هو ناصر بن سالم بن عديم بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد البهلاني الرواحي العماني المكنى "أبو مسلم".
ولد في أحضان بيت علم وفضل في مدينة محرم أعز بلاد بني رواحة في عمان بعد انتقال أجداده من بهلا(1) إلى وادي محرم، وتوجد روايتان لتاريخ ميلاده إحدهما تقول أنه ولد سنة 1273هـ(2) وهي لابن أخي المترجم له الكاتب الأديب سالم بن سليمان الرواحي.
والثانية تقول: أنه ولد سنة 1277هـ، وهي رواية ابن المترجم له مهنا بن ناصر البهلاني وهي التي يرجحها الشيخ أحمد الخليلي لوجود قرائن تؤيد هذا الرأي.
والشاعر أبو مسلم ينتمي إلى أصول كريمة تعود إلى قبيلة عبس المشهورة وتعتبر في عمان من القبائل الكبرى.
وقد أحاطت الرعاية الربانية بالشاعر منذ ولادته فنشأ نشأة كريمة في حضن عائلة معروفة بالعلم والصلاح فقد كان والده قاضيا للإمام عزان بن قيس، وكان من قبله جده الرابع عبدالله بن محمد قاضيا في وادي محرم أيام دولة اليعاربة، وكان توليه القضاء آنئذ دلالة على النضج العلمي والاستقامة الخلقية إذا لا يختار له بل لا يقبل فيه إلا من أهلته مواهبه وأخلاقه لهذا المنصب الهام.
نشأ الشاعر أبو مسلم في وادي محرم وأخذ علمه عن عدد من المشايخ أولهم والده سالم بن عديِّم، ثم انتقل إلى يلدة (السيح) حيث جلس إلى الشيخ محمد بن سليم الرواحي وكانت دراسته لا تختلف عن زملائه حيث يكون التركيز على المواد الشرعية واللغوية وعلى رأسها حفظ كتاب الله الذي تبدو آثاره ظاهرة في شخصية أبي مسلم علما وأدبا وسلوكا وكان قرينه؛ وخلفه في هذه المرحلة الشيخ أحمد بن سعيد الخليلي وكانت البيئة والعصر مساعدين على نبوغ أبي مسلم إذ شاع بينهما الأدب وازدهر الشعر فاشتهر غير واحد من الأدباء نذكر منهم على سبيل المثال خميس بن سليم في مدينة سمائل ومنهم الشاعر صاحب الغزل الرقيق ابن شيخان الذي يكاد يعتبره الدارسون في مرتبة أبي مسلم.
وكان من زملائه في الدراسة كما قلنا الشيخ العلامة أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي وهو الذي عناه بقوله في قصيدته النونية الشهيرة وهو يحن إلى عمان:
أرتاح فيها إلى خلّ فيبهرني صدق وقصد ومعروف وعرفان
فالمحيط الأدبي الذي تنفس فيه الشاعر كان من أقوى العوامل المساعدة له على النبوغ والتفوق، هذا المحيط الذي يعرفه أحد الكتاب بقوله: "كان المحيط الأدبي في زمن الشاعر خصيبا فكثيرا ما اجتمع الأدباء ودرسوا إنتاج رفاقهم، وكانت القصيدة تلاقي حفاوة بالغة لدى الناس".(3) وهكذا بدأ لقاؤه مع قرض الشعر منذ الخامسة عشرة من عمره. ويبدوا أن ما جلبت عليه نفس أبي مسلم من طموح وتفتح طوحت به إلى الغربة بعيدا عن وطنه لا ندري أسباب ذلك بالتحديد ولكن المؤكد هو أن نفسية مثل مفسية أبي مسلم تضيق بالمجالات الضيقة والبيئات المختلفة وطموح أي مسلم ما كان ليرضى بالحد الذي وصل إليه علما أو مالا.
كان دون العشرين من عمره يفيض حماسة واندفاعا حين زم حقائبه متوجها إلى زنجبار من شرق أفريقيا وكانت زنجبار آنذاك في عصرها الذهبي الإسلامي العماني، عصر السلطان برغش بن سعيد الذي وجد العمانيون في أحضانه الدفء والرعاية والحدب والعناية، وكان هذا السلطان يتطلع إلى الاستفادة من الخبرات العمانية في كل المجالات يحرضهم على الهجرة إليه والعيش في ظل دولته، وكان من همه ألا يبقى بعمان من أخيارها أحد إلا جلبه إلى زنجبار ليكونوا جمالها العربي وإظهارا لشرف عمان في وجوه أهل أفريقيا؛ فاجتلب أهل عمان تقديره وإحسانه وفضله وامتنانه فكانوا يزورون عمان ويستوطنون زنجبار(4) وكان والد المترجم له الشيخ سالم بن عديّم الرواحي ممن هاجر إلى زنجبار وعمل بها قاضيا من قضاة السلطان برغش.