الكتاب العماني يتجاوز تحديات النشر الورقي.. ويرنو للإلكتروني


مسقط - د ب أ

يحمل رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء خميس بن راشد العدوي مسودة كتاب «الطريق إلى القدس» ويضع على ورقته الأولى علامة «صح» بعد أن أجازته اللجنة للدفع به إلى المطبعة. وكتاب «الطريق إلى القدس» واحد من بين 24 كتابا ستدفع بها جمعية الكتاب والأدباء إلى المطبعة لتكون حاضرة في معرض مسقط الدولي للكتاب أواخر فبراير القادم. ومنذ سنوات ثلاث مضت، حافظت الجمعية على مشروع تبني إصدارات الكتاب العمانيين كجزء من دعمها لهم، حيث تتبنى الجمعية طباعة الكتب وتوزيعها دون أن تكلف الكاتب أي عناء.
لكن مشروع جمعية الكتاب ليس المشروع الوحيد في عُمان اليوم الذي يتبنى طباعة إصدارات الشباب، فهناك العديد من المشاريع، من بينها مشروع وزارة التراث والثقافة التي تطبع كتبها مع دور نشر عريقة في بيروت. وتدفع للكاتب مكافأة تتراوح بين 1500 و2000 دولار أميركي. وهناك مشروع النادي الثقافي لطباعة إصدارات الكتاب العمانيين والعرب المقيمين في عُمان. لكن الغريب أن دار نشر جديدة «عمرها قرابة سنتين» نشأت في عمان وتحمل اسم «بيت الغشام للنشر والترجمة» تطبع الكتب وتوزعها في مختلف المعارض العربية دون أن تأخذ أي مقابل عن ذلك حتى بالنسبة للكتاب الشباب الذين لم يسمع بهم أحد قبل أول يوم إصدارهم. وبيت الغشام مشروع ثقافي يملكه السيد علي بن حمود البوسعيدي، لا يحمل أي هدف ربحي كما يؤكد القائمون عليه، وهدفه الوحيد نشر الإصدارات العمانية حتى لا يقول عماني: إنه لم يستطع أن يصدر كتابه.
يقول خميس العدوي: إن الجمعية ستظل ملتزمة بإصدار كتب أعضائها سواء في دور النشر المحلية أو في دور نشر عربية. مشيراً في سياق حديثه لوكالة الأنباء الألمانية «د. ب.أ» نحاول أن نلتزم بالجودة واختيار أفضل الإصدارات ولكننا نحاول في الوقت نفسه أن نتيح الفرصة لجيل الشباب من أعضاء الجمعية. ويضيف العدوي وهو يتناول مسودة أخرى من كتاب آخر مقدم للنشر: « خلال أقل من أربع سنوات نستطيع القول أننا رفدنا المكتبة العمانية والعربية بالعديد من الإصدارات المهمة التي تنوعت بين الشعر والسرد والنقد والكتب الفكرية وغيرها من الإصدارات التي تلاقي الكثير من الرواج سواء في معارض الكتب أو من خلال الطلب المباشر من الجمعية».
يصمت العدوي ثم يقول: «هناك أمر آخر وهو أننا نتعامل مع الكتاب بشكل مختلف، فكتبنا لا تبقى في المخازن، فنحن نسافر بها من مكان إلى مكان». ويفسر قوله: «من ضمن أجندة الجمعية تنظيم فعاليات ثقافية في عواصم ومدن عربية وأوروبية وهي تأخذ معها الإصدارات أينما تذهب وتقيم لها معارض للكتب، وآخر تلك المعارض كان في العاصمة الفرنسية باريس وسبقها معرض في الأردن والقاهرة وتونس ومدريد الإسبانية.
يبدو المشهد متغيرا جدا، فبعد أن كانت هناك شكاوى من قلة الداعمين للكتاب في السلطنة صار هناك حضور جيد لهذه المؤسسات وإن كان البعض ما زال يشتكي من مسألة التوزيع التي يعتبرها البعض العائق الحقيقي في حضور الكتاب العماني في مختلف العواصم العربية.
لكن محمد بن سيف الرحبي مدير دار بيت الغشام للنشر والترجمة لديه رأي آخر فهو يرى أن مضمون الكتاب هو الذي يفرض حضوره، مشيراً إلى أن الكثير من الكتاب العمانيين يصدرون كتبهم في دور نشر لبنانية تجوب كل المعارض سواء في العالم العربي أو حتى في المعارض الدولية. ويتحدث الرحبي عن «بيت الغشام» التي بدأت تسجل حضورها في معارض عربية معروفة مثل معرض القاهرة ومعرض الجزائر ومعرض الشارقة وهي في طريقها للحضور في معرض الرياض أيضا ومعرض بيروت.
ويشير الرحبي أن هذا الحضور ما زال لا يحقق للدار مكاسب مادية مطلقا. ويعلل الرحبي الأمر أن الدار «تريد أن تخلق لها حضورا وتواصلا دوليا من منطلق أنها تتبنى رسالة إيصال الإصدارات العمانية الثقافية إلى الخارج، والتعريف بالمنتج الثقافي والصبغة العامة للمشهد الثقافي المحلي عبر الأعمال العمانية التي تصدر سنوياً، وهذا ما يكلفنا قيمة الأعمال المحلية الكثيرة التي نهديها لرواد تلكم المعارض، لكننا ماضون في رسالتنا هذه بكل حب».
ويعزز الرحبي فكرته بالقول: إن الدار لا تعرض في المعارض الدولية كتبها فقط، بل إنها تحمل معها الكثير من الإصدارات العمانية الصادرة من دور نشر أخرى من منطلق أنها تعمل بفكرة المشروع الثقافي وليس المشروع الربحي.. وهذا هو ما أراده صاحبها السيد علي بن حمود البوسعيدي الذي كانت فكرته أن تكون الدار مركز إشعاع ثقافي عماني وشعلة مضيئة تفتح أذرعها للكاتب العماني وتعينه على تقديم نتاجاته الإبداعية الخلاقة.
أما النادي الثقافي فيصدر سنويا عددا كبيرا من الكتب التي تتميز بالتنوع، فلا يقتصر مجال اهتمامه على الجانب الأدبي فقط بل يتعامل مع الثقافة بمنظور شامل فنجده يصدر الكتب التاريخية والدراسات إضافة إلى حضور الكتب الأدبية الشعرية والسردية.
ومع توافر الإصدارات وتوافر الداعمين يتحول السؤال التقليدي عن قلة الإصدارات إلى سؤال آخر وهو حول غياب الكثير من صنوف المعرفة عن الإصدارات العمانية. ففي الوقت الذي تتزايد فيه الإصدارات الأدبية شعرا وسردا ونثرا ودراسات ولو كانت خجولة حولهما نجد أن الكتاب العلمي ما زال غائبا عن مشهد النشر في السلطنة.. ويبقى حضور الدراسات التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية خجولا جدا في سياق النشر العماني.
وتبدو المشكلة التي تؤرق الكثيرين اليوم، هي عدم وجود نسخ إلكترونية من الكتب العمانية الكثيرة في ظل تحول الكثير من القراء من قراء ورقيين إلى قراء إلكترونيين. هذا الأمر وهذا السؤال هو ما دفع النادي الثقافي إلى وضع نسخ إلكترونية من جميع الكتب التي يصدرها النادي الثقافي حتى يستطيع القارئ الإلكتروني أن يجد غايته من إصدارات النادي. هذا الأمر يؤكده القارئ سيف بن سلطان المعولي الذي يقول: إن المشكلة التي قد يواجهها قارئ اليوم ليس غياب الكتاب الورقي ولكن غياب الكتاب الإلكتروني، فزمن الكتاب الورقي بدأ يتلاشى لصالح الكتاب الإلكتروني. ويضيف المعولي: هناك مواقع إلكترونية لشراء الكتاب الإلكتروني العربي وحتى العالمي لكن الكتاب العماني ما زال غائبا عن هذا المشهد، لكنه يشير بشكل إيجابي إلى التجربة الجميلة التي يعمل بها النادي الثقافي رغم أنها غير كافية كما يشير ولا بد أن تكون هناك تطبيقات إلكترونية للإصدارات العمانية كما هو الحال في جميع أنحاء العالم.
لكن مشهد النشر في عُمان يتطور بشكل سريع وإذا كان استطاع تجاوز معضلة النشر الورقي خلال فترة وجيزة فإن الكثير من المشتغلين على النشر يرون أنه سيستطيع تجاوز صعوبة النشر الإلكتروني سريعا.