(3)
فتى الإسلام:
اعلم أن طريق النصر والتمكين لأمتك يبدأ بإصلاح النفس قلبا وقالبا، حتى تستقيم على أمر الله، فيكون رضا الله غايتها، في المكره والمنشط، والغضب والرضى، ثم الإعراض عن الدنيا إلا بقدر الحاجة إليها في التمكين، مع التنعم بطيباتها دون سرف أو مخيلة، فقد حذر الله من فتنتها؛ فلا يشغفن بحبها قلبك، فتطول لملكها يدك، ويعجب بزينتها بصرك، ويشنف بترنيمها سمعك، و يسيل لحلاوتها لعابك، فإن التعلق بها سبب الوهن، والتكالب على حطامها طريق الذل، " ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء".
فكم زلت بتغريرها قدم، وهانت لهواها نفس، أفلا ترى كثرة المسلمين مع قلة أثرهم، وسعة دنياهم مع ضعف بركتهم، كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحنا، أو يرى قزعا ولا يرجو غيثاً، بل "هم كغثاء السيل"، قد انقطعوا عن مجالس الذكر والعلم لهاثا وراء سراب، واكتوت قلوبهم حسدا وغما على فقدان التراب، وانتشت فرحا ومرحا على وجدان سبب الخراب، قد غرهم طول الأمل، وملأ قلوبهم الغرور، فلم يستحقوا نصر الله، "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون".
فأين عنك سيرة الشراة أبي حمزة وأصحابه: زهدا وورعا، عبادة وتقوى، شجاعة وإقداما، قوة وبأسا- رضي الله عنهم وأرضاهم-.
(4)
فتى الإسلام:
أنت المسلم الحر بإرادتك، المستقل بقرارك، الزكي بأخلاقك، المستقيم في منهجك، الكريم في نبل غايتك، فإياك أن تكون إمعة، كالكلب في التبعية، والحمار في الذلة، تجيب في الموضة كل صيحة، وتسلك في الانحلال كل طريق، قد سلب عقلك حب التشبه بالقوم، واستولى على شعورك الرغبة في تقليدهم؛ فذلك -والله- دليل مرض القلب، بل فتح باب فتنة إلى الردة عن الدين، فكيف ترضى أن تنسلخ من إيمانك، وتتخلى عن قيمك، وتتنكر لتأريخك وحضارتك، طمعا في رضى الشرق أو الغرب، "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
فما عسى أن يغني المرء تلوين شعره بأنواع الصبغات، أو وضع سماعة على أذنه باختلاف الأنغام، أو لبس سروال ممزق، أو يليق بفحل أن تجرح وجنته نسيم، أو يزين جيده قلادة، أو تعثر قدمه ببعرة، فبئست الحرية هذه، وتعست هاتيك المدنية، بل كأس وغانية قد يفعلان مالا يفعله ألف مدفع، و الغزو الفكري طريق الاحتلال العسكري والهيمنة الاقتصادية، وكفى بالتاريخ والواقع شهيدا.
ويك استفق من غفلتك، واحسم أمرك وحدد وجهتك، فإنك لم تخلق عبثا، ولم تترك سدى، فأنر بكلام الله قلبك، وزين بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دربك، واقتف آثار أصحابه والتابعين لهم بإحسان -رضي الله عنهم- ؛ فهم النجوم الزاهرة، والمعالم الظاهرة، "أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده".