وعلى مدار عقود، عكف العلماء على دراسة طُرُق للاستفادة من جهاز المناعة في جسم المُصاب بالسرطان كي يعمل بنفسه ضد الورم الخبيث ويتخلص منه. ولتحقيق تلك الغاية، جرّب العلماء الاستفادة من اللقاحات ووسائل اخرى، بهدف تعزيز نشاط جهاز المناعة ضد الأورام الخبيثة. في 2016، ألقى هونجو خطاباً عن تقبّله جائزة علمية مرموقة من "جامعة كيوتو"، قارن فيه بين الطريقة التي يُنظّم فيها الجسم عمل جهاز المناعة وبين التحكّم في نظام الإقلاع والسرعة في السيارة. وأشار إلى إن انطلاق عمل جهاز المناعة ضد السرطان يتطلّب تحرير "فرامل" التوقف في المرآب التي يمثّلها المُكوّن "سي تي آل إيه- 4"، ما يتيح الضغط على دوّاسة البنزين لزيادة السرعة تدريجياً بهدف الخروج من المرآب. ويمثّل "بي دي-1" نوعاً آخر من "الفرامل"، لأنه يشبه المكابح التي تستعمل أثناء السير على الطريق، وتبطئ سرعة عمل النظام ككل، ويترجم ذلك، في حالة السرطان، بمنع جهاز المناعة من التصدي للغزو الذي تمثّله الخلايا السرطانية الخبيثة. واستطراداً، يعمل المُكوّنان "سي تي آل إيه- 4" و"بي دي- 1" كأنهما "نقطة تحكّم مروري" بالنسبة لسير نشاطات جهاز المناعة ضد السرطانات، خصوصاً قدرة ذلك الجهاز على إفراز أجسام مضادة تعمل على ضرب الورم الخبيث والتخلص منه. وأحياناً، يسمّى العلاج الذي يستهدف التخلص من التوقّف الذي يسببه المُكوّنان المذكوران، "التخلّص من التوقّف في نقاط التحكّم" التي تعيق عمل الأجسام المناعيّة المضادة. وكذلك ظهرت أنواع اخرى من العلاجات المناعيّة ضد السرطان، استلهمت بطريقة أو اخرى أعمال آليسون لكنها طبّقت مفاهيمه على مناحٍ اخرى في الأورام الخبيثة.
وحاضراً، يقود العلاج المناعي الجهود العلمية المبذولة في مجال الأدوية المشخصنة Personalized Medicines التي تُعرّف بأنها الأدوية التي تصنع بالاستناد إلى المعطيات الشخصية لكل مريض على حدة، فكأنها تُفَصّل على مقاس جسمه ومرضه وحالته. وفي العقدين الأخيرين، انتقل التركيز في علاج السرطان من استخدام الأدوية الكيمياوية والعلاج بالأشعة، إلى الأدوية المناعيّة المتخصصة بنوع معيّن من أجسام المناعة (تسمّى "الأجسام المناعيّة المُضادة ذات النمط الواحد") ثم وصل الأمر حاضراً إلى ظهور علاجات تنشّط جهاز المناعة عند المريض كي يعمل بنفسه على مقاومة السرطان.
وكذلك يجري التعامل حاضراً مع الورم السرطاني لدى المريض كأنه بصمة أصبع، بمعنى أنه يمتلك مواصفات خاصة بذلك المريض، تميّزه عن سواه. تقدّمت تلك المقاربة العلاجيّة بدفع جاء أساساً من التطوّر في وسائل التشخيص. وبدلاً من الاكتفاء بتحديد نوع النسيج السرطاني وموقع الورم الخبيث، يستخدم البحّاثة حاضراً أدوات تتعرّف على السمات الجينية في السرطان، وكذلك أنواع التراكيب الجينية التي تستعملها الأورام في "إبراز" نفسها وتشغيل آلياتها، إضافة إلى الطفرات الجينية التي ترافق الورم السرطاني ويسميها العلماء "نيوأنتيجينز" Neoantigens.
أدّى اكتشاف طرق جديدة في تشخيص السمات المميزة للسرطانات إلى تطوير مقاربات علاجيّة مختلفة، بمعنى أنها تستند إلى الملامح المميزة لكل ورم خبيث على حدة. في العام 2017، وافق "المكتب الأميركي للغذاء والدواء" على استعمال دواء سرطاني جديد اسمة "كيترودا" Keytruda (اسمه العلمي "بيبمبروليزوماب" Pembrolizumab)، في علاج أنواع معينة من الأورام الخبيثة. وتحديداً، يعمل "كيترودا" بكفاء ضد أنواع من السرطانات يتضمّن تركيبها الجيني تجمّعات بارزة من التسلسلات الوراثية المغلوطة. وتوضيحاً، يتكوّن الحمض الوراثي في الخلايا (الجينوم) من مجموعة كبيرة من التسلسلات الجينية. وأثناء حياة الخلايا وتكاثرها طبيعياً، تحدث بعض الأخطاء أثناء إعادة "طباعة" الحمض الوراثي في الخلايا الجديدة، تشبه حدوث أخطاء مطبعية في الكتب. وفي الحالة الطبيعية، هناك تشكيلات في الخلية تتولّى تصحيح تلك الأخطاء "الطباعيّة" أو بالأحرى تتخلص منها. في حالة السرطان، يسير تكاثر الخلايا السرطانية بسرعة كبيرة، ما يعني أيضاً وجود تراكمات من أخطاء "الطباعة" للجينوم فيها. وأحياناً، يحصل التكاثر السرطاني المنفلت في خلايا لا تحتوي على التشكيلات التي تتخلص من أخطاء "طباعة" الجينوم، ما يؤدي إلى تراكم تلك الأخطاء ثم تَجمّعها في أكوام تصبح كأنها "علامات مميزة" لذلك النوع من السرطانات. ويُشار إلى تلك الأنواع من السرطانات بمصطلح "إم إس آي- آتش"/"دي أم أم آر" MSI-H/dMMR. ويملك "كيترودا" كفاءة عالية في التعامل مع تلك الأنواع السرطانية. ويعتبر "كيترودا" أول دواء سرطاني حصل على موافقة لاستعماله بناءً على المؤشّرات البيولوجية الجينية، وليس مجرد نوع النسيج في العضو الذي ظهر فيه الورم الخبيث (= الرئة أو الثدي أو القولون...). وتحمل تلك الدقة في تعريف نوع السرطان، وعداً بأن تكون الملمح الأساسي الذي يقود جهود معالجة الأورام الخبيثة.