عدنا ... لنُكمل معكم باقي المواقف ؛
من تلكم المواقف التي اذكرها مع شيخي الخروصي ، هو ذلك اليوم الذي زرته فيه ، وقد اجتمع معه عدد من مُريديه من الطلبة ،
وممن جاء للفُتيا ، فكان الموضوع المطروح في شأن المذاهب والخلاف
في بعض المسائل فيها ، فما كان من الشيخ إلا الاستدلال بحادثة وقعت في عهد الامام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي _ رحمه الله _ ،
إذ جاءه الشيخ محمد بن شامس البطاشي يُخبره عن رؤيا رأها ،

فقال له الامام :
خيرا رأيت ، فقص عليه الرؤيا فقال :
رأيت وكأن القيامة قد قامت ، وبأن الناس قد حُشروا ، وقاموا لله ، وقد وقفوا جميعا للحساب ، وإذ بمُنادي من قِبَل الله يقول :
يا ملائكتي أدخلوا أهل السنة الجنة ، قالها ثلاث ، وأنا في كل مرة أقول : يا رب والاباضية ؟

وهو يكرر ادخلوا أهل السنة الجنة ، وبعد الثالثة قال _ ذلك المُنادي _ :
يا ملائكتي ادخلوا الاباضية الجنة ، فما كان من الامام ، بعد سماعه للرؤيا إلا أن قال :
" وانتوه تفكروا الجنة بَس حالكم " ؟!



فالشيخ الخروصي ؛
حين كان يستدل بهذه الحادثة ، كان يُدلل على ضرورة تجاوز الخلاف ، وأن ينظر المسلم في شأن الاختلاف
المذهبي ، بأنه خلافٌ صحي لا يؤدي إلى التناحر ، والتنافر ، وإلغاء الغير !


وددت هنا أن نتوقف معا عند هذا الموقف لأقول :
تذكرت حينها موقف حصل لي ولاصحابي حين ذهبنا في احدى السنوات للعمرة ،
كان في شهر رمضان المبارك ، وقد تعودنا اقامة صلاة التهجد في سطح الحرم المكي ،
وبينما كان الاخوة يتعبدون ، وبعد الصلاة شرعوا في الدعاء ، وقد كان اثنين من الاخوة
اليمنين يستمعون لذاك الدعاء ويؤمنون عليه ، جاء شاب صغير من احدى الدول العربية ،

فسمعه أحد الاخوة وهو يهمس لأولئك اليمنيون قائلا لهم :
أن هؤلاء الذين قال فيهم رسول الله بأن القرآن لا يُجاوز حناجرهم !
وبعد الانتهاء من الدعاء توجه الاخوة لهذا الشاب ، مستوضحين عن سبب قوله ذاك الكلام ،
وكان م بينناأحد الاخوة من طلبة العلم الشرعي ، فدار النقاش بينهما ، فقلت لصاحبي انت اذهب مع الاخوة ،
فالوقت وقت السحور ، فذهبوا ، مشينا أنا والشاب ، فسألته ، لما هذا التحامل ؟
فقال :
شيخكم " الخليلي " ، قال :
عند موت أحد العلماء " أراح الله منه الأمة "

فقلت له :
هل سمعته بنفسك يقول ذلك ؟
قال :
لا ،
ولكن سمعت هذا يُتداول بين الناس ،

فقلت :
يا أخي " ما كل منقول غدا مقبولا " !

قال :
أريد مناظرتك ،

قلت له :
وماذا تعرف عن مذهبي ؟

فقال :
لم امطلع عليه ،

فقلت :
وهل يُعقل أن تُحاور ، أو تناظر من لا تعرف عن فكره ،
ولا توجهه ، ولا عقيدته شيء ؟!


فأنا اعرف عن عقيدتك ، ومذهبك ، وفكرك ، ولكن لي في ذلك رأي ، لما لا تقرأ عنا ،
ولكن تقرأ بتجرد ، بعيدا عن التعصب ، فبدأت معه بالنصيحة ، بأن الاسلام يحتاج منا أن
نكون أمة واحدة ، وأن نُبعد عنا هذه النعرات ، أكانت حزبية ، أم مذهبية ، أو طائفية ،
فنحن تحت قُبة الاسلام ، وما يجمعنا أكثر مما يُفرقنا ،


ومن تأمل في حالنا في بلدنا الحبية :
تجد ذاك الترفع عن الدخول في هذا الاماكن الملغومة ، وقد عزز من ذلك وحفظة ، ليكون سلوكا ،
يعيشه المواطن في وطنة ، تلكم القوانين الرادعة ، والتي تصل العقوبة إلى 10 سنوات لمن دخل في
هذا النفق المُظلم ،

ولجمال ما نعيشه معا من تعايُشٍ سلمي اذكر لكم حادثة مُضحكة في هذا الشأن :
فأحد الاخوة من " الاباضية " _ أعتذر على هذه التصنيفات _ تزوج اخته أحد الاخوة من أهل السنة ،
فُرزقه الله الاولاد ، وفي كل مرة يأتي ذلك الأخ ليُصلي معنا ، يمزح معه أحد الاخوة قائلا له :
" ما غايته تتحول اباضي " ؟

وهو يضحك ، مرت الايام ، ونحن على ذاك الحال ، وفي يوم من الايام سألته ، حين رأيته ابنه الكبير ،
فقلت له ممازحا :
هذا اباضي ولا سني _ يعني ولده _ ؟

قال :
اولادي قاسمنهم بالنص ، حد على امهم اباضي ،
والتص الثاني سني ، قلته ليش؟!

قال :
عشان يوم القيامة يشفعولي إن كان م أهل الصلاح ،
تراه إذا كانوا الاباضية على حق نالنتني منهم الشفاعة ،
وإذا كانوا أهل السنة على حق تراني اتنالني منهم الشفاعة ،

يعني ما خسران في الحالتين .




سادتي الأكارم :
ما قصدتُ بهذا الطرح هو الاستهزاء وغير ذلك ، بل قصدت به أن الأرض تسع الجميع ، حتى من كانوا على غير ديننا ،
فما نقول عن حالنا كمسلمين ؟!


وما حدث في تلكم الايام الماضية ، من جريمة هزت البلد بأسره ، كونها حادثة دخيلة على هذا البلد ،
وما كان ليكون هذا لو لا وجود مُنظمات قائمة في الخفاء تعمل ليل نهار من أجل تقطيع اواصر ، وامشاج افراد هذا الوطن ،
ومن أبحر متمعناً في حال هذه الأمة ، وذاك الهوان الذي فتك بها ، لوجدَ أن هذه النعرات الطائفية ،
هي من اودت بهذه الامة في ذلك المُستنقعِ الآسن ،


ولولا هذا ؛
لما استطاعت قوى الاستعمار من استعباد الشعوب ، فقد علِمت نُقاط الضعف ، وذاك الوتر الذي
تَفُت به عند هزهِ جَسد هذه الأمة ، وما علينا غير التركيز ، والعمل على بَثِ الوعي _ الذي تحاول جاهدةٍ دول الاستعمار تخديره ،
أو تحطيمة ، كي تضمن احكام قبضتها على شعوب العالم _ فما ينقُص هذه الامة هو الوعي ،
ومعرفة مكانتها ، وأن تعرف من هو العدو الحقيقي الذي وجب عليها الوقوف في وجهه ،
وأن تعلم يقينا بأننا أخوة ، يجمعنا ذات الدَم .



ملحوظة :
بأمانة لم استطع تصنيف هذا الموضوع ، أيكون سياسيا ،
أم يكون فكرياً ، أم هو اجتماعي ، أم هو ديني ، أو يكون مكانه في السبلة العامة ،


تاركاً تصنيف هذا الموضوع لذوي الاختصاص ،
من سادتي الاداريين .




نترككم الآن في حفظ الله ، على أمل اللقاء معكم في وقفة أخرى ،
مع شيخي الجليل .