بلنسية.. «لا أنتِ أنت ولا الديــارُ ديارُ»
كانت بلنسية في الأصل تابعة لمملكة طليطلة لكن حاكمها استقلّ بها بعد وفاة المأمون وتولّي القادر، بعد الثورات التي قامت ضد القادر في مدن طليطلة. وعقب سقوط طليطلة وعد ألفونسو السادس القادر بأن يعيدها إليه، ودخلها بجيوشه وفرض سيطرته عليها، لكن حكم القادر الضعيف أثار فيها الاضطرابات فأرسل يستنجد بالمستعين بن هود ملك سرقسطة، الذي كان يطمع في حكم بلنسية، فسار إليه بجيشه يرافقه جيش قشتالي يقوده السيد القبيطور (أو رودريجو ديازدا قوقار) وهو فارس قشتالي شهير.

لكن ما حدث عند اقتراب الجيش من بلنسية أن القادر حاول استمالة القبيطور بالمال ضد المستعين بن هود، فما كان من الرجل إلا أن اتصل بألفونسو السادس يطلب منه أن تكون المدينة له ويستأذنه في دخولها بجيشه لتكون تحت راية الصليب، وضرب حصارًا طويلًا على المدينة وصمد أهلها شهورًا لكنهم اضطروا لتسليمها في النهاية صلحًا حين نفذت الأقوات وفقدوا الأمل في وصول مدد من خارجها، ودخلها الصليبيون عام 495 هـ، ورثاها ابن الأبار وابن عميرة المخزومي وابن خفاجة:

عاثتْ بساحتـــك العِـــدا يا دارُ ومَحَا مَحاسنَك الْبِــلى والنـــارُ

فإذا ترددَ في جنـــابك ناظــــرٌ طالَ اعتــبارٌ فيكِ واستعبــــار

أرضٌ تقاذفتِ الخطوبُ بأهلها وتمخضتْ بخرابها الأقــــــدارُ

كتبت يدُ الحدثانِ في عَرصاتِها لا أنتِ أنت ولا الديــارُ ديارُ


بلنسية – مصدر الصورة

وقال ابن خلصة البلنسي حين زارها بعد استيلاء النصارى عليها:

وروضةٍ زرتُها للأنس مبتغيـــــــًا

فأوحشتني لذكرى ســــــادةٍ هلكوا

تغيرت بعدهم حزنــــًا، وحُقَّ لهـا

مكانَ نوّارهـا أن ينبـــــتَ الحَسَك

ويقول الإمام الكاتب القاضي أبو المطرف بن عميرة مشتاقًا إلى مدينته هناك:

ألا أيها القلب المصرح بالوجد أما لك من بادي الصبابة من بد

وهل من سلو يرتجى لمتيم له لوعة الصادي وروعة ذي الصد

يحنّ إلى نجد وهيهات حرمت صروف الليالي أن يعود إلى نجد

إشبيلية.. «لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ»
قامت دولة المرابطين والموحدين واستقرت الأحوال في الأندلس لفترة غير قصيرة؛ لكن مع بداية القرن السابع الهجري تحطمت قوة الموحدين بعد معركة العقاب وبدأ نجمهم في الأفول، وعاد الصليبيون لمهاجمة المدن الأندلسية مدينة بعد أخرى، وتوالى سقوط المدن فسقطت قرطبة سنة 633 هـ، وبعدها بياسة وبلنسية سنة 636 هـ ثم شاطبة ودانية سنــــة 638 هـ،انتقلوا بعدها لحصار مدينة إشبيلية ورغم قوة تحصينها لم تصمد المدينة طويلًا أمام المدد القوي الذي كان البابا يرسله إلى ملك قشتالة ليعينه على مواصلة الحصار، وسًلمت المدينة بعد 15 شهرًا من الحصار.


قصر بني عباد في إشبيليه

كان سقوط المدن المتوالي يعمّق شعور الأندلسيين بالخطر، وكان يعني أن القشتاليين سينفردون بحصار المدن الأخرى دون قوة تواجههم. وظهر شعر الاستصراخ الذي حاول الشعراء الأندلسيين من خلاله الحث على الجهاد وتذكرة المسلمين في خارج الأندلس بواجب نصرة إخوانهم الذي كانوا يواجهون مع سقوط مدنهم خطر التنصير.فكانوا ينظمون القصائد الطويلة ويرسلونها إلى ملوك المغرب والمماليك في مصر، وكانت أغلب القصائد تكثر من الاستشهاد بآيات القرآن.

لكن سقوط قرطبة وإشبيلية وبلنسية أخمد روح الحماسة لدى الشعراء ولم يبق في قصائدهم سوى بكاء المدن وأثر الإسلام فيها وأشهر تلك القصائد قصيدة أبو البقاء الرندي الشهيرة التي يقول في مطلعها:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ