَةَ إِنَّ الـرَّكْـبَ مُرْتَحِـلُ
وهَـلْ تُطِيـقُ وَدَاعـاً أَيُّـهَا الـرَّجُـلُ
( الأعشى )
لحظات أليمة صعبة هي لحظات الوداع ، لما مافيها من انقطاع عن دواعي المحبة والألفة
ومن الصعب جداً أن تفارق محبوباً وأنت لاتدري أتجتمع به مرة أخرى أم لا، لذلك لهج المحبون بأعذب القوافي ، حتى لتشعر بنبض قلوبهم يخفق بين أبياتهم ، وتتحول أحرفهم وهجاً يلهبنا تارة ويطربنا أخرى ، ويبقى الفراق أليم أليم !!
نحاول أن نتذكر الأبيات التي نظمها المفارقون ساعة فراقهم .
ونبدأ بهذه الأبيات الرقيقة لحسين بن أحمد السنجاري حيث يقول :
ولما بسطْنا للوداع أكفَّنا=وكلّ لِما يَلقاه قد ودَّع الصَّبرا
وقفتُ على الأطلال ساعةَ ودّعوا=أسائلها طوراً وأندبُها أخرى
وقلتُ ولم أملكْ سوابقَ عبرةٍ = على الخدِّ تَحْكي بعد سيرهُمُ القَطْرا
كفى حَزناً للهائمِ الصَّبِّ أنْ يرى = منازل من يهوى معطَّلةً قَفْرا
يتبع
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
وَدِّعْ هُـرَيْـرَةَ إِنَّ الـرَّكْـبَ مُرْتَحِـلُ
وهَـلْ تُطِيـقُ وَدَاعـاً أَيُّـهَا الـرَّجُـلُ
( الأعشى )
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
وَدَّعْتُـهَا لِفِـرَاقٍ فَاشْتَكَـتْ كَبِـدِي
وشَبَّكَـتْ يَدَهَـا مِنْ لَوْعَـةٍ بِيَـدِي
( ديك الجن )
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
ولمــا تبــــدت للـــــــرحــــيل جمــــالنا *** وجـــــد بنا سير وفاضت مـــدامع
تبدت لنا مـــــذعـــــــورة مـــــن خبائها *** وناظــرها باللــــؤلؤ الرطب دامـــع
أشــــارت بأطــــراف البنـــــان وودعـــت *** وأومت بعينيها متى أنت راجـــع?
فقلت لهـــا والله مـــا مــــن مسافـــــر *** يسير ويدري مـــا بـــه الله صانـــع
فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها *** فسالت من الطرف الكحيل مدامع
وقــــالت إلهي كــــن عليه خــــــليفة *** فيـــا رب ما خابت لــــديك الودائع
وقال آخر :
وقفت يـوم النــوى مـنهم عـلى بعد *** ولم أودعهـم وجـداً و إشـفاقــا
إني خشيت على الأظعان من نـفسي *** ومـن دموعي إحراقـاً وإغـراقا
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
وكأن روح الفرزدق ينفصل عن جسده لحظة الوداع فيصور ذلك الموقف
فيقول :
رحلت جمالهم بكل أسيلة
تركت فؤادي هائماً متبولا
ساروا بقلبي في الحدوج وغادروا
جسمي يعالج زفرة وعويلا
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
ابن زريق البغدادي
وهو يصور لنا لحظات الوداع عن محبوبته طلباًَ لحياة أفضل حيث يقول :
أستودعُ الله في بغداد لي قمـراً*** بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبـودي أن تـودعـنـي*** روح الحياة وأنـي لا أودعـه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى*** وأدمعي مستهـلات وأدمـعـه
وكم تشفّع فـي أن لا أفـارقـه ***وللضرورة حال لا تشـفّـعـه
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
وانظر إلى براعة التصوير من هذا الشاعر الرقيق وقلبه أو قلبها يتفطر من لحظة الوداع :
قالت تودّعني والدمعُ يغلبها
فهمهمتْ بعض ما قالت ولم تبنِ
مالت إليّ وضمتني لترشفني
كما يميل نسيم الريحِ بالغصنِ
وأعرضتْ ثم قالت وهي باكية
ياليت معرفتي إياك لم تكنِ
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
ماأقساها من لحظات يتفطر القلب فيها :
مددتُ الى التوديع كفاً ضعيفة
وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي
فلا كان هذا آخر العهد منكم
ولا كان ذا التوديع آخر زادي
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا
نوع من التصوير البديع للحظات الوداع من شاعرنا هذا :
ولما وقفنا للوداع عشيةً
وطرفي وقلبي دامعٌ وخفوقُ
بكيتُ فأضحكتُ الوشاةَ شماتةً
كأني سحابٌ والوشاة بروق
اللهم حنانا من لدنك يؤنس ارواحنا