حياتها سفينة تسير في لُجج بحرٍ مظلمٍ ، لم تعرف بدايته كي تعرف نهايته ، لاتدري أين ترسو بها تلك السفينة ، لاتعرف مصيرها أترسوا على إحدى شواطيء الأمان الذي لاتعلم متى تصله ؟ أم تظل تمخر عباب البحر زمناً تجهل مداه !! أم تستقر محطّمةً في قاعه تتلاطمها الأمواج وتعترضها المخاطر في دياجير الظلام ؟ تبحث عن ملجأ تقبع به زمناً وإن كان يسيراً لتُهدّأ من روع ما يتعقبها من مهالك ، تتطلع إلى بصيص أمل أو شعاع نور ينير لها ظلمة طريقها .

عاشت هدى طفولةً هادئةً وترعرعت فرحةً بما يترآى لها من أحلام وأمآل فرحةً قصيرة إذ تهاوت أحلامها أمام ناظريها لتتيقن أن ليس لها إلا الحزن والألام واليأس والهموم .

فما أن أنهت دراستها وحصلت على وظيفة معلمة ، تلك الوظيفة التي كم تمنت أن يكون نصيبها من العلم والذكاء كنصيب اخواتها كم تمنت أنها لم تتلقى خبر نجاحها ووظيفتها التي كانت وبالاً عليها ، إذ بها تُفاجأ بوالدها يضع يده على راتبها ويستولي عليه بأكمله ( على مدى خمس سنوات مضت ) ليبني به عمارته الجديدة .

ويلوح لها بريق أمل عندما تقدّم لها ابن عمها الذي يقطن مدينة بعيدة عن أهلها ويشاء الله أن تتزوج وتبقى لدى أهلها لحين إتمام إجراءآت نقلها التي استمرت عاماً ونصف العام ، وخلال هذه الفترة أنجبت هدى مولودها الأول الذي لم يشاركها والده فرحة حمله وولادته لعدم رغبة والدها بقدوم زوجها وقد تيقظ والدها وتنبه إلى الكنز الذي سيفقده ويضيع من بين يديه ! ! وكيف أقدم على زوجها ؟ فما كان منه إلا أن منع زوجها من زيارتها ومنعها من الخروج معه إن زارها ولم تستطع إلا الرضوخ لأوامر والدها مرغمة فهي مازالت في بيته.
فدبت الخلافات بين والدها واخوتها من جهة وبين زوجها الذي لم يستطع تحمل تصرفات عمه من جهةٍ أُخرى ، وبدا كل منهما يُلقي على الأخر الإفتراءآت واللوم والمكائد ، واصبحت هدى كما غريقٍ تتنازعه الرياح وتتلاطمه الأمواج .

وشاء الله أن تهدأ الريح حينما صدر قرار نقلها ولكنه هدوء ماقبل العاصفة هدوءٌ إلى حين ! ! !

أما وقد حانت لحظة السفر ووداع والدتها المغلوبة على أمرها كذلك وقربت اللحظة التي انتظرتها طويلاً كي تنعم بالهدوْء وراحة البال ، وقد كان أخر ما أوصتها به والدتها ان تحافظ على بيتها وزوجها ولا تفكر بالعودة إلى بيت والدها وألا تفكر بالطلاق أو الإنفصال عن زوجها، الطلاق ذلك الشبح المفزع الذي تهابه النساء قاطبة . وكأن حدس والدتها يُنبيء بذلك .

وما أن استقرت في بيت زوجها حتى عاودت الريح هبوبها من جديد تعصف بأحلامها لتصبح الراحة والسعادة كما سرابٌ تجري خلفه لاهثةً دون أن تدركه ، ولكنها ريح عاصفة تهب من حيث لم تتوقع ! ! فهذا زوجها حلم الراحة وأمل السعادة يقتص منها ويوقفها موقف المتهم الذي لايحق له حتى الدفاع وينهال عليها لوماً وحساباً لماذا عندما أقدم لاصطحابك من بيت والدك يمنعك فتطيعيه ؟ لماذا تصدقين اخوتك بمكائدهم ؟ لماذا لم تخبريني بقرب مخاضك لأحضر ولادة ابني وأتم عقيقته ؟ لماذا لاتضعين راتبك تحت تصرفي ( وهنا مربط الفرس ) ؟ ثم لماذا ولماذا ولماذا ولماذا ؟ ؟ ؟

وهي تدافع وتنفي تهمه عنها دون جدوى وتبدأ أمواج النكد والقلق والإنتقام فلا زيارة لأهلها ولا خروج من البيت وأمّا أن تسلمه راتبها بأكمله أو يستولي على بطاقتها ويخفيها ويمنعها من استخدامها وإن أعادها إليها فلا فائدة وقد منعها الخروج ومع كل ذلك وحينما يبدأ شجاره معها كالمعتاد تبدأ الإهانات والإذلال ( أنا لاأريدك اذهبي إلى أهلك اذهبي لأخوتك أبلغيهم أن يأتوا لاصطحابك ، اتركي ابني لن تأخذيه معك وووووووووو ومع ذلك ممنوع الخروج فما هي إلا ظغوطات نفسية متعبة .

فيتسلل اليأس التام إلى نفسها فهاهي تنتقل من سيطرة والدها إلى ذل زوجها وقد أعيتها المحاولات وحيّرتها السبل التي انتهجتها لحل مشاكلها التي بدت كأمواج من الألام تصفعها واحدةً تلو الأخرى
فيالها من أشلاء ممزقة ٍلبقايا امرأة وياله من رجل أبعد مايكون عن الرجولة الحقة .

فأما أن تحني رأسها مذلولة لذلك الأحمق المتعجرف ليتفنن في إذلالها ،فلا يهدأ له بال ولا يغمض له جفن حتى يراها تذرف حرّى دموعها وأمام عينيه وكأنه يريد أن تعيش النكد ليقنعها أن تذعن لأوامره مجبرةً على طاعته كي تنعم بما يوهمها أنه سعادة ألا وهو رضاه عنها .

وأما أن تحاول أن تكابر الالام والعذاب لتبدوا غير مباليةٍ لما يذيقها من ألوان الذل فتعتريه حالة غضب لبرودها المفتعل فيزداد سوء معاملة وإذلالاً ومهانةً لها .

أي عذابٍ هذا وأي حياةٍ تلك ؟ ؟ أتصبر رحمةً بابنها ورغبة في أن تعيش بجانبه وخوفاً من الطلاق ؟ أم تعود إلى والدها الذي لايفضل زوجها وهاقد عادت إليه مطلقة ولن يقبل ان تربي ابنها لديه ‍‍‍‍‍‍؟ ؟



حيرة ٌ ودموعٌ ‍!!!! وألمٌ وخوف


هي تقبع في سجنها المظلم وقد بدت شاحبة الوجه نحيلة الجسم تعاني الكآبة وهي تتلقى صفعةً أخرىصفعة المولود الجديد القادم !!!
يحظر عليها التمتع بأي لون من ألوان التسلية فلا تمس الحاسب ولا تتحدث بالهاتف ولا تخرج إلا لدوامها فزعةً أن يحرمها يوماً ما من وظيفتها التي تعتبرها المتنفس الوحيد وقد تكون أحياناً نوعاً من أنواع العذاب النفسي حينما ترى وتسمع زميلاتها كيف ينعمون بالسعادة والسرور .

هو من سفرٍ إلى سهر ومن استراحةٍ إلى مطعم ومن مجمع تجاري إلى آخر يتنقل مع أصحابه هنا وهناك لايعود إلا بعد منتصف الليل والويل لها إن لم تكن بانتظاره ، وإن تعبت وملت وغلبها النوم فلتتهيأ إلى إهاناته وانتقامه.

بدأت تشعر بالهزيمة فهي تشتري راحتها النفسية بإرضاءه بما يريد وكيفما يشاء إن استطاعت ذلك .
هدى تلك المرأة الهادئة الجميلة مازالت تخوض خضم بحرها المظلم تتهادى بين الأمواج من أعلى الذل والهوان إلى أدنى العذاب والإمتهان


ولا نصير إلا الله الذي لاملجأ ولا منجى منه إلا إليه