بمناسبة اليوم العالمي للشعر..كيف يحدُثُ الشّعر؟


*فراس حج محمد

لو سألتَ الشّعراء هذا السّؤال كيف يحدثُ الشّعر؟لما استطاعوا أن يجيبوا عليه،كالفنّان التشكيلي،كالملحّن،كأيّ عبقريّ،لا يستطيعون تفسير هذا المسمّى شعرا، لوحة، فكرة خلّاقة، لحنا موسيقيّا، يتركُ الخالي شجيّا.

ما هذا الذي يحدث للشّعراء، كي يكتبوا؟ عندما سئل الشّاعر الرّاحل فاروق شوشة عن سبب رداءة خطّه، أعاد ذلك إلى الشّعر، إنه يلقطه من لحظة برق عاجل، فلا وقت لديه لتجويد الخطّ، ستضيع الفكرة، وتضلّ القصيدة طريقها، فالقصيدة كائن غير صبور. إنها لحظة خاطفة وتنتهي. فإما أن تلمّها وتخضع لشروطها وإلا غادرتك إلى غير رجعة. وكم هو مؤلم للشّعراء أن تفرّ قصائدهم من بين أيديهم، سيخلّف هذا حزنا غريبا وندما عجيبا، وقد يبكي الشّعراء الحقيقيّون نتيجة ذلك، وسيظلّون يعتقدون أنّ تلك الحسناء المتأبيّة المتمنّعة هي أجمل نساء الشّعر قاطبة.

هذا يحتّم على الشّعراء أن يكونوا دائما مستعدّين للطّلق الشّعري المفاجئ، وهم كذلك دوما، منتظرون لحظة هذا المخاض النّوراني ليلا أو نهاراً. ومهما كانت أحوالهم وانشغالاتهم. فلا شيء يمكنه أن يعوّض الشّاعر عن قصيدة هربت منه في لحظة شغل طارئ.

يحكى عن الشّعراء قصصا عجيبة في طقوس الكتابة، ويسرد الشّعراء عن أنفسهم أحوالا مرّوا فيها، فكانوا في صراع مع لحظة الإمساك بتلابيب القصيدة. ربما لجأ شاعر إلى أن يكتب على راحة يده، أو أطراف ثوبه، وربما التقط أيّ ورقة عابرة ووثّق تلك الفراشة المارّة الواقفة للحظة ببابه. وربما نهض من نومه أرِقا يهذي بمقاطع أتته من عوالم غيبها، نكزته برهافتها ليناجيَ خيالاتها بين الصَّحو والسُّكر.

هذه هي حالة الشّعر. إنّه الرّفيق المتعب والمسعد في آن. إنّه شقيّ وسعيد في الوصف ذاته، إنّه المطلق الشّاسع، العابر لكلّ الحدود. لكن، لماذا هو كذلك؟ لماذا لا يخضع للعمليّة الواعية العقليّة الّتي تحكمها الهندسة اللّغويّة؟ لماذا هو هكذا قلِق ومقلق؟ لماذا يُرعب الشّعراء فيخافون من رحيله؟ لماذا يكونون عبيدا مطيعين راضين وسعداء، وهم في محاريبه، كأنّهم في حضرة آلهة مرهفة لا ترى لها سلطة إلا على ذات الشّاعر؟ كل تلك الأسئلة لن تجد إليها إجابة مهما حاولت أوِ اجتهدت في المحاولة.

فقط هو كائن من أصعب الكائنات وأعقدها مذ عرف الخلقُ الشّعر والإبداع. إنّه مروّض النَّزِقين، ومهذّب ألفاظ المجانين. إنّه ذلك الذي لا يُسْأل كيف جئتَ ولا إلى أين ستبحر فيّ. إنْ أردت أن تصبح شاعرا، أو اختارك الشّعر واختبر صبرك وشجاعتك، عليك أنْ تمدّ له كلتا يديك ليأخذك في رحلةِ تيهٍ، لن تنتهيَ منها حتّى يملّ منك إن عاندته ورفضت. فلا تُخضِع الشّعر لحالتك. واخضع له بكلّيّتك عاشقا متبولا ليرضى عنك ويعطيك بقدر صبرك واستعدادك ولا تَشْكُه لنفسك أو لغيرك. فقط عليك أن تبتهج، ومن كل كيانك، ليكون لك لتكون واحدا من عظمائه!

*

*يحتفل باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس) من كل عام. وقد أعلنته*منظمة اليونسكو**عام 1999. والهدف من هذا اليوم هو تعزيز القراءة والكتابة ونشر وتدريس الشعر في جميع أنحاء العالم. في دورة اليونسكو التي أعلن فيها عن هذا اليوم، صُرّح بأن الهدف هو "تجديد الاعتراف وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية".