طرق متواصل على الباب تليه رنة جرس تخبر بوجود أحدهم خلف الباب... تسرع جميله نحو الباب وهي تحمل اكياسا عدة في يدها اليمنى وبالأخرى أخذت تثبت حجابها وتدس تحته خصلات شعرها الحريريه التي انسلت منه مثل ليل متمرد . تفتح الباب لترى مدرس الرياضيات ممدوح واقفا ووجهه ينظر في الإتجاه الاخر . كان يدخن سيجارته بشراهه وينفت دخانها من منخاريه وفمه .كم يكره هذه الشراهة لكنه على اية حال اعتادها . وما ان سمع صوت الباب يفتح حتى رمى السيجارة المشتعله أمامه ودهسها بقوه تحت قدميه.. التفت نحو جميله وهو يلوح بيده أمام وجهه ليطرد الدخان الذي بالكاد منحه بعض التركيز ..
● السلام عليكم ياام سفيان.
وردت جميله :
● اهلا بك استاذ ممدوح . كيفك ؟ وكيف استاذه انتصار ؟
● الحمدلله كويسه وبتسلم عليكي... الطلبيه جاهزة؟
جميله:جاهزة وعليكم بألف عافيه
ممدوح:تشكري وربنا يباركلك فرزقك وفعيالك... سلام عليكو
يأخذ الطلبيه ويسلمها على الإثر ظرفا ثم يلوي ظهره منصرفا . وقبل ان تستدير جميله نحو المنزل ترى بوعبد الرحمن متسمرا يرى المشهد من أمام بيته المقابل لبيت جميله وهو عابس الوجه واحد حاجبيه مرفوعا .
جميله فتاه بمنتصف العشرين ارمله تعيش مع ايتامها الثلاثه الصغار.. سفيان ذو الخمس سنوات وصفاء ومروة توأمتان بعمر سنتين* توفي زوجها بحادث مروري.. والان تعيش على مرتب من الضمان لكن لا يكفي مدخوله التزامات الاسره المتزايده فأخذت تعد بعض المأكولات كالمحااشي والحلويات. بدأت بمحيط أسرتها.. ثم بين جاراتها حتى اكتسبت سمعه طيبه لجوده اطباقها. فأصبحت الحجوزات تتسابق نحوها من كل صوب .
فكل خميس تعد ورق العنب والكوشري للمعلمات بالمدرسه وتتولى المعلمه انتصار الطلب والاستلام موكله المهمه لزوجها استاذ ممدوح... ويومي الاثنين والاربعاء تقوم باعداد قائمه لاحدى المستشفيات الخاصه القريبه هذا بالاضافه الى بعض الحجوزات المنزليه.. لذلك تجد جميله نفسها مشغوله دائما في التحضير والإعداد
اما بوعبد الرحمن فهو رجل متدين يعيش مع ام عبد الرحمن وهي معلمه بنفس المدرسه التي تعمل بها انتصار. لم يرزقهما الله بالذريه طوال ال25سنه سوى* عبدالرحمن* الذي جاء بعد 18عام من الانتظارالا انه كان معلولا. فلم يعش سوى عامين ومات .
فعاشا راضيين بما قسم الله لهما
بوعبدالرحمن إمام مسجد يقضي جل وقته إما بالمسجد او بحديقه منزله مسبحا بمسبحته او قارئا في مصحفه وكانت له مكانه في القريه
مما جعل جميله تطمئن وتستأنس لهذا الجوار لما لأبي عبدالرحمن وزوجته من محبه واحترام
تمر الأيام على هذه الوتيره إلى ان يتوفى ابوعبد الرحمن اثر جلطه مفاجئه ففجع الجميع كونه لم يكن يشكو من عله ما ، وكان في بدايه الأربعين
ضجت القريه بهذه الفاجعه وانتحب الجميع وبدأت مراسم التشييع .. وبعد الانتهاء من الصلاه على الجنازة وتوديع احبائه له جاء وقت الدفن..
تقدم اقربائه لحمل الجنازة. الا ان الجنازة كانت ثقيله لدرجه انها لم تتزحزح عن الارض وكأنها مثبته بأوتاد
دب الخوف في نفوس الحاضرين وكثر الهمس بين المشيعين
حاولوا رفع الجنازة اكثر من مره الا انها ملتصقه بالارض
وصل الخبر لأم عبدالرحمن المكلومه فزاد نحيبها وطلبت جميله
كان الجميع يفتون بما لا يعلمون فمنهم من راى ان الفقيد لديه دين عظيم لابد ان يوفى ومنهم من قال بانه ارتكب ذنب ومنكر ومنهم من اتهمه بالنفاق وان التدين ماهو الا غطاء لحقيقه بشعه لا يعلمها الا الله فانصرف اغلب الناس ولم يبقى أمام النعش سوى القله
أما أم عبد الرحمن فقد اختلت بجميله قائله:
● ربما سمعتي يا ام سفيان بأمر الجنازة وبو عبد الرحمن رحمه الله كان ذا خلق يشهد له كل من طعنوا بشرفه ، وأنا عشت معه طول خمسة وعشرين عاما وما رأيت منه أي خلق ذميم لكني رأيت فيه نفورا تجاهك وإن كان* لم يصرح به فقد كان متيقنا زورا بأنك * تتاجرين بأكثر من الطعام وكان يميل الى من يقذفون عرضك* ويتهمونك زورا وبهتانا وقد رايت مرات عده اثناء جلوسه في الحديقه يجمع كوم من الحصى كلما مر احدهم ببابك قذف حصاه الى تلك الكومه* حتى اصبحت تله كبيره وكلما سألته عن امرها لا يجيب .
وحين استحلفته بأن يعلمني سرها اخبرني بان كل حجر هو لشخص دق بابك او سأل عنك وانك لا تستحقين ان تكوني أما لهؤلاء الاطفال. وان الله قد وهبك نعمه لا تستحقينها
فوالله ياجميله ما رأيت منه شي إلا هذا الأمر * وقد يكون هو ماحبس جنازته عن الدفن فحلليه وسامحيه .
هنا تحركت جميله نحو مكان جلوسه الدائم أمام المنزل حيث لا زال كرسيه ومصحفه.. لم تبحث كثيرا عن كومه الحجاره فقد كانت واضحه بارزه... فأخذت كومة من الحصى ونثرتها على الارض ثم اخذت حفنه ثانيه وثالثه حتى اصبح ارتفاع التله بنص ماكان. عادت الى* ام عبدالرحمن واخبرتها ان كان الله يغفر خطايا العبد فمن تكون هي كي لا تسامح.
المسامح كريم يا جارتي .
انتهى.......
بقلمي:حنايا الروح