.
مفيش فلوس!
.
منذ عشر سنوات خلت استلم سالم إدارة مدرسة خاصة، كان موقع المدرسة وسطمزرعة قديمة مجهزة ببئر ارتوازي يتدفق منه الماء بقوة، وكانت الأرض خصبة تحيطهاأشجار جوز الهند، وكانت الفيللا التي تشغلها المدرسة تطل على مساحات فضاء، فقررسالم أن يزرع نباتات زينة؛ لزيادة المساحة الخضراء لأغراض جمالية وتربوية، وكان فيالمدرسة مهندس زراعي فاضل يقوم بمهام كثيرة من بينها الإشراف على نقل الطلاببجدارة بالإضافة إلى مسؤولية أمن المدرسة وكان متعاونا جدا، فاستدعاه سالم وشكرهثم أخبره بخطته لتشجير فناء المدرسة وإعادة تزيينها لكي تصير مكانا مبهجا يجتذبالطلاب ويتيح لهم فرصة التأمل والاستظلال بالأشجار، ويمنحهم فرصة ملاحظة مراحل نموالنباتات وخصائصها ويشجعهم في الحفاظ على الغطاء الأخضر الجميل ويبني بينهم وبينالأشجار علاقة حميمة تقوم على تبادل المنافع وطلب من المهندس الزراعي أن يساعده بعلمهوخبرته في الزراعة وشرح له فكرة المشروع بحماس، لكن المهندس بالرغم من ترحيبهبالفكرة إلا أنه فاجأه قائلا” مفيش فلوس” فرد عليه سالم دعنا نستعرض الخطة ثم نفكربالموارد المتاحة في المدرسة وندرس إمكانية الاستعانة ببعض أولياء الأمور في جلبتراب زراعي، ونأتي بالأشجار المطلوبة من المشاتل العامة ويمكننا أن نشتري بذورالنباتات التي لا تتوفر لها شتلات، لكن تفكير المهندس كان مقيدا بفكرة” مفيش فلوس”وبعد عدة محاولات قرر سالم البحث عن بدائل، فتعاقد مع عامل حدائقي في وقت فراغهبمبلغ معقول، وطلب من بعض أولياء الأمور ممن لديهم شاحنات نقل مواد بناء أنيساعدوا المدرسة بنقل ما يتطلبه المشروع من تربة زراعية، ثم زار مشتل البلديةومشتل شؤون البلاط واستطاع الحصول على جميع الشتلات التي يرغب في زراعتها،وبميزانية زهيدة جدا حوّل سالم المدرسة إلى حديقة جميلة حتى صارت مثل المنتزه، وكانكلما يقابل المهندس يتندر عليه قائلا” مفيش فلوس” استحضرت هذه القصة التي أعرفصاحبها جيدا وأنا أتعرض لموقف مماثل فبينما كنا نخطط لتنفيذ برنامج تدريب صيفيللأطفال يتضمن عددا من الورش التدريبية التي صممت لإكساب الأطفال من سن 6-12 سنةمهارات الثقة بالنفس والتفكير الإبداعي والقيادة ومهارات الالقاء وفن الاتيكيتومهارات الدفاع عن النفس( الكاراتية) كان أحد المتطوعين مسكونا بفكرة واحدة فقطوهي كيف نوفر مكانا لتبديل ملابس المشاركين في ورشة الكاراتية؟! فكنت أطمئنه بأنالأمر سهل وتتوفر له حلول كثيرة، يمكننا استعراضها في الوقت المناسب مع مدربالبرنامج، لكنه استمر يفاجئني بين وقت وآخر بقلقه الشديد حول مكان تغيير الملابس،ويبرر قلقه بأنه سبق أن نفذ برامج مماثلة وكانت هذه المشكلة تتحداه، فأخبرته بأننانمتلك خبرات تمتد لأكثر من ثمان سنوات منذ أن بدأنا عقد مؤتمر رعاية الموهوبينالأول 2010 والثاني2011 وما تلاهما من ملتقيات الطفولة الأول والثاني والثالث، ولمتعترضنا مشكلة إلا واستطعنا أن نخلق لها حلولا. هناك بعض الأفراد يقيدون تفكيرهم بفكرة ويركزون عليهاطاقاتهم وتكون سببا في تكبيل جهودهم وإغلاق ابداعاتهم. والسبب يمكن أن يعزى إلىطريقة التفكير القائمة على التفكير بالمشكلات بدلا من التفكير بالحلول، ويمكننا أننتخيل كيف سيكون العالم من حولنا لو كانت المخاوف من وقوع المشكلات تسيطر علىتفكير قادة التغيير؟.
أحمد المعشني