....
سورة الفرقان
"تخبرك أهمية ألا تكترث كثيرا لما يقال"
تأخذنا السورة إلى داخل نفس الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مواضع تلك الطعنات التي حاول كفار مكة أن يجرحوه من خلالها تأخذنا السورة إلى حزنه النبيل عليه الصلاة والسلام. ثم تقول لنا بين السطور تماسك وتجلد إذن. هذا هو الرجل الذي بلغ الكمال الإنساني، ورغم ذلك فقد تعرض لأسوأ مما تعرضت له.
سورة الفرقان فيها شيء من الحزن النبيل الراقي الذي كان يشعر به عليه الصلاة والسلام في المرحلة التي نزلت فيها السورة نحن في منتصف المرحلة المكية تقريبا بعد هجرة الحبشة وقبل رحلة الإسراء،وكفار مكة لا يزالون على عنادهم
لا يزالون يتهمونه بشتى الإتهامات ويتعرضون له بالسخرية والإنتقاص.
"وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا"
كل الصدق الذي كان يحمله في قلبه عليه الصلاة والسلام كل الثقل الكبير الذي كان ينوء به منذ أن تنزل عليه الوحي كان هؤلاء يقابلونه بأنه مجرد كذبه تمثيلية ساهم فيها هو مع آخرين من اتباعه أو ممن يظهروا بوضوح.
القرآن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يرى نهاية هؤلاء النهاية الأخيرة الندم، العض على الأصابع من الندم، و الإتهامات بينهم.
"ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا"
ولكن القرآن يتبع هذا المشهد بمشهد الرسول وهو يبث حزنه إلى ربه
"وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مجهورا"
شكواه عليه الصلاة والسلام لم تكن عن تلك الطعنات أو الكلمات الجارحة بل عن عدم سماعهم للقرآن لم تكون شكواه شخصية رغم كل شخصنتهم لكنه كان يشكو من أجل رسالته من أجل قضيته.
"أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا"
هذا هو الحل الذي يجعلك تتجاوز كل ما يقال هم حاليا وبعد كل ما بذلته من جهد معهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا لا يسمعون ما تقوله ولا يعقلونه :لذا تجاوزهم لا تكترث أصلا لما يقولون.
واحدة من أجمل وأرق الآيات في وصف المؤمنين جاءت في سورة الفرقان
" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"
تعامل الأية على أنها تصف المؤمن الهين اللين.
لكن ربما تصفه أيضا بعد أن وصل لهذه المرحلة التي لا يكترث فيها لما يقال ويطعن به "قالوا سلاما" تصالحوا تماما مع حقيقة أن ليس كل من على الأرض سيؤمن، وإن إرضاء الجميع مهمة مستحيلة وتصالحوا أيضا مع حقيقة إن البعض مصر على عدم الفهم تصالحوا مع كل ذلك فقالوا سلاما.
البعض من الناس يحاول دائما أن يجد فريسة يتسلى بها، يختارها الأضعف والأكثر حساسية، لكي يقضي بها وقتا أو يعوض عبرها إحباطاته وتعرضه نفسه لأن يكون صيدا وفريسة في وقت سابق، دورة لا تنتهي أبدا، قد نكون نحن أحيانا قد قمنا بهذا الشيء، تعويضا لإحباط ما، أو مسايرة من حولنا أو استعراضا لعضلات سخريتنا.
فطوبى لمن تحمل وصبر على طعنات وإفتراء الناس وكذبهم
وكان قدوته الرسول صلى الله عليه وسلم وشعاره وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
مقتبس🌹